أول باحثة إماراتية في الذكاء العاطفي الدكتورة مايا الهواري لـ"هي": لولا الاكتئاب لما وصلت إلى ما أنا عليه

الدكتورة مايا الهواري أول باحثة إماراتية في الذكاء العاطفي، وهي أيضا سفيرة المعرفة لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، فارسة التسامح في مبادرة الشيخ عبدالعزيز النعيمي لعام التسامح 2019 . قدمت الكثير من المساهمات المجتمعية عبر المحاضرات خلال فترة الحجر بسبب أزمة كوفيد- 19 استحقت بها الحصول على لقب سفيرة الخدمة المجتمعية لعام 2020 على مستوى الوطن العربي من أكاديمية المجتمع المدني الجزائري. التقينا بها عبر صفحات مجلة "هي" للحديث عن رحلتها البحثية في عالم الذكاء العاطفي، هذا المفهوم متعدد الأوجه الذي يمثل إدراكه إحدى المهارات الأساسية للنجاح في الحياة. فتحت لها جامعة حمدان بن محمد الذكية الأبواب لتحضير رسالة الدكتوراه في الذكاء العاطفي، وأنارت لها الدرب للانفتاح على الآخرين من خلال التقنية ومنصات التواصل الاجتماعي.

 

دبي: "لمى الشثري" Lama AlShethry
تصوير: "غيث طنجور" Gaith Tanjour

ما الذي قادك نحو البحث في عالم الذكاء العاطفي؟
بدايتي مع الذكاء العاطفي كانت من خلال رحلتي مع الاكتئاب. أعمل على مستوى الإدارة بمجال التعليم في القطاع الخاص. وكل من لديه خلفية عن هذا القطاع يدرك أن المديرات الإماراتيات في المدارس الخاصة القائمة على مناهج بريطانية وأمريكية معدودات، ويمكن حصرهن بأصابع اليد والواحدة. كنت أتولى منصب نائبة مدير في مدرسة دبي كرمل ذات المنهج البريطاني، ومن ثم انتدبني الشيخ نهيان مبارك آل نهيان الذي كان وزير التعليم العالي آنذاك لإدارة أول مدرسة في الوطن العربي بنظام مدرسي "هجين" يجمع ما بين التعليم عن بُعد (أونلاين) والحضور للمدرسة، وكانت داخل أسوار كليات التقنية العليا في دبي. أمضيت بضع سنوات في خدمة المدارس، ومن ثم عدت إلى مدرستي مدرسة كرمل، إلا أني أحسست بتقلبات نفسية تجاه العمل الذي كان يوقد فيّ الشغف، ويحثني على العطاء. اضطربت وشعرت بأني أحصر نفسي في إطار محدود، وبأن لدي المزيد لكي أقدمه خارج حدود مهنتي، ولكن لم تكن لدي فكرة واضحة عما أريد. دهمتني بعد ذلك موجة اكتئاب امتدت ل 5 سنوات، والتي أشعر الآن بقمة الامتنان تجاهها. لولا الاكتئاب، لما وصلت إلى المكانة التي أنا عليها اليوم، حيث بدأت خلالها رحلة اكتشاف الذات التي قادتني نحو التشافي من الاكتئاب عبر الذكاء العاطفي.
حدثينا عن مفهوم الذكاء العاطفي وتأثيره فيك؟
أول خطوة في الذكاء العاطفي هي أن ننظر إلى أنفسنا بكل تجرد وبصدق وحق، ونحدد الإيجابيات التي تميز شخصياتنا والسلبيات التي نحتاج إلى تطويرها. على سبيل المثال، كان الخوف يمثل أكبر السلبيات لدي، ولذا كانت رحلة اكتشاف الذات نقطة تحول في حياتي، صرت خلالها أطرح العديد من الأسئلة على نفسي، وأبحث عن الأجوبة عبر تنمية المعرفة. يتكون الإنسان من ذكاءات عدة، منها الذكاء الأكاديمي الذي يتم تقييمه على أنه الأهم والأبرز. إلا أن الذكاء العاطفي أساس النجاح في الحياة، فهو يعتمد على تعزيز الخصال الجميلة لدينا، والعمل على تحسين السلبيات، وإبقاء إرادتنا قوية، وشغفنا للعمل والعطاء والحب متقدا ومشتعلا. قليل من الأشخاص يعلمون أن 80 في المئة من نسبة نجاح المرء في العمل تعتمد على الذكاء العاطفي، و 20 في المئة منها فقط يعود إلى الذكاء الأكاديمي.
ماذا تعلمتِ من مرحلة الاكتئاب التي مررتِ بها؟
أدركت أن صحة الإنسان فوق كل شي، أنصح الجميع باللجوء إلى مساعدة خبراء في الطب النفسي إذا دعت الحاجة لذلك. لدي فضول أكاديمي بطبعي، ولذا حرصت على أن أعرف أكثر عن هذه المرحلة التي أمر بها عبر البحث وتنمية المعرفة. تمكنت من الوصول إلى نتيجة مهمة، وهي أن الصحة النفسية مكونة من جزأين: الدواء ومهارات التشافي عبر الممارسة اليومية. إن المحافظة على الصحة النفسية قرار نتخذه كل يوم، عبر الأفكار الإيجابية التي نعمر بها حياتنا، وهو أمر يستدعي جهدا والتزاما للحصول على نتائج حقيقية وملموسة، لأن البناء هو الجزء الأصعب الذي يتطلب وقتا ومتابعة، بينما الهدم سهل وسريع.
كيف يؤثر الذكاء العاطفي برأيكِ في الأفراد في محيط العمل؟
كان عنوان رسالة الدكتوراه التي قدمتها في جامعة حمدان بن محمد الذكية هي "الذكاء العاطفي وأثره في قيادة الشخص لنفسه وقيادة الآخرين". يتلخص الذكاء العاطفي في معرفة التعامل مع الذات، والحماس تجاه العمل والحياة والأهداف، فهم المجتمع والتعامل مع الأفراد. كل هذه العناصر مجتمعة تمكّن الشخص من معرفة الآخرين لاستخلاص أفضل الممارسات منهم من خلال إبراز المميزات الشخصية والعملية لديهم. سيكون الناتج في مصلحة المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وبذلك يكون العائد على الدولة عاليا جدا، ذلك لأن الحماس والثقة هما الأساس لدى أعضاء الفريق، فلا يشعر الموظف بأن هناك خوفا من تفوق الآخرين عليه، أو ترقب لإزاحته من منصبه. لا بد من تأسيس الذكاء العاطفي في القيادة لتحقيق أفضل النتائج في العمل.
كيف نعزز الإيجابية في حياتنا وخاصة في زمن كوفيد- 19 ؟
تعريف الإيجابية ببساطة هو حسن الظن بالله، وهو مطابق أيضا لمفهوم الطاقة "أعطِ خيرا تلق خيرا". ولذا علينا دائما أن نعمل تجاه الخير بكل ما نملك من إمكانات، وخاصة في زمن كوفيد- 19 الذي تسبب بتداعي الصحة النفسية لدى الكثير من الأشخاص، ولذا كان لا بد من التكاتف والتعاضد لنشد أزر بعضنا البعض ونتغلب على هذه الأزمة، ونتخطاها بكل حب وقوة وعزم. أؤمن بأن يد الله مع الجماعة، ولذا لا بد من أن يستشعر المرء دوره في دعم الآخرين ومساندتهم. كان دوري نشر التفاؤل وتعزيز الصحة النفسية، ولذا حرصت على المساهمة لمجتمعي ووطني والعالم من حولي بكل ما لدي من معرفة ووقت وجهد خلال هذه الفترة عبر تقديم المحاضرات عن بُعد، كما ألفت كتابا خلال فترة الحجر عنوانه "أسرار التجديد في زمن الكوفيد" وهو سرد لمراحل من ابتلاء إلى شفاء في 6 خطوات.