هل التهاب الشعب الهوائية يحتاج مضادًا حيويًا

لماذا تفشل المضادات الحيوية غالبًا في علاج التهاب الشُعب الهوائية؟

جمانة الصباغ
15 ديسمبر 2025

ثمة سيناريو يتكرر ملايين المرات في كل شتاء: تُصابين بعدوى تنفسية، ولا يهدأُ السعال الذي يعتريكِ؛ يصف لكِ الطبيب المضادات الحيوية، وتتناولين جميع أقراص الأدوية الموصوفة لكِ، ولكن بعد مرور ثلاثة أسابيع، ما زلتِ تعانين من سعالٍ شديد، وتشعرين بحالةٍ من الإنهاك تجعلكِ تتساءلين عن مكمن الخلل.

ما الذي يغفل عنه الأطباء؟

لا تصلح المضادات الحيوية لمواجهة الفيروسات المسببة للمرض
لا تصلح المضادات الحيوية لمواجهة الفيروسات المسببة للمرض

لسنواتٍ طويلة؛ قدّم الطب تفسيرين فقط وراء هذا الأمر، وهما إما أن العدوى فيروسية (مما يجعل المضادات الحيوية في هذه الحالة عديمة النفع)، أو أن الممرات الهوائية لديكِ قد تعرضت لتلفٍ دائم. غير أن أبحاثًا حديثة تُشير إلى أننا أغفلنا أمرًا جوهريًا، وهو السبب الحقيقي، بحيث قد تكون خلاياكِ تعمل وهي فارغةٌ تمامًا من الطاقة.

ماذا يعني ذلك؟ وهل بالإمكان بالفعل التخلص من السعال الناجم عن العدوى التنفسية، في حال اتباع العلاج المناسب؟ هذا ما يجيب عليه الخبراء في Bien Etre (شركة تكنولوجيا صحة المستهلك الرائدة في مجال التشخيص ومنتجات العافية لتمديد فترة الصحة عبر طول العمر والعافية والجمال) في مقالة اليوم؛ فإذا كنتِ عزيزتي ممن يعانون من هذه المشكلة، تابعي قراءة السطور التالية.

المشكلة في النهج العلاجي الحالي

لنوضح أمرًا مهمًا: تعمل المضادات الحيوية بكفاءة ضد البكتيريا؛ لكن ما لا يعرفه غالبية الأشخاص أن 90٪ من حالات التهاب الشُعب الهوائية الحاد سببها فيروسي. لذا، فإن مجموعة المضادات الحيوية التي يصفها الطبيب لكِ، تعالج شيئًا غير موجود في الأساس.

وحتى حينما يكون للبكتيريا دور، فإنها غالبًا ما تكون مجرد مُتطفلين يستغلون الأنسجة المتضررة مسبقًا، أي أننا نعالج العَرَض المرضي وليس السبب. يشبه الأمر استبدال إطارات سيارتكِ، في حين المشكلة الحقيقية تكمن في أن خزان الوقود فارغ.

أزمة الطاقة داخل خلاياكِ

هنا تصبح الأمور أكثر إثارةً للاهتمام؛ حيث تعمل كل خلية في جسمكِ اعتمادًا على جُزيء يُسمى مركب النيكوتيناميد أدينين ثنائي النوكليوتيد "NAD+". وهو بمثابة بطارية لخلاياكِ، إذ يمدَ كل شيء بالنشاط، بدءًا من إنتاج الطاقة وصولًا إلى إصلاح الحمض النووي.

تستهلك رئتاكِ الطاقة بشراهة، وتحتاجان كمياتٍ هائلة من مركب "NAD+" لطرد المخاط، مكافحة العدوى، وإصلاح الضرر. ولكن المشكلة تكمن في أنه حينما تتعرضين لدخان السجائر، أو التلوث، أو العدوى المتكررة، تدخل خلايا رئتيكِ في حالة نشاطٍ مفرط، في محاولة لإصلاح تلف الحمض النووي.

تُنشّط عملية الإصلاح إنزيمات تُسمى (إنزيمات بولي أدينوسين ثنائي الفوسفات ريبوز بوليميراز)، وهي بمثابة طواقم إصلاح في حالات الطوارئ؛ لكن هذه الطواقم باهظة التكلفة، إذ تستنزف مركب "NAD+" بمعدلٍ يُنذر بالخطر. وسرعان ما تواجه خلاياكِ خيارًا صعبًا، إما إصلاح الحمض النووي أو الحفاظ على الوظائف الطبيعية؛ فتختار البقاء، مستنزفةً مخزون مركب "NAD+" لإصلاح الحمض النووي، بينما تتعطل الوظائف الأخرى.

الانهيار الثلاثي

حينما ينفد مركب " NAD+" من خلايا رئتيكِ، تتعطل ثلاثة أنظمة حيوية:

هل التهاب الشعب الهوائية يحتاج مضادًا حيويًا - رئيسية
هل التهاب الشعب الهوائية يحتاج مضادًا حيويًا

•       أولًا، يُصيب الخمول خلاياكِ المناعية؛ فبدون طاقة، تعجز هذه الخلايا عن القضاء على مُسبَبات الأمراض وتدميرها أو إزالة الملوثات بكفاءة. يشبه الأمر وجود حراس أمن بلغ بهم الإنهاك حدًا أعجزهم عن القيام بدورياتهم الأمنية.

•       ثانيًا، يخرج الالتهاب عن السيطرة؛ إذ يمتلك جسدكِ "وسائل إيقاف" طبيعية للالتهاب تسمى "سيرتوينات"، لكنها تحتاج إلى مركب " NAD+" حتى تتمكن من العمل. وبدونه، يستمر الالتهاب دون توقف، مثل إنذار حريق يأبى التوقف حتى بعد إخماد النيران.

•       ثالثًا، يتوقف إصلاح الأنسجة؛ إذ تعجز بطانة الرئة عن التجدد بدون وجود طاقة. وبدلًا من الشفاء، تدخل الخلايا مرحلة شيخوخةٍ مبكرة، تاركةً إياكِ مع ضررٍ دائم وذلك السعال المستمر المزعج.

مسار علاجي مختلف

يُغيَر هذا المنظور الأيضي طريقة تفكيرنا في صحة الجهاز التنفسي؛ فبدلًا من الاكتفاء بقتل البكتيريا، ماذا لو أمكننا استعادة قدرة الجسد الذاتية على الشفاء؟

يعكف الباحثون على دراسة سلائف مركب " NAD+"؛ وهي مُركبات مثل "أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد" و"ريبوسيد النيكوتيناميد" التي تُعزَز مستويات مركب " NAD+" في الخلايا، فهي بمثابة كابلات تشغيل لخلايا منهكة. وتُظهر الدراسات الأولية على مرضى الانسداد الرئوي المزمن نتائج واعدة في هذا الخصوص، مما يشير إلى أن هذه التدخلات قد تساعد الخلايا في طرد المخاط، التحكم في الالتهاب، وإصلاح الضرر فعليًا.

وفي عيادة Bien Etre، يتم تطبيق المبدأ ذاته في طب إطالة العمر؛ وذلك من خلال قياس مستويات مركب " NAD+" وتحسينها قبل ظهور المرض، بما يشبه صيانة سيارتكِ بانتظام دون الانتظار حتى تتعطل.

نظرة واقعية

فلنكن واضحين: هذا علمٌ متطور للغاية، وليس ممارسة طبية راسخة بعد؛ فما يزال تحسين مستوى مركب " NAD+" لعلاج التهاب الشُعب الهوائية قيد الدراسة. وفي حال كنتِ تعانين أعراضًا تنفسية مستمرة، راجعي طبيبك أولًا لاستبعاد الالتهاب الرئوي، أو مرض الانسداد الرئوي المزمن، أو غيرهما من الحالات الخطيرة.

ما يثير الحماسة هنا هو الانتقال من عقلية "قتل الجرثومة" إلى فهم الصحة على مستوى الخلايا؛ فقد لا يكون سعالكِ المستمر بسبب بكتيريا عنيدة، بل قد يكون صراخ خلاياكِ طلبًا للطاقة.

وتذكَري، في المرة القادمة التي تُصابين فيها بالتهاب الشُعب الهوائية، أن المضادات الحيوية قد لا تكون الحل الشافي، وقد يكمن الحل الحقيقي في منح خلاياكِ الوقود الذي تحتاج إليه لتعود إلى دورها المعهود: شفاء نفسها بشكلٍ ذاتي.