"ينبوع الشباب الدائم".. هل يتمركزُ في الجهاز المناعي؟
لطالما كان الشباب الدائم محور اهتمام الناس، منذ آلاف السنين وحتى اليوم. أفلامٌ وروايات نُسجت حول هذا الموضوع المثير، والذي لم يعد يقتصر على النساء فقط بل ثمة نسبة جيدة من الرجال أيضًا، يطمحون لما يُطلق عليه "الشباب الدائم".
لكن ما يُعيب هذا المصطلح، أو ربما فهم الناس له، أنه قد يقتصرُ على الوجه والبشرة فقط؛ إذ يخشى الناس من فقدان شبابهم وزحف التجاعيد وعلامات الشيخوخة على وجوههم وأجسادهم، في حين أن الشيخوخة قد تُصيب ما هو أعمق من الجلد: الجسم من الداخل.
شيخوخة الجسم هي التغيرات الطبيعية والتدريجية التي تحدث في الجسم مع التقدم بالعمر، وتؤثر على المظهر الجسدي والوظائف الداخلية. تشمل العلامات الشائعة لها ظهور التجاعيد، شيب الشعر، ضعف السمع والبصر، فقدان العضلات لقوتها، وهشاشة العظام؛ وتتأثر هذه العملية بعوامل وراثية ونمط الحياة، مثل التعرض لأشعة الشمس، التدخين، والنظام الغذائي. وأكثر ما يتعرض لتداعيات هذه الشيخوخة داخل جسمنا هو جهاز المناعة.
تتمثل المهمة الرئيسية للجهاز المناعي في حماية الجسم من الإصابة بالعدوى والأمراض؛ ولكن مع تقدم العمر، قد تقلَ قدرته على أداء هذه المهمة. إلا أن باحثو مايو كلينك وجدوا أن بعض البالغين الأكبر سنًا يحتفظون بحالة "شباب المناعة" – وهو مصطلحٌ جديد صاغهُ الباحثون لتفسير حالة المناعة الشابة لدى الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 60 عامًا.
فما هو "شباب المناعة"، ولماذا نجدهُ عند البعض فيما يفتقدهُ البعض الآخر؟ وما السبيل الأفضل لمقاومة الشيخوخة؟ أسئلةٌ نجيبُ عليها في مقالة اليوم، لذا تابعي القراءة..
باحثو مايو كلينك يكتشفون "ينبوع الشباب الدائم" في الجهاز المناعي

"ندرسُ أسباب امتلاك بعض الأشخاص (ينبوع الشباب الدائم) في جهازهم المناعي، ونريدُ أن نتعلم منهم"؛ هذا ما صرَحت به كورنيليا وياند، دكتورة في الطب، والعالمة المختصة في الأمراض الروماتيزمية والرعاية السريرية في مايو كلينك، والمؤلفة الرئيسية في ورقة بحثية حول الشيخوخة والمناعة نُشرت في مجلة Nature Aging.
إذ اكتشف فريق البحث الذي تقوده الدكتورة وياند، هذا الينبوع الخلوي للشباب الدائم لدى أكثر من 100 مريض مسن، جاءوا إلى مايو كلينك لتلَقي العلاج من مرضٍ في المناعة الذاتية يُصيب الشرايين، بما في ذلك الشريان الأورطي، يُدعى التهاب الشريان ذو الخلايا العملاقة. ووجدت الدكتورة وياند وزملاؤها، خلايا مناعية متخصصة في الأنسجة المريضة لهؤلاء المرضى تُسمى الخلايا التائية ذات الخصائص الجذعية. تتصرف هذه الخلايا المناعية مثل الخلايا الجذعية الشابة التي تتجدد عادةً وتُساعد على الشفاء والنمو؛ ولكنها في هذه الحالة، كانت تنشر المرض. وكان هذا الفريق من الباحثين قد اكتشف في السابق أيضًا، الخلايا الجذعية المناعية الذاتية لدى البشر.
وتقول الدكتورة وياند في تعليقها على النتائج: "لاحظنا أن هؤلاء المرضى لديهم جهازٌ مناعي شاب للغاية، رغم كونهم في الستينيات والسبعينيات من العمر، ولكن الثمن الذي يدفعونه هو أمراض المناعة الذاتية". وتحدث هذه الأمراض عندما يهاجمُ الجهاز المناعي الأنسجة والأعضاء عن طريق الخطأ.
كما لاحظ الباحثون أن مُثبطات نقاط التفتيش المناعية التي تُنظَم الجهاز المناعي، لم تكن تعمل بشكلٍ طبيعي لدى هؤلاء الأفراد.
فوائد شيخوخة الجهاز المناعي
يقول يورغ جورونزي، دكتور في الطب، وباحث في مجال الشيخوخة في مايو كلينك، وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة: "على عكس ما قد يعتقدهُ البعض، هناك فوائد لامتلاك جهازٍ مناعي يتقدم في العمر بالتزامن مع تقدم عمر الجسم. وعلينا أن نأخذ في الاعتبار ثمن امتلاك شبابيةٍ مناعية؛ فالثمن يمكن أن يكون الإصابة بمرضٍ في المناعة الذاتية".
ويضيف الباحثون إن الشيخوخة المناعية هي آلية تكيَفٍ متطورة، يمكن للجهاز المناعي استخدامها لمنع الإصابة بمرضٍ في المناعة الذاتية. ويعمل الفريق حاليًا على تطوير اختباراتٍ تشخيصية جديدة، من شأنها المساعدة على تحديد المرضى والأفراد الأصحاء الذين يحملون أعدادًا كبيرة من الخلايا الجذعية المناعية، مما قد يجعلهم عرضةً للإصابة بمرض في المناعة الذاتية في وقتٍ لاحق من الحياة.
يُشكَل البحث جزءًا من جهودٍ أكبر في مايو كلينك تُعرف بمبادرة "الوقاية المُسبقة"، والتي تُركَز على تطوير أدوات تُمكَن اختصاصيي الرعاية السريرية من التنبؤ بالعمليات البيولوجية واعتراضها، قبل أن تتطور إلى مرضٍ أو حالاتٍ مُعقدة.
أفضل الطرق لمحاربة الشيخوخة
والمقصود هنا من جديد، ليس فقط شيخوخة الخارج وإنما الداخل أيضًا؛ الشيخوخة التي تطال أعضاء وأجهزة الجسم وتُصيبها بالوهن والمرض.
بالوقاية واتباع نمط حياةٍ صحي متكامل (غذائيًا، حياتيًا ورياضيًا) يمكن للبعض منا مقاومة الشيخوخة التي تحدث تلقائيًا مع التقدم بالسن. وسواء كانت جيناتنا تلعب دورًا ما في هذه العملية أم لا، فإن العادات الصحية المتمثلة بصورةٍ خاصة في النظام الغذائي، يمكنها الحيلولة دون تفاقم الشيخوخة أو حدوثها مبكرًا.
في تقرير نشرته صحيفة "تايمز أو إنديا" Times of India ونقل تفاصيله موقع "العربية.نت"، ثمة أطعمة أساسية غنية بالعناصر الغذائية تُساعد على تعزيز طول العمر، فضلًا عن تقوية ودعم صحة القلب، الهضم ووظائف الدماغ.
وهذه الأطعمة الثلاث هي الآتية:

1. الحبوب الكاملة: مثل الشوفان، الشعير، الأرز البني وخبز القمح الكامل، هي أطعمة غنية بالألياف والمغذيات الدقيقة. وفي دراسةٍ أجريت عام 2022 ونُشرت في الدورية الأميركية للتغذية السريرية، تمَ الربط بين الأنظمة الغذائية الغنية بالحبوب الكاملة وانخفاض معدل الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية على مدى عقود.
فيما خلصت دراسةٌ أخرى، نشرت عام 2024 في دورية Nutrients، إلى أن الحبوب الكاملة تدعم صحة ميكروبيوم الأمعاء، من خلال زيادة الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة التي تؤثر على الالتهابات والتمثيل الغذائي.
2. المكسرات: في المرتبة الثانية، تأتي المكسرات (بالطبع النيئة وغير المملحة) ضمن الأطعمة المساعدة على مقاومة الشيخوخة؛ كونها غنية بالدهون الصحية، المغنيسيوم، مضادات الأكسدة والبروتينات النباتية، مما يجعلها "تغذيةً متكاملة" لأسلوب حياتنا العصري المفعم بالنشاط.
وكانت دراسةٌ تحليلية أُجريت عام 2025 في دورية "التغذية والتمثيل الغذائي"، أفضت إلى أن الأشخاص الذين واظبوا على تناول نصف حفنة تقريباً من المكسرات يومياً، انخفض لديهم معدل الوفيات لجميع الأسباب بنسبة 20-30% مقارنةً بمن لم يفعلوا ذلك. كذلك توصلت دراسة شاملة، أُجريت في أبريل 2025، إلى ارتباط المكسرات بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، داء السكري من النوع الثاني، وتحسين طول العمر.
3. الخضروات والفواكه الطازجة: ليست ذات اللون الأخضر فحسب، بل بجميع الألوان والأشكال؛ إذ تحتوي الفواكه والخضراوات الطازجة على عناصر غذائية حيوية ومضادات للأكسدة. وفي دراسةِ أجريت عام 2024 في دورية Nature Food، تبيَن أن النظام الغذائي عالي الجودة (الكثير من الخضراوات والفواكه، والحد الأدنى من الأطعمة فائقة المعالجة) ذو علاقةٍ وثيقة بتحسن الإدراك والصحة العقلية في مرحلة البلوغ. وفي دراسةٍ تحليلية أخرى نُشرت عام 2023 في دورية "التغذية الصحية العامة"، ارتبط تناول كمياتٍ أكبر من الفاكهة والخضراوات بانخفاض معدل الوفيات لجميع الأسباب، حتى مع مراعاة عوامل نمط الحياة الأخرى. فيما تُؤكد دراسة "المناطق الزرقاء" حول طول العمر، على اتباع نظامٍ غذائي غني بالنباتات كعلامة مميزة للمُعمَرين.
في الختام؛ فإن الشيخوخة الحتمية التي تطال كل شخص على وجه البسيطة، هي نتيجةٌ طبيعية للتقدم في العمر. وإن كان البعض يمتلكون "جهازًا مناعيًا" منيعًا وقويًا يُشكَل ما يُعرف بإسم "ينبوع الشباب الدائم" حتى في الستين والسبعين. لكن ضريبته الوحيدة، هي الإصابة بمرضٍ من أمراض المناعة الذاتية، كون جهازهم هذا يعمل عن طريق الخطأ على مهاجمة الأنسجة والخلايا.