الدكتور عيسى فقيه لـ "هي": هذه أبرز الأمراض الوراثية في المجتمع السعودي والأسباب وطرق الوقاية

الجينوم البشري هو المادة الوراثية المتسلسلة التي تتحكم وتنقل الصفات الوراثية الوظيفية أو الشكلية عبر الأجيال، وعند اختلال تلك المادة المعقدة يؤدي ذلك لما يعرف بالأمراض الوراثية بشتى أشكالها والتي تعد أحد أهم أسباب الاعاقات أو الوفيات لدي الأطفال في العالم العربي.

هذا ما أفادنا به الدكتور عيسى علي فقيه رئيس وحدة الطب الوراثي، عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للطب الوراثي، استشاري الأمراض الوراثية وطب الأطفال بمدينة الملك فهد الطبية.

ثم حدثنا بالتفصيل عن أبرز الأمراض الوراثية في المجتمع السعودي وأسبابها وطرق الوقاية منها، كما في التالي:

الأمراض الوراثية في السعودية

هنالك أكثر من 700 مرض وراثي في السعودية
هنالك أكثر من 700 مرض وراثي في السعودية

يقول الدكتور عيسى أنه وبحسب قاعدة البيانات المتوفرة في المنطقة العربية، فإن هناك ما يقرب من 700 مرضاً وراثياً متنحياً، وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من التقارب المكاني والثقافي والاجتماعي بين المملكة والدول العربية الأخرى، فهناك مسببات وراثية فريدة توجد في المجتمع السعودي دون غيره من المجتمعات العربية، لعل أرجحها زواج الأقارب والقبيلة الواحدة.

وتشير الدراسات الجينية المتخصصة التي أجريت على مرضى من المجتمع السعودي من ذي الإعاقات العقلية والحركية أن الطفرات الجينية الوراثية من النوع المتنحي هي الأكثر انتشاراً مقارنة بالطفرات الوراثية الأخرى، وتحتضن مدينة الملك فهد الطبية قاعدة بيانات واسعة للجينات والطفرات تتضمن أكثر من 190 طفرة شائعة موزعة بين القبائل والمناطق في المملكة العربية السعودية.

أمراض الدم

1-بالنظر للمجتمع السعودي فإن أكثر الأمراض الوراثية انتشاراً هي أمراض الدم المنجلي والثلاسيميا، حيث يشكل نسبة الناقلين للمرض 4٪ بحسب احصائيات برنامج فحص ما قبل الزواج.

يتسبب هذا المرض الوراثي المزمن بتغير مورثة الهيموجلوبين وبالتالي الشكل المنجلي لخلايا الدم الحمراء حيث يعاني المصابين من الضعف الجسدي وفقر الدم المزمن ونوبات متكررة من الألم مصحوبة بتضخم في الكبد والطحال.

أمراض المخ والأعصاب

أمراض الدم من الأمراض الوراثية في السعودية
أمراض الدم من الأمراض الوراثية في السعودية

2- تأتي في المرتبة الثانية الأمراض المتعلقة بالمخ والأعصاب والإعاقات الذهنية، ومن أكثرها شيوعاً مرض الحثل العضلي SMA، ويعد هذا المرض من أكثر الأمراض العصبية العضلية المنتشرة في العالم العربي وبخاصة المملكة العربية السعودية.

يسبب هذا المرض ضموراً عضلياً تدريجياً وسريعاً للأطفال في السنة الأولى مما يؤدي بهم إلى العجز الحركي التام ومنها إلى ضعف العضلات المساعدة على التنفس ومن ثم التدرج بهم إلى العناية المركزة بشكل دائم وتوقف التنفس.

3- يأتي بعد ذلك الأمراض الوراثية الاستقلابية أو أمراض التمثيل الغذائي الخلقية، حيث تعد نسبة ظهورها في المملكة العربية السعودية من أكثر النسب في العالم، فبحسب البرنامج الوطني لفحص المواليد من الأمراض الاستقلابية والذي يشمل 17 مرضاً، ويتم اكتشاف مولود واحد من أصل ألف مولود سنوياً.

تتسبب تلك الأمراض باعتلال أنزيمات التمثيل الغذائي وبالتالي تراكم المركبات الكيميائية الضارة والسامة غالباً، أو بانعدام القدرة على تكوين بعض المواد الأساسية في تركيب أو عمل الخلايا مما يؤدي الى تضرر الخلايا الحاد بسبب تراكم بعض العناصر الضارة كالأمونيا. وقد يؤدي البعض الاخر الى تكدس المركبات غير المرغوبة (كمركبات سكر النشا) في أعضاء الجسم (كالكبد) وبالتالي التضخم وإعاقة أدائها للوظائف الحيوية المهمة.

وهناك العشرات من المتلازمات الوراثية النادرة مثل متلازمة بارديتبيدل، ومتلازمة سنجت وسقطي ومتلازمة ميكلجروبر.

تطور الطب والأمراض الوراثية

يؤكد استشاري الأمراض الوراثية أن التقدم التقني الذي يشهده الطب الوراثي مع وجود ثورة تقنيات تسلسل الحمض النووي والمعروفة بتقنية Next Generation Sequencing أدى إلى تسهيل التشخيص والتعرف على طبيعة المرض الوراثي وسبل علاجه سريعاً إن توفر، الأمر الذي انعكس إيجاباً على رفع جودة الحياة بين مرضى وأسر من يعاني من أمراض وراثية، وأصبح الآن بالإمكان إجراء فحوصات الجينات محلياً حيثتعددت تقنيات تلك الفحوصات بحسب حالة المريض وطبيعة المرض، فمنها ما يكون قبل الزواج ومنها ما يكون أثناء الحمل والعديد منها بعد الولادة.

أهمية الفحوصات الطبية

أبرز الأمراض الوراثية في المجتمع السعودي والأسباب وطرق الوقاية
أبرز الأمراض الوراثية في المجتمع السعودي والأسباب وطرق الوقاية

يشير الدكتور عيسى أن الفحوصات الجينية تعد ذات أهمية بالغة في العصر الحاضر خصوصاً عند تحديد ما إذا كان الزوجين أو أحدهما يحمل طفرة جينية قد ينجم عنها طفل مريض "وراثيا" وبالأخص في الأسر ذات التاريخ الأسري الواضح. كما يمكن لتلك الفحوصات الوراثية توفير أفضل السبل والطرق العلاجية والتدخلات الطبية المناسبة للزوجين.

كما تبرز أهمية تلك الفحوصات التشخيصية في إمكانية الاستفادة منها في تجنب أو الحد من نسبة تكرار الإصابات بالأمراض الوراثية بواسطة الفحص الوراثي الجنيني أثناء الحمل أو عبر الطرق المبتكرة حديثا مثل الفحص الوراثي الخلوي قبل الإنغراس.

وتعتبر مدينة الملك فهد الطبية من المراكز المتقدمة في الشرق الأوسط حيث تحتوي على أكثر من 15 عيادة أسبوعية متخصصة بالطب الوراثي والأمراض الاستقلابية،و8 عيادات للاستشارات الوراثية وهي جميعا تسعى للوصول للتشخيص الدقيق ومن ثم علاجه مبكراًإن وجد، وكذلك للعمل على تفادي حصوله مستقبلاً في الأسرة وجميع القرابة من ذوي المصاب.

وقد كانت مدينة الملك فهد الطبية من المراكز المتقدمة والسباقة في توفير الفحوصات الجينية الدقيقة وذلك من عام 2014 م حيث كانت لإدارة المدينة الطبية جهود مؤثرة في توفير الفحوصات رغم غلاء وندرة المختبرات في ذلك الوقت، كما تقوم مختبرات الوراثة الطبية حالياً في توفير الفحص الوراثي للجينوم بشتى أنواعه.

وعي المجتمع وأثره على ظهور الأمراض الوراثية

يذكر استشاري طب الأطفال أن التوعية التثقيفية في مجال الجينوم والوراثة وفهم الأمراض الوراثية وتوزيعها الطبوغرافي ومدي انتشارها في العالم العربي والسعودي بوجه خاص، يجب أن يصاحبه زيادة الوعي المجتمعي عموماً والمقبلين على الزواج خصوصاً، وذلك من خلال الاستقصاء والاسترشاد الوراثي المتخصص لدى المقبلين على الزواج وبخاصة لدى الأسر (أبناءالعم/العمة أو الخال/ الخالة) التي يظهر جلياً لديها الإصابة بنفس الأعراض لأكثر من شخصين أو ثلاثة، كمرض الصمم أو العمى وأمراض التأخر العقلي أو الحركي العصبية، أو وفاة الأجنة أو حديثي الولادة، وفي تلك الحالات فإن التوسع المقنن والمنهجي في إجراء الفحص الجيني الشامل باستخدام تقنيات فحص الجينات في الأسر فور اكتشاف مرض وراثي لأحد الأفراد يساعد في تحديد وتعريف حاملي المرض وبالتالي تفادي ضهور الإصابة لا قدر الله.

الدكتور عيسى فقيه
الدكتور عيسى فقيه

وفي هذا السياق، تقوم مدينة الملك فهد الطبية بتوفير جميع الخدمات المتعلقة بتحديد الناقلين للأمراض الوراثية وخصوصاً عند الأسر المعروفة مسبقاً. وكذلك توفير الفحوصات الجينية الدقيقة للحوامل ممن تكون لديهم إصابة سابقة أو ممن عرفوا مدي نقلهم للجينات المسببة للأمراض الوراثية وفي هذا الصدد تقوم مختبرات الوراثة الطبية وأطباء الاجنة والأمراض الوراثية بإجراء 250 إلى 300 إجراء طبي وراثي للتدخل بفحص الجنين في الأطوار الأولى من الحمل وقاية الأسرة من تكرار المرض.

وأخيراً تسعى الجهات المختصة إلى نشر ثقافة الزواج الصحي بين أفراد المجتمع وخاصة الشباب والمقبلين على الزواج وفهم الواقع الحالي والوقوف على أبرز التحديات وتقديم أفضل الحلول لمواجهة الأمراض الوراثية، لذلك ننصحك عزيزتي القارئة بمراجعة طبيب الأسرة واستشارته في علاجات الأمراض الوراثية ومسبباتها وطرق الوقاية منها.