الدعم الاجتماعي مفيد في علاج اكتئاب الخريف

خبير نفسي يكشف لـ "هي" نصائحه الذهبية لمواجهة اكتئاب الخريف

عبير عباس
30 سبتمبر 2025

قارب فصل الصيف بألوانه الزاهية ورحلاته الممتعة على الانتهاء، وبدأت أجواء الخريف الهادئة تسيطر على يومكِ. وعلى الرغم من أن لهذا الفصل طبيعته الخاصة الساحرة، إلا أنه قد يحمل معه بعض الطاقات غير المرغوب فيها، مثل الشعور بالكسل وقلة الحماس وتقلب المزاج الناتج عن تغيرات الطقس وقصر ساعات النهار.

تُعرف هذه الحالة النفسية باسم "اكتئاب الخريف"، لأنها ترتبط بشكل مباشر بتغير الإيقاع اليومي وتأثير الطقس على كيمياء الجسم. لكن الخريف ليس فقط فصلًا تتساقط فيه الأوراق، بل هو محطةٌ تمنحكِ فرصةً للتأمل، وتجديد الطاقة، واستعادة توازنكِ النفسي. من هنا تأتي أهمية معرفة نصائح للتخلص من اكتئاب الخريف بطريقة بسيطة وفعالة.

في هذا التقرير تقدم لكِ "هي"، بالتعاون مع الدكتور أحمد هارون استشاري الطب النفسي، مجموعةً من الإرشادات التي يمكنكِ اتباعها دون الحاجة لأي تدخل دوائي.

يساعد التسوق في تغيير الحالة المزاجية ويزيد من مشاعر السعادة
يساعد التسوق في تغيير الحالة المزاجية ويزيد من مشاعر السعادة

من أين يبدأ اكتئاب الخريف؟ الأسباب النفسية والبيولوجية

كي تتغلبي على الحالة المزاجية المرتبطة بالخريف، من المهم أولًا أن تفهمي أسبابها.

بحسب استشاري الطب النفسي دكتور أحمد هارون، فإن أبرز عوامل اكتئاب الخريف هي قلة التعرض للشمس بسبب قصر النهار، مما يُقلَل من إفراز هرمون السيروتونين المسؤول عن السعادة، ويؤثر على الساعة البيولوجية للجسم. كما يقل مستوى فيتامين D، فتتراجع مستويات الطاقة ويتأثر المزاج.

إضافة إلى ذلك، فإن برودة الطقس وتراجع النشاطات الاجتماعية يُولدان شعورًا بالعزلة لدى البعض، خاصة بعد الانتقال المفاجئ من صيف مزدحم إلى خريف هادئ، مما يُعمّق الإحساس بالفراغ النفسي ويزيد من التوتر.

ولأن هذه الأسباب قد لا تكون واضحة دائمًا في بدايتها، تظهر بعض العلامات التي تنبهكِ إلى أنكِ تمرين باكتئاب موسمي خفيف أو متوسط.

ما هي أعراض وعلامات اكتئاب الخريف؟

تظهر أعراض اكتئاب الخريف بشكل تدريجي، وغالبًا ما تكون خفيفة في بدايتها ثم تتفاقم مع مرور الوقت إذا لم يتم التعامل معها.

وتشمل الأعراض النفسية الحزن المستمر، انخفاض الحافز، فقدان الاهتمام بالأنشطة، الشعور بالإرهاق العقلي، والرغبة في الانعزال. أما الأعراض الجسدية فقد تتضمن اضطرابات في النوم، تغيرات في الشهية (زيادة أو فقدان)، صداع متكرر، وزيادة الوزن أو فقدانه بشكل غير مبرر. وإدراك هذه العلامات في وقتٍ مبكر يساعد على تجنب تدهور الحالة.

مع ملاحظة هذه الأعراض، قد تتساءلين: كيف يمكن التأكد من أنكِ تواجهين بالفعل اكتئاب الخريف، وليس مجرد تقلب عابر في المزاج؟

هل هو اكتئاب موسمي فعلاً؟ خطوات التشخيص الطبي

يشير الأطباء إلى أن تشخيص اكتئاب الخريف يعتمد على نمط تكرار الأعراض في نفس الفترة من العام، إضافة إلى فحص التاريخ النفسي والطبي للشخص. قد يطلب الطبيب إجراء اختبارات معينة لاستبعاد الأسباب العضوية مثل نقص فيتامين D أو مشاكل الغدة الدرقية، كما يتم استخدام مقاييس نفسية معتمدة لتحديد درجة الاكتئاب، والتأكد من ارتباطه بالتغير الموسمي وليس بمسببات أخرى.

وبعد الوصول إلى التشخيص المناسب، يصبح من السهل وضع خطة علاجية تتناسب مع حالتك ودرجة الأعراض التي تمرين بها.

تساعد الرياضة في علاج اكتئاب الخريف
تساعد الرياضة في علاج اكتئاب الخريف

كيف تتجاوزين اكتئاب الخريف؟من التغيير السلوكي إلى العلاج الطبي

يختلف العلاج حسب حدة الأعراض، فالحالات البسيطة يمكن تحسينها من خلال تغيير نمط الحياة كما ورد آنفًا في هذا التقرير. أما الحالات المتوسطة أو الشديدة فقد تستدعي تدخلًا طبيًا مثل جلسات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو العلاج بالضوء، الذي أثبت فعاليته في تعديل كيمياء الدماغ. وفي بعض الأحيان، قد يصف الطبيب مضادات اكتئاب خفيفة لفترة مؤقتة، لكن دائمًا تحت إشراف طبي متخصص.

غيري روتينكِ اليومي وتغلبي على التقلبات المزاجية

بعد فهم الأسباب، يأتي دور التغيير الإيجابي؛ وهنا ينصح دكتور هارون بإجراء تعديلات بسيطة على نمط الحياة تساعد على التخلص من اكتئاب الخريف.

من أبرز هذه الخطوات ممارسة المشي لمدة نصف ساعة يوميًا خلال النهار، مما يساعد على تعريض الجسم للشمس وتحفيز إنتاج فيتامين D. هذا الفيتامين لا ينعكس فقط على صحة العظام، بل يساهم أيضًا في تحسين الحالة المزاجية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الالتزام بروتين محدد لمواعيد النوم والاستيقاظ والوجبات اليومية يمنح الجسم توازنًا نفسيًا ويساعد على تنظيم الإيقاع الحيوي الطبيعي.

الدعم الاجتماعي يحميكِ من العزلة

الاستسلام للمزاج السلبي قد يزيد من مشاعر الوحدة؛ لذا فإن التواصل مع المحيطين بكِ يلعب دورًا محوريًا. إن التواجد مع العائلة أو الأصدقاء المقربين، وقضاء وقت ممتع في الحديث أو الأنشطة، يمكن أن يغيّر حالتكِ النفسية تمامًا.

حتى الأنشطة البسيطة مثل ممارسة هواياتكِ الإبداعية أو الرياضية، أو الخروج في جولة تسوق خفيفة، تساهم في تحفيز الدماغ على إفراز هرمونات السعادة. لا تستهيني بقوة التفاصيل الصغيرة، فهي كفيلة بإخراجكِ من دائرة التوتر والكآبة.

أطعمة تعزز السعادة وتحسّن المزاج

لا يؤثر الغذاء فقط على صحتكِ الجسدية، بل حالتكِ النفسية أيضًا. وقد أكد لنا دكتور هارون أهمية التركيز على تناول أطعمة تساعد في تعزيز إفراز هرمون السعادة، مثل الأسماك، الخضروات الورقية، المكسرات، الشوكولاتة الداكنة، والفواكه الطازجة.

كما شددَ على أهمية الاستمتاع بتناول الطعام في أجواء هادئة، لأن الوعي أثناء الأكل يُعزز من الأثر الإيجابي لهذه الأطعمة على الدماغ والمزاج.

خلاصة القول

الانتقال بين الفصول ليس مجرد تبدل في درجات الحرارة، بل هو تحول شامل يؤثر على الجسم والنفس معًا. لكنكِ تملكين القدرة على تحويل هذا الفصل من فترة خمول وتقلب مزاجي إلى فرصة للتجدد والهدوء.

فقط عندما تختارين أن تتبني عادات صحية، وتمنحي نفسكِ لحظات من الراحة والتواصل، ستكتشفين أن الخريف يمكن أن يكون فصلًا مميزًا بكل ما فيه من صفاء وألوان دافئة.