
"امرأة في صناعة الموسيقى".. مديرة الأعمال أنيسة جلاب في حوار خاص مع "هي"
أصبحت البلجيكية من أصل مغربي أنيسة جلاب، واحدة من أبرز الأسماء الصاعدة في صناعة الموسيقى في السنوات الأخيرة، خاصة في المغرب.. وكانت وراء العديد من النجاحات لعدد من الفنانين، منذ دخولها مجال إدارة الأعمال بشكل احترافي في 2019، مثل المغني الفرنسي "دامسو"، وعملت لفترة مع المغنية المغربية منال، والآن مع نجم الراب المغربي "إلجراندو طوطو" ومؤخراً اتخذت خطوة جديدة بالتعاقد مع بسمة بوسيل في مصر.
تركت أنيسة جلاب تأثيرها وإضافتها سريعاً على المشهد الموسيقى المغربي، وعاشت مؤخراً لحظات استثنائية في مسيرتها مع الجراندو طوطو، بعدما أصبح أول فنان مغربي يغني على منصة "السويسي" في مهرجان موازين، واختارتها "بيلبورد" ضمن قائمة أبرز 40 شخصية تحت 40 عاماً في صناعة الموسيقى بالشرق الأوسط.
وتحت شعار "امرأة في صناعة الموسيقى"، تقدم أنيسة مفهوم جديد عن وظيفة إدارة الأعمال في المجال الموسيقي، وتتبنى نموذج أكثر شمولاً بالنظر إلى صناعة الموسيقى من جوانبها المختلفة سواء الإنسانية أو المادية بعيداً عن الصورة النمطية والقديمة عن هذه المهنة، خاصة في ظل التطورات الجديدة في صناعة الموسيقى، وتحدثنا أكثر في هذا الحوار عن حدود وظيفة مدير الأعمال والتحديات التي واجهتها في هذه المهمة:

كيف كانت رحلتك من الصحافة إلى صناعة الموسيقى ومن بعدها دخولك مجال إدارة الأعمال؟
بدأت رحلتي مع الصحافة حين درست في IHECS في بروكسل، حيث تعلمت كيفية سرد القصص، وفهم الإعلام، وإتقان رموز الاتصال، في الوقت نفسه، كنت مفتونة بالموسيقى، وفي سن المراهقة، كنت بالفعل أتواصل مع الفنانين على موقع MySpace لأجري مقابلات معهم، والكاميرا بيدي.. سرعان ما أدركت أنني أريد أن أكون في قلب هذه الصناعة.
بدأت عملي في وكالة حجز حيث كنت أعمل على حفلات لمغني الراب الفرنسيين مثل Booba وSexion d’Assaut. أحيانًا كنت أعمل بلا مقابل، لكنني كنت أعتبره تدريبًا، كان هذا المزيج بين الصحافة وتنظيم الفعاليات هو ما منحني الثقة والمهارات لأنتقل إلى إدارة الفنانين.
وجاءت نقطة التحول عندما اكتشفت "دامسو" وآمنت بموهبته قبل أن تؤمن بها الصناعة، قدمت عمله، وبعد بضعة أشهر عُرض عليّ أن أصبح مديرة أعماله، وكان عمري 25 عامًا في ذلك الوقت، لم يكن لديّ مرشد، وكان عليّ أن أتعلم أثناء الممارسة مثل: قراءة العقود، التفاوض، تنظيم الجولات، إدارة الميزانيات.. لم تكن البدايات سهلة، خاصة في مجال يهيمن عليه الرجال، وكان عليّ أن أثبت استحقاقي لمكاني مرتين وبجهد مضاعف، لكن حدسي ورؤيتي ومثابرتي ساعدتني على شق طريقي.

من خلال تجربتك، هل تغيرت أهمية وظيفة مدير الأعمال في العصر الحالي مقارنةً بالماضي؟ وكيف تقدرين نسبة مساهمة مدير الأعمال في نجاح الفنان؟
المدير هو العمود الفقري للفنان، والركيزة الرئيسية له، فهو ينسّق، ويتوقع، ويحمي، وينظم، ويحمل الرؤية طويلة الأمد.. من دون مدير جيد، يمكن أن يضيع الفنان سريعًا وسط تعقيدات الصناعة، أو القرارات الخاطئة، أو عدم الاستقرار.
في الماضي، كان الدور يُنظر إليه على أنه إداري أو مالي بحت. أما اليوم فهو أوسع بكثير: عليك أن تفهم الأدوات الرقمية، والخوارزميات، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبناء العلامة التجارية. يصبح المدير مشاركًا في صناعة الاستراتيجية.. إذا كان عليّ أن أقدّر، فسأقول إن المدير يساهم بما لا يقل عن 30 إلى 40% من نجاح الفنان. في بدايات المسيرة تكون النسبة أعلى حتى، لأن المدير غالبًا ما يحمل المشروع بأكمله.

وما هي برأيك مواصفات المدير الناجح؟
يجب أن يكون المدير الجيد استراتيجيًا، صاحب رؤية، ومنظمًا، ولكن أيضًا يحمل جانب إنساني بشكل عميق، تحتاج إلى معرفة قوية بالصناعة مثل العقود، الحقوق، التوزيع، ولكن أيضًا إلى حدس فني يتيح لك استشعار ما يمكن أن يلمس الجمهور.
عليك أن تكون قادرًا على توحيد الفريق، وبعث الثقة، ومعرفة متى ترفض وتقول لا، وأن تكون مستمعًا جيدًا، وأضيف أيضًا الصلابة والمرونة: في هذا المجال هناك كثير من الصعود والهبوط، ويجب أن تحافظ على المسار والثقة حتى عندما تبدو الأمور على وشك الانهيار.
في الماضي، كانت هناك صورة نمطية عن مدير الأعمال، تيعتبر مجرد متحدث باسم الفنان في الأمور المالية والتنظيمية.. الآن، ما هي حدود دور المدير في حياة الفنان؟ هل تؤثر أدواره أيضًا على خياراته الفنية؟
اليوم أصبحت الحدود أكثر ضبابية. لم يعد المدير مجرد متحدث باسم، بل يمكن أن يكون له تأثير فني حقيقي، يمكنني أن أنصح الفنان في ما يخص التعاونات، أو اتجاه الألبوم، أو صورته.. لكنني أؤمن بوجود حد واضح: الإبداع ملك للفنان، ودوري هو الدعم، وتسليط الضوء، وتوفير الخيارات لا فرض أي شيء.

ما هي الإنجازات التي تفخرين بها في مسيرتك المهنية والتي تعكس نجاحك في عملك؟ وهل يمكنك إخبارنا المزيد عن إنجازك الأخير مع إلجراندو طوطو في مهرجان موازين؟
أنا فخورة بأشياء كثيرة. بالطبع هناك الرحلة مع "دامسو"، الذي أصبح فنانًا كبيرًا في العالم الناطق بالفرنسية، ورافقته منذ البداية، ولكن أيضًا بتطوير فنانين مغاربة مثل ElGrandeToto، وكانت مشاركة طوطو في مهرجان "موازين" لحظة قوية ومؤثرة. إنه أحد أكبر المهرجانات في العالم، ورؤية فنان مغربي يتألق على هذا المستوى انتصار للمشهد المحلي بأكمله، وراء هذا النوع من العروض هناك عمل غير مرئي كبير: مفاوضات، لوجستيات، حماية الصورة، بروفات.. عندما يتفاعل الجمهور ويتألق الفنان، أشعر أن كل هذا العمل له معنى.
ترفعين شعار "امرأة في صناعة الموسيقى".. ما وراء هذا الشعار بالنسبة لك؟ وهل تتفقين على أن الساحة الموسيقية المغربية تضمّ الآن أكبر عدد من المطربات مقارنةً بالدول العربية الأخرى وأن ذلك دليلاً على تطور مكانة المرأة في المجتمع المغربي؟
اخترت هذا الشعار لتسليط الضوء على حقيقة بسيطة: لا تزال النساء قليلات في مواقع اتخاذ القرار في مجال الموسيقى. النساء يظهرن كمغنيات، لكن نادرًا كمديرات أو منتجات أو مخرجات. والتحديات حقيقية، ويشكك الناس بك بسهولة أكبر، ويجب أن تثبتي شرعيتك لفترة أطول. في البداية حاولت حتى أن أجعل الناس ينسون أنني امرأة كي يحكموا فقط على عملي.
أما بالنسبة للمشهد المغربي، نعم، كثير من المغنيات يحققن نجاحًا، وأعتقد أن ذلك علامة على تقدم اجتماعي. الجمهور مستعد لاحتضان الأصوات النسائية، وهذا مشجع. لكن لا يزال أمامنا طريق طويل لتحقيق مساواة هيكلية حقيقية.
هناك شكوى عامة من الفنانين الصاعدين من قلة مصادر الربح أو محدودية الإيرادات من منصات البث الرقمي والحفلات.. ما رأيكِ في هذا الأمر؟ وماذا يجب على الفنانين فعله لتحسين وضعهم المادي؟
صحيح أن البث عبر الإنترنت يدرّ دخلًا ضئيلًا ويعتمد بشكل كبير على الحجم، والحفلات ليست دائمًا سهلة التحقق. أعتقد أن المفتاح اليوم هو تنويع مصادر الدخل. يجب على الفنانين أن يروا أنفسهم كعلامات تجارية: تطوير منتجات، البحث عن شراكات، ابتكار محتوى حصري، السعي وراء صفقات المزامنة (الموسيقى في الأفلام والإعلانات والألعاب). البث هو واجهة عرض، لكنه غير كافٍ. على الفنان أن يبني قاعدة جماهيرية وفية ويفكر على المدى الطويل.

هناك أيضاً نظرة حول أن النجاح في العصر الحالي يعتمد بشكل كبير على التسويق أكثر من الفن.. ما رأيكِ في هذا الأمر؟
أقول إن التسويق أصبح أساسيًا، لكنه لا يطغى على الفن. التسويق يسمح للموسيقى بالوجود وسط محيط من المحتوى، لكن إذا كانت الموسيقى فارغة، فلن يبق الجمهور. النجاح المستدام دائمًا يستند إلى موهبة حقيقية وأصالة فنية. لا يمكن لأحدهما أن يوجد دون الآخر.
بناء على تجاربكِ في الساحة الموسيقية المغربية.. برأيك ما أسباب نجاح الجيل الجديد خارج المغرب، سواء في مصر وأفريقيا وأوروبا؟ وكيف تُقيّمين وضع صناعة الموسيقى في المغرب حالياً؟
لأنهم وجدوا توازنًا بين الهوية المحلية والانفتاح الدولي. الفنانون المغاربة يمزجون بين الأصوات الحضرية والشرقية والحديثة. يخاطبون بلدهم والمهجر والجمهور العالمي. يلعب المغتربون دورًا كبيرًا، وكذلك المنصات الرقمية التي تتيح للأغنية المغربية أن تنتشر فورًا. كما تحسنت جودة الإنتاج كثيرًا لتصل إلى معايير دولية. الصناعة الموسيقية المغربية ما زالت قيد البناء. نحتاج إلى هياكل أقوى، لكن الطاقة والحيوية لا يمكن إنكارهما. وأنا فخورة جدًا بكوني جزءًا منها منذ 2019.

ما الذي تغيّر في طريقة إنتاج الموسيقى في المغرب حالياً؟ وما الذي تطمحون إليه على الصعيدين التجاري والفني؟
الثورة الكبرى هي التكنولوجيا. اليوم يمكنك إنتاج مقطع موسيقي عالمي المستوى في استوديو منزلي بالدار البيضاء. أصبحت الفيديوهات الموسيقية أكثر سهولة، وتسمح الشبكات الاجتماعية بالانتشار الواسع الفوري. أملي أن تتحول هذه الطاقة إلى هيكلية أقوى وتصبح أكثر تنظيماً مثل وجود شركات إنتاج مغربية أكثر قوة، المزيد من التدريب، حماية أقوى للحقوق. أريد لفنانينا أن تكون لديهم الوسائل للعيش بكرامة من فنهم وأن يُعترف بهم على المستوى العالمي.
ماذا عن فكرة "الوصول إلى العالمية" التي تُردد باستمرار؟ هل تؤمنين بهذا الهدف؟ وهل هو هدف الفنانين المغاربة، خاصةً في ظل دخول شركات الإنتاج العالمية إلى المغرب والشرق الأوسط؟
بالتأكيد. بل هو ضرورة.. المغرب والشرق الأوسط يجذبان شركات الإنتاج العالمية الكبرى، وهذا دليل على وجود إمكانات هائلة، لكن علينا أن نحدد معنى "العالمية": ليس بالضرورة ملء الملاعب الأمريكية، بل أن يُستمع إليهم خارج الحدود، وأن يتعاونوا دوليًا، ويظهروا في التصنيفات العالمية. أؤمن بعمق بأن الفنانين المغاربة قادرون على بلوغ هذا المستوى. ودوري كمديرة هو بناء الجسور التي تساعدهم على الوصول إلى هناك.
الصور من حساب أنيسة جلاب على انستقرام.