دراسة تكشف الأسباب الخفية للنوبات القلبية لدى النساء الأصغر سنًا

دراسة تكشف الأسباب الخفية للنوبات القلبية لدى النساء الأصغر سنًا

جمانة الصباغ

في عالمٍ تتنازعه الكثير من الظروف الحياتية والطبيعية التي يمكن أن تتسبب له بالمشاكل والكوارث، ما زال الجسم الطبي يحاول جاهدًا التخفيف من حدة بعض الأمراض خاصةً المزمنة منها، أو التي تتسبب بنسبة وفيات عالية.

فلنأخذ على سبيل المثال النوبات القلبية؛ فهذه المشكلة المتعلقة بالقلب، ما زالت من أبرز أسباب الوفاة عالميًا. إلا أن معدلات الوفيات تراجعت بشكلٍ ملحوظ خلال العقود الأخيرة، بفضل التشخيص المبكر والعلاجات الحديثة.

وتشير أحدث الأرقام والاحصاءات إلى أن أمراض القلب والأوعية الدموية، مسؤولةٌ عن أكثر من 17.9 مليون وفاة سنويًا حول العالم، أي ما يقارب ثلث الوفيات العالمية. ووفقًا لتقرير جمعية القلب الأمريكية لعام 2025، فإن النوبات القلبية (احتشاء عضلة القلب) تُشكَل نسبةً كبيرة من هذه الوفيات، خاصةً في الفئات العمرية فوق 50 عامًا. ومنذ عام 1970 وحتى 2022، انخفضت وفيات النوبات القلبية بنسبة 90% بفضل تطور التشخيص والعلاج، بينما تراجعت الوفيات الناتجة عن أمراض القلب عمومًا بنسبة 66%.

هذه النسب المشجعة، لا تلغي للأسف الحاجة لمعرفة الأسباب الخفية التي قد تقف وراء الإصابة بالنوبات القلبية، خاصةً عند النساء ومن الفئة العمرية الأصغر. وهو ما دفع بالباحثين في مايو كلينك، للعمل على دراسة تحاول تحرَي وتقصَي هذه الأسباب، بغية توعية وإرشاد النساء والبالغين من عمر أصغر للوقاية منها.

فما هي تلك الأسباب الخفية وراء النوبات القلبية لدى البالغين الأصغر سنًا، ولاسيما النساء، وكيف بالإمكان تقليصها أو تجنبها؟ هذا ما نتعرف عليه في مقالة اليوم.

دراسة لمايو كلينك تكشف الأسباب الخفية للنوبات القلبية لدى البالغين الأصغر سنًا، ولاسيما النساء

التسلخ التلقائي في الشريان التاجي والانصمام عوامل غير تقليدية للنوبات القلبية لدى النساء الأصغر سنًا
التسلخ التلقائي في الشريان التاجي والانصمام عوامل غير تقليدية للنوبات القلبية لدى النساء الأصغر سنًا

إذن؛ توصلت دراسةٌ جديدة أجرتها مايو كلينك، إلى أن العديد من النوبات القلبية التي تصيب الأشخاص تحت عمر 65 عامًا - خاصةً النساء - تُسبَبها عوامل أخرى بخلاف الشرايين المسدودة، وهو ما يتعارض مع الفرضيات القائمة حول كيفية حدوث النوبات القلبية لدى الفئات الأصغر سنًا.

وقد فحصت الدراسة التي نُشرت نتائجها في مجلة الكلية الأمريكية لأمراض القلب (Journal of the American College of Cardiology)، أكثر من 15 عامًا من البيانات المستمدة من مشروع روتشستر لعلم الأوبئة، موفرةً بذلك التقييم السكاني الأكثر شمولًا لأسباب النوبات القلبية لدى الأشخاص البالغين 65 عامًا أو أقل.

حيث سبَبت عوامل غير تقليدية أكثر من نصف حالات النوبات القلبية لدى النساء تحت عمر 65 عامًا، مثل التسلخ التلقائي في الشريان التاجي، الانصمام، وغيرهما من العوامل غير المتعلقة باللويحات المُسبَبة لانسداد الشرايين. وبينما كانت حالات الإصابة بالنوبات القلبية أقل بشكلٍ ملحوظ لدى النساء - مقارنةً بالرجال - إلا أنه عند إصابة النساء بالنوبات القلبية، لم تُشخَص الأسباب الكامنة بشكلٍ صحيح في أغلب الحالات. حيث تكرر إغفال حالات التسلخ التلقائي في الشريان التاجي، التي تُصيب النساء الأصغر سنًا أو اللاتي يتمتعنَ بصحةٍ جيدة بخلاف ذلك، أو شُخصت بصورةٍ خاطئة باعتبارها نوبة قلبية نمطية نتيجة تراكم اللويحات.

وعلى الرغم من أن تصلَب الشرايين، أو انسداد الشرايين بسبب اللويحات، كان أكثر الأسباب شيوعًا للإصابة بالنوبات القلبية لدى الجنسين؛ إلا أنه لم يُشكَل سوى 47% من النوبات القلبية لدى النساء، مقارنةً بنسبة 75% لدى الرجال. كما أن معدل الوفيات على مدار خمس سنوات كان أعلى لدى الأشخاص الذين أصيبوا بنوباتٍ قلبية حفَزتها مُسبَبات الإجهاد مثل فقر الدم أو العدوى، برغم أن هؤلاء المرضى كان لديهم مستوياتٍ أقل من إصابات القلب.

وتقول كلير رافائيل، الحاصلة على بكالوريوس الطب والجراحة، اختصاصية طب القلب التدخّلي في مايو كلينك والمؤلفة الأولى للدراسة: "يُسلَط هذا البحث الضوء على مُسبَبات النوبات القلبية التي لم يكن هناك درايةٌ كافية بها في السابق، خاصةً تلك التي تُصيب النساء. فعندما لا يتم إدراك السبب الجذري للنوبة القلبية، قد ينتج عن ذلك الخضوع لعلاجاتٍ أقل فاعلية - بل وضارة."

هذا الفهم الجديد من شأنه إنقاذ الأرواح؛ فالتشخيص الخاطئ للتسلخ التلقائي في الشريان التاجي، على سبيل المثال، قد يُعالج بوضع دعامةٍ غير ضرورية، مما يزيد من خطر التعرض لمضاعفات. بينما يُتيح التعرف على الأسباب غير التقليدية للنوبات القلبية والتشخيص السليم لها، تقديم الرعاية المناسبة وتحسين النتائج طويلة المدى.

فيما يلي النتائج الرئيسية للدراسة:

•       من بين 1474 حالة نوبة قلبية، جاءت 68% منها نتيجةً لتراكم اللويحات النمطي (أمراض القلب التقليدية)، ولكن الأسباب غير التقليدية شكَلت غالبية النوبات القلبية لدى النساء.

•       كان التسلخ التلقائي في الشريان التاجي أكثر شيوعًا لدى النساء مقارنةً بالرجال بنحو ست مرات.

•       كانت النوبات القلبية الناجمة عن مُسببات الإجهاد، مثل فقر الدم أو العدوى، ثاني أكثر الأسباب شيوعًا بشكلٍ عام، وأكثرها تهديدًا للحياة؛ إذ بلغ معدل الوفيات على مدار خمس سنوات 33%.

•       كانت النوبات القلبية التي تفتقر فعلًا إلى التفسير نادرة الحدوث، حيث شكَلت أقل من 3% بعد المراجعة المتخصصة.

دراسة تكشف الأسباب الخفية للنوبات القلبية لدى النساء الأصغر سنًا، - رئيسية
دراسة تكشف الأسباب الخفية للنوبات القلبية لدى النساء الأصغر سنًا،

بشكل عام، تقدَم الدراسة تفسيراتٍ من شأنها إعادة تشكيل طريقة تشخيص النوبات القلبية وإدارتها لدى البالغين الأصغر سنًا. ويُعلَق الدكتور راجيف جولاتي، رئيس قسم طب القلب التدخّلي وأمراض القلب الإقفارية والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، على الموضوع بالقول: "يُبرز بحثنا الحاجة الأكبر لإعادة النظر في أساليب التعامل مع النوبات القلبية لدى هذه الفئة من المرضى، ولا سيما النساء من البالغات الأصغر سنًا. يجب على اختصاصيي الرعاية السريرية تعزيز وعيهم بحالاتٍ مثل التسلخ التلقائي في الشريان التاجي، الانصمام، ومُسبَبات الإجهاد؛ كما ينبغي للمرضى المطالبة بإجاباتٍ عندما يشعرون بأن هناك شيئًا غير طبيعي."

بدورها تضيف الدكتورة رفائيل: "إن معرفة سبب حدوث النوبة القلبية هي بنفس أهمية علاجها، لأنها قد تُشكَل الفارق بين التعافي وتكرار الإصابة."

في الخلاصة؛ فإن معرفة الأسباب الخفية للنوبات القلبية لدى الأصغر سنًا وخاصة النساء، هو عاملٌ مهم وأساسي لتحديد طريقة التدخل الطبي والعلاج الأنسب. وفيما أن حالاتٍ غير تقليدية مثل التسلخ التلقائي في الشريان التاجي، الانصمام، وغيرهما من العوامل غير المتعلقة باللويحات المُسبَبة لانسداد الشرايين تُشكَل سببًا خفيًا وراء زيادة خطر النوبات القلبية، فإن هذه الدراسة أتاحت لمقدمي الرعاية الصحية البحث عن هذه الأسباب أيضًا، لتحسين فرص المصابين والمُعرَضين لهذا النوع من النوبات، في العلاج والنجاة.