ذات أبعادٍ نفسية وجسدية.. اكتشفي تأثير الألوان على مزاجك وجسمك
هل فكرتِ يومًا أن اللون الموجود في طبقك قد يكون له تأثير مباشر على مشاعرك وطريقة تفكيرك؟
نحن غالبًا نختار طعامنا بناءً على النكهة أو الشكل، لكن ما لا نعرفه أن اللون يحمل رموزًا بيولوجية دقيقة تؤثر على كيمياء أجسامنا وحالتنا المزاجية. فالألوان ليست فقط جماليات للطعام، بل إشارات صامتة من الطبيعة، تخبرنا بما يحتاجه الجسد من عناصر غذائية لتقوية المناعة، تحسين المزاج، وتحفيز الهرمونات المسؤولة عن الطاقة والسعادة.
بدأ العلم الحديث يولي اهتمامًا متزايدًا لما يُعرف باسم “علم نفس الألوان الغذائية”، وهو مجال جديد يربط بين اللون الذي نراه والوظائف الحيوية في أجسامنا. فكل لون من ألوان الطعام يرتبط بمغذيات محددة، مثل مضادات الأكسدة أو الفيتامينات أو المعادن، والتي تؤدي أدوارًا دقيقة داخل الجسم. هذه العلاقة المدهشة بين الألوان والطاقة ليست خيالًا، بل مدعومة بنتائج دراسات طبية حديثة، أشارت إلى أن تناول أطعمة ملونة بانتظام يقلل من التوتر بنسبة تصل إلى 25% ويحسّن جودة النوم بنسبة تتجاوز 30%.
وتوضح استشاري التغذية العلاجية الدكتورة ثريا الألفي لـ"هي" أن التنوع اللوني في الوجبات اليومية يُعد أحد أسرار التوازن النفسي والجسدي. فالأطعمة الحمراء تنشط الدورة الدموية، والأصفر والبرتقالي يمدان الجسم بطاقة مبهجة، والأخضر يحقق التوازن الداخلي، والبنفسجي يحمي الدماغ من التدهور، أما الأبيض فيعمل كمنقٍ طبيعي للجسم من السموم.
اللون الأحمر.. طاقة الحياة ومفتاح الحيوية

لطالما ارتبط اللون الأحمر بالقوة والنشاط، وتؤكد الدراسات أنه يحفّز إنتاج الأدرينالين في الجسم، وهو الهرمون المسؤول عن النشاط البدني والذهني. الأطعمة الحمراء مثل الطماطم، الفلفل الأحمر، الفراولة، والبطيخ تحتوي على مركبات الليكوبين والأنثوسيانين التي تعمل كمضادات أكسدة قوية تحمي الخلايا من التلف وتدعم صحة القلب والشرايين. كما تساهم هذه الأطعمة في تحسين شكل البشرة وتنشيط الدورة الدموية.
من الناحية النفسية، يرتبط تناول اللون الأحمر بزيادة الإحساس بالحماس والثقة بالنفس، وهو ما يفسر شعور الكثيرين بالطاقة فور تناول هذه الأطعمة صباحًا. ويُنصح بتضمينها في الإفطار أو قبل ممارسة الرياضة، لزيادة القدرة البدنية وتحسين المزاج العام.
الأصفر والبرتقالي.. إشراقة الشمس داخل الجسد
يرمز اللونان الأصفر والبرتقالي إلى الدفء والسعادة، فهما يحملان طاقة الشمس التي تنعكس على أجسامنا بشكل مباشر. الجزر، المانجو، الذرة، والبطاطا الحلوة من أبرز الأطعمة التي تحتوي على الكاروتينات، وهي مواد تتحول في الجسم إلى فيتامين (أ)، الذي يعزز مناعة العين ويحافظ على صحة الجلد.
وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يتناولون الأطعمة ذات اللون الأصفر بانتظام يشعرون بمعدلات أقل من التوتر بنسبة 20% مقارنة بغيرهم. ويرتبط اللون البرتقالي تحديدًا بتحفيز إنتاج مادة “السيروتونين” في الدماغ، وهي المادة الكيميائية التي تُعرف باسم “هرمون السعادة”. ولهذا فإن تناول هذه الأطعمة في أوقات الإرهاق أو تقلب المزاج يساعد على تحسين الحالة النفسية وزيادة الإيجابية الداخلية.
الأخضر.. راحة الأعصاب واستقرار المزاج
الأخضر هو اللون الذي يرمز إلى التوازن والصفاء، ومجرد النظر إليه يمنح شعورًا بالهدوء. تحتوي الأطعمة الخضراء مثل السبانخ، البروكلي، الكوسة، الخس، والجرجير على الحديد والمغنيسيوم وحمض الفوليك، وهي مكونات أساسية لعمل الجهاز العصبي والهضمي. ويساهم تناول الخضروات الورقية يوميًا في خفض مستويات الكورتيزول – وهو هرمون التوتر – بنسبة قد تصل إلى 15% وفقًا لدراسة نُشرت في المجلة الأمريكية للتغذية.
هذه الأطعمة أيضًا تساعد على تحسين جودة النوم وتنظيم الهرمونات، مما يجعلها مثالية للأشخاص الذين يعانون من القلق أو الإرهاق المزمن. ومن الناحية النفسية، تناول اللون الأخضر يمنح إحساسًا بالاستقرار العاطفي ويعيد التوازن بعد فترات الضغط العصبي.
البنفسجي.. غذاء الذاكرة وحارس الدماغ

الأطعمة البنفسجية مثل العنب، التوت، البرقوق، والباذنجان من أغنى المصادر الطبيعية بمركب الأنثوسيانين، وهو أحد مضادات الأكسدة التي تحمي خلايا الدماغ من التلف. وأظهرت دراسات أن تناول كوب واحد من عصير العنب البنفسجي يوميًا يمكن أن يحسن الذاكرة قصيرة المدى بنسبة 15%.
هذه الأطعمة لا تدعم الوظائف الذهنية فحسب، بل تلعب دورًا مهمًا في تهدئة الجهاز العصبي وتعزيز الإبداع. فالأشخاص الذين يضيفون اللون البنفسجي إلى وجباتهم بانتظام يتمتعون بقدرة أكبر على التركيز والتفكير الابتكاري، كما أن تأثيرها النفسي يرتبط بالسكينة والصفاء الذهني.
الأبيض.. نقاء داخلي ومناعة قوية
رغم أن اللون الأبيض يبدو بسيطًا، إلا أنه يحمل قيمة غذائية كبيرة. فالأطعمة البيضاء مثل البصل، القرنبيط، الثوم، الفجل، والموز تحتوي على مركبات الكبريت التي تساعد في تنظيف الجسم من السموم وتقوية جهاز المناعة. وتشير الأبحاث إلى أن تناول هذه الأطعمة مرتين أسبوعيًا يقلل من فرص الإصابة بأمراض القلب بنسبة 20%.
الأبيض أيضًا لون التوازن، إذ يعزز تدفق الدم إلى الدماغ ويحسّن صفاء الذهن. ومن الناحية النفسية، يرمز الأبيض للهدوء والنقاء، لذا يُنصح بتضمينه في الوجبات بعد فترات طويلة من الإجهاد العصبي أو الصيام، لما يمنحه من شعور بالراحة والانتعاش الداخلي.
الطبق الملون.. وصفة يومية للسعادة
اختيار طبق غني بالألوان هو عادة بسيطة، لكنها تُحدث فرقًا كبيرًا في الصحة العامة. لا تضيف الألوان المختلفة جمالًا للوجبة فقط، بل تضمن حصول الجسم على مجموعة متكاملة من الفيتامينات والمعادن. فالأحمر يمنحك الطاقة، الأخضر يريح الأعصاب، البرتقالي يُشعرك بالتفاؤل، البنفسجي يحافظ على الذاكرة، والأبيض يطهّر الجسم.
دراسة أجراها "المعهد الأوروبي للتغذية" على 3000 شخص أظهرت أن من يحرصون على تناول "طبق قوس قزح" يوميًا يتمتعون بنسبة سعادة أعلى تصل إلى 40% مقارنة بغيرهم. هذه النتيجة تؤكد أن التنوع اللوني في الطعام لا يرتبط فقط بالجمال البصري، بل بالصحة النفسية والرضا العام عن الذات.
خلاصة القول
العلاقة بين اللون والغذاء ليست مجرد صدفة، بل انعكاس مباشر للطبيعة التي تمنحنا ما نحتاجه في كل لون. فحين تمتلئ أطباقنا بتدرجات الأحمر والأصفر والأخضر والبنفسجي، فإننا لا نغذي أجسامنا فقط، بل نغذي عقولنا ومشاعرنا أيضًا.
تناول الطعام الملون يوميًا هو دعوة للعيش بتوازن ووعي، لأن كل لون يحكي قصة كيميائية داخل جسدك تترجم في النهاية إلى صحة وسعادة.