جزيئات الأمل: ثورةٌ في عالم الصحة النفسية مصدرها الحركة

جزيئات الأمل: ثورةٌ في عالم الصحة النفسية مصدرها الحركة

جمانة الصباغ

ليس خفيًا على أحد أن الرياضة لها فوائد صحية عديدة على الجسم:

فالرياضة تساعد على إنقاص الوزن؛ الرياضة تُقلَل من نسب الدهون والكوليسترول والشحوم في الجسم؛ الرياضة فعالة في المساعدة على النوم؛ والرياضة تحديدًا تُسهم وبشكلٍ كبير في تحسين الحالة المزاجية، ما ينعكس إيجابًا على الصحة النفسية.

للأسف، لم يكن الاعتناء بصحتنا النفسية في الماضي مهمًا بقدر اهتمامنا بصحة أجسامنا؛ لكن العقود القليلة الماضية أثبتت بما لا يقبل الشك، أن الصحة النفسية الجيدة والمستقرة لها أبلغ الأثر الإيجابي والفعال على تمتعنا بالصحة والسلامة الجسدية والنفسية والعقلية. وتشير الدراسات والأبحاث التي أجراها علماء من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس الأمريكية، إلى أن الأشخاص الذين يواظبون على ممارسة الرياضة، ينخفض لديهم معدل أيام الصحة العقلية السيئة شهريًا بنسبة 40%؛ مقارنةً مع آخرين لا يمارسونها بالمطلق. وكما بات معلومًا للجميع، فإن ممارسة الرياضة بمختلف أشكالها، يمكن أن يُقلَل من أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر من خلال إفراز بعض المواد الكيميائية من الدماغ.

خلال السنوات الأخيرة الماضية، ركزَت أبحاث التمارين الرياضية على "جزيئات الأمل"، أو المواد الكيميائية التي يتم إطلاقها خلال الأنشطة الرياضية الممتعة؛ والتي يبدو أنها تؤثر بشكلٍ إيجابي على الدماغ والجسم. في مقالةٍ منشورة على موقع FHE Health(وهي مؤسسة رعاية صحية تقدم علاجًا شخصيًا عالي الجودة ومتكاملًا طبيًا لأولئك الذين يعانون من اضطرابات الصحة السلوكية في ديرفيلد بيتش، فلوريدا)، يتطرق Chris Foy للحديث عن هذه الجزيئات بالتفصيل وأثرها على صحتنا النفسية. وقد جمعنا لكِ أبرز مقتطفات هذا المقال في موضوعنا اليوم.

فإن كنتِ مهتمةً مثلنا بالعناية بصحتكِ النفسية، خصوصًا أن شهر أبريل الحالي مخصصٌ للتوعية بأهمية الصحة النفسية، تابعي القراءة معنا..

ما هي جزيئات الأمل

عزَزي من جزيئات الأمل في جسمكِ لتعزيز رفاهيتكِ وصحتكِ
عزَزي من جزيئات الأمل في جسمكِ لتعزيز رفاهيتكِ وصحتكِ

في محاولةٍ بسيطة لتسهيل فهمنا لميكانيكية عمل جزئيات الأمل، يقول فوي في مقالته المذكورة أعلاه:

أثناء التمرين؛ تنقبض عضلاتكِ، وتُفرز المواد الكيميائية في مجرى الدم. أحد هذه المواد الكيميائية هي الميوكينات، وهي بروتيناتٌ صغيرة تنتقل إلى الدماغ وتعمل كمضاداتٍللاكتئاب. ويمكن للميوكينات، والتي يُشار إليها أيضًا باسم جزيئات الأمل، أن تُعزَز صحتكِ العامة عن طريق تحسين حالتكِ المزاجية أو قدرتكِ على التعلم وحماية الدماغ من آثار الشيخوخة.

وبما أن جزيئات الأمل تقوم بعبور حاجز الدم في الدماغ، فإنه يمكنها التأثير أيضًاوبشكلٍ إيجابي، على صحتكِ العقلية؛ عن طريق تقليل أعراض الاكتئاب أو الصدمة وزيادة قدرتكِ على التكيف مع التوتر. حتى أن إحدى الدراسات تشير بشكلٍ دامغ، إلى أن التمارين الرياضية ذاتُ تأثيرٍ عميق على الحد من أعراض الاكتئاب، بحيث ينبغي تقديمها كخيارٍ علاجي قائم على الأدلة.

بالعودة إلى الميوكينات والتي وإن كانت ترتبط بشكلٍ مباشر بالتمارين الرياضية وإحداث تحسيناتٍ في الجسم والدماغ، إلا أنها ليست الجزيء الوحيد السعيد الذي يمكن أن يجعلكِ تشعرين بالسعادة. إذ تُسهم الرياضة أيضًا في إطلاق الناقلات العصبية، مثل الدوبامين والسيروتونين، ما يُعزَز عمل الدماغ بصورةٍ كبيرة.

ما هي المواد الكيميائية التي يُطلقها الجسم عند ممارسة الرياضة؟

لمعرفة المزيد عن تلك المواد الكيميائية "الساحرة" التي تقلب حالتنا المزاجية من سيئة إلى جيدة، وتجعلنا نشعر بالسعادة والهدوء لمجرد الترَيض مثلًا أو ركوب الدراجة الهوائية أو الرقص؛ يتحدث فوي في مقالته المهمة عنها بالآتي:

يمكن أن تساعد التمارين الرياضية في تنظيم التوتر وتقليل أعراض الصحة العقلية،كونها تُطلق الناقلات العصبية المُعزَزة للمزاج في جميع أنحاء الجهاز العصبي. وإذا كنتِ تتساءلين عن المواد الكيميائية التي يتم إطلاقها عند ممارسة الرياضة، ألقِ نظرةً على جزيئات الأمل التالية وكيف تُعزَز مشاعر الإيجابية والرفاهية:

  1. الدوبامين

المعروف باسم المادة الكيميائية التي تساعد على الشعور بالسعادة، تلعب دورًا مهمًا في تعزيز تجربة المتعة والمكافأة. كما أنها مسؤولة عن العديد من عمليات الجسم، بما في ذلكتنظيم معدل ضربات القلب؛ تحسين دورات النوم؛ تحسين المزاج والانتباه والتحفيز؛ تعزيز الذاكرة العاملة والتعلَم فضلًا عن معالجة الألم.

ويعمل الدوبامين كرسولٍ كيميائي، حيث يقوم بتوصيل المعلومات بين الخلايا العصبية في الدماغ وبقية الجسم. وعند الانخراط في نشاطٍ ممتع مثل الرياضة مثلًا، فإن دماغكِيفرز كمياتٍ كبيرة من هذه المادة، ما يخلق مشاعر السعادة والتفاؤل التي يمكن أن تجعلكِ تشعرين وكأنك على قمة العالم. في حين عندما تكون مستويات الدوبامين منخفضة، فقد تشعرين بالتعب وعدم التحفيز وقلة السعادة.

  1. السيروتونين

ناقل عصبي آخر يتواصل بين الخلايا العصبية في الدماغ وبقية الجسم؛ ويلعب السيروتونين دورًا رئيسيًا في العديد من وظائف الجسم، بما فيها تعديل المزاج؛ تنظيم درجة حرارة الجسم؛ تحسين النوم؛ محاربة الغثيان وتحسين الهضم؛ كبح الشهية والجوع؛ تحسين الأداء الجنسي، تسريع التئام الجروح وتحسين صحة العظام.

ويربط الخبراء بين الانخفاض الحاد في مستويات السيرتونين والعديد من حالات الصحة العقلية، مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) واضطرابات الهلع. في وقتٍ يساعد ممارسة الرياضة بانتظام،في تقليل مستويات التوتر وزيادة كمية السيروتونين في جسمكِ ما يجعلكِ تشعرين بالسعادة والتفاؤل.

الرياضة أحد أفضل الطرق الفعالة لتعزيز جزيئات الأمل المسؤولة عن الصحة النفسية الجيدة
الرياضة أحد أفضل الطرق الفعالة لتعزيز جزيئات الأمل المسؤولة عن الصحة النفسية الجيدة
  1. الأوكسيتوسين

غالبًا ما يُشار إليه بإسم هرمون الحب، ويتم إنتاج الأوكسيتوسين عن طريق منطقة ما تحت المهاد،ليتم بعدها إطلاقه في مجرى الدم من خلال الغدد النخامية الخلفية. ويدير الأوكسيتونين الجوانب الرئيسية للجهاز التناسلي، كما يلعب دورًا مهمًا في العديد من السلوكيات، منها الإثارة الجنسية؛ الارتباط الرومانسي؛ الترابط بين الوالدين والرضيع؛ تعزيز مشاعر الثقة والتعرف؛ رفع مستوى الرضاعة الطبيعية والعمل والإنجاز.

ويمكن أن يُعطَل انخفاض مستويات الأوكسيتوسين في الجسم، الانقباضات أثناء الولادة كما يحول دون إتمام الرضاعة بعد ذلك. ونظرًا لأن المادة الكيميائية هذه مرتبطةٌ بالإثارة والثقة وبناء العلاقات، يمكن أن تزيد مستويات الأوكسيتوسين عند معانقة شخصٍ ما أو ممارسة العلاقة الجنسية مع الشريك. ليس ذلك فحسب؛ بل تمَ ربط التمارين عالية الكثافة، مثل الجري أو التدريب على فنون الدفاع عن النفس، بزيادة مستويات الأوكسيتوسين في الجسم.

  1. الاندورفين

أشهر الناقلات العصبية المرتبطة بالتمرين هي الإندورفين، وهي موادٌ كيميائية يُطلقها الجسم عند الشعور بالتوتر أو الألم. ويحدث إطلاق هذه المواد الكيميائية عادةً أثناء الأنشطة الممتعة، مثل ممارسة الرياضة وتناول الطعام وممارسة الجنس.

لا بد من الإشارة إلى أن هناك أكثر من 20 نوعًا من الإندورفين في الجسم والتي تفيد في أمور عديدة؛ منها تخفيف أعراض الاكتئاب، تحسين الصورة الذاتية، المساعدة في تقليل التوتر والقلق، المساهمة في إنقاص الوزن وتخفيف آلام الولادة.

في الاتجاه المعاكس، فإن مستويات الاندروفين المنخفضة قد تتسبب بمضاعفاتٍ صحية عدة؛ مثل مشاكل النوم أو آلام الجسم، كما قد تؤدي إلى سلوكيات إيذاء النفس، بما في ذلك تعاطي المخدرات أو تشويه الذات، لتخفيف التوتر. وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، سواءٌ كان ذلك من خلال التريَض أو المشي لمسافاتٍ طويلة أو السباحة، يمكن أن تُعزَز بشكلٍ طبيعي هرمون الاندورفين وتزيد المشاعر الإيجابية.

كيف نزيد جزيئات الأمل في أجسامنا؟

بات واضحًا لكِ وللجميع الآن عزيزتي، أن الرياضة هي أحد الوسائل الطبيعية والناجعة في تحفيز إنتاج جزيئات الأمل وتعزيزها في الجسم. إليكِ بعض أنواع النشاط البدني التي تُحرَك جسمكِ وتُسهم في زيادة إفراز المواد الكيميائية الطبيعية في الجسم:

  • الجري.
  • المشي السريع.
  • السباحة.
  • ركوب الدراجات.
  • الرقص.
  • القيام بجولة على الأقدامHiking.
    بعض الأنشطة مثل الرقص وسماع الموسيقى تعزز إنتاج المواد الكيميائية في الجسم
    بعض الأنشطة مثل الرقص وسماع الموسيقى تعزز إنتاج المواد الكيميائية في الجسم

كما يمكن تعزيز هذه المواد الكيميائية من خلال الانخراط في أنشطةٍ ممتعة ليست جسدية بالضرورة؛ ويمكن أن تختلف حسب اهتمامات الشخص وتفضيلاته، ومنها الرسم؛ سماع الأغاني والموسيقى؛ التدليك؛ التأمل؛ الضحك والتسامر مع الأصدقاء؛ مشاهدة برنامجٍ أو فيلم مفضل؛ الخضوع لجلسة الوخز بالأبر؛ العمل التطوعي وتناول الشوكولاتة الداكنة.

لا ينبغي أن نغفل عن التواصل الاجتماعي، الذي يُعدَ جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان وديمومته من خلال تعزيز جزيئات الأمل. وتُظهر الأبحاث المختلفة أن الترابط الاجتماعي يمكن أن يُحسن رفاهية ونوعية الحياة بشكلٍ عام. كما يمكن أن يُشجع الناس على تناول طعامٍ صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، ما يُقلَل من التوتر وأعراض القلق والاكتئاب. ويميل الأشخاص الذين يتمتعون بروابط اجتماعية قوية،للعيش فترةً أطول؛ كما أنهم أقل عرضةً للإصابة بأمراض خطيرة، مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية والخرف، بحسب الكثير من الدراسات والأبحاث ذات الصلة.

خلاصة القول، أن الانخراط في العديد من ممارسات الرعاية الذاتية الصحية مثل الرياضة، والأنشطة التي تتيح لنا الاستمتاع والتواصل مع الآخرين، يُعزَز بصورةٍ كبيرة من جزيئات الأمل وزيادتها في الجسم. وهو ما يُعزَز قدرتكِ على تبنَي الإيجابية والمرونة في حياتكِ ما ينعكس إيجابًا على صحتكِ النفسية والعقلية. وفي حين أن المشاركة في التمارين المنتظمة والأنشطة الممتعة أمرٌ بالغ الأهمية لرفاهيتكِ العامة، فقد يكون من الصعب العثور على الدافع إذا كنت تعانين من ضعف الصحة العقلية.

لذا بادري عزيزتي للبحث عن المُحفّزات التي تُصحَح نظرتكِ للحياة وتُعزَز حالتك النفسية والعقلية، وادخليها بجانب الرياضة والأكل الصحي والنوم الجيد، ضمن نمط حياتكِ اليومي كي تنعمي براحةٍ وسعادةٍ جسدية وفكرية.