سؤالٌ تحتاجين لتوجيهه لنفسك: هل أنا متهمة بالإنفاق العاطفي؟

سؤالٌ تحتاجين لتوجيهه لنفسك: هل أنا متهمة بالإنفاق العاطفي؟

جمانة الصباغ

غالبًا ما تتأثر خيارات الإنفاق الاستهلاكي في الوقت الحاضر بالعواطف أكثر من المنطق؛ وقد تجلَى هذا الاتجاه بشكلٍ خاص خلال فترة الجائحة، التي أثارت مشاعر القلق وعدم اليقين والملل بين المشترين. وفي ظل مناخ تسريح العمال الحالي والمخاوف من الركود الاقتصادي المحتمل، قد تتضخم المشاعر، مما يدفع المستهلكين إلى إنفاق المزيد كوسيلة للتحكم في مشاعرهم.

يُلاحظ هذا النمط بشكلٍ خاص بين الجيل Z، حيث أفادت التقارير أن الإنفاق العاطفي غير مُقيَد لأكثر من ثلث هذه الفئة العمرية، تقول الدكتورة ميرنا شوبح، أخصائية علم النفس السريري في عيادة ميدكير كامالي. مضيفةً أنه قد يبدو الإنفاق العاطفي - تلك المشتريات الاندفاعية والرغبة العابرة في تدليل الذات - مجرد انغماسٍ تافه. ومع ذلك، وعند النظر إلى الأمر من منظورٍ أوسع، يتضح أن هذا السلوك يكشف عن أنماطٍ مهمة مرتبطة بالحالة المزاجية، المرونة، الثقافة وعادات الاستهلاك.

في عام 2024، ارتفعت ممارسة إهداء الذات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 15٪ مقارنةً بالعام السابق، مدفوعةً بالرغبة في تعزيز الرفاهية العقلية والصحة والشعور بالاستقلالية. والمثير للاهتمام أن ما يقرب من نصف مستخدمي تيك توك في دول مجلس التعاون الخليجي، يتسوقون في المقام الأول لتحسين معنوياتهم، مستخدمين ذلك كوسيلةٍ لتحسين مزاجهم بدلًا من تلبية ضرورة ملحة.

يعكس الإنفاق العاطفي قضيةً أعمق بدلاً من كونه مجرد عادة. ويُنظر إليه بشكلٍ متزايد على أنه موضوعٌ مرتبط بالصحة، خاصةً في مجالات الصحة العقلية، العلوم السلوكية، والعافية المالية.

إذا ما أردنا الإجابة عن السؤال: لماذا يُعد الإنفاق العاطفي موضوعًا صحيًا؟ فإننا سنتوصل إلى النتائج الآتية:

إعداد: جمانة الصباغ

1. يعكس أنماط التنظيم العاطفي: إذ غالبًا ما ينشأ الإنفاق العاطفي من التوتر أو القلق أو الملل أو تدني احترام الذات. إنه آلية تكيّف - تمامًا مثل الأكل العاطفي - ويمكن أن يشير إلى اختلال تنظيمٍ عاطفي كامن أو احتياجاتٍ نفسية غير مُلبّاة.

2. يؤثر على الصحة النفسية: في حين أن التسوق قد يُوفّر راحةً أو متعة مؤقتة، إلا أنه قد يؤدي إلى الشعور بالذنب أو الخجل أو الضغط المالي لاحقًا. ويمكن أن تُفاقم هذه الدورة القلق أو الاكتئاب أو السلوكيات القهرية.

3. يتقاطع مع الصحة المالية: يُعدّ الضغط المالي مُساهمًا رئيسيًا في سوء الحالة الصحية. إذ يُمكن أن يُعطّل الإنفاق العاطفي وضع الميزانية، يزيد من الديون، ويُخلق شعورًا بانعدام الأمن على المدى الطويل - وكلها عوامل تؤثر على النوم، المزاج والصحة العامة.

4. يرتبط بالإستجابات الكيميائية العصبية: يمكن للإنفاق أن يُحفّز إفراز الدوبامين، مما يُشكّل "حلقة مكافأة" تُشبه السلوكيات الإدمانية الأخرى. ويُساعد فهم هذا الرابط العصبي الحيوي على تصنيف الإنفاق العاطفي كمشكلةٍ صحية سلوكية.

5. يتقاطع مع العلاج والتدريب: يعمل العديد من المعالجين، وخاصةً أولئك المُتخصصين في العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، علم النفس المالي، والتدريب الحياتي مع العملاء، لتحديد مُحفّزات الإنفاق العاطفي وبناء استراتيجيات تكيّفٍ أكثر صحة.

الإنفاق العاطفي.. تحولٌ ثقافي متسارع

تشير الزيادة الأخيرة في إهداء الذات (الإنفاق العاطفي) إلى تحولٍ ثقافي كبير. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ارتفعت نسبة إهداء الذات بنسبة 15%، حيث يعزو ما يقرب من نصف المشاركين أفعالهم إلى الصحة النفسية أو الرفاهية. ويكشف هذا الأمر أن الإنفاق قد تطورَ إلى ما هو أبعد من مجرد المعاملات، ليتحول إلى مصدرٍ للراحة العاطفية أو الاعتراف بالذات. ومع ذلك، فإن نفس الفئة من الأفراد الذين يميلون نحو هذا الإنفاق، تشعر بالقلق إزاء الارتفاع الهائل في تكلفة المعيشة. هذا التناقض، حيث يشعر المرء بالأمان بشأن الإسراف بدافع الاندفاع، بينما يحس في الوقت نفسه بالتوتر بسبب مخاوفه من تكلفة المعيشة، يخلق بيئةً مواتية للإنفاق العاطفي.

تشعرين بحرية الشراء، ولكنكِ مثقلة بالضغوط الخارجية، تقول الدكتورة شوبح. ونتيجةً لذلك، قد يكون تدليل النفس، حتى لو كان بحافزٍ اندفاعي، أمرًا جذابًا للغاية.

علاوةً على ذلك، يُعزَز نمو منصات التجارة الإلكترونية عمليات الشراء التي تُحركها الحالة المزاجية. حيث تُشجع منصات مثل أمازون ومختلف قنوات التواصل الاجتماعي، على الشراء العفوي المرتبط بالعواطف أو الهوية أو الرغبة في التواصل، عوضًا عن الحاجة الفعلية. ومع ذلك، من الضروري ملاحظة أن الإنفاق العاطفي ليس سلبيًا بطبيعته. فعندما يُعامل المرء ذلك الإنفاق بوعيٍ وفي حدود إمكانياته المالية، يُمكن أن يكون إنفاق الرعاية الذاتية مفيدًا. إن مكافأة النفس على الإنجازات أو الاستمتاع بمكافآتٍ صغيرة لرفع المعنويات، يُسهم في خلق نمط حياةٍ متوازن. إنما ينشأ التحدي عندما يُصبح الإنفاق العاطفي أمرًا متكررًا، مما يدفع المرء إلى تجاهل الميزانية، ما يُفاقم القلق المالي، أو يُستخدم كوسيلةٍ للتعامل مع مشاكل أكثر عمقًا مثل الوحدة، القلق المزمن، أو الإرهاق.

كيف تُحدَدين الوقت الأنسب لممارسة الإنفاق العاطفي؟

إعداد: جمانة الصباغ

في بيئةٍ تُصبح فيها الضغوط المالية ملموسة، وينتقل الاستهلاك بسرعة إلى المنصات الرقمية، التي غالبًا ما تكون على بُعد نقرةٍ واحدة مع خياراتٍ مثل "اشترِ الآن وادفع لاحقًا"؛ يكمن الخطر في أن يصبح الإنفاق العاطفي شائعًا ومكلفًا.

لذلك، تنصحكِ الدكتورة شوبح بضرورة التفكير باستمرار في الأسئلة التالية قبل الشراء:

•       هل أنا بحاجة حقيقية لهذا الإنفاق، أم شعرتُ فقط برغبةٍ ملحة في شرائه لتحسين مزاجي؟

•       هل سيُوفَر لي هذا الشراء فوائدَ دائمة، أم أنه مجرد دفعة مؤقتة؟

•       هل هذا الإنفاق ضمن إمكانياتي المالية، أم أنني أتجاوزُ حدودي، على أمل أن تُعوّضه أرباحي المستقبلية؟

•       هل ألجأ إلى التسوق كوسيلةٍ للتغلب على التوتر أو الملل أو الضغط النفسي، بدلًا من معالجة المشاكل الكامنة؟

يتزايد الإنفاق العاطفي، خاصةً بين الشباب، ويُغذَيه التباهي بالنفس، التسوق عبر الإنترنت، وعقلية الاستهلاك التي تمزج بين الرفاهية والمكافأة. إنما وعند إدارته بفعالية، يُمكن أن يُسهم في نمط حياةٍ مُتكامل؛ في حين إذا تُرك دون مراقبة، يمكن أن يُؤدي إلى الديون والندم والقلق.

في الخلاصة؛ يحمل عقلنا الباطن رغباتٍ ومخاوفَ خفية. وعند الشعور بالتوتر أو التعاسة، يُمكن أن يكون التسوق حلًا سريعًا لتخفيف التوتر الداخلي أو ملء الشعور بالفراغ. وينبع هذا الفراغ من شعورٍ دائم بالنقص في داخلنا، لا يُمكن لأيّ كميةٍ من المشتريات أن تُشبعه تمامًا. يرتبط الإنفاق العاطفي أحيانًا أيضًا بالتجارب المبكرة - فإذا فاتتنا الرعاية أو التقدير في مرحلة النشأة، فقد نبحث عن الراحة من خلال شراء الأشياء كطريقةٍ لمنح أنفسنا الحب أو التقدير.

يستغلّ التسويق اليوم هذه المشاعر، مُشجّعًا إيانا على الاعتقاد بأنّ الشراء يُمكن أن يُشعرنا بالتقدير أو بالتواصل. لذا فإن إدراك هذه الدوافع اللاواعية يُساعدنا على التوقف والتأمل قبل الإنفاق باندفاع.