في اليوم العالمي لصحة الفم.. ما الرابط بين الفم وصحة الجسد

مثلت الأشهر الماضية نقطة تحول كبيرة في حياتنا، حيث غيرت بشكل جذري طريقة عملنا وعيشنا ومنحت الفرصة للكثيرين منا للتأني في اتخاذ القرارات، مما زاد من وعينا العام فيما يتعلق برفاهيتنا الشخصية وأكّد على أهمية التركيز على صحتنا.

لم يسبق لمقولة "صحتك هي ثروتك" أن أُخذت على محمل الجد في العالم مثلما هي عليه اليوم. ولعل أحد أهم عناصر "الصحة الجيدة" الذي لطالما كان الناس يتجاهلونه قبل ظهور فيروس كورونا وما زالوا إلى يومنا هذا، هو أهمية الحفاظ على صحة الفم.

نعلم اليوم أن صحة الفم لا تقتصر على ابتسامة جميلة فحسب، وقد تساهم صحة الفم الجيدة والعادات الصحية الإيجابية الخاصة بالفم في الوقاية من مشاكل صحية خطيرة. وفي المقابل، يمكن أن تؤدي مشاكل الفم للتعرض لبعض الأمراض  والحالات المرضية . في الواقع، فإن مجرد تنظيف الفم بشكل جيد هي واحدة من أفضل التدابير الصحية الوقائية التي يمكن اتخاذها، فما السبب الذي يمنعنا من الإهتمام بها أكثر؟

الرابط بين صحة الفم وصحة الجسم

ادراك الاطباء لاهمية العناية بصحة الفم لمنع امراض الجسم

تُعتبر صحة أنسجة الفم مؤشراً على الصحة العامة للفرد، حيث أن عدداً كبيراً من الأمراض والحالات يتم اكتشافها عن طريق الفم، لذلك غالباً ما يتم وصف الفم بكونه "مرآة للجسم". ووفقًا لأكاديمية طب الأسنان العام، غالباً ما تظهر العديد من الأمراض الجهازية في الفم أولاً، بما في ذلك أمراض القلب والسكري والأمراض التي تؤثر على المناعة، ويُعتبر اللعاب أداة تشخيصية مفيدة يمكن أن تنبه الأطباء إلى وجود السموم والهرمونات وبعض الأجسام المضادة الدالة.

وبحسب ما أفادنا الدكتور مايكل ديفيدسون، مدير التعليم السريري والمهني لدى شركة "آلاين تكنولوجي" في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا بمناسبة اليوم العالمي لصحة الفم الذي يصادف 20 مارس من كل عام، يُسلط العلم الضوء بشكل متزايد على الصلة بين صحة الفم، وتحديداً على الميكروبيوم الفموي وتأثيره على صحة الجسم العامة، حيث أظهرت الدراسات الحديثة تأثير الميكروبيوم على كافة الجوانب الصحية، من الجهاز الهضمي إلى الجهاز المناعي وضغط الدم ومستويات الإلتهاب في أجسامنا، مما يؤكد على الرابط القوي بين صحة الفم وصحة الجسم عامة.

فما هو إذن الميكروبيوم الفموي، ولماذا هو مهم جدا؟

هناك رابط قوي بين صحة الفم وصحة الجسم

الميكروبيوم الفموي هو البكتيريا وجيناتها الموجودة داخل الفم، وهي موجودة بأعداد كبيرة تصل للمليارات في أجزاء مختلفة من أجسامنا، بما في ذلك الأمعاء والجلد، وتبدأ بالظهور عند الولادة . ويُعد الفم موطناً لثاني أكثر النظم البيئية الميكروبية تنوعاً في الجسم بعد الأمعاء، مع وجود ما يقارب من 700 نوع مختلف من البكتيريا فيه.

يحتوي الميكروبيوم في الفم على نوعين من البكتيريا، منها الصحية ومنها غير الصحية، وتُستخدم البكتيريا الصحية لحماية الفم من تسوس الأسنان على سبيل المثال، بينما تلتصق البكتيريا المضرة بالأسنان، وتنتج السموم المدمرة للمينا والتي تخلق تجاويف في الفم والتهابات الجسم، ما يُعرض الجسم لخطر الأمراض ومنها أمراض القلب.

عندما يكون الميكروبيوم متوازن في أجسامنا، فإنه يساعدنا على العيش بشكل طبيعي، ولكن عندما يختل توازنه بسبب عوامل تشمل سوء التغذية وسوء صحة الفم، يؤثر ذلك على انسجام الجسم ويزيد من مسببات الأمراض والإلتهابات ويُعرضنا لمشاكل أكثر خطورة وأمراض جهازية عديدة. وهنا يأتي دور أطباء الأسنان المهم في مجتمعنا، حيث يتم الإعتماد عليهم لتثقيف المرضى حول هذه المخاطر والعمل على تعريفهم بأهمية إجراء الفحوصات الدورية للكشف عن المشاكل الصحية والمضاعفات.

أفادت منظمة الصحة العالمية، في مبادرة داعمة لأهمية صحة الفم، أن أمراض الفم هي من أكثر الأمراض غير المعدية التي تصيب الناس خلال حياتهم. وبالرغم من وجود هذا الوعي تجاه أهمية العناية بصحة الفم، مازال الوعي مفقود تجاه الصلة بين صحة الفم والصحة العامة، وعلى وجه الخصوص، الدور الذي يلعبه الميكروبيوم الفموي في هذا المجال.

ففي دراسة استقصائية أعدتها شركة "يوجوف" (YouGov) في المنطقة منذ أكثر من عام، لصالح شركة "آلاين"، بهدف فهم التحديات المتعلقة بصحة الفم بشكل أفضل، والتعرف على مدى استيعاب الناس للصلة بين صحة الفم والصحة العامة، تبين أن غالبية الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع (85٪) يترددون في الدفع من أموالهم الخاصة للحصول على رعاية الأسنان المناسبة (لكنهم يقبلونها من غير تردد إذا تمت تغطيتها من قبل تأمينهم الصحي). ومن جهة أخرى، اعترف المشاركون بالإستطلاع باعتقادهم أن صحة الفم السيئة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على التفاعلات الشخصية اليومية مع الناس.

أما في القطاع الصحي، نشهد تحولاً متزايداً نحو نهج أكثر شمولية لجسم الإنسان وطريقة أكثر وظيفية لعلاج المخاوف الصحية والأمراض، حيث نلاحظ إدراكاً أكبر من قبل الأطباء بفوائد الوصول إلى أساس المشكلة قبل انتشارها، بدلاً من مجرد معالجة الأعراض. ويُعتبر ذلك مؤشراً إيجابياً بما أن الأطباء أصبحوا أكثر وعياً بقدرة الجسم الطبيعية على التعامل مع الوعكات الصحية، مما يساعدنا على العيش بسلاسة.

إهمال صحة الفم ينعكس سلباً على صحة الجسم

بشكل عام، ورغم الإهتمام الزائد بصحة الفم، إلا أنه غالباً ما يتم التغاضي عن صحة الفم وعدم اعتبارها جانباً مهماً في الصحة العامة، على الرغم من أن ممارسي طب الأسنان يُعتبرونه حلقة رئيسية في الحفاظ على حالة صحية متوازنة، مما يستدعي زيادة الوعي حول الروابط المهمة بين صحة الفم الجيدة (أو السيئة) والحالات الصحية المختلفة.