الكشف المبكر يزيد نسب الشفاء من السرطان

رحلة الوعي بسرطان الثدي: من اكتشاف الأعراض الأولى إلى الوقاية الذكية

عبير عباس
12 أكتوبر 2025

في كثير من الحالات، تبدأ قصة الإصابة بسرطان الثدي بإشارات خفية تمر دون انتباه. قد تكون كتلة صغيرة غير مؤلمة أو تغيرًا بسيطًا في شكل الجلد، لكنها في الحقيقة رسائل مبكرة من الجسم لا بد من الإصغاء إليها، لأن الاكتشاف المبكر هو المفتاح لتسهيل رحلة العلاج والشفاء.

ورغم حملات التوعية والتطور الطبي الكبير، ما زالت بعض النساء يعتقدن أن الألم هو العلامة الأولى للمرض أو أن الإصابة به ترتبط فقط بالتاريخ المرضي أو بسن معين. وفي هذا السياق، يكشف دكتور هشام البحيري، أستاذ الأورام بجامعة عين شمسلـ "هي" عن العلامات الأولية التي تنذر بسرطان الثدي، إلى جانب أبرز الخرافات المرتبطة به.

ما هي الأعراض الأولية للإصابة بسرطان الثدي؟

الفحص الذاتي المنزلي ضروري من عمر ال18 عام (1)
الفحص الذاتي المنزلي ضروري من عمر ال18 عام

يؤكد دكتور هشام أن العلامات المبكرة قد تختلف من امرأة لأخرى تبعًا للعمر والحالة الصحية والعوامل الوراثية، إلا أن هناك إشارات شائعة تستدعي الانتباه، أبرزها:

  1. وجود كتلة أو تجمع في الثدي أو تحت الإبط، وغالبًا تكون الكتلة غير مؤلمة في البداية لكنها تزداد وضوحًا مع الوقت. وفي بعض الحالات، قد تكون الكتلة صغيرة جدًا ولا يمكن ملاحظتها إلا أثناء الفحص الذاتي أو من خلال الأشعة الدورية.
  2. تغير في حجم أو شكل الثدي، فإذا لاحظت المرأة أن أحد الثديين أصبح أكبر أو تغير شكله بصورة غير طبيعية أو غير متماثلة، فربما يشير ذلك إلى وجود ورم أو تغير داخلي يحتاج إلى تقييم طبي.
  3. تغيرات في جلد الثدي مثل الاحمرار، أو التقشر، أو التجعد، أو انكماش الجلد بشكل يشبه قشرة البرتقال، ما يستدعي مراجعة الطبيب فورًا لإجراء الفحوصات اللازمة.
  4. ألم أو حساسية في الثدي دون سبب واضح، خاصة إذا استمر الألم لفترة طويلة أو كان في منطقة محددة من الثدي.
  5. إفرازات غير طبيعية من الحلمة، خصوصًا إذا كانت مصحوبة بالدم أو إفرازات شفافة من جهة واحدة فقط، وهي من العلامات التي لا ينبغي تجاهلها أبدًا.
  6. وفي بعض الحالات، قد يحدث تغير في موضع الحلمة أو انقلابها للداخل بشكل مفاجئ، وهو عرض إضافي قد يشير إلى مشكلة داخلية تحتاج للفحص العاجل.

ويشير الخبير إلى أن التعرف على هذه الأعراض لا يعني بالضرورة وجود سرطان، لكنها مؤشرات تستوجب الكشف الطبي لتأكيد السبب، لأن التشخيص المبكر يمنح فرصًا أكبر للعلاج والشفاء الكامل.

خرافات شائعة حول سرطان الثدي

رغم التقدم الكبير في المجال الطبي، ما تزال هناك معتقدات خاطئة تثير القلق بين النساء. من أبرز هذه الخرافات أن حجم الثدي الكبير يزيد من خطر الإصابة، وهو أمر نفت الدراسات صحته تمامًا.
كما يعتقد البعض أن المرض لا يصيب إلا من تجاوزن الأربعين، بينما يمكن أن يظهر في العشرينيات والثلاثينيات أيضًا. وهناك من يظن أن سرطان الثدي لا يمكن أن يعود بعد العلاج، والحقيقة أنه قد يظهر مجددًا في نفس الثدي أو في الآخر، لذلك يُنصح بالمتابعة الطبية المستمرة بعد الشفاء.
ومن الشائعات الأخرى أن ارتداء حمالات الصدر لفترات طويلة أو إهمال الرضاعة الطبيعية يسبب المرض، وهي معلومات غير صحيحة علميًا. كما يربط البعض بين الصدمات النفسية القوية وبين الإصابة، لكن العلم يؤكد أن العامل الأساسي هو الخلل الجيني أو التغير الهرموني وليس الحالة العاطفية.
ويشدد دكتور هشام في تصريحاته الخاصة لـ"هي" على أهمية الفحوصات الدورية والكشف المبكر كأفضل وسيلة للوقاية والسيطرة على المرض في مراحله الأولى، لأن نسبة الشفاء في المراحل المبكرة قد تتجاوز 90%.

طرق الوقاية من سرطان الثدي

رغم أن بعض العوامل الوراثية تزيد من احتمالية الإصابة، إلا أن اتباع نمط حياة صحي يمكن أن يحدّ كثيرًا من المخاطر. ومن أهم النصائح:

  • ممارسة الرياضة بانتظام للحفاظ على نشاط الجسم وتحسين الدورة الدموية، حتى لو كانت رياضة بسيطة مثل المشي نصف ساعة يوميًا.
  • الحفاظ على وزن صحي وتجنب السمنة، لأن زيادة الدهون في الجسم ترفع مستويات الإستروجين، وهو ما يرتبط بزيادة خطر الإصابة.
  • الابتعاد عن التدخين والعادات الضارة، وتجنب الإفراط في تناول الكافيين والمأكولات المصنعة.
  • النوم الجيد وتقليل التوتر، فالإجهاد المزمن قد يضعف المناعة ويؤثر سلبًا على توازن الهرمونات.
  • إجراء الفحص الذاتي للثدي شهريًا أمام المرآة، والالتزام بـ الماموجرام والفحص السريري بعد سن الأربعين، أو قبل ذلك في حال وجود تاريخ عائلي للمرض.

ويشير الخبير إلى أن هذه الخطوات البسيطة لا تقي فقط من سرطان الثدي، بل تحسن مناعة الجسم وتقلل خطر الإصابة بأمراض مزمنة أخرى، مثل السكري وأمراض القلب، وتزيد الشعور بالحيوية والثقة بالنفس.

دور الدعم النفسي في مواجهة سرطان الثدي

الكشف المبكر يزيد نسب الشفاء من السرطان رئيسية (1)
الكشف المبكر يزيد نسب الشفاء من السرطان

بعيدًا عن الجانب الطبي، يبقى الدعم النفسي والعاطفي عاملًا حاسمًا في رحلة المريضة نحو التعافي. فالإصابة بسرطان الثدي لا تمس الجسد فقط، بل تترك أثرًا نفسيًا عميقًا قد يمتد لسنوات.

توضح الدراسات الحديثة أن النساء اللاتي يحصلن على دعم من الأسرة والأصدقاء وفِرق العلاج النفسي يتمتعن بنسبة أعلى من الاستجابة للعلاج، ويتجاوزن مراحل المرض بثقة أكبر. كما أن الحديث عن التجربة ومشاركة القصص الملهمة مع ناجيات أخريات يمنح شعورًا بالانتماء والأمل.

ويؤكد الخبراء أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن العلاج الكيميائي أو الجراحي، إذ إن الطاقة الإيجابية والإيمان بالقدرة على الشفاء يعززان مناعة الجسم ويجعلان رحلة العلاج أقل قسوة. لذلك يُنصح المريضات بالانخراط في مجموعات الدعم، والابتعاد عن العزلة، والانشغال بأنشطة مريحة مثل القراءة أو التأمل أو المشي في الهواء الطلق، لأن هذه التفاصيل الصغيرة تصنع فارقًا كبيرًا في الحالة النفسية وسرعة التعافي.

خلاصة القول

التعرف المبكر على علامات سرطان الثدي هو أول خطوة في طريق النجاة. فالجسم يرسل دائمًا إشارات تستحق الإصغاء، وزيارة الطبيب عند ملاحظة أي تغير غير معتاد قد تُحدث فرقًا كبيرًا في رحلة العلاج والتعافي.