
الارتجاع المريئي… متى تصبح حموضة المعدة مؤشرًا خطيرًا ينبغي علاجه؟
سبحان الله؛ خلق جسم الإنسان في أحسن تكوين، وكل عضوٍ أو جهازٍ فيه لديه مهمةٌ مُحددة قد تتلاقى مع أعضاء أخرى. كما أن أي طارئ، مهما كان صغيرًا أو كبيرًا ، يمكن أن يؤثر على عمل هذه الأجهزة، وسلامتها.
على سبيل المثال، فإن الجهاز الهضمي هو منظومةٌ مُعقدة تبدأ من الفم وتنتهي بفتحة الشرج؛ وأي خللٌ في أحد أجزائه يمكن أن يؤدي إلى مجموعةٍ واسعة من المشاكل الصحية. نعلم منها على سبيل المثال، وهي المشاكل الأكثر شيوعًا بين معظم الناس، الإمساك والإسهال والنفخة وعسر الهضم؛ لكن ثمة مشكلةً لا ينبغي التغاضي عنها، خصوصًا في حال تكرارها؛ ألا وهي الارتجاع المريئي (المعروفة أكثر بداء الارتداد المعدي المريئي) واختصارها GERD.
الحالات البسيطة لارتجاع المريء والحموضة أو الحرقة التي تُصاحبها، قد تكون عرضًا عاديًا بعد الانتهاء من وجبةٍ كبيرة مثلًا، أو تناول أطعمة دسمة. لكن تكرار هذه الحالة في معظم الأوقات، وحتى دون مُسبَبات، قد يكون مؤشرًا على مشكلةٍ صحية ينبغي مراجعة الطبيب المختص بشأنها وعلاجها حسب البروتوكلات المُتبَعة.
لمعرفة أسباب الارتجاع المريئي الحاد وكيفية التخلص منه، تحدثنا إلى الدكتور أحمد العاني؛ استشاري جراحة الجهاز الهضمي في مجموعة مستشفيات ميدكير دبيhttps://www.medcare.ae/en، الذي فصَل لنا الأسباب والمؤشرات الخطيرة لهذه المشكلة، وكيف نعالجها.

ما هو الارتجاع المريئي؟
بحسب الدكتور العاني؛ فالحرقة أو الحموضة التي يشعر بها البعض بعد تناول وجبةٍ كبيرة قد تبدو عرضًا عابرًا، لكن تكرارها أكثر من مرتين في الأسبوع قد يشير إلى الإصابة بمرض الارتجاع المريئي أو داء الارتداء المعدي المريئي (GERD). وهو أحد أكثر اضطرابات الجهاز الهضمي شيوعًا، وقد يؤثر على جودة حياة المريض بشكلٍ ملحوظ إذا لم يُعالج بطرقٍ صحيحة.
وإذا أردنا تحديد تعريف الارتجاع المريئي؛ فإنه "عودة محتويات المعدة، بما فيها الأحماض الهاضمة، إلى المريء، وهو الأنبوب الذي ينقل الطعام من الفم إلى المعدة". هذه العودة غير الطبيعية تحدث نتيجة ضعفٍ أو ارتخاء الصمام العضلي المعروف بـ "العضلة العاصرة السفلية" للمريء، الذي يُفترض أن يغلق بإحكام بعد دخول الطعام إلى المعدة.
عند حدوث هذا الخلل، يتعرض جدار المريء لحمض المعدة؛ ما يُسبَب تهيَجًا في المعدة وأعراضًا مزعجة.
لماذا يحدث الارتجاع المريئي؟
يوضح الدكتور أحمد العاني أن السبب الرئيس وراء هذه المشكلة، قد يكون مزيجًا من عدة عوامل منها:
1. زيادة الضغط داخل البطن: كما في حالات السُمنة أو الحمل.
2. ضعف العضلة العاصرة: نتيجة التدخين أو تناول بعض الأدوية.
3. بطء إفراغ المعدة (Gastric stasis): ما يُطيل بقاء الطعام ويزيد من احتمالية الارتجاع.
4. فتق الحجاب الحاجز: وهو بروز جزءٍ من المعدة إلى تجويف الصدر، ما يُضعف وظيفة الصمام.
بالطبع؛ يمكن لبعض عوامل الخطر أن تزيد من احتمالية الإصابة بداء الارتداء المعدي المريئي، وهي على الشكل التالي:
• السُمنة المفرطة أو زيادة الوزن.
• الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة أو الحارة.
• التدخين وشرب الكحول.
• النوم مباشرةً بعد الأكل.
• تناول الكافيين بكثرة.
• الحمل وتغيَر الهرمونات.
• وجود تاريخ عائلي للإصابة بهذا المرض.
ما الأعراض التي تحتاج للتنبَه؟
يؤكد الدكتور العاني على وجوب عدم إهمال الأعراض الآتية، كونها تؤشر بشكلٍ مباشر إلى الإصابة بداء الارتجاع المريئي GERD:
• الإحساس بحرقةٍ أو ألم في منتصف الصدر، خاصةً بعد الأكل أو عند الاستلقاء.
• طعمٌ حمضي أو مُر في الفم، يترافق أحيانًا مع تجشؤ متكرر.
• صعوبة أو ألم عند البلع.
• سعالٌ مُزمن أو بحة في الصوت، خصوصًا في الصباح.
• شعورٌ بانقباض أو كتلة في الحلق.
ويُنبَه استشاري جراحة الجهاز الهضمي من ميدكير، إلى أنه وفي بعض الحالات؛ قد لا تظهر أعراض الحموضة بشكلٍ واضح، لكن المريض يكون يعاني من مضاعفاتٍ في الحلق أو الرئة بسبب ارتجاع الحمض.

علاج داء الارتداد المعدي المريئي متوفر ويمكن اتباعه حسب نُصح الأطباء، لكن ماذا لو تمَ إهمال العلاج؟ ما المضاعفات التي يمكن أن تنجم عن ذلك؟
يحذر الدكتور العاني من أن تجاهل هذه الحالة قد يؤدي إلى:
• التهاب المريء المزمن الذي يُسبَب ألمًا وتقرحات.
• تضيَق المريء نتيجة تنَدب الأنسجة، ما يعيق مرور الطعام.
• مريء باريت (Barrett’s esophagus): وهي مشكلةٌ قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء.
• مشاكل في الجهاز التنفسي مثل الربو أو التهاب الحنجرة المزمن.
لحسن الحظ؛ فإن علاج الارتجاع المريئي ممكن دومًا، ويتبَع تشخيصًا وعلاجاتٍ مُحددة يُطلعنا عليها الدكتور العاني في الفقرة التالية..
كيف يتم تشخيص وعلاج داء الارتداء المعدي المريئي؟
يعتمد الطبيب على التاريخ المرضي والفحص السريري للمريض، وقد يلجأ إلى:
1. التنظير العلوي لرؤية بطانة المريء وفحص وجود التهابات أو قُرح.
2. قياس حموضة المريء (pH monitoring) على مدار 24 ساعة.
3. استخدام الأشعة الملونة أو قياس ضغط المريء لتقييم وظيفة الصمام.
هذا ويُنوه الدكتور العاني إلى أن العلاج غالبًا ما يبدأ من المطبخ وتعديل نمط الحياة، قبل اللجوء إلى الأدوية.
وبالتالي، من الضروري إحداث تغييراتٍ في نمط الحياة لمرضى الارتجاع المريئي، تتضمن ما يلي:
• تناول وجباتٍ صغيرة ومتعددة.
• تجنَب الأكل قبل النوم بساعتين على الأقل.
• رفع رأس السرير بمقدار 10–15 سم.
• إنقاص الوزن إذا كان زائدًا عن الحد الطبيعي.
• الإقلاع عن التدخين والكحول.
• ارتداء ملابس فضفاضة لتقليل الضغط على البطن.
هذا بجانب العلاج الدوائي الموصوف من قبل الطبيب، حسب الحالة الصحية للمرضى؛ والذي يتضمن مضادات الحموضة لتخفيف الأعراض السريعة؛ حاصرات مُستقبلات H2 لتقليل إفراز الحمض، ومُثبطات مضخة البروتون (PPIs)، وهي الأكثر فعاليةً في تقليل الحموضة وحماية المريء.
ماذا عن التدخل الجراحي أو التنظيري؟
وفقًا للدكتور العاني دومًا؛ يتم اللجوء إلى الجراحة أو التنظير في الحالات الشديدة أو المُقاومة للعلاج، مثل عملية تثنية قاع المعدة (Fundoplication).
بالعودة إلى نمط الحياة الغذائي، ما هي الأطعمة الواجب تناولها أو تجنَبها، للتخفيف من حدة داء الارتداء المعدي المريئي؟

يُشدَد الدكتور العاني على وجوب التركيز على الأطعمة التالية، لتخفيف الأعراض المصاحبة للارتجاع المريئي:
• الخضروات الورقية (مثل الخس والسبانخ).
• الخيار والكوسة.
• الشوفان والحبوب الكاملة.
• البروتينات قليلة الدسم (كالدجاج والسمك).
• الموز والبطيخ.
• الزنجبيل الطازج بكمياتٍ معتدلة.
في المقابل؛ يجب التقليل من بعض الأطعمة مثل المقليات والوجبات السريعة الغنية بالدهون؛ الطماطم وصلصاتها؛ المشروبات الغازية والكافيين؛ الشوكولاتة؛ الأطعمة الحارة والمُبهَرة؛البصل والثوم بكمياتٍ كبيرة، وكذلك النعناع.
في الختام؛ لا بدَ من نصيحة المختص، والتي يقدمها الدكتور العاني على النحو التالي: "الارتجاع المريئي من أكثر الأمراض التي يمكن التحكم فيها إذا تمَ التشخيص مبكرًا، والتزمت المريضة بتغيير نمط حياتها. لا أنصحُ بالاعتماد فقط على الأدوية من الصيدلية دون استشارة الطبيب، لأن السبب الجذري قد يحتاج تدخلًا خاصًا من قبل الطبيب المختص."