
من الجيم إلى المطبخ.. كيف غزت بودرة البروتين حياة النساء؟
في كل فيديو رياضي أو روتين صباحي على "السوشيال ميديا"، ستجدين تلك العبوة اللامعة التي تُفتح بثقة، ويُسكب منها المسحوق في كوب الحليب أو العصير وكأنه سر السعادة.
لكن وسط كل هذا اللمعان، يتردد سؤال بسيط: هل ما نراه في تلك المقاطع هو فعلاً وصفة لصحة أفضل؟ أم مجرد فخ جديد باسم العافية؟
لماذا أصبحت بودرة البروتين جزءًا من روتين البنات؟

ربما بدأتِ بها لأن مدربتك نصحتك، أو لأنك شعرتِ بأنك لا تحصلين على ما يكفي من الطاقة.
بودرة البروتين، ببساطة، هي مكمل غذائي غني بالبروتينات التي يحتاجها الجسم لبناء العضلات أو لتعويض النقص الناتج عن نظام غذائي محدود.
لكن مع الوقت، لم تعد مجرد "مكمل" بل أصبحت عادة يومية، بل رمزًا ضمن ثقافة "الجسم المثالي" التي غزت مواقع التواصل.
بحسب تقارير دولية، زاد استخدام النساء لمكملات البروتين بنسبة تفوق 60% خلال خمس سنوات فقط، وغالبًا دون إشراف أو وعي كافٍ بطريقة الاستخدام.
فوائدها الحقيقية حين تُستخدم بوعي
قبل الحديث عن التحذيرات، من المهم الاعتراف بأن بودرة البروتين ليست عدوة الجسم كما يظن البعض.
فهي تساعد في تعويض النقص الغذائي لدى من لا يحصلن على كفاية من البروتين في وجباتهن، كما تُسهم في تعافي العضلات بعد التمارين المكثفة وتُحافظ على الكتلة العضلية أثناء فقدان الوزن.
وتُشير د. نيفين عبد الكريم إلى أن استخدامها باعتدال قد يكون مفيدًا في برامج التغذية الرياضية، عند إدخالها بشكل مدروس وتحت إشراف مختص، يمكن أن تساعد في تحسين الأداء البدني وتقليل الشعور بالجوع لفترات طويلة، وهو ما يدعم الحفاظ على وزن صحي دون حرمان ، لكنها تؤكد أن هذا لا يعني أنها مناسبة للجميع أو يمكن تناولها بشكل يومي بلا تخطيط.
وتضيف د. نيفين عبد الكريم في تصريحاتها الخاصة لـ"هي" أن التعامل مع المكملات يجب أن يكون بعقلية “الدعم لا التعويض”، موضحة أن بودرة البروتين يمكن أن تكون عنصرًا مساعدًا مهمًا في فترات معينة من حياة المرأة، مثل بعد الولادة أو أثناء ممارسة الرياضة المكثفة، حيث يحتاج الجسم وقتها إلى دعم إضافي لبناء العضلات واستعادة الطاقة.
وتشير إلى أن اختيار التوقيت الصحيح لاستخدامها لا يقل أهمية عن نوعها، قائلة: “أفضل وقت لتناولها هو بعد التمرين مباشرة، أو كوجبة خفيفة بين الوجبات إذا كان الهدف الحفاظ على الشبع والطاقة، لكن لا يجب أبدًا أن تحل محل وجبة كاملة.”
وترى أن الوعي هو المفتاح، لأن كل جسم له احتياجات مختلفة، والقاعدة الأهم هي الإصغاء للجسم لا لتوجهات الموضة الصحية المنتشرة على الإنترنت.
تجارب مغرية… ونتائج قد تكون خادعة
تُروَّج بودرة البروتين على أنها وسيلة سحرية: تشد الجسم، وتساعد على خسارة الوزن، وتمنح طاقة لا تنتهي.
جزء من هذا صحيح فعلًا — فهي قد تقلل الشهية، وتساعد العضلات على التعافي بعد المجهود، وتُشعركِ بالشبع لفترة أطول.
لكن الصورة لا تكتمل إلا حين نعرف الوجه الآخر: الجسم لا يحتاج دائمًا لهذه الكميات المركزة من البروتين، والإفراط قد يترك أثرًا خفيًا لا يُلاحظ سريعًا.
حين يتحول الاهتمام بالصحة إلى عبء على الجسم

يحدث أحيانًا أن يبدأ الهدف نقيًا: "أرغب في تناول وجبات صحية للحفاظ على جسمي"،لكن بمرور الوقت، يتحول الأمر إلى روتين صارم أو اعتماد كامل على المكملات.
وهنا تبدأ المشكلة.
"هل بودرة البروتين مضرة بذاتها؟" لا، هكذا أجابت دكتورة نيفين مضيفة: "أن طريقة استخدامها هي ما يحدد النتيجة. بعض البنات يتعاملن معها كبديل للوجبات أو كاختصار سريع للوصول إلى الشكل المثالي، وهنا يكمن الخطر."
وتوضح أن الجسم لا يمكنه تخزين البروتين الزائد، فيحوّله إلى دهون تُرهق الكبد والكلى، مضيفة:
"استخدامها بشكل يومي دون إشراف أو دون شرب كميات كافية من الماء قد يؤدي إلى اضطرابات في الهضم وإجهاد للجسم على المدى البعيد."
الأنواع… ليست كلها واحدة
لو وقفتِ أمام رف المكملات في أي صيدلية، ستجدين أنواعًا لا تُعدّ: "بروتين نباتي"، "مصل حليب"، "كازين"، حتى نسخ مخصصة للنساء.
لكن ما لا يُذكر كثيرًا هو أن بعض هذه الأنواع يحتوي على سكريات صناعية أو مواد حافظة قد تضر أكثر مما تنفع، لذا تنصح د. نيفين عبد الكريم بقراءة الملصق بعناية قبل الشراء
ابحثي عن الأنواع الخالية من السكريات المضافة، واختاري ما يناسب طبيعة جسمك. لو عندك حساسية من اللاكتوز مثلًا، تجنبي البروتين المستخلص من الحليب واختاري النوع النباتي.
بين الشبع والحرمان.. مساحة اسمها "التوازن"
الحقيقة أن بودرة البروتين يمكن أن تكون أداة رائعة، لكنها لا تُغني عن الطعام الحقيقي.
فوجبة متكاملة تحتوي على البيض، أو الدجاج، أو العدس تمنح الجسم ما يحتاجه مع عناصر أخرى لا توفرها المساحيق الجاهزة.
أما الاعتماد الكامل على المكملات فيؤدي ببطء إلى فقدان التوازن الغذائي، وهو ما يظهر مع الوقت في شكل تعب عام أو ضعف في المناعة أو اضطرابات هضمية مزمنة.
هل تحتاجينها حقًا؟ خلاصة القول
قبل أن تضيفي الملعقة التالية إلى كوبك، فكّري في هدفك.
هل تحتاجينها فعلًا لأنك تمارسين الرياضة بانتظام وتفتقدين للبروتين في طعامك؟ أم لأنك رأيتِها في فيديو لفتاة تبدو "مثالية"؟
الجواب يختلف من امرأة لأخرى، كما تقول:
"البروتين مهم جدًا، لكن ليس كل جسم يحتاج إلى مكمل. ابدئي بتصحيح غذائك، وإن كان هناك نقص حقيقي، يمكننا وقتها التفكير في بودرة البروتين كحل مؤقت وليس دائم".