الزواج الطويل له مقومات تساعده على الصمود في زمن السرعة

الزواج الطويل في زمن السرعة: هل الصمود لا يزال ممكنًا؟

ريهام كامل
1 نوفمبر 2025

بعد أن طغت السرعة على أجمل المشاعر والعلاقات الإنسانية، وبعد أن اُختزلت العلاقات العاطفية في رسائل عابرة، هل ما زال الحديث عن الزواج الطويل أمرًا عاديًا وطبيعيًا في العصر الحالي مع كل هذا التناقض الذي نعيشه اليوم؟ خصوصًا أن الزواج الناجح لا يمكن أن يقوم على اللحظات العابرة، بل على مبدأ الثبات، وبعيدًا عن السرعة التي نالت من أجمل ما فينا: مشاعرنا وعواطفنا.

الزواج الطويل يمكنه الصمود في زمن السرعة

السؤال الآن:

لماذا تفشل الزيجات الحديثة في زمن السرعة مقارنة بالزواج الطويل؟

بدايةً، يجب العلم أن الزواج الطويل ليس حكاية مثالية كما يتخيلها البعض، بل هو رحلة مليئة بالتحديات، يتعلم فيها الزوجان كيف يصمدان أمام تقلبات الحياة وتغيرات القلب والملل الزوجي، كما تتخللها لحظات سعادة ورضا.

بحسب داليا شيحة، خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية، لا تستمر الزيجات الحديثة طويلًا للعديد من الأسباب؛ منها ما يرتبط بوتيرة الحياة السريعة التي نحياها اليوم، ومنها ما يتعلق بالارتباط المتسرّع، وأسباب أخرى كما يلي:

  • التسرع في الارتباط طريق قصير نحو الفتور

من أبرز أسباب تراجع استمرارية العلاقات الحديثة التسرع في اتخاذ قرار الارتباط. فالكثيرون يبحثون عن الحب السريع دون أن يمنحوا أنفسهم الوقت الكافي لفهم الآخر، بينما في الزواج الطويل يكون الاختيار أكثر وعيًا، والنية أعمق من مجرد الانجذاب اللحظي. فالعلاقات التي تُبنى على عمق الفهم والصدق هي التي تستطيع التصدي للتحديات التي قد تعترضها يومًا ما.

  • الاعتماد على التواصل الرقمي في الاختيار

التواصل الإنساني أهم من التواصل الرقمي. ولكننا نحيا الآن في زمن التكنولوجيا، حيث الأفضلية للتواصل الرقمي من وجهة نظر الكثيرين، ولذلك لا يتحقق الزواج الطويل في الاختيار الذي يقوم على انطباعاتٍ تم تشكيلها عبر الشاشات. فالتعارف الرقمي يكون سطحيًا، بينما الأزواج الذين يعيشون زواجًا طويلًا ومستقرًا يدركون جيدًا قيمة التواصل الإنساني الحقيقي والتفاعل الصادق بين الطرفين.

  • الافتقار إلى الصبر في زمن السرعة

غالبًا ما تنهار الزيجات الحديثة عند أول خلاف، وذلك بسبب العجلة المرتبطة بزمن السرعة الذي نحيا فيه اليوم، حيث أصبح الصبر على رأس القيم المفقودة. ومن المعروف أن الزواج الطويل الناجح يقوم على الصبر كأحد أهم المقومات واللبنات الأساسية في بناء العلاقة الزوجية.

  • انعدام التقدير وعدم ممارسة الامتنان

في العلاقات السريعة يُنسى الامتنان بسهولة، بينما في الزواج الطويل يكون التقدير عادة يومية. كلمة "شكرًا" قد تكون أبلغ من "أحبك" أحيانًا؛ نظرة امتنان أو كلمات بسيطة من التقدير كفيلة بأن تُعيد الدفء إلى العلاقة الزوجية.

  • مواجهة التحديات معًا لا ضد بعض

الزواج الطويل لا يخلو من الأزمات، لكنه يختلف في طريقة التعامل معها. فالأزواج الذين يصمدون لا يبحثون عن الانتصار في الخلاف، بل عن السلام وكسب القلوب.

  • التجديد ينعش الحب

الزمن لا يقتل الحب كما يُقال، بل يكشف حقيقته. في الزيجات الطويلة المستقرة، الحب لا يتلاشى بل يتغير شكله، فيصبح أهدأ، أنضج، وأكثر عمقًا. في كل زواجٍ طويل، يمر الحب بمراحل مختلفة، لكنه لا يموت ما دام هناك تجديد يبعث فيه الحياة. التجديد لا يعني التغيير الجذري، بل تلك اللمسات الصغيرة التي تُعيد الدفء إلى العلاقة، ككلمة لطيفة في وقتٍ غير متوقع، أو لفتة حنونة تُذكر بالشغف الأول. الأزواج الذين يدركون قيمة التجديد يعرفون أن الروتين عدو الحب، وأن التفاصيل البسيطة هي سر استمراره. فالحب الذي يُروى باستمرار لا يذبل، بل يزدهر عامًا بعد عام. والزواج الطويل الذي يتجدد فيه العطاء والمشاعر لا يشيخ أبدًا، بل ينضج كما تنضج الثمار في موسمها الجميل.

  • التواصل روح العلاقة الزوجية

في الزواج الطويل، لا يبقى الحب حيًا إلا بالتواصل الصادق، فهو الروح التي تُنعش العلاقة وتمنحها دفئها واستمراريتها. فالكلمات التي تُقال في وقتها، والإنصات الذي يُمنح بصدق، هما ما يبقيان الجسور قائمة بين القلوب رغم تقلبات الحياة. التواصل لا يعني مجرد الحديث، بل الفهم، والاحتواء، والإصغاء جيدًا لما يلقى على المسامع. في زمن السرعة والعلاقات السطحية، حل التواصل الرقمي، وحدهم الأزواج في الزيجات الطويلة، يدركون أن التواصل حاجة يومية كالهواء والماء، هم من يستطيعون الحفاظ على زواج طويل تغمره السكينة والمودة والأنس الحقيقي.

الزواج الطويل يمكنه الصمود في زمن السرعة

هل لا يزال الصمود ممكنًا على الرغم من كل التحديات المعاصرة التي تواجه الأزواج؟

الزواج الطويل ليس ضربًا من الخيال، إذ إنه ما زال ممكنًا، وما زال الحب قادرًا على البقاء حين يجد من يصونه. الزواج الطويل ليس حلمًا بعيد المنال، بل هو قرارٌ يومي بالاحتواء، وبالاعتذار في الوقت المناسب، وبالتمسك رغم التعب، وبالتفاهم رغم الخلاف. لا يزال الصمود ممكنا مع الالتزام بأسرار الزواج الطويل التي تجعله يدوم بأبهى صورة للأبد.

ما هي أسرار الزواج الطويل؟

بحسب داليا شيحة يتحقق الزواج الطويل الناجح بما يلي:

  • الصبر على الاختلافات والتغيرات مع مرور الزمن.
  • التقدير والامتنان للأفعال الصغيرة قبل الكبيرة.
  • التواصل المثمر والإنصات المتبادل بين الزوجين.
  • الاحترام المتبادل لوجهات النظر وقت الإختلاف في الرأي.
  • المرونة في التعامل مع ضغوط الحياة والتحديات.
  • المساندة والمشاركة في المسؤوليات والقرارات.
  • العطاء بلا شروط والرغبة في إسعاد الطرف الآخر.
  • اشباع الاحتياجات العاطفية وتغذية العلاقة الزوجية بالمودة والرحمة.
  • الإيمان بالعشرة وأن الزواج رحلة حياة وليس سباقًا.
  • التجديد المستمر في التعبير عن الحب والمشاعر لكسر الروتين والوقاية من الملل الزوجي.

هل لا يزال الصمود ممكنًا أمام الزيجات الحديثة؟

نعم، رغم كل التحديات التي فرضها العصر الرقمي، لا يزال الزواج الطويل ممكنًا لمن يؤمن أن العلاقة ليست مجرد تبادل مشاعر، بل التزامٌ يومي بالحب والمودة.

خلاصة القول:

الزواج الطويل ليس ضد التقدم والحداثة، بل هو انتصار على سطحية الزمن، وإثبات أن الحب الحقيقي لا يتأثر بالسرعة، بل يزداد عمقًا مع مرور الوقت.

تذكروا: الأزواج في الزواج الطويل لا يبحثون عن الكمال، ولكنهم يُكملون بعضهم البعض، ولذلك تدوم حاجتهم إلى بعضهم. هم يعلمون أن الزواج الناجح لا يدوم إلا بالصبر والحكمة والتضحية والعطاء والتفاهم.