
الورم الليمفاوي: وعيٌ مستمر وعلاجاتٌ حديثة.. تمنح الأمل للمرضى
ليس كل ورمٍ خبيث، هذا ما يجب التفكير فيه دومًا؛ لأن الورم يمكن أن يكون حميدًا وأن لا يُثير القلق الذي نتخبط فيه أحيانًا، كلما سمعنا أو شعرنا بكتلةٍ غريبة في الجسم.
لكن هذا لا ينفي أن بعض الأورام قد تُخفي تحتها سرطانًا مزعجًا، يُهدَد الحياة؛ سرطانٌ يحتاج لتدخلٍ طبي سريع، وعلاجٍ متكامل، بغية التخلص من الورم الخبيث وعودة الشخص المصاب بالسرطان لمزاولة حياته الطبيعية من جديد والاستمتاع بها.
بدأتُ مقالتي اليوم بهذه المقدمة، للتركيز أكثر فأكثر على وعينا بكافة الأورام التي قد تظهر لنا أو لأحبتنا ومعارفنا؛ فالمعرفة نصف العلاج، والوعي تجاه مسائلنا الصحية أمرٌ حيوي ومهم، لضمان رفاهنا. لهذا ينبغي تتبَع الأيام والأشهر الصحية التي تدعو إلى التوعية بكافة الأمراض والمشاكل الصحية، ومنها اليوم العالمي للتوعية بالورم الليمفاوي الذي صادف يوم أمس 15 سبتمبر.
في كل عام من هذا الوقت، تتضافر جهود الأطباء وخبراء الصحة، للتوعية بضرورة معرفة المزيد عن هذا المرض وطرق تشخيصه وعلاجه، مع التأكيد على أهمية الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى المصابين به. هذا النوع من السرطانات الذي يصيب الجهاز الليمفاوي، يُعدَ للأسف من أكثر أمراض الدم الخبيثة شيوعًا؛ ومع ذلك فإن تشخيصه المبكر وتطوَر العلاجات يجعلان فرص الشفاء أكبر من أي وقتٍ مضى.

هذا ما أكدَه لنا الدكتور سدير الراوي، استشاري جراحة الأورام في مستشفى فقيه الجامعي. هذا الطبيب العراقي المثابر والشغوف بعمله، والذي تلَقى تدريباً متخصصًا في مجال جراحات تنظير البطن المتقدمة وجراحات الجهاز الهضمي والثدي والغدد الصمَاء، مع التركيز على إنشاء مراكز متميزة ومتخصصة في أماكن مختلفة في العالم بما في ذلك فلوريدا ودبي وأبوظبي؛ غالبًا ما يمنحنا المزيد من معرفته الواسعة بمجال الأورام. وفي مقابلة اليوم، يتحدث الدكتور الراوي لمحررة صحة على موقع "هي" عن الورم الليمفاوي، أعراضه، عوامل الخطر التي تزيد من إصابته، إلى جانب التشخيص المبكر الذي ينصح به دومًا وطرق العلاج، خصوصًا الحديثة منها والتي تمنح الأمل للكثير من الناس.
ما هو الورم الليمفاوي؟
بحسب الدكتور الراوي، فالورم الليمفاوي هو سرطانٌ ينشأ في الجهاز الليمفاوي، وهو جزءٌ مهم من جهاز المناعة (يشمل هذا الجهاز الغدد الليمفاوية، الطحال، نخاع العظم، اللوزتين، والغدة الزعترية، ويعمل على تصفية السوائل ومكافحة العدوى).
تنقسم أورام الغدد اللمفاوية إلى نوعين رئيسيين:
1. هودجكين ليمفوما: ويتميز بوجود خلايا ريد-ستيرنبرغ (Reed–Sternberg)؛ غالبًا ما يبدأ في الرقبة أو الصدر وينتشر بشكلٍ مُنظَم.
2. ليمفوما لا هودجكينية: نوعٌ يشمل مجموعةً واسعة من الأورام ذات الأنماط المختلفة، مثل ليمفوما بوركيت؛ وقد يصيب الخلايا البائية أو التائية في أماكن مختلفة من الجسم.
كلا النوعين لهما مساراتٌ مرضية متباينة، وبالتالي يحتاجان إلى خططٍ علاجية مُخصَصة لكل منهما.
تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى تسجيل أكثر من نصف مليون إصابة جديدة بالورم الليمفاوي غير هودجكين سنويًا حول العالم، وأكثر من ربع مليون وفاة. وعلى الرغم من خطورة هذه الأرقام، إلا أن معدلات البقاء على قيد الحياة قد تحسنت خلال السنوات الأخيرة، بفضل الاكتشاف المبكر وتطوَر العلاجات المناعية والمُوجَهة التي يُطلعنا عليها الدكتور الراوي لاحقًا في هذه المقالة.
ما أعراض الورم الليمفاوي التي لا يجب إهمالها؟
سؤالٌ مهم لا شك يخطر في بال الكثيرين منا، والإجابة عليه لدى الدكتور الراوي، الذي أشار إلى أن أعراض الورم الليمفاوي قد تكون بسيطةً وعرضية في البداية، ما يُسبَب تأخر التشخيص. ومن أبرزها:
• تورّمٌ غير مؤلم في العُقد الليمفاوية.
• الحمى المستمرة.
• التعرَق الليلي الغزير.
• فقدان الوزن المفاجئ.
• الإرهاق المستمر.
• حكة جلدية أو ضيق في التنفس بسبب ضغط الكتل على الصدر.
من الطبيعي أن يكون هناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالورم الليمفاوي، فما هي؟ الإجابة في السطور التالية..
ما هي عوامل الخطر للورم الليمفاوي؟

وفقًا لاستشاري جراحة الأورام في مستشفى فقيه الجامعي الدكتور سدير الراوي؛ تشمل عوامل الخطر التي قد تزيد من احتمالية الإصابة بالورم الليمفاوي ما يلي:
1. ضعف الجهاز المناعي، سواء نتيجة أمراضٍ وراثية أو مُكتسبة.
2. العدوى الفيروسية مثل EBV وHIV.
3. أمراض المناعة الذاتية.
4. التاريخ العائلي للإصابة بمثل هذه الأورام.
5. السُمنة والتدخين والتعرض لمواد مُسرطنة.
من الممكن دومًا كشف الإصابة بالورم الليمفاوي، في حال الخضوع للتشخيص المبكر والصحيح.
ما هي طرق تشخيص وعلاج الورم الليمفاوي؟
يعتمد التشخيص على الفحص السريري وخزعة العُقدة الليمفاوية، يجيب الدكتور الراوي؛ إضافةً إلى الفحوص المخبرية والتصوير الطبي مثل PET-CT، وأحيانًا التحاليل الجينية والمناعية التي تساعد على تحديد العلاج الأنسب.
وهناك العديد من خيارات العلاج التقليدية، التي تتضمن:
• العلاج الكيميائي: ويُعدَ الأساس في العديد من البروتوكولات مثل CHOP وABVD.
• العلاج الإشعاعي: ويُستخدم غالبًا مع الكيميائي أو في المراحل المبكرة للمرض.
• زراعة نخاع العظم والخلايا الجذعية: لعلاج الحالات المتقدمة أو المنتكسة.
نشهد بفضل الله، وجهود المعنيين، الكثير من التطور في علاجاتٍ طبية تُعيد الأمل للمرضى وتفتح المجال واسعًا أمام التخلص من الأمراض بسرعة وفعالية. منها الورم الليمفاوي الذي شهدَ خلال السنوات الأخيرة، "طفرةً" إنما إيجابية كما حدَدها الدكتور الراوي في علاج الأورام الليمفاوية، أبرزها:
1. الأجسام المضادة وحيدة النسيلة مثل Rituximab التي تستهدف بروتينات محددة على سطح الخلايا السرطانية.
2. العلاجات المُوجَهة التي تضرب مساراتٍ جزيئية محددة داخل الخلية.
3. العلاج بالخلايا التائية المعدلة وراثيًا (CAR-T)، حيث يتم إعادة برمجة الخلايا المناعية للمريض لمهاجمة الخلايا السرطانية مباشرة؛ وقد أثبتَ فعاليةً عالية في الحالات المقاومة للعلاج.
4. مُثبطات نقاط التفتيش المناعية، التي تُحفَز جهاز المناعة لمهاجمة الورم بقوةٍ أكبر.
5. التجارب السريرية التي تفتح الباب أمام العلاجات المبتكرة قبل اعتمادها على نطاقٍ واسع.
ماذا عن الدعم النفسي والاجتماعي لمرضى الورم الليمفاوي؟
مهمٌ بالتأكيد، يؤكد الدكتور الراوي؛ فرحلة العلاج لا تقتصر على الدواء فقط، بل تشمل الدعم النفسي والمعنوي. إذ يحتاج المريض إلى المساندة من عائلته وأصدقائه، إضافةً إلى الاستشارات النفسية المتخصصة ومجموعات الدعم، التي تُعزَز من صموده وتساعده على مواجهة تحديات المرض.
في الختام؛ يؤكد الدكتور سدير الراوي أن اليوم العالمي للتوعية من الورم الليمفاوي هو دعوةٌ مفتوحة للجميع: المرضى، الأطباء، الباحثين، وصنَاع القرار؛ للعمل معًا لمكافحة هذا المرض. فالتوعية لا تقلَ أهميةً عن الدواء، والدعم النفسي والاجتماعي لا يقلَ قيمةً عن العمليات الجراحية والعلاجات المناعية.