
لأول مرة في الشرق الأوسط: تقنية بأدنى تدخل جراحي لعلاج تسلَخ الشريان الأبهر
الاهتمام بصحة القلب ورعايته، ليس من الرفاهيات أو الكماليات؛ بل هو ضرورةٌ حتمية وحيوية، للحفاظ على هذا العضو الهام الذي ينبض في صدورنا على مدار الساعة.
والأرقام لا توحي بالخير، على الرغم من حملات التوعية وتطور التقنيات المتبَعة في علاج أمراض القلب. وبحسب الإحصاءات الأخيرة، فإن هذه الأمراض تسببت ما بين 2021 – 2025 بوفاة أكثر من 19 مليون شخص، بمعدل 16% من إجمالي إجمالي الوفيات العالمية؛ فيما يُسجَل معدل انتشار أمراض القلب والأوعية الدموية حوالي 612 مليون إصابة.
النساء عرضة كما الرجال للإصابة بهذه الأمراض، التي تُشكَل السبب الأول للوفيات بينهنَ (وليس سرطان الثدي كما تعتقد بعضنا). وهناك العديد من المشكلات الصحية القلبية التي نفشل في الكشف عنها مبكرًا، إما لعدم الوعي التام بأعراضها، أو تجاهلها.
من أمراض القلب النادرة وقليلة الحدوث، تسلَخ الأبهر؛ حالةٌ شديدة الخطورة، تحدث عندما يتمزق الجدار الداخلي للشريان الأبهر، وهو أكبر شريان في الجسم ينقل الدم من القلب إلى باقي الأعضاء. وعادة ما يتم اللجوء إلى جراحةٍ مفتوحة فورية، لإنقاذ الحياة، حيث يتم استبدال الجزء الممزق من الأبهر بأنبوب صناعي (graft). أو اتبَاع تقنيات حديثة غير جراحية، كما حصل مؤخرًا في العاصمة الإماراتية أبوظبي، في مستشفى كليفلاند كلينك؛ حيث تمَ علاج التسلّخ دون جراحةٍ مفتوحة باستخدام تقنيات تدخلية دقيقة، لكن هذا لا يزال استثناءً وليس القاعدة.
للتعرف أكثر على هذا الإنجاز الطبي المهم، الذي يتيح خياراتٍ طبية أسهل لمرضى تسلَخ الأبهر؛ والوقوف أكثر على تسلَخ القلب أحد اضطرابات القلب والأوعية الدموية، كان لمحررة صحة ورشاقة على موقع "هي" هذا اللقاء المثمر مع الدكتور حسام يونس، رئيس معهد القلب والأوعية الدموية والصدرية في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.

تقنية بأدنى تدخل جراحي لعلاج تسلَخ الشريان الأبهر
إذن؛ أعلن مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، عن نجاحه في استخدام تقنية الدعامة الفرعية الصدرية لأول مرة في الشرق الأوسط، لعلاج حالةٍ خطيرة ومُهددة للحياة من تسلَخ الأبهر من النوع B، وهو تمزقٌ في الشريان الرئيسي الذي ينقل الدم من القلب لباقي أنحاء الجسم. وقاد العملية الدكتور حسام يونس، حيث تمَ إصلاح التمزق ومعالجة التورم الخطير في أحد الشرايين الرئيسية دون الحاجة لإجراء جراحة صدرٍ مفتوح. وسمحت هذه التقنية المتطورة، والتي تُنفذ بأدنى حدود التدخل الجراحي، في تفادي المخاطر الكبيرة المرتبطة بالجراحة التقليدية مثل السكتات الدماغية أو تلف الأعصاب.
تفاصيل العملية
وصل المريض إلى قسم الطوارئ وهو يعاني من ألمٍ شديد في الصدر وارتفاعٍ خطير في ضغط الدم. وأظهرت الفحوصات وجود تمزقٍ في الجزء النازل من الشريان الأبهر، يرافقه تمددٌ شرياني يتفاقم بسرعة. وباستخدام تقنية الدعامة الفرعية الصدرية، نجح الدكتور يونس بالتعاون مع الدكتور خورام رشيد والدكتور جايسون تشين، وهما طبيبان في معهد القلب والأوعية الدموية والصدرية في كليفلاند كلينك أبوظبي، في إغلاق التمزق وتوجيه تدفق الدم عبر دعامةٍ معدنية مغطاة بالنسيج الخاص داخل الشريان. تضمنت هذه الدعامة فرعاً مخصصاً للحفاظ على تدفق الدم إلى الذراع اليسرى، ما ألغى الحاجة لأي جراحةٍ تحويلية إضافية. وقد تعافى المريض بسرعةٍ ملحوظة، واختفت الأعراض بعد ليلةٍ واحدةٍ فقط في العناية المركزة، ليغادر المستشفى في اليوم الثالث بحالةٍ مستقرة دون أي مضاعفاتٍ عصبية.
تتميز تقنية الدعامة الفرعية الصدرية بمحافظتها على تدفق الدم الطبيعي إلى الدماغ والذراع، ما يُقلَل بشكلٍ كبير من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية أو إصابات الحبل الشوكي المرتبطة بالجراحة التحويلية المفتوحة للشريان تحت الترقوة، مقارنةً بالطرق التقليدية. كما أن تصميمها القابل للتخصيص حسب البنية التشريحية للمريض، يساعد على إحكام الإغلاق، ويُخفَض الحاجة لتكرار الإجراءات، بالإضافة إلى تعزيز فرص التعافي السريع والعودة المبكرة للحركة (وهو مطلب الكثيرين حقيقةً).
تُشكَل حالات تسلَخ الأبهر من النوع B ، نسبة 30-40% من إجمالي حالات تسلَخ الأبهر التي تصيب 3 إلى 4 حالات بين كل 100 ألف شخص سنوياً، فيما يبلغ معدل الوفيات في المستشفى، عند عدم علاج الحالات المعقدة منها، نحو 25-30%. وغالباً ما تستلزم الإجراءات التقليدية تغطية الشريان تحت الترقوة الأيسر، ما يُعرَض ما يصل إلى 10% من المرضى لخطر السكتات الدماغية أو إصابات الحبل الشوكي، ما لم يتم إجراء جراحةٍ تحويلية. غير أن التصميم المتفرّع للدعامة الصدرية الجديدة المستخدم في كليفلاند كلينك أبوظبي، يُلغي الحاجة لهذه الجراحة، ويحقق معدلات نجاحٍ تتجاوز 95%، ومعدلات وفاة خلال 30 يوماً لا تتجاوز نسبة 2 - 3%.
وقال الدكتور حسام يونس تعليقًا على هذه التقنية: "تُمكَننا هذه التقنية من علاج مشاكل مهددة للحياة مثل التسلَخ والتمدد الوعائي بطريقةٍ آمنة وفعالة دون الحاجة لفتح الصدر، مع الحفاظ على الدورة الدموية الحيوية للدماغ والذراع. وبالنسبة للمرضى الذين كانت حالاتهم تُعتبر عالية الخطورة في السابق، تُعدّ هذه التقنية إنقاذاً حقيقياً للحياة، ونحن فخورون بتوفير هذا المستوى المتقدم من الرعاية في دولة الإمارات والمنطقة."
تسلَخ القلب – اضطرابات القلب والأوعية الدموية
في مقابلتنا مع الدكتور حسام يونس رئيس معهد القلب والأوعية الدموية والصدرية في كليفلاند كلينيك أبوظبي، تطرقنا إلى كافة جوانب تسلَخ الأبهر (أو تسلَخ القلب كما هو شائع).
ما هي الأسباب الرئيسية وراء تسلَخ الأبهر؟
المُسبب الأكبر لتمزق الأبهر (تسلَخ الشريان الأورطي) هو ارتفاع ضغط الدم غير المُسيطر عليه، والذي يضع ضغطًا مستمرًا على جدران الشرايين. بعض الأشخاص يُولدون أيضًا باضطراباتٍ وراثية في النسيج الضام، مثل متلازمة مارفان، ما يجعل شرايينهم أكثر هشاشةً. كما أن تصلَب الشرايين (تكلَس أو تصلَب جدران الشرايين) — المرتبط بالتدخين وارتفاع الكوليسترول والتقدم في العمر — يزيد أيضًا من خطر الإصابة.
ما هي العواقب المحتملة لهذا التسلَخ؟
قد تكون مضاعفات تسلَخ الشريان الأورطي مُدمرة؛ ففي الحالات الأشد خطورة، قد ينفجر الشريان ما يؤدي إلى نزيفٍ داخلي حاد غالبًا ما يكون مميتًا. كما أن التمزق قد يقطع إمداد الدم عن أعضاء حيوية:
• إذا أوقف تدفق الدم إلى الأمعاء، قد يؤدي ذلك إلى موت الأمعاء، وهي حالةٌ جراحية طارئة.
• إذا أغلق شرايين الكلى، فقد يتسبب في فشلٍ كلوي يستدعي غسيل الكلى.
• إذا قطع تدفق الدم عن الساقين، قد يُسبَب نقص ترويةٍ شديد ينتهي أحيانًا بالبتر.
حتى المرضى الذين ينجون من التمزق الأولي، تبقى جدران الشريان لديهم ضعيفة؛ وقد تتوسع تدريجيًا مع مرور الوقت مُكونةً تمددًا وعائيًا (أم دم) قد تؤدي إلى انفجار الشريان لاحقًا. ولهذا السبب فإن المتابعة الطبية المستمرة أمرٌ بالغ الأهمية.

كيف يتم علاج تسلَخ الأبهر؟
الخطوة الأولى دائمًا والمهمة لنا، هي السيطرة على ضغط الدم؛ حيث تُستخدم أدويةٌ قوية لخفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب بسرعة، ما يُقلَل الضغط على الشريان الممزق.
عندما يُهدَد التسلخ بالانفجار أو يمنع تدفق الدم إلى الأعضاء الحيوية، يحتاج الأطباء للتدخل لإصلاحه. وأكثر الطرق شيوعًا هو الإجراء الهجين، ويتضمن في جزءٍ منه إجراء جراحةٍ مفتوحة (لإعادة توصيل شرايين الرقبة والذراع) وجزءٍ منه تركيب دعامة؛ وهي جهازٌ أنبوبي يوضع داخل الشريان الأورطي عبر ثقبٍ صغير في الفخذ. هذا الدمج يسمح بغلق التمزق مع الحفاظ على تدفق الدم إلى الدماغ والذراعين.
في حالةٍ حديثة في مستشفانا، استخدمنا تقنيةً أحدث تُسمى الأطراف الصناعية ذات التفرع الصدري والتي ألغت الحاجة إلى الجزء الجراحي المفتوح من العملية. وقد تم إجراء هذا الإصلاح بالكامل بطريقةٍ طفيفة التوغل، من خلال ثقوبٍ صغيرة جدًا في الفخذ والذراع، دون الحاجة لشقوقٍ كبيرة. هذا لم يُخفّض فقط وقت التعافي، بل أيضًا قلَل من المخاطر الجراحية.
كيف نُنظَم الحياة بعد التسلَخ؟
النجاة من تسلخ الأبهر ليست سوى البداية؛ حيث يحتاج المرضى إلى رعايةٍ مدى الحياة من خلال الضبط الصارم لضغط الدم، وإجراء فحوصاتٍ دورية بالأشعة لمراقبة الشريان الأورطي، وإحداث تغييراتٍ في نمط الحياة مثل الإقلاع عن التدخين، وممارسة الرياضة بشكلٍ آمن، والتحكم في مستويات الكوليسترول. ومع المتابعة المناسبة وخيارات العلاج الحديثة، يمكن للعديد من المرضى أن يعيشوا حياةً ممتدة ونشيطة.
خلاصة القول؛ أن تسلَخ الأبهر أو تسلَخ القلب أو تسلَخ الشريان الأورطي، هي مُسميات متعددة لمشكلة قلبية واحدة، خطيرة ويمكن أن تؤدي إلى الوفاة في حال عدم علاجها بسرعة. ارتفاع ضغط الدم هو السبب الرئيسي وراء تسلَخ الأبهر، لذا ينصح الدكتور حسان يونس من كليفلاند كلينك أبوظبي بوجوب العناية بضغط الدم واتباع نمطٍ حياتي صحي، غذائي وبدني؛ لضمان الوقاية من هذه المشكلة والتنعَم بحياةٍ ملؤها الصحة والرفاه.