التهاب البنكرياس: فهمٌ معمّق للمرض وأحدث تطوراته العلاجية
عادةً ما نُولي اهتمامًا مضاعفًا بصحة القلب وآلام الظهر وحتى فحوصات الثدي للكشف المبكر عن سرطان الثدي؛ إلا أن قليلًا من الناس يهتمون أو يبدون اهتمامًا مماثلًا، إن صح القول، بصحة البنكرياس وفحصه الدائم.
ويتعرض البنكرياس للعديد من المشاكل الصحية، كباقي أعضاء الجسم، وعلى رأسها الالتهاب؛ ووفق الدكتور محروس الرجال، أخصائي الجهاز الهضمي والكبد من مجموعة مستشفيات السعودي الألماني ، يُعدَ التهاب البنكرياس من الأمراض الدقيقة والمُعقّدة التي تُشكّل تحديًا طبيًا حقيقيًا، سواء على صعيد التشخيص أو العلاج أو الوقاية. هذا الالتهاب، في حال عدم معالجته بفعالية وبسرعة، يمكن أن يُفضي إلى تداعياتٍ خطيرة عدة، على رأسها مرض السرطان.
مع حلول اليوم العالمي لسرطان البنكرياس الذي يوافق اليوم 21 نوفمبر من كل عام، يقدّم الدكتور محروس الرجال رؤيةً موسّعة وشاملة حول هذا المرض، تعتمد على أحدث ما نُشر في PubMed والدراسات الإكلينيكية العالمية، بهدف رفع الوعي الطبي والمجتمعي حول واحدٍ من أخطر أمراض الجهاز الهضمي، إذا لم يتم التعامل معه بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب.
ما هو البنكرياس ولماذا يُعد التهابُه خطيرًا؟
البنكرياس عضوٌ صغير الحجم، لكنه ذو وظيفةٍ كبيرة في الجسم. فهو يعمل على خطين متوازيين:
• الأول يتعلق بإفراز الإنزيمات الهاضمة التي تساعد على تكسير الدهون والبروتينات والكربوهيدرات.
• والثاني يتعلق بإنتاج الهرمونات مثل الإنسولين والجلوكاجون اللذين يُنظَمان مستوى السكر في الدم.
عندما يتعرض البنكرياس للالتهاب، تبدأ الإنزيمات الهاضمة في التفعّل مبكرًا داخل العضو نفسه، مما يُسبَب تدميرًا ذاتيًا لخلاياه؛ وقد يتطور الأمر إلى التهابٍ نخري، واضطرابٍ في وظائف الأعضاء الحيوية، كما قد تنشأ مضاعفاتٌ خطيرة مثل الفشل التنفسي أو الفشل الكلوي إذا تُرك دون علاج سريع.

ما أنواع التهاب البنكرياس؟
هناك نوعان رئيسيان لالتهاب البنكرياس يجب معرفتهما:
1. الالتهاب الحاد: يظهر فجأةً، ويترافق مع ألمٍ شديد؛ وقد يستمر أيامًا أو أسابيع.
2. الالتهاب المُزمن: يحدث نتيجة نوباتٍ متكررة من الالتهاب الحاد، تؤدي إلى تندّبٍ دائم وفقدانٍ تدريجي لوظائف البنكرياس.
ما أسباب التهاب البنكرياس وفق أحدث أبحاث PubMed؟
تشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن أكثر من 80% من حالات التهاب البنكرياس الحاد ناتجةٌ عن حصوات المرارة أو الإفراط في تناول الكحول. وهناك أيضًا أسبابٌ أخرى مهمة لهذا الالتهاب، تشمل:
• حصوات المرارة
إذ تقوم الحصوات بسدَ القناة البنكرياسية أو الصفراوية، ما يؤدي إلى ارتجاع العصارة وتفعيل الإنزيمات داخل البنكرياس وحدوث الالتهاب.
• شرب الكحول
تُعدَ المشروبات الكحولية أحد أهم مُسببات التهاب البنكرياس عالميًا، إذ يؤدي الإفراط المستمر في تناولها إلى تغيير كيمياء البنكرياس وتجمَع الإنزيمات داخله.
• ارتفاع الدهون الثلاثية
عندما تتجاوز الدهون الثلاثية حاجز 1000 mg/dl ، يزداد خطر تفعيل الإنزيمات وحدوث التهابٍ حاد شديد.
• ارتفاع الكالسيوم في الدم
يؤدي فرط نشاط الغدد الجار درقية إلى ارتفاع مستوى الكالسيوم، وهو مُحفَز قوي لتفعيل إنزيمات البنكرياس مبكرًا.
• الأدوية
بحسب قاعدة بيانات PubMed ، فإن أكثر من 200 دواء قد يُسبَب التهاب البنكرياس؛ مثل بعض أدوية المناعة، المضادات الحيوية ومدرات البول.
• العوامل الوراثية
ترتبط طفراتٌ جينية مثل PRSS1 وSPINK1 وCFTR بزيادة خطر التهاب البنكرياس، خاصةً لدى صغار السن.
• التدخين
يزيد التدخين من خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس، بنسبةٍ تصل إلى 120%، كما قد يُضاعف احتمالية حدوث التهابٍ مزمن.
• أسباب مجهولة Idiopathic
يُمثَل هذا النوع 15% من الحالات، ويحتاج إلى فحوصاتٍ دقيقة مثل MRCP وEUS.
ما هي الأعراض السريرية لالتهاب البنكرياس؟
من الضروري التنبه إلى هذه الأعراض وطلب المشورة الطبية في حال استمرارها أو تفاقمها:
1. ألم شديد في أعلى البطن قد يمتد إلى الظهر.
2. غثيان وقيء مستمر.
3. ارتفاع الحرارة.
4. انتفاخ البطن.
5. فقدان الشهية وخسارة الوزن.
6. براز دهني في الحالات المزمنة.
كيف يتمَ تشخيص التهاب البنكرياس؟
يعتمد التشخيص على الجمع بين التحاليل والتصوير:
1. تحاليل الدم: وتشمل ارتفاع إنزيمات Lipase وAmylase؛ ارتفاع مؤشرات الالتهاب CRP؛ فحص الدهون الثلاثية وفحص مستوى الكالسيوم.
2. الفحوصات التصويرية: ومنها السونار للكشف عن حصوات المرارة؛ الأشعة المقطعية CT لتحديد شدة الالتهاب؛ الرنين المغناطيسي MRCP لتقييم القنوات الصفراوية والبنكرياسية، ومنظار الموجات فوق الصوتية EUS للكشف عن الحصوات الدقيقة والخرَاجات.
ما هي طرق العلاج الحديث وفق PubMed؟
لحسن الحظ؛ هناك علاجاتٌ عديدة ومتطورة، يمكن الاعتماد عليها للتخلص من التهاب البنكرياس ومنع تفاقمه. وتتضمن ما يلي كما أفادنا الدكتور محروس الرجال:
• العلاج الداعم: يُعدَ الأساس الأول للعلاج، ويشمل:
1. السوائل الوريدية بكميات كافية.
2. السيطرة على الألم.
3. تجنَب المضادات الحيوية إلا عند وجود عدوى مُثبتة.
4. التغذية المبكرة خلال 24–48 ساعة، وهي توصية حديثة تُقلَل المضاعفات والوفاة.
• العلاج بالمنظار ERCP: يُستخدم لإزالة الحصوات التي تسد القناة الصفراوية أو البنكرياسية، ويُعدَ من أهم أساليب العلاج الحديثة خاصةً عند وجود يرقان أو التهاب حاد ناتج عن انسداد.
• تفريغ السوائل عبر EUS-guided drainage: هذه التقنية هي تطورٌ كبير لأنها تُقلَل الحاجة للجراحة التقليدية، وتسمح بتفريغ الخرَاجات وتجمعات السوائل بأمان وفعالية.
• العلاجات الجزيئية والوراثية: تشير أبحاث PubMed إلى تطور عددٍ من العلاجات الجزيئية التي تستهدف الإنزيمات المُفعَلة داخل البنكرياس والعوامل الالتهابية، إضافةً إلى علاج الطفرات الوراثية المُسبَبة للمرض.
• الفصادة Plasmapheresis: ويُعدَ خيارًا سريعًا وفعالًا لخفض الدهون الثلاثية في الحالات الحادة، مما يُقلَل تدمير الأنسجة ويمنع المضاعفات.
• زراعة البنكرياس أو الخلايا الجزرية: تُستخدم في الحالات المزمنة المتقدمة التي فقد فيها البنكرياس قدرته على العمل.

كيف تتم إدارة التهاب البنكرياس المزمن؟
في حال تمَ تشخيص الإصابة بالتهاب البنكرياس المزمن، فإنكِ بحاجة لاتباع النصائح التالية التي يقدمها لنا أخصائي الجهاز الهضمي والكبد من مجموعة مستشفيات السعودي الألماني الدكتور محروس الرجال:
1. إيقاف التدخين والكحول تمامًا.
2. استخدام إنزيمات البنكرياس البديلة لتحسين الهضم.
3. السيطرة على الألم عبر Celiac Plexus Block.
4. دعم التغذية وتعويض الفيتامينات.
5. المتابعة الدورية لتقييم تطور المرض
ما هي طرق الوقاية من التهاب البنكرياس؟
لا شيء يقف حائلًا أمام الالتهاب والمرض مثل الوقاية، فهي كالسدَ المنيع والحصن الحصين في الحيلولة دون حدوث أي التهاب أو مشكلة صحية في أجسامنا.
تتمثل الوقاية في خطواتٍ بسيطة، إنما حيوية، تضمن لنا السلامة؛ وهي على النحو الآتي:
• الحفاظ على وزنٍ صحي.
• الحد من تناول الدهون المُشبعة والسكريات.
• التوقف عن التدخين و شرب الكحول.
• علاج حصوات المرارة مبكرًا.
• الفحوصات الدورية للدهون والكالسيوم.
• تناول وجبات صحية منتظمة.
ما التطورات المستقبلية لالتهاب البنكرياس؟
نشهد فورةً طبية وعلمية هائلة في وقتنا الحالي، تتمثل بشكلٍ أساسي في استخدام الذكاء الاصطناعي والعلاجات الحديثة التي تُحسَن من جودة الحياة. وما التهاب البنكرياس وسرطان البنكرياس ببعيدين عن هذه التطورات، التي مستقبلًا ستضم ما يلي:
1. العلاج المناعي لتحسين الاستجابة الالتهابية.
2. الخلايا الجذعية لإصلاح الأنسجة التالفة.
3. العلاجات الموجهة Targeted Therapy.
4. استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور وتشخيص الحالات بدقةٍ مُبكرة.
ختامًا؛ يؤكد الدكتور محروس الرجال أن التهاب البنكرياس يمكن الوقاية منه في معظم الحالات، وأن التطور العلمي الكبير في طب الجهاز الهضمي قد فتح بابًا واسعًا لتحسين نتائج العلاج وتقليل المضاعفات. يبقى التشخيص المبكر والسيطرة على عوامل الخطورة، الركيزة الأساسية للحفاظ على صحة البنكرياس ووظائفه الحيوية.