هل العزل الذاتي يُحسن الصحة

هل يمكن للعزل الذاتي أن يُحسَن صحتك؟ خبيرة علم نفس تجيب

جمانة الصباغ
14 أكتوبر 2025

في عالمنا اليوم سريع الوتيرة، قد تبدو فكرة العزلة الذاتية مُقلقة، خاصةً بعد التجربة الجماعية لجائحة كوفيد. مع ذلك، وعند القيام بها عن قصد وبطريقةٍ صحية، فإن قضاء بعض الوقت مع الذات يُمكن أن يُحسّن الصحة النفسية.

كثيرًا ما يُخلط بين العزلة والوحدة، لكنهما مختلفان تمامًا. فالوحدة تُشعِرك بالفراغ والضيق، فيما العزلة هي خيارٌ واعي لإعادة شحن الطاقة واستعادة التوازن. وفي الواقع، تُظهر الأبحاث أن فتراتٍ قصيرة من الوقت المُتعمّد بمفردنا، يُمكن أن تُقلل من التوتر، وتُعزز الإبداع، وتُساعد الأفراد على تنظيم مشاعرهم.

تُجيب سريفيديا سرينيفاس، أخصائية علم النفس السريري في عيادة ميدكير كامالي، على السؤال: هل العزل الذاتي يُحسَن الصحة؟ فيما نتناول سويًا، بعض الممارسات الصحية التي يمكن القيام بها خلال هذه الفترة من الانفراد بالنفس؛ فإذا كنتِ مهتمةٍ عزيزتي بالانفصال قليلًا عن محيطكِ والاستمتاع بوقتٍ لذاتكِ، ما عليكِ سوى متابعة القراءة.

هل العزل الذاتي يُحسن الصحة؟

سريفيديا سرينيفاس أخصائية علم النفس السريري في عيادة ميدكير كامالي
سريفيديا سرينيفاس أخصائية علم النفس السريري في عيادة ميدكير كامالي

نعيش في عالمٍ نُحاط فيه باستمرار، بالناس والضوضاء والمسؤوليات؛ ونادرًا ما تُتاح لعقولنا فرصة للاسترخاء. فيما تُتيح استراحةٌ قصيرة من التفاعلات الاجتماعية للأفراد، فرصة إعادة التواصل مع أنفسهم، ومعالجة مشاعرهم، والتفكير بوضوح دون ضجيج أو إشعارات خارجية. وتصف سرينيفاس الأمر بما يُشبه الضغط على زر الإيقاف المؤقت لعقلكِ.

مع ذلك، لا يعني العزل الذاتي عزل نفسكِ تمامًا عن الواقع أو تجنَب المشاكل؛فالأمر كله يتعلق بالتوازن. إذا اخترتِ قضاء وقتٍ بمفردكِ، فإن التخطيط له بطريقة صحية يصبح ضروريًا. اقرأي كتابًا، دوّني أفكاركِ في مذكراتكِ اليومية، اقضِ وقتًا في أحضان الطبيعة، أو مارسي اليقظة الذهنية. هذه بعض الأنشطة التي تساعد على خلق مساحةٍ ذهنية وتعزيز الصحة الداخلية.

مع ذلك، يجب توخي الحذر، تقول سرينيفاس: إذا تحولت العزلة إلى انسحابٍ، أو حزن، أو تجنب علاقاتٍ مهمة، فقد يشير ذلك إلى أمرٍ أعمق، مثل القلق أو الاكتئاب. في مثل هذه الحالات، يُعدّ طلب الدعم المهني أمرًا بالغ الأهمية.

باختصار، يمكن أن تكون العزلة البسيطة أداًة قوية للصحة النفسية في حال ممارستها بوعي. فهي تسمح لنا بالتهدئة، واستعادة نشاطنا، والعودة إلى علاقاتنا بعقلٍ أكثر صفاءً وهدوءًا، وتساعدنا على الشعور بالتجدد. اعتبريها رعايةً ذاتية، وليست عزلة، بل استعادةلزمام الأمور.

5 عادات صحية عند ممارسة العزل الذاتي

يُعد العزل الذاتي بالفعل أحد أفضل تدابير الوقاية من العديد من المشكلات الصحية والنفسية، إلا أنه قد يؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية بطرقٍ عديدة.

على سبيل المثال، غالبًا ما يشعر بعضنا بالكسل والإرهاق أثناء البقاء في المنزل طوال الوقت، كما قد يؤثر العزل الذاتي على الروتيني البدنيوالرياضي الذي نلتزم فيه عادةً. قد تراودناأحيانًا أفكار التوتر والقلق، لأن جدول أعمالي لم يعد مزدحمًا كما كان من قبل، ونشعر أننا لسنا منتجين وفعالين على الإطلاق.

لذا وللاستفادة من عملية العزل الذاتي لتجديد الجسم والذات، لا بدَ منالتفكير في بعض العادات الصحية التي تعود بالنفع علينا خلال هذه المرحلة.

وتقدم جامعة ألبرتا الكندية 5 عادات صحية يمكن ممارستها خلال العزل الذاتي:

أبقي نفسكِ مشغولة

بالرغم من أن العزل الذاتي قد يُخفف من جدولنا المزدحم، إلا أن هناك أوقاتًا قد نشعرُ فيها بالملل والقلق. القلق هو مفتاح خيبة الأمل، والتي بدورها تؤدي إلى مشاعر سلبية؛ لذا يُساعد الانشغال على البقاء متفائلةً ونشطة ومُلهمة، حيث يصرف جدول الأعمال المزدحم الذهن عن جميع الأفكار السلبية والقلق.

من أفضل الطرق لإبقاء نفسكِ مشغولة، متابعة الاهتمامات التي كان عليكِ التخلي عنها بسبب جدولكِسابقًا. إنما بإشغال نفسكِ، لا يعني ذلك إرهاقها لتكوني منتجةً كما هو المتوقع، بل القيام ببعض المهام الصغيرة خلال يومكِ، والتي قد تكون منتجة أو غير منتجة، وذلك لتشتيت ذهنكِ عن جميع المشاعر السلبية. لا يجب أن نجبر أنفسنا على بذل جهدٍ زائد أثناء وجودنا في المنزل، بل الأحرى أن نُغيَر جداولنا للتركيز على صحتنا وسلامتنا؛ بحيث نأكل وننام في مواعيد منتظمة. لذا، ضعي جدولاً جديداً لنفسكِ وانطلقي!

التأمل والتمارين الرياضية

لا تكوني كسولة لمجرد أنكِ تلتزمين العزل الذاتي؛ فالنشاط البدني الوحيد الذي قد تمارسينه أثناء البقاء في المنزل هو المشي ذهاباً وإياباً بين المطبخ والغرفة، مما قد يؤثر على صحتكِالبدنية بشكلٍ كبير. واظبي علىالقيامبالتمارين الرياضية، خارج المنزل وداخله، فهي الطريقة الأفضل للحفاظ على صحتكِ البدنية والعاطفية والعقلية وتحافظ على نشاط عقلكِ وصحة قلبكِ؛ ومارسي التأمل قدر الإمكان.

وفقاً للباحثين، فإن أفضل طريقة لتقليل التوتر والسيطرة على القلق هي التأمل كل صباح. من الطبيعي جداً أن تحدث مشاجرات ونقاشات صغيرة مع شريككِأو أولادكِ أو إخوتك أثناء العزل الذاتي، لذا يُساعد التأمل على إيقاف هذه المشاجرات أو التخفيف من حدتها؛كونه يساعدكِفي الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع الآخرين، ويُعزز ثقتكِ بنفسكِ.

مارسي التأمل والعادات الغذائية الصحية أثناء العزل الذاتي
مارسي التأمل والعادات الغذائية الصحية أثناء العزل الذاتي

حافظي على عادات غذائية صحية

غالبًا ما يُحفز التوتر والملل الناتج عن البقاء في المنزل، على الإفراط في تناول الطعام. بالنسبة للكثيرين، لا تكتمل مشاهدة الأفلام والمسلسلات على التلفاز أو اللابتوب دون تناول رقائق البطاطس والفشار والحلويات. كما يُعد طلب الطعام عبر الإنترنت للتوصيل من السلوكيات الشائعة في العزل الذاتي.

ومع ذلك، تؤثر هذه الأنشطة على صحتنا بشكل كبير، لذا يمكن أن يكون تسجيل ما تأكلينه خلال العزل الذاتي، مفيدًا لمراقبة عادات الأكل غير الصحية. بخلاف ذلك، يوصي الخبراء بالالتزام بالإرشادات المعتادة للتغذية الصحية وتخطيط الوجبات، حتى تتمكني من الاستعداد لرحلاتكِ الأسبوعية إلى متجر البقالة.

تواصلي مع نفسكِ

من الممكن جدًا أن تشعري بالوحدة وتفتقدي عائلتكِ وأصدقائكِ وصخب حياتكِ، أثناء العزل الذاتي. وهناك الكثير من الأفكار التي قد تخطر ببالكِ خلال البقاء في المنزل، ومن المهم أن تُخصصي مساحةً لها؛ ولكن من الضروري أيضًامعرفة كيفية إدارتها بطريقة صحية.

يُعدّ التقييم الذاتي وسيلةً جيدةً للتحدث مع نفسكِ ومعرفة مشاعركِ؛ فهو يساعدكِ على فهم نفسكِ ومشاعركِ بشكلٍ أفضل.

خذي استراحةً من وسائل التواصل الاجتماعي

أصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كل 30 دقيقة تقريباً (أو أكثر) أمراً واقعاً في أيامنا هذه. وكثيرًا ما نجد أنفسنانتصفحُ صفحاتنا الرئيسية كثيراً على تلك المنصات دون توقف.

على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تُعدَ وسيلةً رائعة للتواصل مع العالم خلال هذه الفترة، إلا أن الإفراط في استخدامها يؤثر سلباً على صحتكِ. وقد أثبتت العديد من الأبحاث أن قضاء المزيد من الوقت على منصات التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى تزايد مشاعر الغيرة والقلق والتوتر وانخفاض تقدير الذات وقلة النوم، فيما تقومين بالعزل الذاتي لتجديد حياتكِ وتحسينها.

لذا أريحي عقلكِ وعينيكِ من كثرة تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وخذي استراحةً منها بالنظر خارج النافذة أو التركيز على نقطةٍ معينة في البيت وممارسة التأمل الصامت لبعض الوقت.

في الخلاصة؛ فإن العزل الذاتي يُعدَ حاجةً ملحة في حال كثرة الضغوطات التي تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية. لكنها لا يجب أن تتحول إلى مساحةٍ لزيادة الاكتئاب والقلق، ولا فرصةً لتخريب حياتنا من خلال الأكل غير الصحي وقلة النشاط البدني.

للاستفادة من العزل الذاتي لأكبر قدر، احرصي على ممارسة بعض العادات الصحية المتعلقة بالغذاء والرياضة والراحة من وسائل التواصل الاجتماعي، كي تكون هذه الفترة أفضل ما تقدمينه لنفسكِ ورفاهكِ.