كيفية الوقاية من سرطان البنكرياس

طفرة جينية قابلة للقياس: هل تزيد من فرص النجاة من سرطان البنكرياس؟

جمانة الصباغ

باحثو مايو كلينك يحددون طفرة جينية قابلة للقياس كمؤشر مهم لانتشار سرطان البنكرياس والبقاء على قيد الحياة

عندما قرأتُ هذا العنوان، أول من تبادرَ إلى ذهني هي صديقتي سهى، التي توفيت منذ عامين بمرض السرطان، وتحديدًا في منتصف هذا الشهر. كانت سهى مفعمةً بالحياة والحب، تحلمُ بأولادها يكبرون ويحققون أحلامهم الوردية التي تُشاطرهم إياها، وكان لها قلبٌ كبير يسع الجميع.

لكن السرطان لم يمهلها، وخلال عامٍ واحدٍ فقط من الإصابة بسرطان البنكرياس، خسرت نصف وزنها وقضت معظم أيامها قبل وفاتها في المستشفى. سهى لم تكن محظوظةً باكتشاف مرضها في مرحلةٍ مبكرة؛ ربما لم حدث ذلك، لكانت من الأشخاص المحظوظين الذين يتابعون تطورات العلم في البحث عن كافة الطرق الممكنة، لزيادة فرص المصابين بهذا النوع الخطير والمميت من السرطان، على قيد الحياة.

لماذا سرطان البنكرياس خطير؟

لعدة أسباب، أهمها أنه غالبًا ما يتم اكتشافه في مراحل متأخرة، مما يجعله أكثر صعوبةً في العلاج. كما أنه يميل إلى الانتشار بسرعة للأعضاء الأخرى في الجسم، وهو ما يُقلَل من فرص البقاء على قيد الحياة.

ناهيكِ عن صعوبة العلاج؛ إذ ونظراً لانتشاره السريع وصعوبة اكتشافه مبكراً، فإن العلاج يصبح أكثر صعوبةً، ولا تُعدَ الجراحة خيارًا متاحًا دائمًا. يمكن أن يُسبَب سرطان البنكرياس مضاعفاتٍ خطيرة مثل اليرقان (اصفرار الجلد والعينين)، وفقدان الوزن الشديد، والسكري، والألم المزمن.

كيفية الوقاية من سرطان البنكرياس - رئيسية واولى
كيفية الوقاية من سرطان البنكرياس

يعمل الباحثون في مؤسساتٍ علمية وطبية عدة، ومنها مركز مايو كلينك الشامل للسرطان؛ على الدراسة والبحث عن كافة الطرق الممكنة لتقليل مخاطر سرطان البنكرياس، وزيادة فرص بقاء المصابين به على قيد الحياة لأطولٍ مدةٍ ممكنة. وقد توصلَ الباحثون في هذا المركز إلى اكتشافٍ كبير ومهم في هذا الصدد، إليكِ تفاصيله في السطور التالية..

ما هي الطفرة الجينية التي تزيد من بقاء مرضى سرطان البنكرياس على قيد الحياة؟

كشفتٌ دراسة جديدة، أجراها باحثو مركز مايو كلينك الشامل للسرطان، عن وجود طفرةٍ جينية محددة — الحمض النووي السرطاني الدوراني (ctDNA) لجين كيراس (KRAS) — تشير بقوةٍ إلى زيادة خطر انتشار السرطان وانخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة للمرضى المصابين بسرطان البنكرياس الغدي القنوي. وتمَ التعرف على الطفرة باستخدام اختبار الدم والسائل البطني الذي يمكن إجراؤه بسهولة والمعتمد سريريًا.

والسرطان الغدي القنوي، لمن لا يعرف؛ هو نوعٌ شرس من السرطان يصعب تشخيصه في العادة، والذي يكون قد انتشر بالفعل لأجزاءٍ أخرى من الجسم لدى أغلب المرضى عند التشخيص الأولي، وغالبًا ما تُخفق الاختبارات الحالية في رصد هذا الانتشار الخفي، مما يُصعِّب من إمكانية تحديد أفضل إستراتيجية علاجية. وقد تساعد النتائج المنشورة في حوليات جراحة الأورام (Annals of Surgical Oncology) في تحديد المرضى الذين يكون السرطان لديهم أكثر عرضةً للانتقال لمناطق أخرى من الجسم، وبالتالي تزويد الأطباء والمرضى بالمعلومات الصحيحة لاتخاذ قراراتٍ مستنيرة بشأن العلاج.

ويُعلَق الدكتور مارك تروتي، دكتور في الطب، اختصاصي جراحة الأورام الكبدية الصفراوية وأورام البنكرياس في قسم الجراحة في مايو كلينك على هذا الاكتشاف بالقول والمُعِد الرئيسي لهذه الدراسة: "يُعدَ تقدمًا جوهريًا في التعامل مع السرطان الغُدي القنوي. لقد كان هذا الاختبار الجيني متاحًا لعدة سنوات إلا أننا لم نكن نعرف قيمة النتائج أو كيفية تفسيرها. إن معرفة حالة جين كيراس ستمُكِّن المريض ومزود الرعاية الصحية من اتخاذ قرارات أفضل بشأن العلاج الفردي للسرطان."

تفاصيل الدراسة

وجدت دراسة استباقية مستقبلية شملت ما يقرب من 800 مريض — وهي أكبر سلسلة مرضى حتى الآن بالنسبة للدراسات السابقة التي استُخدمت الحمض النووي السرطاني الدوراني — أن 20 - 30% من المرضى المصابين بسرطان البنكرياس الغدي القنوي يكون متحور الحمض النووي السرطاني الدوراني لجين كيراس لديهم قابلًا للكشف في الدم و/أو الصفاق، وأن أولئك الذين لم يتلقوا أي علاج سابق، مثل العلاج الكيميائي، كان لديهم أعلى معدل للإصابة. لذلك تُوصي الدراسة بإجراء فحوصات الحمض النووي السرطاني الدوراني قبل بدء العلاج للحصول على أعلى مردود.

فحص الباحثون البيانات بين عامي 2018 و2022. وأظهرت اختبارات عينات الدم أن 104 مريضًا (14%) كان لديهم طفرة متحور الحمض النووي السرطاني الدوراني لجين كيراس. وكان هؤلاء المرضى أكثر عرضةً للإصابة بحالة متقدمة من السرطان المنتشر، ولديهم معدلٌ أقل للبقاء على قيد الحياة. كما أظهرت المزيد من الاختبارات للسوائل حول التجويف البطني في 419 مريضًا، نتائج مماثلة: 123 (29%) كان لديهم واسم ورمي، وحصل هؤلاء المرضى أيضًا على أسوأ النتائج. وأشار وجود هذا الواسم، سواء في الدم أو السائل البطني، إلى نتائج أسوأ للمرض.

الدكتور مارك تورتي اختصاصي جراحة الاورام في مايو كلينك
الدكتور مارك تورتي اختصاصي جراحة الاورام في مايو كلينك

أوضحت الدراسة أنه في حين أن الجراحة هي العلاج الشافي الوحيد، إلا أن أغلب المرضى يعانون من انتشار السرطان بعد الجراحة. وتساعد الاختبارات على تحديد المرضى الأقل قابليةً للانتفاع بالجراحة وحدها، وتوجيه القرارات العلاجية نحو العلاج الكيميائي و/أو الإشعاعي قبل الخضوع للجراحة. أما بالنسبة للمرضى الذين ليس لديهم طفرة كيراس (حوالي 10% من الحالات)، فإن الاختبار يكون أقل حسمًا، مع وجود حاجةٍ لإجراء اختباراتٍ أخرى.

وتقول الدكتورة جينيفر ليتينج، دكتورة في الطب اختصاصية الجراحات الكبدية الصفراوية وجراحات البنكرياس في قسم الجراحة بمستشفى مايو كلينك والمُعدَة الأولى للدراسة: "من الناحية التاريخية، كنا ندرك أن طفرات كيراس مرتبطةٌ بنوعٍ أكثر شراسة من الناحية البيولوجية لسرطان البنكرياس. ولكن هذه الدراسة الضخمة تُعطينا فهمًا أوضح لكيفية تفسير نتائج الاختبارات واستخدامها لتحسين رعاية المرضى؛ حيث تتيح المجال لتصنيف مراحل المرض بشكلٍ أكثر دقة، مما يؤدي إلى اتخاذ قراراتٍ علاجية أفضل."

يوصي الباحثون بأن يصبح هذا الاختبار جزءًا قياسيًا من التشخيص الأولي لسرطان البنكرياس الغدي القنوي، مما يتيح تصنيف المخاطر بشكل أكثر تخصيصًا ووضع خطط علاجية أكثر فاعلية.

ويقول الدكتور تروتي: "إن هذه القدرة التشخيصية المحسّنة تمنح الأمل للمرضى وعائلاتهم في مواجهة هذا المرض الصعب. إنه لأمرٌ يدعو للتفاؤل أن نرى كيف يمكن لتطورات الاختبارات الجينية مساعدة مرضانا بشكلٍ مباشر".

كيف أحمي نفسي من سرطان البنكرياس؟

ليس ثمة طريقةٌ مؤكدة للوقاية من سرطان البنكرياس، ولكن هناك بعض العوامل التي يمكنكِ التحكم فيها لتقليل خطر إصابتكِ بهذا المرض الخطير. وتشمل ما يلي:

1.     الإقلاع عن التدخين: إذ يُعدَ التدخين أحد أهم عوامل الخطر للإصابة بسرطان البنكرياس.

2.     تجنب استهلاك الكحول: كونه يزيد من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس.

3.     الحفاظ على وزن صحي: تزيد السُمنة من خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان، بما في ذلك سرطان البنكرياس.

4.     ممارسة الرياضة بانتظام: يُساعد النشاط البدني المنتظم يساعد في الحفاظ على وزنٍ صحي، كما يُقلل من خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان.

5.     اتباع نظامٍ غذائي صحي: تناول الكثير من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والتقليل من اللحوم الحمراء واللحوم المُصنَعة، يمكن أن يساعد في تقليل خطر الإصابة بالسرطان.

6.     السيطرة على الأمراض المزمنة: إذا كنتِ تعانين من مرض السكري أو التهاب البنكرياس المزمن، فمن المهم العمل مع طبيبكِ للسيطرة على هذه الحالات؛ حيث أنها قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس.

اتباع نظام غذائي وحياتي صحي قد يحميكِ من سرطان البنكرياس
اتباع نظام غذائي وحياتي صحي قد يحميكِ من سرطان البنكرياس

كما أن هناك عوامل أخرى يجب الانتباه إليها مثل:

•       التاريخ العائلي: إذا كان لديكِ تاريخٌ عائلي للإصابة بسرطان البنكرياس، فقد يكون لديكِ خطرٌ متزايد للإصابة به. تحدثي إلى طبيبكِ حول هذا الأمر.

•       التعرض للمواد الكيميائية: قد يزيد التعرض لبعض هذه المواد من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس. إذا كنتِ تعملين أو تعيشين في بيئةٍ تُعرَضكِ لهذه المواد، فمن المهم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

خلاصة القول؛ بشكلٍ عام، لا يوجد ما يضمن عدم إصابتكِ بسرطان البنكرياس، ولكن اتباع أسلوب حياةٍ صحي يمكن أن يُقلَل من خطر الإصابة بهذا المرض، وغيره من الأمراض الأخرى المزمنة والخطيرة، بشكلٍ كبير.

لذا اتبَعي نظامًا صحيًا فيما يخص الأكل والنشاط البدني، حاربي السُمنة وتخلصي منها، وبادري لإجراء الفحوصات الطبية دوريًا حتى وإن لم تكوني تعانين من أية مشاكل أو أعراض. فهذه الفحوصات تساعد في الكشف المبكر عن علامات سرطان البنكرياس وأمراضٍ خطيرة أخرى يمكن التعافي منها في حال البدء بالعلاج في مرحلةٍ مبكرة. لهدفٍ واحد نسمو إليه جميعًا: الارتقاء بجودة وحياتنا ورفاه صحتنا على الدوام.