شهر التوعية بسن اليأس

أكتوبر شهر التوعية بسن اليأس: إليكِ أفضل النصائح للاستعداد الجسدي والنفسي

جمانة الصباغ
28 أكتوبر 2025

المرأة كيانٌ إنساني متكامل، تحمل أدوارًا متعددة في الأسرة والمجتمع، وتُسهم في بناء الثقافة والتغيير الاجتماعي عبر التاريخ. تمرَ المرأة بالعديد من التغييرات الجسدية والحياتية طيلة سنين عمرها؛ وفي كل مرحلةٍ من مراحل التغيير هذه، تتعرض لتأثيراتٍ ليس فقط بدنية وإنما نفسية واجتماعية وفكرية عميقة يمكن أن يكون لها بالغ الأثر على حياتها ككل.

المرأة لها احتياجاتٌ خاصة ومتميزة بشكلٍ كبير عن الرجل، لهذا من الضروري مراعاة مشاعرها وتفهَم ما تمرَ به من متغيرات يمكن أن تعصف بها بحدة، حتى دون أن يكون لها يدٌ في ذلك.

من تلك التغيرات، مرحلة انقطاع الطمث أو انقطاع الدورة الشهرية، المعروفة أكثر بمرحلة سن اليأس؛ ولو أن كثيرين في الوقت الحالي، لا يُحبذون استخدام كلمة "اليأس" ويستخدمون مكانها "الأمل" في إشارةٍ إلى أن المرأة يمكن أن تنعم بحياةٍ جديدة بعد انقطاع دورتها الشهرية.

بالتأكيد، لا يُحدَد العمر مسألة الأمل أو اليأس بالنسبة لنا؛ لكن لنكن واقعيات، فإن مرحلة انقطاع الطمث ليس بالهينة، وتحمل الكثير من التحديات والمصاعب التي قد تُفقدنا "الأمل" بين الحين والآخر. لهذا يأتي دور التوعية، كعاملٍ أساسي، في تخفيف حدة هذه المرحلة وتثقيف النساء حول كيفية التعامل بحكمة مع كافة المتغيرات التي يواجهنَ خلال هذا الوقت.

من منبرنا هذا، موقع "هي" وتحديدًا قسم صحة ورشاقة؛ وعطفًا على عادتنا الدائمة لتوجيه النساء نحو الخيارات الصحية والنصائح الطبية التي تضمن لهنَ حياةً أحسن وأكثر جودة، تحدثنا إلى الدكتورة باسمة جمال الدين، استشارية أمراض النساء والتوليد في مستشفى فقيه الجامعي دبيhttps://www.fuh.care/ والتي أفادتنا مشكورةً بمعلومات قيَمة حول أكتوبر شهر التوعية بسن اليأس، وكيفية التعامل معه بحكمة.

الدكتورة باسمة جمال الدين استشارية أمراض النساء والتوليد في مستشفى فقيه الجامعي دبي
الدكتورة باسمة جمال الدين استشارية أمراض النساء والتوليد في مستشفى فقيه الجامعي دبي

شهر التوعية بسن اليأس

ليس أكتوبر شهر التوعية فقط بسرطان الثدي، بل هو محطةٌ أكيدة للتثقيف والتوعية الصحية والطبية حول سن اليأس. وبحسب الدكتورة جمال الدين، يُعدَ أكتوبر شهرًا عالميًا للتوعية بسن اليأس، وهي مرحلةٌ طبيعية تمرَ بها كل امرأة في منتصف حياتها تقريبًا. ورغم أن هذه المرحلة تُثير القلق لدى الكثير من النساء، إلا أن الطب الحديث والنمط الصحي السليم يقدّمان وسائل فعالة لجعلها مرحلةً هادئة ومستقرة، ومليئة بالنضج والتوازن النفسي والجسدي.

مضيفة أن هذا الشهر يهدف لنشر الوعي بأن سن اليأس ليس نهاية الشباب، بل بداية فصلٍ جديد من الحياة يمكن للمرأة أن تعيشه بحيوية وثقة وراحة فيما لو تعاملت معه بفهمٍ كبير واستعدادٍ قوي.

لفهم سن اليأس.. ما الذي يحدث داخل الجسم؟

سن اليأس هو المرحلة التي تتوقف فيها الدورة الشهرية نهائيًا لمدة 12 شهرًا متتالية، نتيجةً لانخفاض إنتاج الهرمونات الأنثوية وخاصةً هرمون الإستروجين والبروجستيرون.

تحدث هذه المرحلة عادةً بين سن 45 و55 عامًا، ولكن قد تبدأ في وقتٍ أبكر أو متأخر اعتمادًا على العوامل الوراثية، الحالة الصحية، ونمط الحياة. ومع هذا التغيَر الهرموني، تتأثر العديد من وظائف الجسم مثل تنظيم الحرارة، صحة القلب، صحة العظام، والمزاج، مما يؤدي إلى ظهور أعراضٍ جسدية ونفسية متنوعة.

الغذاء.. الركيزة الأولى للتوازن في سن اليأس

يلعب الغذاء دورًا أساسيًا في تخفيف الأعراض الناتجة عن تغيَر الهرمونات، تقول الدكتورة جمال الدين. فالنظام الغذائي المتوازن الغني بالعناصر الغذائية يساعد على تعزيز الصحة العامة، تقليل التقلبات المزاجية وتقوية العظام. لهذا يجب أن تُركز المرأة على تناول أطعمة طبيعية غير مصنّعة وتجنّب المأكولات التي تحتوي على سكريات ودهون مشبعة.

من أبرز الأطعمة المفيدة لكِ عزيزتي خلال هذه المرحلة:

عزّزي صحة عظامكِ قبل بلوغ سن اليأس بالغذاء الصحي والرياضة
عزّزي صحة عظامكِ قبل بلوغ سن اليأس بالغذاء الصحي والرياضة

•       فول الصويا والبقوليات: كونها تحتوي على فيتواستروجين نباتي يُعوّض نقص الهرمون الأنثوي.

•       الأسماك الدهنية: مثل السلمون والسردين الغنية بالأوميغا-3 التي تدعم صحة القلب وتُحسَن المزاج.

•       منتجات الألبان قليلة الدسم: لتوفير الكالسيوم الضروري للعظام.

•       الخضروات الورقية: مثل السبانخ والبروكلي الغنية بالحديد والمغنيسيوم.

•       المكسرات وبذور الكتان: لتقليل الالتهاب وتنظيم الهرمونات.

كما يجب تقليل استهلاك الكافيين والمشروبات الغازية لأنها تزيد من فقدان الكالسيوم، وتجنّب الأطعمة المالحة التي تُسبَب احتباس السوائل.

الحياة اليومية.. توازنٌ بين الجسد والنفس

سن اليأس ليس مجرد تغيَرٍ في الهرمونات، بل تجربة حياةٍ جديدة تتطلب أسلوبًا مختلفًا في التعامل مع الذات. وبالتالي فالحركة اليومية هي الدواء الأهم خلال هذه الفترة، تؤكد الدكتورة جمال الدين، مضيفةً أن النشاط البدني المنتظم يُحفّز إنتاج الإندورفين، ويُخفَف التوتر ويُعزَز النوم الجيد.

وعليه واظبي عزيزتي على الخطوات التالية:

1.     ممارسة الرياضة 30 دقيقة يوميًا مثل المشي أو السباحة أو اليوغا.

2.     تجنَب السهر وتنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ.

3.     الابتعاد عن التدخين والكحول كونها تؤثر على امتصاص الكالسيوم وتُضعف العظام.

4.     الاهتمام بالصحة النفسية، من خلال التأمل وقراءة الكتب والأنشطة الاجتماعية الإيجابية.

الأدوية والعلاجات المساعدة لمرحلة سن اليأس

تتعدد العلاجات التي يمكن أن تساعد المرأة في تجاوز الأعراض المزعجة لسن اليأس. ويعتمد اختيار العلاج المناسب على شدة الأعراض والحالة الصحية العامة لكل سيدة، وفقًا لاستشارية أمراض النساء والتوليد في مستشفى فقيه الجامعي.

من أكثر العلاجات استخدامًا التي تشير إليها الدكتورة جمال الدين:

•       العلاج الهرموني التعويضي (HRT) لتعويض نقص الإستروجين، ويُستخدم تحت إشراف الطبيب.

•       المكملات الطبيعية مثل الكالسيوم، فيتامين D، والمغنيسيوم لتقوية العظام.

•       الأدوية المضادة للاكتئاب عند الحاجة، لتحسين المزاج والنوم.

كما يمكن استخدام الكريمات المهبلية المُرطبة لعلاج الجفاف وتحسين الراحة أثناء العلاقة الزوجية.

العظام.. خط الدفاع الذي يجب حمايته

من أبرز ما يتأثر في مرحلة سن اليأس هو صحة العظام؛ فالإستروجين معروف بدوره الكبير في المحافظة على كثافة العظام، ومع انخفاضه تبدأ العظام بفقدان الكالسيوم تدريجيًا مما يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام.

لذلك، يجب أن تُباشر المرأة ومنذ بداية الأربعينات، بالوقاية من هشاشة العظام عبر التغذية المتوازنة، ممارسة التمارين المنتظمة، وتناول مكملات الكالسيوم وفيتامين D بجرعاتٍ يحددها الطبيب.

ويُفضل أيضًا إجراء فحص كثافة العظام كل سنتين، للكشف المبكر عن أي ضعفٍ في الكتلة العظمية.

الجانب النفسي والعاطفي.. ما بين القلق والتقبّل

تؤثر التغيرات الهرمونية على كيمياء الدماغ، ما قد يؤدي إلى اضطراباتٍ في المزاج أو الشعور بالحزن أو العصبية. لكن هذه الأعراض مؤقتة، تُطمئننا الدكتورة جمال الدين، ويمكن السيطرة عليها بالدعم الأسري والعلاج النفسي عند الحاجة.

قد تتأثر العلاقة الزوجية أيضًا خلال هذه المرحلة بسبب التغيَرات الجسدية، لتعاني بعض السيدات من الجفاف المهبلي؛ إلا أن التواصل الصريح بين الزوجين واستشارة الطبيب لوصف العلاجات المناسبة، يمكن أن يحافظ على العلاقة الحميمة ويجعلها أكثر نضجًا وتفهمًا.

التحضير المسبق لسن اليأس

لا يبدأ التحضير لهذه المرحلة عند ظهور الأعراض، تؤكد الدكتورة جمال الدين، بل قبلها بسنوات. فكل امرأة يمكنها تقليل شدة الأعراض عبر اتباع نمطٍ صحي مُبكرـ يشمل النظام الغذائي المتوازن، النشاط البدني، الفحوص الدورية، والنوم الكافي. كما أن العناية بالصحة النفسية من خلال تقبّل التغيرات والاستعداد لها، يجعل التجربة أكثر راحةً.

في الختام؛ فإن سن اليأس ليس النهاية، بل بداية مرحلةٍ جديدة من الوعي والنضج، يمكن للمرأة خلالها أن تُعيد اكتشاف نفسها وتعيش بسلام مع جسدها ونفسها. ويُذكّرنا شهر أكتوبر بأن التوعية هي المفتاح لحياةٍ صحية في كل مراحل العمر، وأن كل مرحلةٍ من حياة المرأة تحمل جمالها الخاص ورسالتها الفريدة.