
يتطابقان بالشكل.. لكن هل يصاب التوأم بالأمراض نفسها؟ إليكِ الإجابات بالتفصيل
كلما رأينا توأمًا، نمعن النظر فيهم كثيرًا دون وعي: نبحث عن أية فروقات ممكنة بينهما، نحاول رصد التشابه الكبير الذي يجمع بين ملامحهما وشعرهما ولون عيونهما وأنفهما. حتى أن البعض منا قد يحدث طويلًا في أجسامهما، في محاولةٍ لتبيان ما إذا كانا متطابقين حتى في الوزن.
موضوع التوأم شيقٌ للغاية، لا شك في ذلك؛ وهو يدفعنا بشكلٍ لا شعوري لسؤالهما دومًا: هل تفكرون بذات الأفكار كما يُشاع، وهل صحيح أنه إذا مرض أحدكما فإن الآخر يمرض بعده مباشرةً؟ هاجس الصحة وتزامنها عند التوأم يطرح الكثير من علامات التعجب والتساؤل، وعلى رأسها السؤال الأبرز: هل يُصاب التوأم بالأمراض نفسها؟
إن التوائم عبارة عن معجزة بيولوجية - شخصان يُولدان من نفس الحمل، ومع ذلك فإن أصولهما يمكن أن تكون متنوعةً بصورةٍ مدهشة. يأتي التوائم في أنواعٍ أكثر مما يدركه معظم الناس: من الأزواج المتطابقة والأخوية الكلاسيكية إلى بعض الظواهر البيولوجية النادرة حقًا.
هل التوأم يتشابهون في كل شيء؟
ليس تمامًا - حتى التوائم المتطابقة، الذين يبدأون بنفس الحمض النووي تقريبًا، ليسوا نسخًا كربونية في كل شيء.
يتشارك التوائم المتطابقون في معظم الحمض النووي، لكن الدراسات تُظهر أن ما يصل إلى 15% منهم لديهم اختلافاتٌ جينية طفيفة بسبب الطفرات المُبكرة بعد انقسام الجنين. ويمكن أن تؤثر هذه الطفرات على بعض السمات مثل الطول، أو قابلية الإصابة بالأمراض، أو حتى ملامح الوجه الدقيقة.
كما قد تختلف التغيرات الجينية - كيفية تفعيل الجينات أو إيقافها - بين التوائم بناءً على النظام الغذائي، أو التوتر، أو التعرض للسموم. على سبيل المثال، قد يُصاب أحد التوأمين بحالةٍ مناعة ذاتية مثل الذئبة، بينما لا يُصاب الآخر. وتُشكَل خيارات نمط الحياة (مثل ممارسة الرياضة، والتدخين، وعادات النوم) أيضًا الاختلافات مع مرور الوقت.

ما هي الاختلافات الجسدية والسلوكية بين التوأم؟
قد يختلف التوائم المتطابقون في بصمات الأصابع؛ العلامات الخُلقية؛ نبرة الصوت؛ سمات الشخصية، ونتائج الصحة النفسية. حتى استجابتهم للعدوى، مثل كوفيد-19، قد تختلف بسبب اختلافات الجهاز المناعي.
في مقالة اليوم؛ نستعرض وإياكِ عزيزتي لماهية الأمراض التي تصيب التوأم: هل يُصاب بها التوأمين في الوقت نفسه؟ ما هي تلك الأمراض التي تصيب التوأم، وماذا عن تأثيرات نمط الحياة وقوة الجهاز المناعي من ضعفه؟ هذه الأسئلة وغيرها نجيب عليها في السطور التالية، في محاولةٍ لسبر أغوار هذين التوأمين المتطابقين إلى درجةٍ كبيرة..
هل يصاب التوأم بالأمراض ذاتها؟
ليس دائمًا - وهنا تصبح الأمور مثيرة للاهتمام. فهناك الجينات مقابل البيئة:
• يتشارك التوائم المتطابقون ما يقرب من 100% من حمضهم النووي، لذا غالبًا ما يكون لديهم مخاطر متشابهة للإصابة بالأمراض الوراثية.
• لكن وجود الجينات نفسها لا يضمن النتائج الصحية ذاتها؛ إذ تتأثر العديد من الأمراض بالعوامل البيئية، ونمط الحياة، وحتى الأحداث البيولوجية العشوائية.
يبقى علم الوراثة فوق الجينية هو العامل الحاسم، وفقًا للآتي:
• تُظهر الدراسات أن الاختلافات فوق الجينية - وهي تغيراتٌ في كيفية التعبير الجيني - يمكن أن تؤدي إلى إصابة أحد التوأمين بمرضٍ بينما يبقى الآخر بصحةٍ جيدة.
• على سبيل المثال؛ في أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو اضطرابات الغدة الدرقية، قد يتأثر توأمٌ واحد فقط بسبب اختلافاتٍ في مثيلة الجينات أو التواصل بين الخلايا المناعية لديه.
يعتمد الأمر على نوع التوأم: التوائم المتماثلة (من بويضة واحدة) يشتركون في نسبةٍ عالية من الجينات، مما يعني أنهم أكثر عرضةً للإصابة بنفس الأمراض الوراثية. أما التوائم غير المتماثلة (من بويضتين منفصلتين) فيشتركون في جيناتٍ أقل، وبالتالي قد يصابون بأمراضٍ مختلفة. ومع ذلك، يمكن أن تتأثر كل من التوائم بعوامل بيئية مشتركة، مما قد يزيد من احتمالية إصابتهم بنفس الأمراض.

فلننظر إلى هذه المعلومات بالتفصيل:
1. التوائم المتماثلة (Monozygotic)
يتشاركون في نفس المادة الوراثية (100% من الجينات). لذلك، إذا كان أحد التوأمين مصابًا بمرضٍ وراثي مثل داء السكري أو بعض أنواع السرطان، فإن الآخر يصبح مُعرضًا للإصابة به أيضًا، ولكن ليس بالضرورة بنفس الدرجة أو في نفس الوقت.
2. التوائم غير المتماثلة (Dizygotic)
يتشاركون في حوالي 50% من جيناتهم، مثل أي أشقاء عاديين. ما يعني أن فرص إصابتهم بنفس الأمراض الوراثية أقل من التوائم المتماثلة، لكنهم لا يزالون مُعرضين للإصابة ببعضها.
3. العوامل البيئية
البيئة التي يعيش فيها التوأم (مثل النظام الغذائي، والتعرض للمواد الكيميائية، والإجهاد) يمكن أن تؤثر على تطور الأمراض لديهم، حتى لو كانوا متماثلين وراثيًا.
4. الأمراض المُعدية
التوائم، وخاصةً المتماثلة، يعيشون غالبًا في نفس البيئة وقد يتعرضون لنفس العوامل المُعدية، مما يزيد من فرص إصابتهم بنفس الأمراض المُعدية.
5. الأمراض النفسية
هناك ميلٌ وراثي للإصابة ببعض الأمراض النفسية مثل الفصام واضطراب ثنائي القطب لدى التوأم. فإذا كان أحد التوائم مصابًا بهذه الأمراض، فإن الآخر يكون أكثر عرضةً للإصابة بها، خاصة إذا كانوا متماثلين.
6. الأحداث الصادمة
التي يمرَ بها أحد التوأمين، يمكن أن تؤثر على صحته النفسية؛ وقد تزيد من خطر إصابته باضطراباتٍ نفسية، يمكن أن يكون لها تأثيرٌ على التوأم الآخر، خاصةً إذا كانوا متماثلين.
7. السرطان
تشير الدراسات إلى أن إصابة أحد التوأمين بالسرطان تزيد من خطر إصابة الآخر، خاصةً إذا كانوا متماثلين (كما أسلفنا).
ماذا نفهم من هذه السردية؟
أنه حتى مع تطابق الحمض النووي، قد يختلف التوأمان في صحتهما بسبب:
- العوامل البيئية (النظام الغذائي، العدوى، السموم)
- التغيرات الجينية
- التغيرات الخلوية العشوائية
ما يعني تذكيرًا قويًا بأن الجينات هي التي تُحمّل العبء، لكن البيئة هي التي تُفعّله. وباختصار يمكن القول أن التوائم المتماثلة أكثر عرضةً للإصابة بنفس الأمراض الوراثية؛ ولكن العوامل البيئية والظروف الحياتية لكل توأم، يمكن أن تؤثر على تطوَر الأمراض لديهم.
بعض الأمثلة من العالم الواقعي:
1. داء السكري من النوع الأول: حوالي 50% - رابط وراثي قوي، ولكن ليس مطلقًا.
2. داء السكري من النوع الثاني: متفاوت - تلعب التغيرات الجينية في الأنسجة الدهنية دورًا في الإصابة.
3. التهاب المفاصل الروماتويدي: تقريبًا 15% - يتأثر غالبًا بالبيئة.
4. نقص المناعة المتغير الشاذ (CVID): نادر - مرتبط بمشاكل في إشارات الخلايا الجينية والمناعية.

ما هي أكثر الأمثلة على الأمراض التي تصيب التوأم؟
سلّطت دراساتٌ عدة على التوائم، الضوء على طيفٍ واسع من الأمراض التي تتداخل فيها العوامل الوراثية والبيئية بطرقٍ مثيرة للاهتمام. إليكِ نظرة أعمق على الحالات التي غالبًا ما تؤثر على التوأم، وأحيانًا بطرقٍ مختلفةٍ بشكلٍ لافت:
1. اضطرابات الصحة النفسية
يُقدّم التوأم، وخاصةً المتطابقة، منظورًا فريدًا للحالات النفسية:
• الفصام: نسبة التوافق حوالي 50٪ لدى التوائم المتطابقة، مقابل حوالي 15٪ لدى التوائم غير المتطابقة.
• الاضطراب ثنائي القطب: عامل وراثي قوي، ولكن يمكن أن تُسبّب الضغوطات البيئية ظهوره.
• اضطراب طيف التوحد (ASD): تصل معدلات التوافق إلى 90٪ لدى التوائم المتطابقة.
• اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD: وراثي بدرجة عالية، ولكن قد تختلف الأعراض تبعًا لأساليب التربية أو البيئات المدرسية.
• الاكتئاب والقلق: تلعب الوراثة المشتركة دورًا، ولكن غالبًا ما تتباين تجارب الحياة.
• أمراض المناعة الذاتية والالتهابات: غالبًا ما تُظهر هذه الأمراض توافقًا جزئيًا، مما يُشير إلى عوامل وراثية مُحفزة:
- التهاب المفاصل الروماتويدي: توافق بنسبة 15% تقريبًا لدى التوائم المتطابقة.
- التصلب اللويحي: توافق بنسبة 30% تقريبًا؛ وقد يؤثر التعرض للفيروسات ومستويات فيتامين د على ظهور المرض.
- داء السكري من النوع الأول: توافق بنسبة 50% تقريبًا؛ وغالبًا ما يرتبط خلل الجهاز المناعي بالعدوى في مرحلةٍ مبكرة من الحياة.
2. السرطان واضطرابات الدم
تنشأ بعض أنواع السرطان في الرحم، لكن أعراضها تختلف كالتالي:
• سرطان الدم: قد يبدأ لدى أحد التوأمين، وينتشر عبر المشيمة المشتركة؛ وقد يحدث التشخيص بفارق سنوات.
• سرطان الثدي: تُظهر الطفرات الجينية مثل BRCA1/2 توافقًا أعلى لدى التوائم المتطابقة.
3. حالاتٌ صحية أخرى
• هشاشة العظام: يُظهر التدخين واختلاف النظام الغذائي لدى التوائم تأثيرًا بيئيًا واضحًا للإصابة بهذا المرض.
• الصرع: دحضت دراسات التوائم فكرة أن صدمة الولادة هي سببٌ رئيسي وراء الإصابة بالصرع؛ فالعوامل الوراثية وعوامل ما قبل الولادة تبقى أكثر أهمية.
• السُمنة: غالبًا ما يتفوق الوضع الاجتماعي والاقتصادي ونمط الحياة على الاستعداد الوراثي للإصابة بهذا المرض.
كذلك كشفت دراسات التوائم عن رؤى ثاقبة حول كلَ من البهاق واضطرابات النوم، خاصةً فيما يتعلق بفصل التأثيرات الجينية والبيئية. فلنبدأ بتحليلها:
- دراسات البهاق والتوائم: ساعدت أبحاث التوائم في توضيح طبيعة البهاق المناعية الذاتية وتعقيده الجيني على النحو الآتي:
- يُقدر التوافق بين التوائم المتطابقة بنسبة 23% و30%، مما يشير إلى وجود استعدادٍ وراثي قوي، بالإضافة إلى دورٍ كبير للمُحفزات البيئية أو الجينية.
- تُجري كلية الطب بجامعة ماساتشوستس تشان دراسةً سريرية حديثة، بتكلفة 3.75 مليون دولار أمريكي، لجمع بياناتٍ جينية وجزيئية وبيولوجية من التوائم وأفراد عائلاتهم لتحديد العلامات ما قبل السريرية، لبداية ظهور البهاق. ويتشابه البهاق من حيث آلية عمله مع أمراض المناعة الذاتية الأخرى، مثل داء السكري من النوع الأول، بما في ذلك تدمير خلايا محددة (الخلايا الصبغية في البهاق، وخلايا بيتا في داء السكري) بواسطة الخلايا التائية.
كما تستكشف الدراسات العلامات فوق الجينية، مثل التغيرات في الحمض النووي الريبوزي (RNA) والعلامات الحيوية البروتينية، والتي قد تُفسر سبب إصابة أحد التوأمين بالبهاق وعدم إصابة الآخر به.
• اضطرابات النوم ودراسات التوائم: تُعد سمات واضطرابات النوم من أكثر السلوكيات التي خضعت للدراسة الجينية لدى التوائم:
- تُظهر مدة النوم، نسبة وراثةٍ تتراوح بين 38% و46%، بينما تتراوح جودة النوم بين 31% و44%.
- تبلغ نسبة وراثة الأرق حوالي 40%، مع ملاحظة تداخلٍ وراثي بين الأرق وسمات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق.
- تُظهر اضطراباتٌ مثل انقطاع النفس النومي، والنوم القهري، وشلل النوم أيضًا تأثيرًا وراثيًا يتراوح بين المتوسط والعالي، مع أن المُحفزات البيئية (مثل التوتر والصدمات) تلعب دورًا في ظهورها.
من المثير للاهتمام أن العوامل البيئية المشتركة (مثل روتين الأسرة أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي) لها تأثيرٌ ضئيل على سمات نوم البالغين، ولكنها قد تكون أكثر تأثيرًا في مرحلة الطفولة المبكرة.
في محاولة لربط النقاط بين جميع ما تقدم، يمكن القول أن البهاق واضطرابات النوم:
• يُظهران توافقًا جزئيًا لدى التوائم المتطابقة، مما يشير إلى تفاعل الجينات والبيئة.
• تُجرى دراساتٌ باستخدام المؤشرات الحيوية والتحليل الجيني، لتحديد المؤشرات المبكرة.
• يُشاركان روابط مع اختلال تنظيم الجهاز المناعي، خاصةً في حالة البهاق واضطرابات النوم مثل الخدار أو انقطاع النفس النومي.
في الخلاصة؛ يمكن القول أن شيوع إصابة التوأم بالأمراض نفسها وبذات الوتيرة لا ينطبق على مجمل الأمراض، وبالتأكيد ليس بالنسبة ذاتها. فهناك توافقٌ شبه تام لدى التوائم المتطابقة لجهة الإصابة ببعض الأمراض، فيما يختلف التوأم غير المتطابقين بنسب ونوعية الأمراض التي تصيبهم.
ولا ننسى بالطبع المحفزات البيئية والاجتماعية ونمط الحياة، والتي تلعب دورًا أيضًا في تحديد إصابة التوأم بالأمراض.