اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين الأعراض والحلول الفعّالة

لاستعادة السيطرة: كيف تتعاملين مع اضطرابات الأكل بعد الأربعين

جمانة الصباغ
12 سبتمبر 2025

يحذر الأطباء وخبراء الصحة دومًا، من اضطرابات الأكل عند المراهقين والشباب؛ وهي بالفعل مشكلةٌ كبيرة وخطيرة، كونها تنعكس سلبًا على أجساد الصغار في مراحل نموهم الحيوية، وحاجتها المتعاظمة للمغذيات.

لكن اضطرابات الأكل لا تتوقف عند الصغار فقط، فماذا عن البالغين الذين يعانون من ذات المشكلة، لكن قليلًا ما يُسلَط الضوء عليهم؟

إن العديد من البالغين وبعد سن الأربعين، يبدوأن بالمعاناة من اضطراباتٍ متفاوتة في الأكل، يمكن لها أيضًا أن تترك أثرًا سلبيًا على صحتهم في هذه المرحلة العمرية الانتقالية، من الشباب إلى الشيخوخة. خصوصًا للنساء، اللاتي يخضنَ تغيَراتٍ هرمونية وجسدية جٍسام، فيما يقتربنَ من سن انقطاع الطمث، والذي قد يُداهم بعضهنَ في الأربعينيات قبل الخمسين.

ووفقًا لموقع مجلة Psychology Today؛ تُعاني ما يصل إلى 13% من النساء فوق سن الخمسين من اضطراباتٍ في سلوكيات الأكل، وفقًا للمجلة الدولية لاضطرابات الأكل. وبعض كبيرات السن منهنَ يعانينَ من الانتكاسات بعد سنواتٍ من التعافي، لكن الكثيرات منهنَ يواجهنَ هذه الاضطرابات لأول مرة في الثلاثينيات والأربعينيات وما بعدها.

من الاسراف في الأكل في مرحلة المراهقة والبلوغ، إلى فقدان الشهية العُصابي والنُهام العُصابي؛ تبدأ المرأة في سن الأربعين بالدخول في دوامةٍ جديدة من اضطراب الأكل المتطرف، خشية زيادة الوزن وحرصًا على نظرة المجتمع لها. فكيف يبدو اضطراب الأكل بعد الأربعين، ما هي تأثيراته الصحية والنفسية، وكيف نعالجه؟

اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين الأعراض والحلول الفعّالة - رئيسية واولى
اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين الأعراض والحلول الفعّالة

الأجوبة في السطور التالية؛ فإذا كنتِ مهتمةً عزيزتي بهذا الموضوع، أو تعرفين إحداهنَ ممن تعاني من اضطراب الأكل، ما عليكِ سوى متابعة القراءة.

ما هي اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين؟

سؤالٌ يفتح الباب على مصراعيه، على حقيقة التغيَرات الجسدية والنفسية التي تُصاحب مرحلة سن الأربعين وما بعدها عند المرأة، وعلاقتها مع الغذاء في هذه المرحلة. فاضطرابات الأكل كما أسلفنا، لا تقتصر على المراهقين أو الشباب؛ بل يمكن أن تظهر أو تتفاقم في الأربعين ومنتصف العمر نتيجة تغيَراتٍ هرمونية، ونفسية لا طائل للمرأة بها، فضلًا عن التأثيرات الاجتماعية. فالعديد من النساء يخشينَ من الوزن الزائد في مراحل العمر المختلفة، ولا يختفي هذا القلق في الأربعين؛ بل يزداد حدةً في ضوء بدء نقص الاستروجين في جسمها وما يمكن أن يحمل من تداعيات على عملية الاستقلاب لديها، بجانب متغيراتٍ أخرى هرمونية.

وإذا أردنا أن نُفنَد أبرز اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين، يمكن القول أنها على الشكل التالي:

1.     الأكل العاطفي (Emotional Eating): أكثر مشكلةٍ تظهر عند المرأة في سن الأربعين، نتيجة التوتر والقلق والوحدة، ما يُضطرها للجوء إلى الطعام لتعزية النفس ومساندتها. وكثيرٌ من النساء يشهدنَ تفاقم الضغوط العائلية والمهنية بعد الأربعين، فيلجأنَ للطعام كتعويضٍ عاطفي وملاذٍ آمن لهنَ من تلك الضغوطات.

2.     نهم الطعام الليلي (Night Eating Syndrome): هذا الاضطراب يظهر جليًا في مرحلةٍ متقدمة من سن الأربعين، حيث تجدين نفسكِ عزيزتي بحاجةٍ ملحة للأكل في الليل؛ وقد يكون السبب في ذلك عدم حصولكِ على كفايتكِ من الطعام خلال النهار، أو بسبب الأرق واضطرابات المزاج التي تكثر في هذه السن.

3.     اضطراب نهم الطعام (Binge Eating Disorder): والمتمثل في الإكثار من تناول الطعام بسرعة ودون تحكم، ليعقبه تزايد الشعور بالذنب أو الخجل. وهذا النوع من الاضطرابات قد يرتبط بتغيَراتٍ في صورة الجسد أو تقلبَات الوزن الشائعة بعد الأربعين.

4.     الأنظمة الغذائية القاسية (Restrictive Dieting): تلجأ إليها الكثيرات بعد سن الأربعين خوفًا من زيادة الوزن أو فقدان اللياقة، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى اضطرابٍ قوي في علاقتها مع الطعام أو حتى نقصٍ في العناصر الغذائية.

5.     فقدان الشهية المرتبط بالقلق أو الاكتئاب: من إسمه يمكن معرفة ماهيته، ويرتبط هذا الاضطراب بشكلٍ خاص عند النساء في مرحلة ما قبل أو بعد انقطاع الدورة الشهرية، مؤديًا إلى فقدان الشهية على الأكل.

من كل ما تقدم؛ نفهم أن اضطرابات الأكل بعد الأربعين هي محض تغيراتٍ جسدية لا يمكن التحكم بها، أو نتيجةً للخوف من الحرج الاجتماعي ونظرة الناس لنا. ما يطرح السؤال الآتي..

لماذا تزداد اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين؟

يمكن الإجابة عن هذا التساؤل من خلال الملخص التالي:

•       تشهد المرأة تباطؤًا شديدًا في التمثيل الغذائي لديها (عملية الأيض Metabolism) ما يجعل جسمها يُراكم الدهون بصورةٍ أكبر، وهو ما يؤدي إلى زيادة الوزن أو صعوبة فقدانها.

•       تراجع الاستروجين في سن الأربعين وما بعده، فضلًا عن التوستوستيرون، قد تكون له تداعياتٌ سلبية على الشهية وتعكر المزاج، ما يفتح الباب أمام اضطرابات الأكل.

•       زيادة الضغوط النفسية أو الشعور بالوحدة أو التغيَرات في نمط الحياة، قد تدفع بالمرأة للجوء إلى اضطرابات الأكل المزعجة.

•       في سن الأربعين، يبدأ التركيز أكثر على مظهرنا الخارجي، بجانب صحتنا الداخلية؛ ما يدفع كثيراتٍ منا لاتباع سلوكياتٍ غذائية غير متوازنة قد تؤدي إلى اضطراباتٍ في الأكل.

تتسبب اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين بالعديد من المشكلات الصحية
تتسبب اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين بالعديد من المشكلات الصحية

لا شك أن الأسباب المدرجة أعلاه، سواء كانت خارجة عن السيطرة أم ناتجة عن خياراتٍ شخصية من المرأة، ستؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الصحتين الجسدية والنفسية؛ إليكِ تلك التأثيرات.

ما هي تأثيرات اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين؟

من الطبيعي أن تؤثر اضطرابات الأكل على صحتنا، خاصةً إذا ما كانت مخفية عن الآخرين حسبما قالت مارغريت شراير، أخصائية التغذية المسجلة ورئيسة قسم التغذية في الخدمات الصحية لجامعة هارفار، مؤكدةً: "كحد أدنى، فإن النساء اللاتي يُعانينَ من اضطراباتٍ في الأكل غالبًا ما يعانينَ نقصاً في بعض المواد المغذية، خصوصاً الحديد، وفيتامين بي 12، والكالسيوم، وفيتامين دي. ويمكن للمكملات الغذائية المساعدة في علاج حالات النقص، وعادةً ما يتحملها المرضى بصورة جيدة. وتنصح أخصائية التغذية الأمريكية بوجوب تناول هذه المكملات مع الطعام، إذ قد لا يسهل امتصاصها على معدةٍ فارغة.

وفنَد موقع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، تداعيات وتأثيرات اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين التي تتسبب بفقدان الوزن الشديد وسوء التغذية كما يلي:

1.     فقدان كتلة العظام: وفقًا للدكتورة الدكتورة بيتينا بنتلي، طبيبة الرعاية الأولية في الخدمات الصحية بجامعة هارفارد؛ فإن خطر الإصابة بكسور العظام يصبح أعلى 7 مرات لدى الأشخاص المصابين بفقدان الشهية العُصابي مقارنةً بعامة الناس. وفي حين لا يُوصى بإجراء اختبار كثافة العظام بصورةٍ روتينية للنساء في الخمسينات من العمر، إلا أن الدكتورة بنتلي عادةً ما تُوصي به للأفراد الذين تعتقد أنهم قد يعانون من اضطراب الأكل، إضافةً إلى أولئك الذين تعرضوا لكسر العظام.

2.     مشكلات القلب: إن انخفاض مستويات الإلكتروليت (الكهارل) في الجسم، نتيجة اضطراب الأكل، يمكن أن يؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب. وتصبح النساء في أواسط العمر أكثر حاجةً لتناول الأدوية لعلاج الحالات المزمنة، التي يمكن بدورها أن تزيد من تلك المخاطر. وتقول الدكتورة هولي بيك، المديرة الطبية المساعدة لمركز كلارمان لاضطرابات الأكل في مستشفى ماكلين التابع لجامعة هارفارد في هذا الصدد: "هذه وصفةٌ لأكثر حالات الطوارئ الطبية، لأن جسدكِ لا يعود مرنًا كما كان عندما كان عمركِ 16 عاماً."

3.     أمراض الرئة: تتسبب اضطرابات الأكل بضعف عضلات الصدر مع الوقت، خصوصًا لدى الأشخاص الذين يُجبرون أنفسهم بصورة متكررة على التقيؤ جراء تناول الطعام أو الإكثار منه؛ ما يزيد للأسف من مخاطر الإصابة بالالتهاب الرئوي.

4.     مشاكل الجهاز الهضمي: ليس بالإمكان إدراج الارتجاع، أو الانتفاخ، أو الغثيان، أو القيء، أو الإمساك، أو الإسهال ضمن تداعيات الشيخوخة؛ إنما قد تكون مرتبطةً أكثر باضطرابات الأكل التي تزيد من مشكلات الجهاز الهضمي هذه.

5.     داء السكري: الأشخاص المصابون باضطراب نهم الطعام، هم أكثر عرضةً للإصابة بداء السكري، تقول الدكتورة بنتلي؛ مضيفةً أن السبب وراء ذلك يعود لارتفاع مستوى السكر في الدم بشكلٍ متكرر بعد التهام الطعام بكثرة (اضطراب نهم الطعام).

6.     تمزَق (أو تفسَخ) الجلد: غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون بفقدان الشهية، أحد اضطرابات الطعام المعروفة، بضعف التئام الجروح، وتجاعيد الوجه العميقة خاصةً إذا ما كانت هذه المشكلة تلازمهم منذ وقتٍ طويل، بحسب الدكتورة بنتلي، التي تشير إلى أن تمزق الجلد وتجعده الزائد قد يعكس سوء الوضع الغذائي لدى هؤلاء.

المخيف في الأمر، هو أن قلةً من النساء وباقي الأفراد، ممن يعانون من اضطرابات الأكل قد يسعون للحصول على مساعدةٍ طبية ونفسية. لكن ما لا يعرفه هؤلاء، هو أن طلب المساعدة سيكون له أثرٌ إيجابي كبير على صحتهم، لأنه سيتضمن مجموعةً من المختصين في التغذية والعلاج النفسي والعقلي.

اتباع نظام غذائي صحي يحميكِ من اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين
اتباع نظام غذائي صحي يحميكِ من اضطرابات الأكل بعد سن الأربعين

مشوار الألف ميل يمكن دومًا البدء به بخطوةٍ واحدة، أو أكثر، تتمثل في اتباع بعض النصائح والإجراءات الغذائية والحياتية التي تضمن لكِ تخطَي مشكلات اضطرابات الأكل وتداعياتها على صحتكِ بالعموم.

وتلك النصائح تتمثل في نقاطٍ أربع أساسية هي:

1.     تبنَي نظام غذائي صحي ومتوازن؛ غني بالألياف والبروتين والخضروات والفاكهة الطازجة.

2.     ممارسة الرياضة بانتظام لتنشيط الدورة الدموية وتحسين المزاج.

3.     تجنب الأطعمة المصنعة وفائقة المعالجة والمشروبات الغازية والسكرية قدر الإمكان.

4.     اللجوء إلى الدعم النفسي أو العلاج السلوكي عند الحاجة القصوى.

في الختام؛ إذا كنتِ مرتابةً عزيزتي في إصابتكِ باضطراب الأكل أو تعرفين صديقةً لكِ تعاني من هذه الاضطرابات، لا تخشي من الحديث بصراحة مع الطبيب المختص في علاج مثل هذه المشكلات. كونه مُدرَب على تقييم وعلاج اضطرابات الأكل كما هو الحال في أي حالةٍ طبية أخرى، من دون الحكم الشخصي على الحالة.