
مرض الكبد الدهني غير الكحولي MASLD: نمط حياتكِ هو العلاج الأول
معمل التمثيل الغذائي، هي التسمية التي تُطلق على الكبد؛ عضوٌ يوجد تحت القفص الصدري في الجانب الأيمن من البطن، ويمكن أن يصل وزنه إلى 4 أرطال (1.8 كيلوغرام). الكبد ضروري للمساعدة على هضم الطعام، وتخليص الجسم من الفضلات، وإنتاج موادٍ تُسمى عوامل التخثر، تحافظ على تدفق الدم بشكٍل سليم، فضلاً عن مهام حيوية أخرى.
كل هذه المهام تجعل من الكبد عضوًا أساسيًا في صحتنا وحياتنا؛ لكنه للأسف، كما هي الحال مع بقية أعضاء الجسم، يتعرض للكثير من المشكلات الصحية والأمراض التي يمكن أن تُعيق عمله الهام، وتضعه في خطرٍ كبير. أمراض الكبد متعددة الأسباب، وتتنوع بين عوامل فيروسية، نمط الحياة، الوراثة، والمناعة الذاتية؛ ما يعني أن للإنسان دورٌ كبير وأساسي، إما في حماية الكبد وتحصينه ضد الأمراض، أو تركه عرضةً للمشكلات الصحية، وعلى رأسها الكبد الدهني غير الكحولي.
من الإسم، يتبين لنا أن مرض الكبد الدهني غير الكحولي مرتبطٌ بناحيتين أساسيتين: الأولى تراكم الدهون عليه؛ والثانية عدم ارتباطه بالكحول، التي تُعدَ المشكلة الأساسية لمشاكل الكبد. وهو ما يعني أن للنظام الغذائي المتبَع، الدور الأساسي وراء زيادة الدهون على الكبد؛ لكنه قد يشمل أسبابًا أخرى، يُطلعنا عليها الدكتور زكريا المرايات، استشاري أمراض الجهاز الهضمي من مجموعة مستشفيات الإمارات في مقالة اليوم.

والبداية دومًا مع تعريف هذا المرض..
ما هو الكبد الدهني غير الكحولي؟
يُسمى اليوم مرض MASLD (Metabolic Dysfunction-Associated Steatotic Liver Disease). وقد كان يُعرف سابقًا باسم NAFLD كونه لا ينجم عن الكحول، لكن التسمية الجديدة تُوضح أن المرض مرتبطٌ بخلل الأيض (Metabolism) في الجسم.
الكبد من أكبر وأهم الأعضاء في الجسم، مسؤولٌ عن تخزين السكر والدهون والبروتينات وتصنيع الطاقة. ولهذا فإن أي خللٍ في هذه الوظائف، سوف ينعكس مباشرةً على صحة الإنسان.
لا بدَ من الإشارة هنا إلى أن هذا المرض لا يقتصر على البالغين فقط، بل قد يُصاب به أيضًا الأطفال والمراهقون، نتيجة الأنماط الغذائية الخاطئة وقلة النشاط البدني.
ما هو دور الكبد في الجسم؟
يشرح لنا الدكتور المرايات هذا الدور الكبير بالقول: "يُشبه الكبد مصنعًا ضخمًا يعملُ بلا توقف: يُنقّي الدم من السموم، يُحوّل الغذاء إلى طاقة، يُخزَن السكر على شكل جلايكوجين ويُطلقه عند الحاجة، يُوازن الدهون، ويُنتج البروتينات وعوامل التجلط. أي خللٌ في هذه الوظائف – مثل تراكم الدهون – قد يُربك الجسم بالكامل."
لماذا يحدث مرض الكبد الدهني غير الكحولي MASLD؟
والمقصود أكثر ما هي الأسباب التي قد تقف وراء إصابتنا بهذا المرض، الذي يُقدّر أن 25% من سكان العالم يعانون من الكبد الدهني غير الكحولي ، أي ما يقارب 1 من كل 4 أشخاص يعانون من هذا المرض. وفي بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، تصل النسبة إلى 30–40% بين البالغين، وتزداد لدى من يعانون من السُمنة أو السكري.
في منطقتنا العربية، ووفقًا لتقديرات مؤسسة CDA لعام 2023؛ يُتوقع أن يصل عدد المصابين بهذا المرض في المملكة العربية السعودية إلى 12.5 مليون شخص بحلول عام 2030. أما في الإمارات العربية المتحدة، فيُتوقع أن يبلغ عدد الحالات 372,000 بحلول العام 2030.
تتزايد حالات التهاب الكبد الدهني (NASH)، الشكل الأكثر خطورةً للمرض، بوتيرةٍ أسرع بسبب شيخوخة السكان وتطور المرض. مع توقَع أن ترتفع وفيات الكبد السنوية إلى 4800 حالة في السعودية، و140 حالة في الإمارات.
أرقامٌ مخيفة لا شك في ذلك؛ لكنها تُسلَط الضوء على أهمية التوعية من الأسباب التي قد تقف وراء زيادة خطر الإصابة بهذا المرض، وهي الآتية كما أفادنا بها الدكتور المرايات:
1. السُمنة وزيادة الوزن.
2. مقاومة الإنسولين.
3. النظام الغذائي غير الصحي.
4. قلة الحركة والخمول.
5. العوامل الوراثية والتاريخ العائلي للإصابة بمرض الكبد الدهني غير الكحولي.
6. اضطراباتٌ أخرى مثل تكيَس المبايض أو ارتفاع ضغط الدم.
ذكرنا في مقدمة المقالة، أن الأطفال وصغار السن، ليسوا بمأمن للأسف من هذا المرض. وينقل لنا الدكتور المرايات عن دراساتٍ حديثة نشرت في PubMed، تؤكد أن الأطفال والمراهقين معرَضون اليوم للإصابة بالمرض بسبب الإفراط في الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، والجلوس الطويل أمام الشاشات؛ ما يرفع خطر إصابتهم بالسكري والكوليسترول في سنٍ صغيرة.
لعل هذه الدراسات تعمل على تحذير وتنبيه الأهل، على ضرورة اتخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامة ووعي فيما يخص نمط حياة أطفالهم وتحسين نظامهم الغذائي والبدني، بما يضمن حمايتهم ليس فقط من مرض الكبد الدهني غير الكحولي وإنما من أمراضٍ أخرى مرتبطة بالنمط الخامل.
ما هي أعراض مرض الكبد الدهني غير الكحولي؟
قد لا تظهر أعراضٌ واضحة لمرض MASLD، يجيب استشاري أمراض الجهاز الهضمي في مجموعة مستشفيات الإمارات الدكتور زكريا المرايات؛ لكن من الممكن ملاحظة الأعراض التالية:
• الإرهاق المستمر.
• ثقل في البطن.
• زيادة الوزن غير مبررة.
• اضطراب الشهية.
• الشعور بالانتفاخ.
في حال لم يُعالج المرض وأُهمل (كما يحصل مع العديد من مشكلاتنا الصحية للأسف)؛ فإن مضاعفات الكبد الدهني غير الكحولي قد تشمل التهاب الكبد الدهني (MASH)، تليَف الكبد، سرطان الكبد، وأمراض القلب والسكري.

كيف يتم علاج مرض MASLD؟
نمط الحياة أولًا هو المعيار الأساسي لعلاج الكبد الدهني غير الكحولي، بما أنه لا يوجد دواءٌ محدد ومعتمد لعلاج MASLD، يجيب الدكتور المرايات. ما يعني أن تغيير نمط الحياة المتبَع هو الحل الأساسي. ولا بدَ أن يشمل:
1. خسارة الوزن الزائد والذي يمكن أن يرفع من مؤشر كتلة الجسم BMI.
2. اتباع النظام المتوسطي كأحد أفضل الخيارات الصحية المتوفرة حاليًا.
3. تقليل تناول السكريات التي يمكن أن تتحول إلى دهون في حال عدم حرقها جيدًا.
4. ممارسة الرياضة للتخلص من الدهون والسكر المتراكم على الكبد.
5. ضمان الحصول على نومٍ كافٍ كل ليلة.
6. الاقلاع عن التدخين بكافة أنواعه ومُسمياته.
7. شرب الماء بكثرة وانتظام.
لشرح المزيد عن النقاط المذكورة آنفًا، قدم لنا الدكتور المرايات النموذج الآتي:
1. النظام الغذائي بالتفصيل
• خسارة 5 – 10% من الوزن تُحسّن وظائف الكبد.
• اتباع النظام المتوسطي: الذي يتضمن زيت الزيتون، الأسماك، المكسرات، الخضروات، والحبوب الكاملة.
• تقليل السكريات البسيطة مثل المشروبات الغازية والعصائر الصناعية.
• استبدال اللحوم الحمراء بالبقوليات والدواجن.
• شرب القهوة باعتدال.
2. النشاط البدني
• المواظبة على ممارسة 150 دقيقة من الرياضة أسبوعيًا (بعض الأمثلة المشي أو السباحة).
• القيام بتمارين المقاومة مثل الأوزان الخفيفة.
• تقليل الجلوس الطويل بالحركة كل ساعة.
3. العادات اليومية
• النوم 7 – 8 ساعات يوميًا.
• تقليل التوتر من خلال اليوغا أو التأمل.
• شرب لترين من الماء.
• التوقف عن التدخين والكحول.
ماذا تقول الدراسات العلمية؟
أكدَت مراجعاتٌ علمية عدة أن التغيير المتكامل (غذاء + رياضة + نوم) هو أكثر فاعليةً من الغذاء وحده. فإنقاص 10% من الوزن مثلًا، يُحسَن التليف الكبدي؛ تقليل السكر يُخفَض تراكم الدهون، وجودة الغذاء تبقى أهم من عدد السعرات الحرارية المتناولة يوميًا.
نصائح عملية للبدء اليوم
نُشارككِ بها بناءً على توصيات الدكتور المرايات، لعلها تكون نقطة الإنطلاق نحو حياةٍ صحية أفضل للكبد ومختلف أجهزة الجسم:
• قلَلي السكر تدريجيًا في الشاي والقهوة.
• استبدلي الحلويات بالفواكه، بكمياتٍ معتدلة.
• اجعلي الماء أول مشروبٍ في يومكِ.
• إمشِ لمدة 20 دقيقة على الأقل يوميًا.
• دوَني خطةً أسبوعية لطعامكِ ونشاطكِ.
في الختام؛ فإن مرض الكبد الدهني غير الكحولي MASLD ليس حكمًا نهائيًا، بل جرس إنذارٍ صحي لا ينبغي إغفاله. والكبد قادرٌ على التجدَد إذا منحتهِ الفرصة المناسبة من خلال الغذاء الصحي، النشاط البدني، والنوم الكافي.
للمزيد من المعلومات، يمكنكِ زيارة الموقع الرسمي لمجموعة مستشفيات الإمارات: https://emirateshospitals.ae/