من الانتفاخ إلى الحمى.. إشارات صامتة تُنذر بالتهاب المرارة

رغم أن الجسم يعمل بتناغمٍ دقيق يشبه الساعة، إلا أن بعض المشكلات المفاجئة قد تخلّ بهذا التوازن، ومن بينها التهاب المرارة، الذي قد يبدأ بألم بسيط في البطن وينتهي بمضاعفات مزعجة إن لم يُكتشف ويُعالج في الوقت المناسب. وهذه الحالة لا تقتصر على فئة عمرية أو جنس معين، لكنها تظهر غالبًا بشكل مفاجئ وتحتاج إلى انتباه دقيق من المريض والطبيب معًا.

تتسبب التهابات المرارة عادة بتجمع الحصوات داخل الحويصلة الصفراوية، ما يؤدي إلى انسداد القنوات الصفراوية وتجمّع العصارة بداخلها، فيصبح الجسم في حالة توتر داخلي لا يظهر فقط على شكل ألم، بل يمتد إلى الشعور بالإعياء والغثيان واضطرابات شديدة في الهضم.

عندما لا يكون ألم البطن مجرد عارض عابر

من أبرز إشارات التهاب المرارة، تلك الآلام التي تبدأ في الجزء العلوي الأيمن من البطن. ما يُميزها أنها قد تمتد إلى الكتف أو الظهر، وغالبًا ما تزداد بعد تناول الأطعمة الدسمة، لتترك المريض في حالة من الثقل والانزعاج المستمر.

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور محمد مصطفى، استشاري أمراض الباطنة والجهاز الهضمي، أن الألم الناتج عن التهاب المرارة غالبًا ما يكون حادًا ولا يهدأ بسهولة، وقد يصاحبه شعور بالغثيان والقيء المتكرر، وهي من العلامات الكلاسيكية التي تستدعي إجراء فحص فوري.

لا تتوقف الشكاوى عند هذا الحد، بل ربط الأطباء بين الحالة وظهور أعراض أخرى مثل الغثيان، القيء، الانتفاخ، التجشؤ المستمر، فقدان الشهية، والشعور المبكر بالشبع. هذه العلامات مجتمعة قد تكون المفتاح الذي يفتح باب التشخيص الصحيح.

حين يتحوّل لون الجلد إلى دليل قاطع

ليس كل ما تراه العين بسيطًا، فهناك مؤشرات خارجية واضحة تستوجب القلق؛ مثل تغير لون البول ليصبح داكنًا أكثر من المعتاد أو اصفرار الجلد وبياض العين. هذه الأعراض تنذر بأن الحالة وصلت إلى مراحل متقدمة من التهاب المرارة، وقد يصاحبها ارتفاع في درجة الحرارة أو إحساس بالقشعريرة، مما يعني ضرورة التوجه للطبيب فورًا دون تأجيل.

أكد الدكتور محمد مصطفىاستشاري أمراض الباطنة والجهاز الهضمي في تصريحات خاصة لـ"هي" أن اصفرار الجلد وارتفاع الحرارة من العلامات المتقدمة، والتي قد تشير إلى انسداد القناة الصفراوية بالكامل، مما يستلزم تدخلاً طبيًا سريعًا قبل حدوث أي مضاعفات.

النساء في مرمى الخطر.. لكن لماذا؟

رغم أن التهاب المرارة لا يفرّق بين رجل وامرأة، إلا أن النساء أكثر عرضة للإصابة به، بسبب التأثير المباشر لهرمون الإستروجين على تركيبة العصارة الصفراوية وزيادة الكوليسترول فيها؛بحسب ما قال الدكتور محمد مصطفى الذي أضاف أن وسائل منع الحمل الهرمونية والحمل المتكرر يلعبان دورًا كبيرًا في زيادة احتمالية الإصابة بهذه المشكلة.

تتراوح الأعمار الأكثر تأثرًا بالحالة ما بين الأربعين والستين عامًا، لكنها ليست قاعدة ثابتة؛ فالسمنة والعادات الغذائية السيئة قد تفتح الباب مبكرًا للمرض، حتى في سن الشباب.

طبقك مسؤول عن صحتك.. أو مرضك

هل تساءلتِ يومًا كيف يمكن لروتين غذائي بسيط أن يُجنّبك الكثير من الألم؟ الأطعمة الغنية بالدهون، المقليات، قلة شرب الماء، نقص الألياف، كلها أسباب تجعل المرارة تعمل فوق طاقتها.

فالجسم، رغم مرونته، له حدود؛ وفي حال تجاهل إشاراته، تصبح الالتهابات أمرًا حتميًا. لذلك، فإن إدخال الخضروات الورقية والفواكه الطازجة إلى نظامك الغذائي، إلى جانب ممارسة الرياضة، لا يُعد رفاهية بل وقاية حقيقية من التهاب المرارة.

لذا يوصي الدكتور محمد مصطفى بضرورة الحفاظ على وزن صحي، والتقليل من استهلاك الدهون الحيوانية، واتباع نظام غذائي غني بالألياف للوقاية من الحصوات الصفراوية.

الطريق إلى تشخيص إلتهاب المرارة يبدأ من الدم

مع ظهور الأعراض، لا بد من تأكيد الحالة عبر سلسلة من الفحوصات الطبية تبدأ بتحليل الدم الذي يكشف عن مؤشرات الالتهاب وارتفاع إنزيمات الكبد.

أما فحص السونار (الموجات فوق الصوتية) فهو الأداة الأساسية التي يعتمد عليها الأطباء لتحديد وجود الحصوات أو التهابات الجدار الداخلي للمرارة. وبحسب توصيف دكتور محمد مصطفى، وفي الحالات الأكثر تعقيدًا، يتم اللجوء إلى الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي لرؤية أعمق وأوضح.

أوضح استشاري الجهاز الهضمي محمد مصطفىأيضًا أن التصوير بالموجات فوق الصوتية لا يُظهر فقط الحصوات، بل يكشف عن مدى سماكة جدار المرارة وتجمع السوائل حولها، وهو مؤشر مهم لقياس حدة الالتهاب.

رحلة العلاج بين الدواء والجراحة

يعتمد العلاج على تقييم الطبيب لشدة الحالة. فالحالات البسيطة يتم التعامل معها بمضادات حيوية وأدوية مسكنة، أما عند وجود حصوات أو انسداد كامل، يكون الخيار الجراحي هو الأفضل.

استئصال المرارة بالمنظار هو الحل الأسرع والأكثر أمانًا، حيث يستطيع المريض التعافي خلال فترة قصيرة ومتابعة حياته بشكل طبيعي، مع قيام الكبد بإفراز العصارة الصفراوية مباشرة إلى الأمعاء.

وفي هذا الصدد، أكد الدكتور مصطفى أن الجراحة هي الحل المثالي للحالات المتكررة أو التي لا تستجيب للعلاج الدوائي، كما أن نسبة الأمان في الجراحة بالمنظار مرتفعة، والمضاعفات نادرة إذا تم التدخل في الوقت المناسب.

مفتاح الوقاية من التهاب المرارة في يدك أنتِ

حتى بعد العلاج، يبقى نمط الحياة الصحي هو خط الدفاع الأول لمنع تكرار المشكلة. ويُنصح بتناول وجبات صغيرة على مدار اليوم، تقليل الدهون، الابتعاد عن الأطعمة المصنعة، والإكثار من شرب المياه.

كما يُفضل إجراء فحوصات دورية لمن لديهم تاريخ عائلي مع أمراض المرارة، خاصة إذا سبق التعرض لنوبات ألم مشابهة.

خلاصة القول

التهاب المرارة ليس مجرد عنوان طبي، بل هو دعوة للوعي والاهتمام بالإشارات التي يرسلها الجسم. والتعامل مع الأعراض مبكرًا، وتبنّي أسلوب حياة صحي، قد يجنبكِ الكثير من الألم ويمنحك راحة طويلة المدى.