قصة مريم القبيسي مع التصلَب المتعدد

خاص "هي" - المرأة الإماراتية مثالٌ للتمكين الذاتي: تعرفي على قصة مريم القبيسي مع التصلب المتعدد

جمانة الصباغ

المعاناة ليست مجرد ألمٍ جسدي أو نفسي أو فكري، بل هي بوابةٌ للتحول والنضج؛ وكم من أناسٍ خرجوا من معاناتهم بمزيدٍ من القوة والصلابة، أو تعايشوا معها بمنتهى التقبَل والرضا.

يقول جبران خليل جبران: "إن الألم الذي تحمله اليوم هو القوة التي ستقودك غدًا." أما فريدريك نيتشه، فيذهب إلى حد القول: "من يملك سببًا للعيش، يمكنه أن يتحمل أي كيف"؛ في حين يشرح باولو كويلو المعاناة بالقول: "الجراح هي الأماكن التي يدخل منها النور."

مريم القبيسي هي مثالٌ حي للإرادة وحب الذات والحياة، بالرغم من إصابتها بالتصلب المتعدد.. إبنة 29 عامًا من دولة الإمارات، التي تعيش مع هذا المرض منذ أكثر من عقد. تواجه تحديات التصلب المتعدد الذي هاجمها وأصاب قدرتها على الحركة، بعزمٍ لا يلين، وتفاؤلٍ يجعلها أكثر قوة وقدرة على تحقيق أهدافها وأحلامها. نتعرف منها اليوم، وبمناسبة يوم المرأة الإماراتية؛ على تجربتها الخاصة مع هذا المرض، وكيف أنها من خلال التمكين الذاتي والمساعدة الطبية والشخصية، نجحت في تحويل رحلتها الشخصية إلى قصةٍ قوية من المرونة والدعوة.

حوَلت مريم رحلتها الشخصية إلى قصةٍ من الشجاعة وتمثيل مجتمع التصلَب المتعدد على المسارح العالمية
حوَلت مريم رحلتها الشخصية إلى قصةٍ من الشجاعة وتمثيل مجتمع التصلَب المتعدد على المسارح العالمية

قصة التمكين الذاتي: رحلة مريم القبيسي مع التصلَب المتعدد

تعيش مريم القبيسي سفيرة التصلَب المتعدد الإماراتية ذات الــ 29 عامًا، مع التصلب المتعدد لأكثر من عقد. إذ تمَ تشخيصها لأول مرة في سن 17 عامًا، وحوَلت مريم رحلتها الشخصية إلى قصةٍ من الشجاعة وتمثيل مجتمع التصلَب المتعدد على المسارح العالمية، بما في ذلك الأمم المتحدة في نيويورك.

بدأت قصة مريم في عام 2013، خلال سنوات دراستها الثانوية. وتتذكر تلك التجربة بالقول: "كان عمري 17 عامًا عندما تمَ تشخيص إصابتي بالتصلَب المتعدد لأول مرة. خلال اليوم الرياضي في المدرسة الثانوية، شعرتُ أن هناك ثقلًا في جسدي؛ شعرت بثقل قدميَ، وكنتُ أسحبهما، وكان توازني مختلًا." في ذلك الوقت، تجاهلت مريم الأمر باعتباره مجرد ارهاق، لكن الأعراض استمرت في إزعاجها. وبعد فترةٍ وجيزة من تخرجها، سافرت إلى المملكة المتحدة لقضاء عطلة؛ وذات صباح خلال عطلتها، استيقظت غير قادرةً على الحركة، وتمَ نقلها إلى غرفة الطوارئ حيث بدأ الأطباء سلسلةً من الاختبارات.

لم يكن الطريق إلى التشخيص الدقيق سهلًا، تشرح مريم: "استغرق الأمرُ بضع سنوات لتلقَي التشخيص الصحيح نظرًا لوجود أربعة أنواعٍ مختلفة من التصلب المتعدد. وحين تمَ تشخيصي بشكلٍ صحيح وإعطائي الدواء المناسب، بدأت رحلتي مع التصلب المتعدد."

كان تلقَي التشخيص في مثل هذه السن المبكرة أمرًا مُربكًا. ومع قلة المعرفة الدقيقة المتاحة عن التصلَب المتعدد في ذلك الوقت، كافحت مريم وعائلتها لفهم الشكل الذي قد يبدو عليه مستقبلها.

قبل تجربتها الخاصة، كانت مريم تعرف القليل جدًا عن التصلَب المتعدد من كتاب علم الاجتماع في المدرسة الثانوية. وتتذكر قائلةً: "لقد احتوت فقط على معلوماتٍ أساسية للغاية. لم يكن هناك شيءٌ حول كيفية تأثير المرض على الصحة النفسية ولم أكن أعرف ما هو المتوقع."

مريم القبيسي هي مثالٌ حي للإرادة وحب الذات والحياة
مريم القبيسي هي مثالٌ حي للإرادة وحب الذات والحياة

بمرور الوقت، بدأت مريم استيعاب أن صحتها النفسية لا تقلَ أهمية عن صحتها البدنية لإدارة حالتها. وتقول: "أهم نصيحة يمكنني تقديمها هي أن الصحة النفسية تلعب دورًا رئيسيًا في إدارة صحتكِ وحالتكِ." بالنسبة لمريم؛ فإن التعايش مع التصلَب المتعدد يعني بناء حياةٍ متوازنة بين العلاجات وخيارات نمط الحياة والإيجابية، وتؤكد أن "تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة ضروريان للحفاظ على الحركة. لا تتوقفي أبدًا عن فعل ما تحبين وأحيطي نفسكِ دائمًا بالإيجابية. يمكن للعائلة والأصدقاء أيضًا أن يلعبوا دورًا مهمًا في رفاهيتكِ."

على الرغم من التحديات، لم تسمح مريم أبدًا لمرضها بالحد من أحلامها. ومع تقدم حالتها، بدأت في استخدام كرسي متحرك، لكنها تواصل السفر على نطاقٍ واسع واغتنام الفرص التي تأتي في طريقها. وتقول بتصميم: "لا أسمح للتصلَب المتعدد بأن يحدَني - وأتحداهُ من خلال السفر إلى كل مكان يمكنني زيارته."

أصبحت مريم أيضًا مناصرة شغوفة للشراكة الشاملة لذوي الإعاقة والصحة النفسية، وهي تؤمن إيمانًا راسخًا بأن هذه ركائز أساسية لرحلة التصلَب المتعدد، وقد كرَست نفسها لزيادة الوعي حول هذا المرض. في يونيو 2025، مثَلت مريم مجتمع التصلَب المتعدد في الدولة على الساحة العالمية من خلال مشاركتها في جلسةٍ عُقدت على هامش مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بعنوان "تمكين التنمية الشاملة من خلال العمل والشراكة الشاملة لذوي الإعاقة"، والتي أُقيمت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

شاركت مريم قصتها المؤثرة مع التصلَب المتعدد من خلال مداخلةٍ بعنوان "رحلةٌ ذاتية نحو التمكين"، داعيةً إلى مستقبلٍ أكثر دمجًا، وإتاحة، بالإستناد إلى تجارب أصحاب الخبرة الحياتية. وقد نُظَم الحدث بالتعاون مع البعثة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للتأهيل، وتمَ بثه عبر المنصات الرقمية التابعة للأمم المتحدة.

مريم القبيسي: سفيرة التصلَب المتعدد

ريم القبيسي سفيرة الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد في الإمارات
ريم القبيسي سفيرة الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد في الإمارات

كما تدعم مريم بشدة المبادرات الوطنية التي تنفَذها الجمعية الوطنية للتصلَب المتعدد كسفيرة لهذا المرض، وتقول: "أعيشُ مع مرض التصلَب المتعدد منذ 11 عامًا، وما زلتُ ألتقي بأناسٍ لا يعرفون ما هو."

ترى إبنة الإمارات ذات 29 عامًا أن الجهود التي يقودها المجتمع المحلي، ضروريةٌ لبناء الفهم والدعم للأشخاص المتعايشين مع التصلَب المتعدد. وتضيف: "لقد قدمت الجمعية الوطنية الكثير للمجتمع. أنا ممتنةٌ جدا للعمل الذي أنجزوه منذ إنشائهم، ونحن بحاجةٍ إلى المزيد من المنصات المشابهة لرفع مستوى الوعي وبناء مجتمعٍ دامج." من بين المبادرات المهمة التي شاركت فيها مريم، برنامج الابتكار لدعم الدمج الذي يُركَز على زيادة الوعي بين الشباب وتطوير تصاميم دامجة للتحديات التي يواجهها المتعايشون مع التصلَب المتعدد والحالات المُزمنة الأخرى. وقد انضمت إلى البرنامج لتسليط الضوء على التحديات التي يواجهها المتعايشون مع المرض، عندما لا يتمَ تصميم العالم من حولهم مع وضعهم في الاعتبار، داعيةً إلى أهمية وجود حلولٍ مشتركة يجب ان تُناقش مع أصحاب الهمم.

في يوم المرأة الإماراتية، فإن قصة مريم القبيسي هي قصةٌ عن الشجاعة والدعوة والإيجابية؛ وتواصل الشابة الإماراتية مناصرة قريناتها وأقرانها من أجل مستقبلٍ أفضل للمتعايشين مع التصلَب المتعدد ودعمهم وتمكينهم لعيش حياةٍ مليئة بالأمل والإيجابية.

المعاناة تفتح في النفس نوافذ لم تكن تُرى إلا في العتمة؛ ومهما ضاقت بنا الحياة، وكثرت الضغوطات، علينا دومًا تذكّر أن الذهب يُصقل بالنار، وأن المعاناة لا تسرق منا القوة، بل تكشف عن بواطنها.