
العقل والجسد وما بعده: تأثير العافية المتكاملة على الصحة العقلية
بات التوتر مشكلةً واسعة الانتشار، تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم. ووفقًا لتقارير حديثة، يعاني 41% من البالغين حول العالم من مستوياتٍ عالية من التوتر؛ وتُسجل بعض الدول مستويات توترٍ أعلى بكثير، كالولايات المتحدة بنسبة 53%.
ويُعدّ التوتر في مكان العمل أيضًا مصدر قلقٍ كبير؛ حيث أفاد 83% من الأمريكيين بمعاناتهم من التوتر في العمل، ويفكر 63% منهم بترك وظائفهم بسببه. وتتفاوت مستويات التوتر عالميًا، حيث سجلت اليونان أعلى نسبة توتر بنسبة 59%، بينما يبلغ متوسط مستوى التوتر في 143 دولة 35%.
أما في منطقة الشرق الأوسط، فتختلف مستويات التوتر؛ حيث تشهد بعض الدول معدلاتٍ أعلى بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية. ووفقًا لتقرير المشاعر العالمية لعام 2025، صُنفت قطر كأقل دولةٍ تعاني من التوتر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث سجلت 84.3 نقطة إجمالًا. تليها الإمارات العربية المتحدة بفارقٍ ضئيل، حيث احتلت المرتبة 25 عالميًا، بينما احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 38.

يُحتفل بشهر التوعية بالتوتر في أبريل من كل عام لزيادة الوعي به، وتأثيره على الصحة النفسية والجسدية، وطرق إدارته بفعالية. وخلال العام الحالي، حمل شعار التوعية عبارة #LeadWithLove ، لتشجيع اللطف والتعاطف والقبول في التعامل مع التوتر. وتتوفر العديد من الموارد لتخفيف حدة التوتر، من خلال أدلة التأمل وورش العمل وخطط العمل، لمساعدة الأفراد وأماكن العمل على تعزيز بيئةٍ صحية خالية من التوتر؛ الذي وبحسب الخبراء، يمكن أن يؤثر على التركيز والمزاج، وحتى على الصحة البدنية.
لذا فإن تعلَم استراتيجيات التكيَف - مثل ممارسة الرياضة واليقظة الذهنية وطلب الدعم – يُعتبر أمرًا بالغ الأهمية في الوقت الحالي، نظرًا لازدياد نسبة المصابين بالتوتر خاصةً بين جيل الشباب وجيل زد وألفا. للوقوف أكثر على ماهية التوتر، أسباب تزايد التوتر هذه الأيام، وكيفية إدارته وعلاجه لتحسين جودة حياتنا؛ كان لنا هذا اللقاء المثمر مع الدكتور بونج، أخصائي الطب التكاملي في مركز راكسا للعافية التكاملية والواقع في تايلاند.
بدايةً؛ هل لكَ أن تُخبرنا بتعريف ما هو التوتر، وكيف يؤثر على حياتنا؟
التوتر جزءٌ لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، فهو استجابتنا الطبيعية للتحديات والتغيير؛ ومع ذلك، تنشأ المشاكل عندما يصبح التوتر مُزمنًا أو تصعب السيطرة عليه. يمكن أن يُؤثر التوتر المستمر سلبًا على الصحة العقلية والجسدية، نظرًا لترابط هذه الجوانب بشكلٍ عميق. على سبيل المثال، يوضح محور الأمعاء والدماغ كيف يمكن للتوتر العاطفي أن يُضعف عملية الهضم؛ وفي المقابل، يمكن أن يؤدي ضعف الأمعاء إلى اختلالاتٍ في المزاج. لذا فإن فهم التوتر وإدارته أمرٌ بالغ الأهمية للحفاظ على الصحة النفسية على المدى الطويل.

ما الذي يجعلنا متوترين للغاية هذه الأيام؟
تتطلب الحياة العصرية تواصلًا مستمرًا، وإنتاجيةً لا هوادة فيها، وقدرةً سريعة على التكيَف. وتؤدي هذه الوتيرة عادةً إلى إرهاق الجهاز العصبي والشعور بالضياع الداخلي؛ حيث يشعر الكثير من الأفراد بالانفصال عن أنفسهم، وليس فقط بالإرهاق. وتُساهم عوامل مثل الإفراط الرقمي، والإرهاق، والانفصال العاطفي بشكلٍ كبير في تزايد مستويات التوتر المعاصرة.
ما هي علامات التوتر، خاصةً الخطيرة منها، التي يجب على الجميع التنبه إليها؟
يتجلى التوتر بأشكالٍ مختلفة، بما في ذلك مشاكل الجهاز الهضمي، واضطرابات النوم، وتقلَبات المزاج، والاختلالات الهرمونية. وتشمل علاماته الخطيرة:
• التعب المستمر.
• القلق.
• الشعور بالانفصال عن الذات.
وتشير هذه الأعراض إلى أن التوتر يؤثر على الصحة النفسية والجسدية، مما يستلزم اتبَاع نهجٍ شامل لمعالجة أسبابه الكامنة.
في هذه الحالة، كيف نديرُ التوتر؟
تتضمن إدارة التوتر فهم أسبابه الجذرية وتطبيق استراتيجيات لمعالجتها. في RAKxa مثلًا، نُركَز على العلاقة بين العقل والجسم، مدركين أن الصحة النفسية والجسدية لا ينفصلان. ويُحدد برنامجنا للتخلص من التوتر مصادره المختلفة - سواءً كانت اختلالات هرمونية، أو سمومًا بيئية، أو توترًا عاطفيًا - لتطبيق علاجاتٍ مُوجهة وشخصية. الهدف هو تعزيز المرونة الحقيقية والدائمة بدلًا من الاسترخاء المؤقت.
كيف يُساعد التشخيص (مثل اختبار الكورتيزول) في تحديد مصادر التوتر الخفية؟
تُعدّ أدوات التشخيص، مثل اختبار الكورتيزول والفحوصات الهرمونية، فعّالةً في الكشف عن مصادر التوتر الخفية. فهي تُقدّم رؤىً حول استجابات الجسم للتوتر، وتُساعد في تحديد الاختلالات التي قد لا تظهر فورًا. كما تُتيح هذه المعلومات وضع خطط علاجٍ مُخصّصة تُعالج العوامل الفسيولوجية المُحدّدة والمُساهمة في التوتر.

ما هي أفضل العلاجات التي تُقدّمونها لعلاج التوتر وتهدئة الجهاز العصبي؟
تُقدّم راكسا مجموعةً من العلاجات المُصمّمة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الفردية. مثلًا؛ يستهدف تشي ني تسانغ، وهو تدليكٌ بطني طاوي، منطقة البطن حيث غالبًا ما نُخزّن التوتر أو المشاعر غير المُعالجة، مما يُحفّز العصب المُبهم ويُعزّز الهضم. فيما يُهدئ الوخز بالإبر في فروة الرأس، الجهاز العصبي مُباشرةً، ويُحسّن صفاء الذهن. كذلك تُحفّز العلاجات الأيورفيدية، مثل شيرودارا، الاسترخاء العميق.
بالإضافة إلى ذلك، تُقدّم الممارسات القائمة على الحركة، مثل التاي تشي واليوغا، إلى جانب تمارين التنفس والتأمل، على تنظيم الحالة النفسية وتهدئة العقل. كما تتوفر ممارسات شفاء الطاقة، مثل العلاج بالكريستال، لمن ينفتحون على أشكالٍ أكثر دقة من إعادة التوازن.
لماذا يُعدَ علاج التوتر أمرًا بالغ الأهمية؟
بالفعل إنه أمرٌ حيويٌ وهام بدرجةٍ كبيرة؛ لأن التوتر المُزمن يُسبَب ضعفًا كبيرًا في الصحة النفسية والجسدية. ويمكن أن يؤدي استمراره وعدم علاجه؛ إلى اختلالاتٍ هرمونية، ومشاكل في الجهاز الهضمي، واضطرابات النوم، وعدم الاستقرار العاطفي. يساعد علاج التوتر من خلال نهجٍ شامل، يتضمن التشخيص والعلاجات الشخصية، على استعادة التوازن وتعزيز الصحة النفسية على المدى الطويل.
ما هي أفضل النصائح النفسية اليومية التي تقدمها لقارئات "هي"، للتغلب على التوتر وإدارته بشكلٍ صحيح؟
يمكن أن يُؤثر دمج الممارسات اليومية البسيطة بصورةٍ كبيرة، على إدارة التوتر:
1. بدء اليوم بخمس دقائق من التنفس الواعي أو الحركة اللطيفة يُضفي جوًا من الهدوء.
2. اتباع نظامٍ غذائي صحي غني بالأطعمة الكاملة والمكونات المُخمرة يدعم صفاء الذهن.
3. يساعد قضاء الوقت في الطبيعة على إعادة التوازن الداخلي، وتحسين الطاقة والمزاج.
4. ممارسة النظافة النفسية من خلال تدوين المذكرات أو التدليك الذاتي للبطن، يُساعد على معالجة المشاعر.
5. وضع حدودٍ رقمية، وخاصة قبل وقت النوم، يسمح للجهاز العصبي بالراحة والتعافي.

خلاصة القول؛ إدارة التوتر بشكلٍ فعال يمكن أن تُحسَن صحتكِ العامة، خصوصًا في ضوء الأضرار الجسدية والنفسية والفكرية التي يُخلَفها كثرة التوتر على حياتنا اليومية.
إن التعامل مع التوتر يتطلب تبنَي أساليب متعددة لتقليل مستويات الضغط النفسي وتعزيز الصحة العقلية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ممارسة الأنشطة البدنية، اتباع نظامٍ غذائي صحي، وتطبيق تقنيات الاسترخاء مثل التأمل واليوغا. من المهم أيضًا تخصيص وقتٌ للاسترخاء، التواصل مع الآخرين، والبحث عن الدعم المهني إذا لزم الأمر.