سرطان البروستاتا: صمتٌ يمكن كسره من خلال الكشف المبكر
صحة الرجل مهمةٌ جدًا لنا كنساء، وهناك إجاباتٌ عديدة على سؤالكِ عزيزتي: لماذا؟
لأنه يُشكَل ركيزةً أساسية في بناء الأسرة ونجاحها؛ حيث أن قدرته على تولَي مسؤولياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية، تنعكس بشكلٍ مباشر على استقرار الأسرة وتوفير بيئةٍ مستقرة وآمنة لها. بالإضافة إلى ذلك، تلعب صحة الرجل دورًا مهمًا في الصحة العامة للأسرة، خاصةً فيما يتعلق بالإنجاب؛ كما أن صحته الجسدية والنفسية تساهم في بناء علاقةٍ صحية ومستقرة.
لهذا تحتاج المرأة للعناية بصحة زوجها ووالدها وأخوتها وأبنائها الذكور؛ لأن ضمان صحتهم جميعًا، سوف يكون له بالغ الأثر على استقرارها وحياتها سواء في منزل العائلة أو منزل الزوجية. كثيرٌ من الرجال، لا يُولون اهتمامًا كبيرًا بمسائل الصحة كما النساء (تشير الدراسات إلى أن نسبة الرجال الذين يخضعون للفحوصات الطبية الدورية أقل بكثير من النساء، حيث تقل بنسبةٍ تصل إلى 24% مقارنةً بهن)؛ ما يعني أن عددًا كبيرًا من الرجال لا يزورون الطبيب إلا عند ظهور أعراضٍ واضحة أو في حالات الطوارئ.
قد تكون الوصمة الاجتماعية هي السبب الرئيسي وراء هذه النسبة المنخفضة، والمنتشرة بصورةٍ كبيرة في منطقتنا العربية والخليجية. إذ يصعب إقناع الرجال أحيانًا، بضرورة فحص غدة البروستاتا دوريًا للتأكد من سلامتها؛ ولا يحدث هذا الأمر إلا عند البدء بالمعاناة من بعض الأعراض، التي يُربط بينها وبين سرطان البروستاتا، في حين أنه قد تكون مجرد تضخمٍ حميد للبروستاتا لا يستدعي القلق كما أوضح لنا الدكتور الدكتور وليد الحاج عبيد، أخصائي المسالك البولية في مجموعة مستشفيات الإمارات .

واستعرض لنا الدكتور عبيد في مقالة اليوم، لأبرز أسباب وأعراض سرطان البروستاتا عند الرجال، طرق العلاج المتبَعة والحديثة، والأهم كيفية الوقاية من هذا المرض. فإذا كنتِ مهتمةً عزيزتي بالاعتناء بصحة الرجل، ما عليكِ سوى متابعة تفاصيل هذا اللقاء الممتع..
ما هو سرطان البروستاتا؟
يُعتبر سرطان البروستاتا من أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين الرجال في العالم، وخاصةً لدى من تجاوزوا سن الخمسين، يقول الدكتور عبيد؛ مضيفًا أنه وعلى الرغم من تطوره ببطء في كثيرٍ من الحالات، إلا أن تجاهله أو إهمال الفحص المبكر قد يسمح له بالتطور بصمت حتى يصل إلى مراحل متقدمة يصعب علاجها. لذلك، فإن التوعية والتثقيف الصحي يُشكَلان خط الدفاع الأول ضد هذا المرض.
ما هي غدة البروستاتا ولماذا تُصاب بالسرطان؟
البروستاتا هي غدةٌ صغيرة تقع تحت المثانة وأمام المستقيم، وهي جزءٌ من الجهاز التناسلي الذكري؛ تتمثل وظيفتها الأساسية في إفراز السائل المنوي الذي يُغذَي ويحمي الحيوانات المنوية. ومع التقدم في العمر، تبدأ خلايا البروستاتا في الانقسام ببطء، وقد تنشأ أحيانًا خلايا غير طبيعية تتكاثر بشكلٍ خارج عن السيطرة، مكوّنةً ورمًا خبيثًا يُعرف باسم سرطان البروستاتا.
ما أسباب سرطان البروستاتا؟
لا يزال السبب الدقيق للإصابة غير معروف، يجيب الدكتور عبيد؛ لكن العوامل الوراثية والهرمونية ونمط الحياة تلعب دورًا كبيرًا. فكلما تقدم الرجل في السن، زادَ خطر الإصابة، خاصةً إذا كان لديه قريبٌ من الدرجة الأولى مصاب بالمرض. كما أظهرت الدراسات أن النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة وقلة النشاط البدني والسُمنة، ترفع من احتمالية الإصابة بهذا المرض.
ما الأعراض المبكرة التي يجب التنبه لها؟
في أغلب الأحيان، لا يُسبَب سرطان البروستات أعراضًا في مراحله الأولى؛ ولهذا يسمى "السرطان الصامت". لكن مع نمو الورم، تبدأ بعض العلامات بالظهور والتي يجب التعامل معها بجدية، أبرزها:
1. صعوبة في التبول أو الشعور بعدم إفراغ المثانة بالكامل.
2. تقطّع تدفق البول أو الحاجة إلى التبول المتكرر، خاصةً أثناء الليل.
3. وجود دم في البول أو السائل المنوي.
4. ألم أو حرقة أثناء التبَول أو القذف.
5. ضعف الانتصاب أو فقدان الرغبة الجنسية.
6. ألم في أسفل الظهر أو الفخذين أو منطقة الحوض.
رغم أن بعض هذه الأعراض مثل تقطّع تدفق البول أو وجود دم في البول، قد تظهر أيضًا في حالات التضخم الحميد للبروستاتا، يشرح الدكتور عبيد؛ ويُفضَل في حال ظهور أيَ من هذه الأعراض وغيرها المذكورة أعلاه، مراجعة الطبيب للتفريق بين التضخم الحميد الأكثر شيوعًا وبين مشاكل البروستاتا التي تُشكَل خطرًا.
في الحالات المتقدمة، وعندما ينتشر السرطان إلى العظام، قد يعاني المريض من آلامٍ عظمية مزمنة، وخصوصًا في العمود الفقري أو الوركين، إضافةً إلى فقدان الوزن غير المُبرر أو الإرهاق العام.
متى يجب زيارة الطبيب؟
سؤالٌ مهم للغاية، وهو محور مقالتنا التوعوية هذه؛ ويجيب عليه الدكتور عبيد بالآتي:
"ينصح الأطباء جميع الرجال الذين تجاوزوا سن الخمسين بإجراء فحصٍ دوري للبروستاتا مرة واحدة سنويًا، حتى وإن لم تظهر لديهم أية أعراض. أما من لديهم تاريخٌ عائلي للإصابة بالمرض أو ينتمون لفئةٍ عالية الخطورة، فيُفضل البدء بالفحص من سن الأربعين."
ويضيف أخصائي المسالك البولية في مجموعة مستشفيات الإمارات، أنه ينبغي مراجعة الطبيب فورًا عند ملاحظة أيَ من العلامات التالية:
• وجود دم في البول أو السائل المنوي.
• صعوبة مستمرة في التبول أو احتباس البول.
• ألم في منطقة الحوض لا يزول.
• الشعور بالضعف أو الخدر في الساقين أو القدمين.
مع الإشارة إلى أن الفحص لا يستغرق وقتًا طويلًا، ويتضمن تحليل PSA (مستضد البروستاتا النوعي) الذي يُقاس في الدم، إضافةً إلى الفحص الشرجي السريري (DRE) لتقييم حجم الغدة وصلابتها. هذان الفحصان يساعدان في الكشف المبكر، حيث تكون نسبة الشفاء في هذه المراحل مرتفعةً جدًا وتتجاوز 90%.

ما هي أحدث العلاجات المتاحة لسرطان البروستاتا؟
شهدَ علاج سرطان البروستاتا تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبح الأطباء يختارون العلاج وفقًا لمرحلة المرض، عمر المريض، وحالته الصحية العامة.
من أبرز الأساليب الحديثة في العلاج التي أفادنا بها الدكتور عبيد:
1. المراقبة النشطة: تُستخدم للمرضى الذين لديهم سرطان بطيء النمو، لا يُسبَب أعراضًا. ويتم الاكتفاء بالمراقبة المنتظمة من خلال فحوص PSA وخزعات دورية.
2. الجراحة الروبوتية: وهي أحدث تقنيات الجراحة، تسمح للطبيب باستئصال البروستاتا المصابة بدقة عالية باستخدام أنظمة روبوتية متطورة، مما يُقلَل فقدان الدم ويُسرَع التعافي.
3. العلاج الإشعاعي الموجّه: يُستخدم الإشعاع عالي الدقة لتدمير الخلايا السرطانية دون إلحاق ضررٍ كبير بالأنسجة السليمة.
4. العلاج الهرموني: الذي يعتمد على خفض مستوى هرمون التستوستيرون في الجسم.
5. العلاج المناعي والموجّه: حيث تُستخدم أدوية حديثة تُحفّز الجهاز المناعي للتعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها.
6. العلاج بالتبريد: ويتم فيه تجميد خلايا البروستاتا وقتلها باستخدام مسبارٍ خاص.
ما أهمية الجانب النفسي والدعم الأسري؟
يترافق تشخيص السرطان غالبًا مع مشاعر من القلق والخوف، لذلك يُعتبر الدعم النفسي والعائلي عنصرًا أساسيًا في رحلة العلاج، يؤكد الدكتور عبيد. مشيرًا إلى أن مشاركة المريض لتجربته مع أخصائي نفسي أو مجموعات دعم، قد تُخفَف من التوتر وتمنحه القوة للاستمرار.
ما هي طرق الوقاية من سرطان البروستاتا؟
تبدأ الوقاية من نمط الحياة اليومي، يجيب الدكتور عبيد؛ وتشمل الوقاية الخطوات الآتية:
• تناول الغذاء الصحي الغني بالخضروات والفواكه.
• تجنَب الدهون الحيوانية والوجبات السريعة.
• ممارسة النشاط البدني بانتظام.
• الحفاظ على وزن صحي.
• الإقلاع عن التدخين.
• إجراء فحصٍ دوري سنوي خاصةً بعد سن الخمسين.
في الختام؛ فإن الكشف المبكر هو الفارق بين العلاج السهل والمضاعفات الخطيرة. فسرطان البروستاتا، ورغم كونه شائعًا، يُعدَ من أكثر أنواع السرطان قابلية للعلاج إذا اكتُشف في الوقت المناسب.
اصنعي لنفسكِ ولزوجكِ حياةً ومستقبلًا أفضل، من خلال الاعتناء بصحته ورفاهه؛ احرصي على تناوله الطعام الصحي وعدم التدخين وممارسة الرياضة، والأهم الخضوع لفحص البروستاتا المنتظم.