طقوس الفرح الصحية للصحة النفسية والعاطفية

طقوس الفرح الصحية: كيف نُعزَز صحتنا النفسية والعاطفية في نهاية العام

جمانة الصباغ
25 ديسمبر 2025

"نهاية العام" لا تعني دومًا النهاية المطلقة، بل هي مجرد انتهاء عامٍ حمل بجعبته الكثير من التحديات، المشاكل، الأوقات الفرحة والمثمرة، والتجارب التي تزيد على الروح والعقل المزيد من النضج والحكمة.

لكن كثيرًا من الناس لا ينظرون إلى نهاية العام بهذه الطريقة؛ بل يعتبرونها فرصةً ضائعة لم تُتِح لهم إنجاز ما كانوا يتطلعون إليه خلال السنة الماضية، وعامًا ذهب سدىً في حال لم تتحقق الأمنيات العريضة التي غالبًا ما نكتبها على أوراقٍ ننساها بعد مدة.

لماذا هذا التشاؤم برأيي؟ لأن الإنسان بطبعه ميَالٌ نحو "النجاح" أكثر من "الفشل"؛ لا يحبُ النهايات الحزينة بل السعيدة، ويرغبُ في أن تكون أيامه وسنينه دومًا بطابعٍ ناجح وسعيد. لكن الحياة ليست كذلك؛ وكما أن هناك لحظاتٍ للفرح والسرور، هناك أوقاتٍ للحزن. لا يمكن أن تكون الحياة بلونٍ واحد، وإلا لانتفت الحاجة للتعلَم والسقوط مراتٍ عدة، قبل النهوض من جديد.

لهذا ينبغي علينا جميعًا، التوقف عند نهاية العام ليست كنهايةٍ لحياتنا، بل كبداية نرجو منها الأفضل، ونتحضرُ لتحقيق ذلك بالأدوات والسُبل كافةً. للحظ أو للقدر دورٌ في ذلك لا شك، لكن جزءًا كبيرًا من نجاحنا يتوقف علينا، وعلى استعدادنا النفسي والفكري للوصول إلى نهاية السباق ونحنُ نحمل الجائزة الكبرى.

من هنا، تأتي أهمية تعلمَ "طقوس الفرح الصحية" التي تُتيح لنا تعزيز صحتنا النفسية والعاطفية فيما نحتفلُ بنهاية العام الحالي ونستقبلُ عامًا جديدًا لا يعرف كنههُ سوى الله سبحانه وتعالى. وهو ما سوف نتعرف عليه سويًا في مقالة اليوم.

طقوس الفرح الصحية للصحة النفسية والعاطفية

الاحتفال بطريقة صحية يضمن لكِ العافية والرفاه
الاحتفال بطريقة صحية يضمن لكِ العافية والرفاه

"طقوس الفرح الصحية"؛ عنوانٌ بسيط لكنهُ يفتح الباب على مصراعيه أمام مقاربةٍ شاملة، تجمعُ بين العافية النفسية والعاطفية، وبين المُمارسات اليومية التي تُغذَي الروح. وكما أن تغذية الجسم ضروريةً لضمان النمو البدني، والمحافظة على الصحة الجسدية؛ كذلك فإن تغذية الروح والعاطفة بذات الأهمية، بل وربما أكثر، كونها تنعكس على العافية ككل.

تتخذ الدول والثقافات المتعددة حول العالم، من الفرح وسيلةً للتعبير عن الذات، والاحتفاء بالحياة كما هي. ففي اليابان مثلاً، يُعدَ طقس هانامي (مشاهدة أزهار الكرز) احتفاءًا جماعيًا بالجمال واللحظة الآنية التي يرى فيها الناس تلك الأزهار تتفتح بلونها الزهري الجميل. أما في في عالمنا العربي، فإن الأغاني والرقصات الشعبية تُمثَل طقوساً جماعية للفرح، تحمل بعداً علاجياً واجتماعياً.

نهاية العام ليست مجرد مناسبةً اجتماعية نسعى لحضورها أو عدم تفويتها، بل هي فرصةٌ ذهبية لإعادة شحن طاقتنا النفسية والعاطفية، نحو عامٍ جديد مليءٍ بالآمال والخطط. وعليه يمكن أن تتحول الاحتفالات إلى "طقوس عافية" أيضًا، في حال تعاملنا معها بوعي.

أفكار عملية لتحقيق طقوس العافية مع نهاية العام

يمكن اعتبارها أيضًا، خطواتٍ نحو تعزيز الصحة النفسية والعاطفية أثناء الاحتفال بنهاية العام؛ وتشمل:

1.     الاحتفال الواعي: من خلال تخصيص لحظة للتأمل أو كتابة قائمة بالإنجازات الصغيرة التي حققتِها خلال العام.

سيزيد ذلك من شعوركِ بالامتنان ويُخفَف من ضغط التوقعات الكبير.

2.     طقوس جماعية صحية: شاركي في أنشطة جماعية مثل تبادل الأمنيات أو كتابة رسائل إيجابية للأصدقاء؛ يخلق الفرح الجماعي نوعًا من الانتماء كما يُعزَز الروابط بين بعضنا البعض.

3.     الموازنة بين الصخب والهدوء: هناك العديد من الاحتفالات التي ستُصادفنا مع نهاية العام، وكلها تقريبًا ستكون صاخبة ومزدحمة. لذا خصَصي لنفسكِ بعضًا من الوقت للهدوء وسط تلك الاحتفالات، سواء عن طريق جلسة تنفس، أو القيام بنزهة قصيرة في الهواء الطلق خاصةً خلال الطقس المعتدل الآن.

لا شك في أن ذلك سيساعدكِ على تجاوز ومنع الإرهاق النفسي الناتج عن الضوضاء والازدحام.

4.     الرمزية الغذائية: اعمدي لاختيار أطعمة ذات رمزية إيجابية أثناء احتفالاتكِ، كالرمان الذي يدلَ على الوفرة، أو التمر مؤشر البركة.

يصبح الطعام وسيلةً للتعبير عن الأمل والفرح، وليس مجرد استهلاكٍ مادي.

5.     الفرح كوقاية: هل تعلمين أن الرقص والضحك هما أفضل الوسائل لرفع هرمونات السعادة والتقليل من التوتر؟ أدخلي هذه الطقوس ضمن احتفالاتكِ بنهاية العام، لتكون بمثابة علاجٍ وقائي للعام الجديد.

6.     ختامٌ صحي للعام: ستُغريكِ أجواء الاحتفالات للسهر الطويل، لكن عوضًا عن ذلك، ما رأيكِ بتجربة شيءً مختلف خصوصًا قبل النوم؟ تناول كوبٍ من شاي الأعشاب، أو تدوين أمنيات العام المقبل، أو قراءة نصٍ قصير يُلهمكِ خلال هذه الفترة، كلها أفعال تضمن بداية العام الجديد بطاقةٍ متوازنة.

الفرح: علاجاتٌ نفسية وعاطفية لا بد منها

يُعدَ الفرح من المشاعر المجانية التي يمكنكِ بثها في الغير أو في نفسك، وذلك من خلال بعض الطرق البسيطة التي تُدخل السرور والامتنان إلى قلبك.

ولتحقيق معادلة "الفرح كعلاجٍ نفسي"، اتبَعي النصائح الآتية:

•       الفرح كعلاج داخلي: لا تتعاملي مع الفرح كشعورٍ عابر فحسب، بل فليكن محفّزًا بيولوجيًا يرفع مستويات الدوبامين والسيروتونين في الدماغ، مما يُعزَز التوازن والاستقرار النفسي والعاطفي.

•       إدخال لحظاتٍ صغيرة من البهجة اليومية (ابتسامة، موسيقى، أو لقاء قصير مع صديقة) يخدم كنوع من "الجرعة الوقائية" ضد التوتر.

•       طقوس يومية للسلام الداخلي: مثل التنفس الواعي والعميق لمدة 5 دقائق صباحاً، لإعادة ضبط الجهاز العصبي؛ الامتنان المكتوب من خلال تدوين 3 أشياء ممتنة أنتِ لها يومياً، يخلق مساحةً للفرح الداخلي؛ والحركة البهيجة كالرقص، المشي في الطبيعة، أو حتى تمارين بسيطة مع موسيقى محببة.

تعزيز الصحة العاطفية من خلال الفرح

يخلق الفرح الجماعي نوعًا من الانتماء كما يُعزَز الروابط بين الناس
يخلق الفرح الجماعي نوعًا من الانتماء كما يُعزَز الروابط بين الناس

يخلق الفرح روابط اجتماعية أعمق، كما يزيد من القدرة على التعاطف. في حين أن مشاركة لحظات الفرح مع الآخرين (كاحتفالٍ صغير، أو جلسةٍ جماعية) تُقوَي المناعة العاطفية ضد الوحدة والقلق.

يخدم الفرح أيضًا كنوعٍ من الوقاية المستقبلية؛ فدمج طقوس الفرح ضمن الروتين اليومي، يحمي من الإرهاق النفسي ويُعزَز المرونة العاطفية؛ ويمكن التعامل معه ك "حصانة نفسية"  ضد ضغوط الحياة الحديثة التي تعصف بنا.

في الختام؛ فإن الصحة النفسية والعاطفية تتطلب بعض الطقوس البسيطة، إنما الفعالة، والصحية في ذات الوقت. لا ضير من الاستمتاع باحتفالات نهاية العام؛ لكن ينبغي أن يكون ذلك بوسائل صحية مفعمة بالايجابية والعافية، بحيث تضمنين لنفسكِ نهاية عامٍ مضى غير مأسوفٍ عليه واستقبال عامٍ جديد بروح متجددة، عاطفةٍ متقدة ونفسٍ تتوق للأفضل.