رؤية مستقبلية واعدة في مجال الصحة: تعرفي على علم الأحياء المُعزَز وتطبيقات العافية المخصَصة
علم الأحياء (البيولوجيا) هو العلم الطبيعي الذي يدرس الحياة والكائنات الحية، بما في ذلك تركيبها، ووظائفها، ونموها، وتطورها، وتوزيعها، وتصنيفها.
ينقسم علم الأحياء للعديد من الفروع والتخصصات الفرعية، منها علم الأحياء الخلوي الذي يدرس بنية ووظيفة الخلايا؛ علم الوراثة (الجينات) ويدرس كيفية توريث الصفات من جيلٍ إلى آخر، وعلم الأحياء الدقيقة الذي يختص بدراسة الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والفيروسات.
برز مؤخرًا تعديلٌ على علم الأحياء المعهود، يحمل تسمية "علم الأحياء المُعزَز" أو "الاختراق الحيوي" Biohacking، الذي لا يُعدَ مجرد مخططٍ ثابت؛ بل هو بمثابة واجهةٍ قابلة للتخصيص. ومن خلال الاختراق الحيوي، وأجهزة الاستشعار الحيوية القابلة للارتداء، والتشخيصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أصبح جسم الإنسان ساحةً للتطوير المستمر، مما يكاد يُلغي الخط الفاصل بين الصحة والتحسين والهوية.
الركائز الأساسية لهذا العلم تتمثل في الآتي:
1. الاختراق الحيوي كأسلوب حياة
• من الصيام المتقطع إلى التعرض للبرودة والمُنشَطات الذهنية، يتحول الاختراق الحيوي من مجرد هوايةٍ هامشية إلى اتجاهٍ حياتي سائد.
• يتَبنى المؤثرون والرؤساء التنفيذيون على حد سواء، ممارساتٍ ذاتية كمَية، لتحسين النوم والتركيز وطول العمر.
2. أجهزة الاستشعار الحيوية القابلة للارتداء
• تتتبع الأجهزة الطبية المتطورة الآن، مستويات الجلوكوز والكورتيزول ومعدل ضربات القلب وحتى موجات الدماغ آنيًا.
• يُتوقع التحول من التتبَع السلبي إلى التشخيص التنبئي (أي الذي يُنبأ بما يقرأه من تحليلاتٍ وأرقام) بالإضافة إلى حلقات التغذية التكيَُفية.

3. التشخيص المُدار بالذكاء الاصطناعي
• تتفوق نماذج الذكاء الاصطناعي على أخصائيي الأشعة في الكشف المبكر عن السرطان وتخصيص خطط العلاج، من ضمن مجالاتٍ صحية عديدة.
• يُتيح دمج علم الجينوم والتعلم الآلي، تدخلاتٍ صحية فائقة التخصيص.
4. التنميط الجيني وعلم الجينوم الغذائي
• باتت خطط المُكملات الغذائية وبرامج اللياقة البدنية القائمة على الحمض النووي متاحةً أكثر.
• التدريب فوق الجيني آخذٌ في الظهور، حيث يُرشد المستخدمين إلى "تفعيل" الجينات المفيدة من خلال نمط الحياة.
5. أدوات تحسين الأداء العصبي
• تُعيد واجهات الدماغ والحاسوب، والتحفيز عبر الجمجمة، وتطبيقات التغذية العصبية تعريف الإمكانات المعرفية.
• لم يعد تحسين الصحة العقلية أمرًا تفاعليًا فحسب، بل أصبح مُصمَمًا بدقة حسب احتياجات كل فرد.
علم الأحياء المُعزَز: أسئلةٌ أخلاقية وثقافية
لا شك في أن جميع ما تقدم، يُبرز تقدم الطب ومواكبته لعصر الحداثة والتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي؛ لكنه بالتأكيد يحمل العديد من التساؤلات المشروعة، منها:
1. من يحصل على تقنيات التحسين، ومن يُهمَل؟
2. هل سيصبح التحسين شكلاً جديدًا من أشكال رأس المال الاجتماعي؟
3. كيف نحافظ على الأصالة في عصر الأداء المُهندَس؟
شركات العافية في الخليج: التحسين الحيوي يلتقي بالابتكار الإقليمي
في منطقة الخليج، لم تعد العافية مقتصرةً على المنتجعات الصحية والعصائر العضوية، بل أصبحت مجالاً مدفوعاً بالتكنولوجيا. وتعمل الشركات الناشئة في دبي والرياض والدوحة على إدماج التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي وتقاليد العافية الثقافية، لإعادة تعريف الصحة كمبدأ للتحسين وليس فقط للبقاء على قيد الحياة.
وفي معرض فيبو أرابيا الذي عُقد مؤخرًا في الرياض بالمملكة العربية السعودية، تمَ إطلاق تقريرٍ عن تطور قطاع اللياقة البدنية في المملكة، أعدته وزارة الرياضة السعودية وشركة سي إيه إيه بورتاس. يُشكَل التقرير خارطة طريقٍ لتنمية هذا القطاع حتى عام 2030، كما يُسلّط الضوء على أهم الاتجاهات، ومنها التحوّل من المنافسة القائمة على الأسعار إلى نماذج تعتمد على القيمة، والنمو السريع في مشاركة النساء، وإمكانات هذا القطاع غير المُستغلة في المناطق التي لا تزال بحاجةٍ إلى مزيد من التنمية.
ومع توقعاتٍ بارتفاع إيرادات السوق إلى 15.5 مليار ريال سعودي بحلول عام 2030، يُشدد التقرير على أهمية تقديم خدمات مخصصة، والاستثمار في تطوير الموارد البشرية، والتوسع الاستراتيجي.
كذلك شهدَ قطاع العافية في الإمارات تحولًا جذريًا في 2025؛ حيث لم يعد مجرد رفاهية أو اتجاهٍ مؤقت، بل أصبح أسلوب حياة متكامل يُعيد تشكيل الثقافة، والاقتصاد، والتجربة اليومية. العافية في الإمارات لا تزدهر لأنها "موضة"، بل كونها تُلبّي حاجةً حقيقية للتوازن، والانتماء، والذكاء العاطفي. وقد أصبح الجمهور اليوم أكثر تقافةً ووعي، ويبحث عن تجارب تُضيف قيمةً حقيقية، لا مجرد تواصلٍ سطحي.
في عرضٍ لملامح قطاع العافية في الإمارات 2025؛ يمكن القول أن العافية Wellness باتت تتصدر الفعاليات وتُحدَد مقاييسها، سواء من افتتاحات المشاريع العقارية إلى مهرجانات السيارات. بعض الفنادق مثل ماندرين أورينتال مثلًا، تُقدم طقوسًا علاجية بالصوت ومراحل القمر ضمن برامج الضيافة؛ فيما تُركَز مطاعم مثل وايلد آند ذا موون وكومن جراوندز على صحة الأمعاء والمكونات الواعية في أطباقها.
فيما يخص تقنيات العافية المنزلية؛ فإن حوالي 70% من سكان الإمارات حاليًا يستخدمون العلاج بالضوء الأحمر (RLT) لتحسين البشرة، والنوم، واستعادة العضلات. وهناك توجهٌ متزايد نحو أدوات العافية التي تُمكّن الأفراد من إدارة صحتهم بأنفسهم، دون الحاجة لزيارة العيادات.
الاتجاهات الرئيسية لقطاع العافية في الخليج
تشهد بعض دول المنطقة توجهًا نحو المزيد من عيادات العافية الجينومية، التي تقدم خطط تغذية ولياقة بدنية قائمة على الحمض النووي لكل شخص، وغالباً ما تقترن بخدمات الاستقبال الفاخرة.
هناك أيضًا اتجاهٌ أكبر نحو دمج الأجهزة القابلة للارتداء، مثل أجهزة الاستشعار الحيوي وعصابات الرأس التي تعمل بتقنية الموجات الدماغية وتطبيقات معرفية مُصمَمة خصيصًا للمهنيين ذوي الأداء العالي. ناهيكِ عن "الاختراق الحيوي الحلال"، والذي يشمل مكملاتٍ غذائية وبروتوكولات صيام تتكيف مع الثقافة المحلية وتتوافق مع مبادئ العافية الإسلامية.
جمهور الرفاهية: النخبة المُعدّلة بيولوجيًا
بالنسبة لمُستهلكي الرفاهية، لم تعد العافية مجرد تفاعل؛ بل أصبحت تنبؤية، شخصية، وقائمة على المكانة الاجتماعية. وأصبحت البيولوجيا المُعزَزة رمزًا جديدًا للمكانة الاجتماعية، حيث تُقدم العيادات النخبوية باقاتٍ مُحسّنة ومُخصصة لكل فرد.
منها على سبيل المثال مُكملات مُخصصة بالذكاء الاصطناعي، يتم تصميمها بناءً على بيانات المؤشرات الحيوية والملفات الجينية للفرد في الوقت الفعلي. هناك أيضًا منتجعات إطالة العمر التي يُقبل عليها كثيرون حاليًا، وهي منتجعاتٌ راقية تُقدم العلاج بالتبريد، وحقن الخلايا الجذعية، وبروتوكولات تحسين الأداء العصبي. للموضة دورٌ أيضًا في هذا المجال، حيث يبحث الجمهور عن أجهزةٍ قابلة للإرتداء من تصميم العلامات التجارية المعروفة أو مُصمَمين مشهورين، تُشكَل جزءًا مما يُطلق عليه النخبويون "الذات المثالية" كجزءٍ من هويتهم.

مستقبليو الجيل Z: ثورة الذات الكمَية
بالنسبة لجيل زد، فإن علم الأحياء بالنسبة لهم هو ساحة لعبهم. فهم حريصون دومًا على تحسين نومهم، ومزاجهم، وتركيزهم، ولياقتهم البدنية باستخدام أدواتٍ تُركّز على التكنولوجيا - مدفوعةً بالفضول، والتفاعل المجتمعي، والتحكم.
قد يدهشكِ روية مشاركة أفراد هذا الجيل لبروتوكولات "اصنعها بنفسك" Make it Yourself على منصاتٍ مثل تيك توك، لمنتجاتٍ ومُكملات خاصة بهم. كما يلجأ هؤلاء لما يُعرف باسم "العافية المُلَعَبة" Gamified Wellness وهي تطبيقاتٌ تُكافئ المستخدمين على تحسين معدل ضربات القلب، ودورات النوم، أو المكاسب المعرفية التي يسعون لها. فضلًا عن أدواتٍ لتحسين التباين العصبي، مُصممة خصيصًا لمشكلاتٍ صحية مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والقلق، وتنظيم الحواس. هناك أيضًا الهوية الرقمية والقياسات الحيوية، التي يتم من خلالها استخدام بيانات المُستشعرات الحيوية كجزءٍ من شخصيات الإنترنت – على سبيل المثال "هذا هو رسم الكورتيزول الخاص بي، وليس مجرد صورةٍ شخصية".
خلاصة القول؛ أن الحداثة والتطور التكنولوجي اللذين نشهدهما في عصرنا الحالي، لم يعودا يقتصران على الطب والاكتشافات العلمية، بل توغلا ضمن ممارسات الناس الحياتية، خصوصأ فيما يتعلق بالعافية وعلم الأحياء. ومع أجيالٍ أكثر وعيًا بممارساتها الصحية مثل جيل زد وربما معهم جيل ألفا لاحقًا، فإن تعزيز تطبيقات واستخدامات الاختراق الحيوي بات أمرًا محتومًا على الجميع تلقَفه والعمل عليه، بعدما باتت العافية جزءًا أساسيًا من حياة الأفراد وليست مجرد رفاهية.