كيف ترتبط صحة القلب والدماغ ببعضهما البعض

خبير من مايو كلينك.. يشرح العلاقة القوية والتأثير المتبادل بين القلب والدماغ

جمانة الصباغ

للقلب ذاكرةٌ، فهل للعقل مشاعر؟ تساؤلٌ مشروع، يجيب عليه الذكاء الاصطناعي بأن العقل يدرك المشاعر من خلال تفاعله مع الجسم وتلَقي الإشارات الكيميائية؛ أما القلب فله ذاكرةٌ خاصة من خلال امتلاكه لشبكة عصبية مُعقدة من آلاف الخلايا العصبية التي يمكنها التعلَم وتخزين المعلومات.

وهو ما يُثبت بما لا يقبل الشك، بالعلاقة الوثيقة والتأثيرات بين الدماغ والقلب.

ربما سمعتِ من قبل عن الصلة بين العقل والجسم، وذلك المفهوم الواسع الذي يشير إلى أن الأفكار والمشاعر، خاصةً تلك المرتبطة بالتوتر، يمكن أن تؤثر في صحة الجسم. يبحث الدكتور محمد الخولي، اختصاصي أمراض القلب التداخلية في مايو كلينك في مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا، العلاقة بين الدماغ والقلب؛موضحًا بأن كلَ منهما قد يكون له تأثيرٌ قوي على الآخر.

كيف ترتبط صحة القلب والدماغ ببعضهما البعض؟

يصف الدكتور محمد الخولي تلك العلاقة بالقول: "مع أن العلاقة بين العقل والقلب جزءٌ من العلاقة الأوسع بين العقل والجسم، إلا أن لها درجةٌ فريدة من القوة. إذ يمكن لحالاتٍ نفسية مثل القلق أو الحزن أو حتى السرور، أن تؤثر على نُظم القلب وضغط الدم؛ بل حتى قد تزيد احتمال الإصابة بالنوبات القلبية. في الوقت ذاته، يرسل القلب إشاراتٍ إلى الدماغ عبر الأعصاب والهرمونات ومُستقبِلات الضغط، مما يؤثر على حالتنا المزاجية وانتباهنا ومستويات التوتر التي نشعر بها. أي أن القلب يتواصلُ هو الآخر مع الدماغ، وليس الدماغ فقط من يتواصل مع القلب."

كيف ترتبط صحة القلب والدماغ ببعضهما البعض - رئيسية واولى
كيف ترتبط صحة القلب والدماغ ببعضهما البعض

من الحالات المَرضية التي تؤدي فيها العلاقة بين الدماغ والقلب دورًا، التسلَخ التلقائي للشريان التاجي واعتلال القلب، الناتج عن التوتر المعروف أيضًا باسم متلازمة القلب المنكسر؛ وهما حالتان مَرضيتان يمكن أن يُسبَبهما التوتر. وقد شارك الدكتور محمد الخولي ضمن فِرَق مايو كلينك البحثية التي عملت على دراسة جوانب كلَ من الحالتَين.

ما هي متلازمة القلب المنكسر؟

تحدث هذه المتلازمة جراء التعرَض لمواقف ضاغطة ومشاعر مُفرطة الشدة، وهي حالةٌ مَرضية تعوق عملية ضخ القلب للدم بشكلٍ مؤقت. وقد يشعر المصابون بهذه المتلازمة، بألمٍ مفاجئ في الصدر، ما يدعوهم للاعتقاد بأنهم مصابون بنوبة قلبية.

لا يمكن تحديد ما إذا كانت متلازمة القلب المنكسر هي السبب الحقيقي لألم الصدر لدى المريض أم لا، باستخدام الأدوات التي تُستخدم عادةً للكشف عن النوبات القلبية. وفي معظم الحالات، يستدعي التفريق بين اعتلال القلب الناتج عن التوتر واحتشاء عضلة القلب الناتج عن انسداد الشريان التاجي إلى فحصٍ متوغل، وهو تصوير الأوعية الدموية التاجية. وقد توصلت الأبحاث التي تُجريها مايو كلينك إلى أن هناك تقنيةً حديثة تسمى التخطيط المغناطيسي للقلب، تُقيس المجالات المغناطيسية التي يُولّدها القلب، يمكن أن تساعد في التعرف على متلازمة القلب المنكسر. 

دراسةٌ أخرى لمايو كلينك، تشير إلى أن التسلخ التلقائي في الشريان التاجي؛ وهو أحد أنواع النوبات القلبية الناتجة غالبًا عن التوتر الجسدي أو العاطفي، قد يكون أثرًا ثانويًا ناتجًا عن متلازمة القلب المنكسر.

ويقول الدكتور محمد الخولي إنه في حالة متلازمة القلب المنكسر، لا يكون هناك تماثلٌ في الضعف المؤقت الذي يصيب القلب؛ بل إن أجزاءًا من القلب لا تتمكن من الانطباق كما ينبغي لها، فيما تبذل الأجزاء الأخرى جهدًا أكبر لتعويض هذا القصور. وتُعرِّض هذه الحركة غير المتساوية عضلة القلب لقوةٍ تُسبَب الالتواء (يا لهذا الوصف الموجع!). 

ويفيداختصاصي أمراض القلب التداخلية في مايو كلينك موضحًا: "نظرًا لأن الشرايين التاجية، وهي الأوعية الدموية الرئيسية التي تمدَ القلب بالدم تتواجد في الجزء العلوي من القلب، فإنها قد تتعرض للتمدَد أو الضغط في المناطق التي تتصل بها تلك المناطق زائدة النشاط والأخرى منخفضة النشاط أثناء الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر. وفي بعض الحالات يمكن أن يؤدي هذا الضغط إلى حدوث تمزقٍ في جدار الشريان، وهذا ما نُسميه التسلخ التلقائي في الشريان التاجي."

كذلك يشير الدكتور الخولي إلى سؤالٍ ما زال بانتظار الإجابة عليه، وهو ما سببُ تعرَض بعض الناس لمتلازمة القلب المنكسر بعد التعرض لصدمةٍ عاطفية، فيما لا يتعرضُ لها آخرون.

ماذا يفعل التوتر العاطفي بصحة قلوبنا؟

وفقًا للدكتور الخولي، يمكن للتوتر العاطفي أن يزيد من احتمالية الإصابة بحالاتٍ مرضية أخرى في القلب مثل:

• ارتفاع ضغط الدم المعروف أيضًا باسم فرط ضغط الدم.

• مرض القلب.

• تسرَع القلب الأذيني.

• تباطؤ نَُظم القلب.

ويضيف: "أكثر ما يثيرُ إعجابي هو مدى عمق التداخل بين الحالة العاطفية ونظام عمل القلب والأوعية الدموية، ومدى عجزنا عن فهمه حتى الآن. فهل سيمكننا يومًا، ما إعادة هيكلة هذه العلاقة بما يخدم أغراض الشفاء، باستخدام طرق العلاج أو تعديل النشاط العصبي (تغيير نشاط الأعصاب في المواضع المستهدفة في الجسم باستخدام وسائل كهربائية أو كيميائية)، أو حتى الأدوات الرقمية؟ نحن ندرسُ في مايو كلينك هذه الأسئلة، ونبدأ في التعامل مع القلب والدماغ لا على أساس أنهما عضوان منفصلان، بل أنهما شبكةٌ تفاعلية واحدة."

تعمل تلك الشبكة في الاتجاهين؛ويتابع الدكتور محمد الخولي العمل ضمن فريق عيادة القلب والدماغ في مايو التي يتعاون فيها أطباء القلب وأطباء الاعصاب، لتقييم حالات المرضى الذين قد تكون لديهم أعراضٌ عصبية يمكن أن يرجع سببها لأحداثٍ قلبية.

هؤلاء المرضى لديهم ارتباطٌ وثيق بين القلب والدماغ، مثلما يحدث في حالة السكتات الدماغية الناتجة عن جلطاتٍ تتكون في القلب، وتُعرَف بالسكتات الدماغية الناتجة عن الانصمام القلبي. كذلك قد يكون من أسباب النوبة الإقفارية العابرة، وهي حالةٌ لها أعراضٌ شبيهة بالسكتة الدماغية تستمر فترةً قصيرة، جلطةٌ دموية تنتقل من جزءٍ آخر من الجسم كالقلب إلى أحد الشرايين التي تُغذّي الدماغ. كذلك يمكن أن تؤدي حالةٌ مرضية قلبية تُسمى تصلّب الشرايين، وهي تراكمٌ للدهون والكوليسترول وغيرهما من المواد داخل الشرايين وعلى جدرانها، إلى نوبةٍ إقفارية عابرة. 

ثمة علاقة قوية وارتباطٌ بين صحة القلب والدماغ
ثمة علاقة قوية وارتباطٌ بين صحة القلب والدماغ

ما السبيل للوقاية من هذه الأمراض؟

ما تزال هناك حاجةٌللمزيد من البحث، للتوصل إلى فهمٍ أفضل لكيفية توظيف العلاقة بين الدماغ والقلب في الوقاية من الأمراض والشفاء منها. ويقول الدكتور محمد الخولي في هذا الصدد: "هناك خطواتٌ يمكنكِ اتخاذها الآن للحفاظ على صحتكِ النفسية ستفيد قلبكِ، وخطواتٌ أخرى بإمكانكِ اتبَاعها للحفاظ على صحة قلبكِ ستفيد بدورها دماغكِ."

الأمر المبشر هنا أن ما يفيد دماغكِ، يكون مفيدًا لقلبكِ أيضًا في كثيرٍ من الحالات، والعكس صحيح، يضيف الدكتور الخولي. ويتضمن ذلك:

• السيطرة على التوتر.

• ضمان الحصول على قسطٍ عالي الجودة من النوم.

• الحفاظ على الروابط الاجتماعية.

• ممارسة التأمل أو الصلاة.

يختم الدكتور محمد الخولي حديثه بالقول: "جميعها لها فوائد ملحوظة لصحة القلب. وبالمثل، يمكن لممارسة نشاطٍ بدني بانتظام واتبَاع نظامٍ غذائي مفيد لصحة القلب والسيطرة على ضغط الدم ومستويات الكوليسترول، أن يُحسّن المزاج والوظائف الإدراكية. إنها حلقةٌ تكاملية قوية يؤدي فيها الاعتناء بأحدهما إلى فائدة الآخر."