أسباب الخرف سريع التقدم

أسباب الخرف سريع التقدم محور دراسات علمية.. وهل يمكن علاجه؟

جمانة الصباغ

عندما ننظر إلى حاضرنا اليوم، نستحضر بسرعة ماهية الحياة في الماضي؛ كم كانت شاقةً وصعبة، وكم من حيواتٍ انتهت لعدم توفر التشخيص والعلاج المناسبين. نحن اليوم في أحسن حال والحمدالله، في ضوء التطور الطبي والعلمي الهائلين اللذين نتنعم فيهما بالصحة والأمان واستطالة العمر بصورةٍ متكافئة.

لقد أحدثت التطورات الطبية نقلةً نوعية في الرعاية الصحية في العالم الحديث، مما أدى إلى ابتكار علاجاتٍ رائدة وتحسين نتائج المرضى. ومن أبرز تلك الإنجازات، الأعضاء الاصطناعية مثل القلب الاصطناعي؛ إنجازات التطعيم التي قضت على العديد من الأمراض مثل الجدري؛ الطب الدقيق إذ حسَنت العلاجات المصممة خصيصًا والقائمة على التنميط الجيني إدارة الأمراض؛ التصوير المتقدم كالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، وأبحاث السرطان إذ تُحسّن العلاجات الجديدة معدلات البقاء على قيد الحياة وفعالية العلاج.

في ضوء كل هذا، يبرز سعيٌ حثيث من قبل مجموعةٍ من الباحثين في مايو كلينك، لتحديد أسباب الخرف سريع التقدم Rapidly Progressive Dementia لدى بعض مرضى الزهايمر والخرف، في محاولةٍ جدية للحدَ من هذه الإصابات.

نستعرض في مقالة اليوم لهذه الدراسة المهمة؛ إنما أولًا، دعينا عزيزتي نتعرف سويًا على أسباب الخرف سريع التقدم، خاصةً مرض البريون الذي يُشكَل خطرًا مضاعفًا على صحة مرضى الخرف.

العدوى وأمراض المناعة الذاتية أبرز أسباب الخرف سريع التقدم
العدوى وأمراض المناعة الذاتية أبرز أسباب الخرف سريع التقدم

ما هي أسباب الخرف سريع التقدم؟

الخرف سريع التقدم (RPD) حالةٌ نادرة، يحدث فيها تدهورٌ إدراكي أسرع بكثير من الخرف التقليدي، غالبًا في غضون أسابيع أو أشهر. وتشمل أعراضه فقدان الذاكرة، صعوبة الكلام، اضطرابات المزاج، وضعف التنسيق.

هناك أسبابٌ مختلفة للخرف سريع التقدم، بما في ذلك العدوى، وأمراض المناعة الذاتية، ونقص الفيتامينات، والاضطرابات العصبية التنكسية. وقد تكون بعض الحالات قابلةً للعلاج إذا تمَ تشخيصها مبكرًا، بينما قد يؤدي بعضها الآخر إلى تدهورٍ سريع.

أحد أسباب الخرف سريع التقدم (RPD) الجدير بالملاحظة والمتابعة هو أمراض البريون، وهي اضطراباتٌ عصبية تنكسية نادرة ولكنها مُدمرة. وتحدث أمراض البريون عندما تتشوه البروتينات الطبيعية في الدماغ وتصبح مُعدية، مما يؤدي إلى تدهورٍ سريع في وظائف الدماغ.

من أمراض البريون المعروفة، مرض كروتزفيلد جاكوب (CJD)؛ الذي يُسبَب تدهورًا إدراكيًا حادًا، واضطرابات حركية، وتغيرات في الشخصية. وعلى عكس أشكال الخرف الأخرى، تتطور أمراض البريون بسرعةٍ كبيرة، وغالبًا ما تؤدي إلى الوفاة في غضون أشهر. للأسف، لا يوجد علاج شافٍ لهذه الأمراض؛ ولكن التشخيص المبكر يمكن أن يساعد في السيطرة على الأعراض.

باحثو مايو كلينك يدرسون أسباب الخرف سريع التقدم

يواجه أغلب مرضى داء الزهايمر والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر، الظهور والتقدم التدريجين للأعراض الإدراكية، مما يُسبَب التدهور على مدى سنوات أو عقود. إلا أنه في مجموعةٍ فرعية صغيرة من المرضى تبدأ الأعراض سريعًا، مؤديةً إلى الإصابة بالخَرَف في غضون سنةٍ واحدة والعجز الكامل خلال سنتين من بداية ظهور الأعراض. وتطمح دراسةٌ جديدة تُجرى في مايو كلينك، إلى تحديد سبب إصابة مرضى داء الزهايمر والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر بالخَرَف سريع التقدم.

جريج داي طبيب الأعصاب والباحث السريري في مايو كلينك
جريج داي طبيب الأعصاب والباحث السريري في مايو كلينك 

ويقول جريج داي، دكتور في الطب، طبيب الأعصاب والباحث السريري في مايو كلينك في ولاية فلوريدا: "إن العوامل التي تُسبَب ظهور السمات السريرية الشديدة وسريعة التقدم غير معروفة. ويصعُب معالجة هذه الحالات عمليًا، نظرًا لوجود العديد من الأسباب والأمراض المحتملة التي يجب أخذها في الاعتبار، والعديد من الاختبارات التي يمكن إجراؤها، وحاجة واضحة للتنسيق بين التقييمات سريعّا".

يقود الدكتور داي فريقًا من الباحثين من مايو كلينك في ولايات فلوريدا ومدينة روتشستر في ولاية مينيسوتا، لدراسة بيولوجيا الخَرَف سريع التقدم من خلال مشروع يُموَله المعهد الوطني للشيخوخة التابع لمعاهد الصحة الوطنية.

ويهدف الفريق البحثي والمتعاونون تحديدًا إلى:

1.     تحديد العوامل التي تجعل المصابين بداء الزهايمر والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر، عرضةً للإصابة بالخَرَف سريع التقدم.

2.     دراسة مساهمات بروتينات الأميلويد والتاو السامة، والتغييرات الوعائية في الدماغ في معدلات تقدّم المرض لدى المصابين بداء الزهايمر والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر.

3.     التعرف على الممرات الخلوية التي تساهم في التدهور السريع للمصابين بداء الزهايمر والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر.

كما يخطط الباحثون لجمع معلوماتٍ سريرية وجينومية من 120 مريضًا من خلفياتٍ متنوعة، مصابين بداء الزهايمر سريع التقدم والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر على مدار الثلاث سنوات المقبلة. وستُقارن نتائج المرضى المصابين بالخَرَف سريع التقدم، ممن حدَدتهم دراسات المراكز البحثية لداء الزهايمر على المستوى الوطني، مع بيانات المشاركين المسجلين في مركز مايو كلينك لأبحاث داء الزهايمر المصابين بداء الزهايمر التقدمي النمطي والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر.

ويأمل الفريق في معرفة كيف لعوامل مثل العمر والنوع والسيرة المرضية والمُحددات الهيكلية والاجتماعية للصحة والمتغيرات الجينية والتغيرات الدماغية الأخرى، أن تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضةً للتدهور السريع. وسيجري التحقق من النتائج من خلال تحليلاتٍ بروتينية مُوسعة في السائل الدماغي النخاعي المأخوذ من مجموعةٍ مستقلة من المرضى، الذين تأكدَ تشخيص إصابتهم بداء الزهايمر السريع والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر من خلال التشريح. كما سيمتد تطبيق النتائج لتحديد المؤشرات الحيوية والمستهدفات المُعدلة للمرض التي يمكن أن تحسّن من تشخيص وعلاج المرضى المصابين بداء الزهايمر والخَرَف المرتبط بداء الزهايمر.

فقدان الذاكرة واضطرابات المزاج من أعراض الخرف سريع التقدم
فقدان الذاكرة واضطرابات المزاج من أعراض الخرف سريع التقدم

وسيدمج هذا البحث خبرة مايو كلينك في مجال الإبداع الرقمي والتطبيب عن بُعد، لإشراك المرضى من جميع أنحاء الولايات المتحدة.

كيف يُشخَّص الخرف سريع التقدم (RPD)؟ غالبًا ما يشمل التشخيص تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي (MRI)، وفحوصات الدم، وتحليل السائل النخاعي، والتقييمات العصبية.

هل يمكن علاج الخرف سريع التقدم؟

بعض أنواع الخرف سريع التقدم قابلةٌ للشفاء إذا عولجت مبكرًا، مثل تلك الناتجة عن العدوى أو اضطرابات المناعة. أما أنواع أخرى، مثل أمراض البريونات، فلا علاج لها.

ويعتمد علاج الخرف سريع التطور (RPD) على السبب الكامن. وفي حين أن بعض أشكاله لا رجعة فيها، يمكن إدارة أو حتى علاج أنواعٍ أخرى إذا تم تشخيصها مبكرًا.

إليك بعض الطرق:

•       العلاجات الدوائية: يمكن لبعض الأدوية، مثل مُثبطات الكولينستراز والميمانتين، أن تساعد في إدارة الأعراض الإدراكية.

•       إدارة العدوى: إذا كان سبب الخرف سريع التطور هو عدوى، فقد تكون المضادات الحيوية أو الأدوية المضادة للفيروسات فعالة.

•       علاجات الجهاز المناعي: يمكن علاج الحالات المرتبطة بضعف المناعة بالستيرويدات، أو فصادة البلازما، أو الغلوبولين المناعي.

•       الرعاية الشاملة: غالبًا ما تقدم الفرق متعددة التخصصات علاجاتٍ إدراكية وخطط رعاية شخصية لتحسين جودة الحياة.

أسباب الخرف سريع التقدم-رئيسية واولى
أسباب الخرف سريع التقدم

هذا وتشمل بعض الأساليب الواعدة ما يلي:

1.     العلاجات المُوجهة: بالنسبة للأسباب العصبية التنكسية، قد تُحسّن أدويةٌ مثل مُثبطات الكولينستراز والميمانتين، الوظائف الإدراكية.

2.     العلاج الجيني والأدوية التجريبية: يستكشف البحث تقنيات تعديل الجينات وأدوية جديدة مرشحة لإبطاء تطور المرض.

3.     الطب الدقيق: يجري تطوير خطط علاجٍ شخصية، قائمة على التحليل الجيني وتحليل المؤشرات الحيوية، لتخصيص التدخلات.

في الختام؛ فإن الخرف سريع التقدم هو أحد أوجه الخطر الذي يُحدق ببعض مرضى الزهايمر أو الخرف. وفيما أن بعض حالات الخرف سريع التقدم الناجمة عن أمراض البريون قد يستحيل علاجها بشكلٍ تام، إلا أن بعض العلاجات المتوفرة حاليًا ومنها العلاجات الدقيقة والحديثة، تُسهم بصورةٍ فعالة في تخفيف الأعراض وتحسين جودة الحياة للمرضى المصابين بهذا المرض.

يبقى أن التشخيص المبكر أمرٌ بالغ الأهمية، حيث يمكن علاج بعض حالات الخرف سريع التطور بالتدخل في الوقت المناسب.