الافراط في شرب الماء قد يتسبب بحدوث التسمم المائي

المياه مفيدةٌ للصحة.. لكن الإفراط في تناولها قد يُشكَل خطرًا على حياتك

جمانة الصباغ
7 أغسطس 2023

الماء عصب الحياة، وهو يُحيَ كل شيء؛ وليس أبلغ من قول الله تعالى في كتابه الكريم: "وجعلنا من الماء كل شيء حي".

لكن الإكثار من تناول الماء، وفي وقت قصير؛ قد تكون له تداعياتٌ سلبية تصل في بعض الأحيان إلى حد الوفاة.

نعم عزيزتي، ما قرأته صحيح؛ فكثرة شرب الماء قد تؤدي إلى حالة صحية تُعرف بإسم "التسمم المائي" أو "سميَة الماء"، والتي للأسف أودت بحياة سيدة أمريكية تبلغ من العمر 35 سنة وأمٌ لولدين.

فما هي تفاصيل هذه الحادثة؟ وما هو التسمم المائي، وما أسبابه؟ والسؤال الأهم الذي نطرحه ويراود عقل الكثيرين: ما هي الكمية المناسبة لشرب الماء كل يوم، وما هي المدة؟

التسمم المائي قد يؤدي للوفاة في كثير من الحالات
التسمم المائي قد يؤدي للوفاة في كثير من الحالات

الإفراط في شرب الماء يودي بحياة سيدة أمريكية

ضجت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي، بحادثة وفاة آشلي سمرز؛ أمٌ أمريكية تبلغ 35 عامًا، شربت أكثر من ليترين من الماء خلال 20 دقيقة فقط. وأدى هذا الإفراط في شرب كمية كبيرة من الماء خلال فترة قصيرة، إلى إفقادها الوعي ثم الوفاة لاحقًا.

وجاءت هذه الحادثة لتُذكّر الناس، بمشكلة "التسمم المائي" الذي قد يصيب الإنسان جراء الإفراط في شرب الماء؛ والذي يتسبب بورم في المخ بسبب نقص الصوديوم الحاد في الجسم، ومن ثم إزهاق الحياة.

"سمية المياه" أو التسمم المائي، هي حالةٌ حرجة تنتج عن شرب كميات كبيرة من الماء تصل إلى حد الوفاة في بعض الحالات. ويشير موقع "الطبي" إلى أن هذه الحالة نادرة الحدوث،  يُصاب بها الإنسان عند شرب كمية كبيرة من الماء بسرعة كبيرة وخلال وقت قصير؛ ما يجعل من الصعب على الكلى التخلص من هذه الكميات الكبيرة من الماء عن طريق البول، فترتفع كمية الماء في الدم، مؤديًا بالتالي إلى انخفاض مستوى الصوديوم (hyponatremia). وبعدها يبدأ الماء بالانتقال من الدم إلى الخلايا مسببًا تضخمها، وعندما يحدث هذا لخلايا الدماغ ينتج عنه آثار خطيرة ويمكن أن تكون قاتلة.

ويضيف الموقع المختص أن التسمم المائي نوعان رئيسيان، وكلاهما يُسبَب الخلل في مستويات الصوديوم في الدم؛ هما التالي:

  1. التسمم المائي الذي يحدث نتيجة شرب الكثير من الماء خلال وقت قصير.
  2. التسمم المائي الذي ينتج عن احتفاظ الجسم بالماء وعدم قدرته على التخلص منه بشكل صحيح؛ وتحدث هذه الحالة بسبب تناول بعض الأدوية أو نتيجة إصابة الشخص بأمراض معينة مثل الفشل الكلوي.

ما هي أسباب التسمم المائي

يحتاج الرياضيون للاكثار من شرب الماء انما خلال فترات طويلة
يحتاج الرياضيون للاكثار من شرب الماء انما خلال فترات طويلة

إذا أردنا تلخيص أسباب لحدوث التسمم المائي؛ فيمكن القول أن انخفاض مستويات الصوديوم في الجسم هي السبب الرئيسي لهذه المشكلة. إذ أن الصوديوم وعلى الرغم من المخاوف الدائمة بشأنه، إلا أنه يقوم ببعض المهام الأساسية في الجسم. وواحدةٌ من الوظائف المهمة للصوديوم هي تحقيق التوازن بين السوائل داخل وخارج الخلايا.

ويؤدي شرب الكثير من الماء إلى إحدات خلل في هذا التوازن، مما ينتج عنه انتقال السوائل من الدم (الخارج) إلى الخلايا (الداخل). وفيما يخص عدم قدرة الجسم على التخلص من الماء، فإنه عادةً ما يكون بسبب بعض الحالات الصحية مثل:

  • فشل القلب الاحتقاني  (congestive heart failure).
  •  أمراض الكبد ووجود مشاكل في الكلى.
  • متلازمة عدم ملائمة إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول (syndrome of inappropriate antidiuretic hormone).
  • تناول الأدوية المضادة للالتهاب اللاستيرويدية والأدوية المضادة للذهان.
  • مرض السكري.
  • الاصابة بانفصام الشخصية مما يزيد من استهلاك المرء للماء.

مع الإشارة إلى أن التسمم المائي يحدث جراء شرب كمية من الماء، أكبر من قدرة الكليتين على التخلص منه عن طريق البول. إلا أن كمية الماء ليست هي العامل الوحيد في حدوث التسمم؛ بل أن سرعة شربه والوقت المستغرق في الشرب هي عوامل أخرى تُسهم في حدوث هذه المشكلة. إذ تزداد خطورة التسمم المائي عند شرب كمية كبيرة من الماء خلال فترة قصيرة من الوقت، في حين تقل الخطورة عند شرب نفس الكمية من الماء على مدى فترات زمنية أطول.

ولمن يسأل عن كمية الماء التي تتسبب بنقص الصوديوم الحاد في الجسم، يقول موقع "الطبي" أن هذه المشكلة واردة الحدوث جراء شرب 3-4 لتر من الماء خلال فترة زمنية قصيرة؛ حيث يمكن للكليتين التخلص من حوالي 20-28 لتر من الماء يوميًا، ولكنها لا تستطيع التخلص من أكثر من 0.8- 1.0 لتر في الساعة. لذا، وتجنبًا لأعراض نقص الصوديوم؛ ينبغي أن لا يشرب الشخص أكثر من هذه الكمية من الماء.

ما هي أعراض التسمم المائي

عند تضخم خلايا الدماغ بسبب انتقال الماء إليها عوضًا عن خروجه من الجسم عن طريق البول؛ يحدث ما يُطلق عليه إسم "الوذمة الدماغية"  (cerebral edema)؛ حيث يزداد الضغط داخل الجمجمة، لتظهر بعده أول أعراض التسمم المائي والتي تشمل الصداع والغثيان والتقيؤ.

وفي الحالات الشديدة للوذمة الدماغية؛ يمكن أن تظهر أعراض أكثر خطورة، مثل ارتفاع ضغط الدم، الارتباك والتشويش، ازدواجية الرؤية، الدوخة والنعاس، صعوبة التنفس، وضعف العضلات وتشنجها. حتى ان البعض قد يعاني من عدم القدرة على تحديد المعلومات الحسية بسبب التلف في الدماغ، والغيبوبة، والموت.

من الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة بالتسمم المائي

الافراط في شرب الماء قد يتسبب بحدوث التسمم المائي
الافراط في شرب الماء قد يتسبب بحدوث التسمم المائي

حالات التسمم المائي كثيرة الحدوث بين الرياضيين تحديدًا، والذين يعمدون لتناول كميات كبيرة من الماء قبل وأثناء التمرين. مثل العدَائين في سباقات الماراثو، الرياضيين الذين يحملون الأوزان الحديدية الثقيلة، راكبي الدراجات الهوائية، والمجدَفين؛ ولا ننسى بالطبع أعضاء الجيش والقوات المسلحة الذين يشاركون في تدريبات رياضية قاسية.

لكن هذا لا ينفي احتمالية تعرَض الناس العاديين، للإصابة بالتسمم المائي؛ بسبب الرغبة في شرب الكثير من الماء للتخلص من السموم في الجسم ، سواء الناجمة عن زيادة الوزن أو شرب الكحول.

كيف نحمي أنفسنا من التسمم المائي

جئنا للنقطة الأهم، ألا وهي كيفية حماية أنفسنا ومن نحب من هذه المشكلة المميتة..

أوضح الدكتور حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة بكلية قصر العيني خلال برنامجه التلفزيوني؛ أن الأشخاص السليمين الذين لا يعانون من أي مشكلة صحية، يمكنهم شرب الماء بأي كمية لكن طوال النهار وليس خلال فترة قصيرة. أما المرضى، فيجب أن يتم تناولهم للماء  وفق معايير محددة؛ مثلًا، كمية المياه التي ينبغي تناولها كل يوم لمرضى الكلى والقلب والكبد يجب أن تكون ما يعادل بولة، إضافة إلى 500 سم مياه.

الرياضيون الذي يُشكلَون النسبة الأكبر لخطر الإصابة بالتسمم المائي؛ يمكنهم حماية أنفسهم من هذه الخطر عن طريق وزن أنفسهم قبل وبعد أداءهم للرياضة، ما يساعد على تحديد مقدار الماء الذي فقدوه ومن ثم تعويضه. ويُفضَل شرب 0.47- 0.59 لتر من الماء مقابل كل رطل مفقود. كذلك ينبغي على الرياضي شرب 2 - 4 أكواب من السوائل خلال ساعة من ممارسة الرياضة في حال كان التمرين لساعة فقط؛ أما في حال كان يمارس الرياضة لمدة تزيد عن ساعة، فإن المشروبات الرياضية هي الخيار الأفضل؛ كون هذه المشروبات غنيةٌ بالسكر  والعناصر الأخرى التي يفقدها الجسم عادةً من خلال العرق مثل الصوديوم والبوتاسيوم.

والنصيحة الأخيرة التي يقدمها خبراء "الطبي" لتجنب التسمم المائي خصوصًا للرياضيين؛ الاستجابة لحاجة الجسم للماء التي تتزايد عن الشعور بالعطش عند ممارسة الرياضة، وعدم إهمال هذه الحاجة كي لا تحدث معه مضاعفات الجفاف التي لا تقل خطورةً عن مضاعفات التسمم المائي.

خلاصة القول، أن الجسم البشري بحاجة للماء للقيام بكافة وظائفه المهمة. لكن المقدار الذي يحتاجه والمدة التي ينبغي علينا اتباعها لتزويد الجسم بالماء، هي الفصل في هذه المسألة. فلا تتواني عزيزتي عن شرب الماء عند الحاجة لذلك، بشرط الحرص على تقسيم الكمية المطلوب تناولها على مدار اليوم.