كيف تُساعدنا الأدوات الرقمية للصحة النفسية على التعبير

في اليوم العالمي للصحة النفسية: كيف تُساعدنا الأدوات الرقمية على التعبير؟

جمانة الصباغ
10 أكتوبر 2025

في زمنٍ متسارعٍ لا يعرف الراحة حتى أثناء النوم، نجد أنفسنا أحيانًا تحت ضغطٍ نفسي كبير، يفوق الضغط الجسدي.

وفي مدينة مثل دبي، هناك دومًا حاجةٌ للتحرك والمضي قُدمًا في تحقيق أحلامنا ومقارعة من يحوزون الخيرات كلها: بيوتٌ فارهة في ناطحات سحاب متلألئة تجعل خط الأفق يبدو كلوحة فنية على الحائط؛ سياراتٌ فخمة وأسلوب حياة راقٍ؛ وتوقعاتٌ لا تنقطع تدفع نحو المنافسة الشديدة للارتقاء بمستوى حياتنا أكثر من الآخرين.

هذا كله بجانب متطلبات الحياة اليومية التي لا تنتهي، للعائلة والأولاد والأهل وغيرهم؛ لنجد أنفسنا في دوامةٍ مستمرة من العمل والجهد والجري في مدينةٍ تزدحم بالأفكار كما بالسيارات. وليست باقي المدن من حولنا بحالٍ أفضل، بل إنها تكاد تعيش الصخب ذاته الذي يضغط على صحتنا النفسية والعقلية.

البعض لا يجد القدرة على التعبير عن مشاعره المتناقضة والتخلص من الهموم والضغوط النفسية التي يرزح تحتها؛ فيما البعض الآخر لا يملك القدرة لزيارة الطبيب النفسي أو المعالج بين الحين والآخر. لهذا وجد البعض، مثل تشيتنا تشاكرافارتي، حلولًا فعالة عن طريق ابتكار أدواتٍ رقمية تقدم خدمة الصحة النفسية لعموم الناس.

تشيتنا تشاكرافارتي هي الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة ويشتوك WishTok، أول تطبيقٍ شامل للصحة النفسية في الإمارات العربية المتحدة، يقود الحوار حول الصحة النفسية والعاطفية في الدولة. تُطلعنا تشيتنا في مقالة اليوم، على تفاصيل هذا التطبيق وما يوفره من خدمةٍ لمن يبحثون عن وسائل للتعبير عما يعتمر في داخلهم، من اضطرابات ومشكلاتٍ نفسية وعقلية، تؤثر على حياتهم ورفاههم.

تشيتنا تشاكرافارتي الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة ويشتوك  WishTok
تشيتنا تشاكرافارتي الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة ويشتوك  WishTok

الأدوات الرقمية للصحة النفسية

تُجبركِ دبي دومًا على النظر إلى الأعلى؛ ناطحات سحاب متلألئة تجعل خط الأفق يبدو كلوحةٍ فنية على الحائط، هذه المدينة لا تجذب المحترفين فقط، بل الحالمين، العائلات التي تبدأ من جديد، الأزواج الذين يحاولون بناء حياةٍ جديدة، الشباب الذين يكتشفون هويتهم، والأشخاص الذين يبحثون عن شيءٍ أكبر من النجاح - حياةٌ مختلفة، حياةٌ عظيمة.

لكن ثمن هذه الحياة ليس بقليل؛ خاصةً مع وجود الاحتمالات والفرص العديدة التي تجعلنا نكافح للحصول عليها واقتناصها قبل أن يسبقنا آخرون إليها. ثمن هذه الحياة ندفعهُ من توازننا النفسي والعقلي، قبل الجسدي؛ والمشاكل النفسية التي نمرَ فيها بصمت، لا مجال أو وقت للتحدث عنها وإيجاد الحلول لها. فنحن إما مضطرون للمضي في سعينا اليومي الذي لا ينتهي، أو لا نملك المال أو القدرة على استشارة طبيبٍ نفسي لمساعدتنا على حل تلك المشكلات.

من هنا برزت أهمية الأدوات الرقمية للصحة النفسية، وكذلك العقلية على حد سواء؛ وتقول تشيتنا (وهي مدربة حياة وعلاقات) أنها اختارت ابتكار تطبيقٍ يجعل الصحة النفسية متاحة. ويشتوك (Wishtok) هو تطبيقٌ يتيح لكِ الدردشة مع مدرب صحةٍ نفسية أو مرشدٍ روحي وقتما تحتاجين أو ترغبين. في مدينةٍ مثل دبي، التواصل الإنساني مهم؛ وعندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية والرفاهية العاطفية، فإن التحدث إلى شخصٍ حقيقي يملك مفاتيح الحلول، يُحدث فرقًا كبيرًا.

لا مجال للأعذار، تنصحكِ تشيتنا، في حال كنتِ بحاجة للمشورة والعلاج النفسي. وتضيف: "الحصول على المساعدة ليس مُكلفًا، هذه خرافة. معظم الناس يقولون إن العلاج النفسي والتدريب مكلفان - لكنهما ليسا كذلك. يمكنكِ أن تقومي بجلسةٍ واحدة فقط في الشهر، وسيظل ذلك يُحدث فرقًا. وعلى أي حال، يجب ألا يزيد الأمر عن أربع جلساتٍ في الشهر. النقطة ليست في التكرار؛ بل في الاستمرارية. محادثةٌ صادقةٌ واحدة كل بضعة أسابيع مع الشخص المناسب، يمكن أن تجلب وضوحًا أكبر من كتمان الأمور لأشهر."

أنواع العلاجات النفسية

كما أن ليس كل شخص بحاجة إلى نفس نوع الدعم. بعض الناس يحتاجون إلى تدريب (coaching) - وهو نهجٌ يتطلع إلى المستقبل ويساعدهم على اتخاذ القرارات، اتخاذ الإجراءات، وخلق التغيير. يُساعدكِ المدرب coach عندما تشعرين أنكِ عالقة، غير واضحة، أو مرهقة من كثرة الخيارات. يجلب التدريب بنيةً وشكلًا إلى الضجيج الذي يُحيط بكِ، ويساعدكِ على ربط النقاط بين من أنتِ، وماذا تريدين، وكيف تصلين إلى المكان المرجو من خلال إجراءاتٍ صغيرة ولكنها مؤثرة.

بعض الناس يحتاجون إلى علاج نفسي (therapy) - وهي عمليةٌ أبطأ وأكثر تأملًا، تساعدكِ على فهم مشاعركِ، أنماطكِ، وتجاربكِ الماضية. يدور العلاج النفسي حول الوعي؛ يُعينكِ على معالجة الأمور والشفاء منها، حتى تتمكن من المضي قدمًا بمنظورٍ أوضح.

ثم هناك الأفراد الذين ترتكز حياتهم بعمق على الإيمان أو المعتقد الروحي. بالنسبة لهم، يأتي الإرشاد من خلال الطاقة، الحدس، أو المعنى الإلهي. لذا يجدون الراحة والوضوح في التحدث إلى مرشدين روحيين (spiritual guides) ومُوجَهين - أشخاصٌ يمكنهم مساعدتهم على تبيان رحلتهم من خلال عدسة روحانية أكثر.

لا يوجد مسارٌ صحيحٌ واحد للعلاج النفسي؛ ما يهم هو أن تختار نوع المساعدة التي تتحدث لغتنا وتقدر على مساعدتنا - سواء كانت العمل، التأمل، أو الإيمان.

تقول تشيتنا: "من تجربتي، فإن فكرة الحصول على المساعدة يمكن أن تكون مخيفةً ومرهقة. كانت إمكانية الوصول مهمةً بالنسبة لنا، وكنا نعلم أنه يجب علينا جعل الحصول على الإرشاد المطلوب مريحًا. كان خيار الدردشة أو التحدث عبر مكالمةٍ صوتية أو فيديو أمرًا بديهيًا عندما كنا نبني ويشتوك. وفي كثيرٍ من الأحيان، لا تحتاجين إلى جلساتٍ متعددة ومحادثاتٍ طويلة؛ كل ما أنتِ بحاجة إليه هو إجاباتٌ مباشرة ووجهات نظرٍ بسيطة لأسئلة فورية تدور في ذهنكِ مرارًا وتكرارًا."

باتت الأدوات الرقمية للصحة النفسية خيارًا للعديد من الناس خاصةً الشباب
باتت الأدوات الرقمية للصحة النفسية خيارًا للعديد من الناس خاصةً الشباب

تطور العلاجات النفسية عبر العصور

بعدما كانت الأمراض النفسية تُفسر في العصور القديمة والوسطى على أنها مسٌ شيطاني أو غضبٌ إلهي، ويتم علاجها بالطقوس الدينية، والتعويذات؛ قدم الرازي وإبن سينا في القرن التاسع، مفاهيم طبية ونفسية متقدمة، واعتبروا المرض النفسي حالةً قابلة للعلاج العقلي والسلوكي. لحقهم سيغموند فرويد في القرن التاسع عشر، وأسسَ لما بات يُعرف ب "العلاج بالكلام"، مُمهّدًا الطريق لفهم اللاوعي والصراعات الداخلية.

أما اليوم، فنشهد تنوعًا وتكاملًا للعلاجات النفسية والعقلية، مع إدخال التكنولوجيات والأدوات الرقمية لهذا المجال. وباتت العلاجات الالكترونية، والتي تشمل العلاج عبر الإنترنت، التطبيقات النفسية، والذكاء الاصطناعي، تدخل ضمن التشخيص والدعم بجانب العلاجات الدوائية والسلوكية والمعرفية. مع فتح الباب على مصراعيه للعلاجات المستقبلية التي تتضمن العلاج الجيني والعصبي، وتوظيف فهمٍ أعمق للدماغ والجينات في تصميم التدخلات.

كل هذه التطورات وغيرها، تبرز الحاجة إليها بصورةٍ خاصة لدى جيل الشباب والأجيال القادمة؛ ممن يعيشون بين عالمين: الواقع الرقمي والواقع الاجتماعي. ومع تطوَر التكنولوجيا، ظهرت الأدوات الرقمية لتُقدم دعمًا نفسيًا بطرقٍ مبتكرة، متاحة، وأحيانًا أكثر قبولًا من الطرق التقليدية. فهولاء الشباب يختلفون عنا في أمورٍ كثيرة، منها سهولة وسرعة وصولهم إلى التطبيقات والمنصات الرقمية تتيح الدعم النفسي دون مواعيد أو تنقل؛ الخصوصية كونهم يشعرون براحةٍ أكبر في التعبير عن مشاعرهم عبر شاشة؛ اللغة الرقمية، إذ يتفاعل الجيل الجديد مع الرموز، الرسائل الفورية، والذكاء الاصطناعي أكثر من الجلسات التقليدية، بالإضافة إلى تغيَر احتياجاتهم عن الأجيال السابقة مثل القلق الاجتماعي واضطرابات النوم.

تخدم هذه الأدوات الأجيال القادمة من خلال:

•       تعزيز الوقاية النفسية المبكرة: عبر التوعية والتدخل السريع.

•       دمج الصحة النفسية في الحياة اليومية: من خلال الإشعارات، التمارين، والتذكيرات.

•       كسر الوصمة: تُساهم التكنولوجيا في تطييع الحديث عن المشاعر والاضطرابات النفسية بيُسر وسرعة.

•       تخصيص الدعم: فالذكاء الاصطناعي يتيح تجارب علاجية مخصصة حسب الشخصية والاحتياجات.

إنما من الضروري التنبه إلى التحديات الناجمة عن استخدام هذه الأدوات؛ مثل الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، غياب التفاعل الإنساني العميق، مخاوف الخصوصية والبيانات الشخصية، والحاجة إلى تنظيم ومراقبة جودة المحتوى العلاجي.

في الخلاصة؛ فإن الأدوات الرقمية للصحة النفسية وعلى الرغم من فعاليتها وحاجتها خصوصًا في ظل تسارع الحياة ومع الأجيال الشابة التي تبرع في استخدامها، إلا أنها ليست بديلًا كاملًا للعلاج النفسي التقليدي. تُمثَل هذه الأدوات خطوةً ثورية نحو دعمٍ نفسي أكثر خصوصية وديموقراطية، خاصة للشباب الذين يبحثون عن حلولٍ مرنة، فورية، ومألوفة. وبين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي، تبرز فرصةٌ ذهبية لإعادة تعريف العافية النفسية للأجيال القادمة.