
هرمون الدوبامين: الوقود الخفي لتحسين حالتكِ النفسية بأساليب فعالة
هل تعلّمين أنكِ تمتلكّين وقودًا داخليًا يمنحكِ شعورًا بالمتعة والتحفيز والإنجاز؛ ويدفعكِ للنهوض صباحًا بشغف، ويجعل المهام الصغيرة تبدو ممتعة، ويضيء يومكِ بإحساسٍ من الرضا؟. إنه الدوبامين، القوة الخفية للسعادة والتحفيز.
فإذا كنتِ تشعرين بأنكِ عالقة في روتين ممل، وتبحثين عن دفعة طاقة نفسية طبيعية تعيد لك شغفكِ ونشاطكِ؛ فأنا معكِ اليوم لأكشف لكِ عن أسرار علمية وأساليب فعالة ستشعل شرارتكِ الداخلية، وستغير كيمياء دماغكِ نحو الأفضل.
من هذا المنطلق، سأطلعكِ عبر موقع "هي" على دليلًا شاملًا لتحفيز هرمون السعادة وتحسين حالتكِ النفسية، بناءً على توصيات استشارية التغذية العلاجية الدكتورة مريم جمال لوقا من القاهرة.
ما هو هرمون الدوبامين؟

ووفقًا للدكتورة مريم، الدوبامين هو ناقل عصبي (Neurotransmitter)، أي أنه مادة كيميائية تُفرز في الدماغ وتنقل الإشارات بين الخلايا العصبية (العُصيّات). وعلى الرغم من أن الكثيرين يشيرون إليه بشكل شائع على أنه "هرمون السعادة"، إلا أن هذه التسمية مبسطة جدًا ولا تعكس دوره الحقيقي والمعقد.ببساطة، يمكن اعتبار الدوبامين قوة خفية تلعب دورًا رئيسيًا في العديد من الوظائف الجسدية والنفسية.
ماذا عن الوظائف الرئيسية للدوبامين؟
وتابعت دكتورة مريم، لا يقتصر دور الدوبامين على إحداث الشعور بالسعادة فقط، بل يتعداه إلى وظائف حيوية أخرى، أبرزها:
المكافأة والتحفيز
هذا هو الدور الأشهر. إذ يُفرز الدوبامين عند القيام بأشياء ممتعة أو مُرضية مثل "الأكل، الشرب، ممارسة الرياضة، أو التفاعل الاجتماعي الإيجابي". هذا الإفراز يُشجع على تكرار هذا السلوك بحثًا عن المكافأة. فهو لا يخلق المتعة بحد ذاتها بقدر ما يخلق التوقع والرغبة في الحصول عليها.
الحركة والتنسيق
ينتج الدوبامين في منطقة من الدماغ تسمى المادة السوداء (SubstantiaNigra)، وهو ضروري للتحكم في الحركة الإرادية وتناسقها. علمًا أن "مرض باركنسون" ينتج بشكل رئيسي عن تلف الخلايا المنتجة للدوبامين في هذه المنطقة، مما يؤدي إلى أعراض مثل "الرعشة، تصلب العضلات، وبطء الحركة".
الانتباه والإدراك
يلعب الدوبامين دورًا مهمًا في تنظيم الوظائف الإدراكية مثل "التركيز، الانتباه، الذاكرة العاملة، وحل المشكلات". وبالتالي تؤثر اضطرابات مستوياته في قشرة الفص الجبهي على هذه القدرات.
المزاج والعاطفة
ترتبط المستويات المتوازنة من الدوبامين بمشاعر الرفاهية واليقظة. بينما ترتبط مستوياته المنخفضة جدًا بالاكتئاب، فقدان الاهتمام، وانعدام التلذذ (Anhedonia) وهو عدم القدرة على الشعور بالمتعة.
وظائف أخرى لا تقل أهمية
يشارك الدوبامين أيضًا في تنظيم: "النوم، التعلم، وظائف الكلى والقلب والأوعية الدموية".
كيف يعمل هرمون الدوبامين؟
وأضافت دكتورة مريم، عندما تقوم بعمل مُرضٍ مثل (تناول قطعة من الشوكولاتة)، يتم إطلاق الدوبامين من خلية عصبية. ثم ينتقل عبر المشبك (الفجوة بين الخلايا العصبية) ويرتبط بمستقبلات خاصة به على الخلية العصبية المجاورة. لينقل الإشارة العصبية التي تخلق شعورًا بالمكافأة والتحفيز. ثم يعاد امتصاص الدوبامين الزائد مرة أخرى إلى الخلية الأولى لعملية تسمى "إعادة الامتصاص" لإيقاف التأثير.
ما هي أسباب ارتفاع أو انخفاض الدوبامين؟
أوضحت دكتورة مريم، أن ارتفاعه أو انخفاضه مرتبط بالأسباب التالية:
ارتفاع الدوبامين
يمكن أن تؤدي بعض الأنشطة أو المواد إلى إفراز كميات كبيرة من الدوبامين بشكل غير طبيعي، مثل:
- تزيد المخدرات (الكوكايين، الأمفيتامينات، النيكوتين) من مستويات الدوبامين بشكل كبير وسريع، مما يؤدي إلى الإدمان حيث يعتمد الدماغ على هذه المستويات المرتفعة بشكل مصطنع.
- المقامرة أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل قهري.
- الذهان أو انفصام الشخصية (الفصام) حيث ترتبط المستويات المرتفعة جدًا في بعض مسارات الدماغ بالهلوسة والأوهام.
انخفاض الدوبامين
ترتبط المستويات المنخفضة بعدة حالات، أبرزها:
- مرض باركنسون (كما ذكرنا سابقًا).
- الاكتئاب (خاصة الاكتئاب المصحوب بالخمول ونقص الطاقة).
- متلازمة تململ الساقين.
- فقدان الاهتمام والدافع في المهام اليومية.
كيف يمكن تحفيز هرمون الدوبامين لتحسين الحالة النفسية؟

أشارت دكتورة مريم، إلى أن تحفيز الدوبامين بشكل طبيعي هو المفتاح الرئيسي لتحسين المزاج وزيادة الدافع والطاقة من خلال الأساليب الفعالة التالية:
النشاط البدني والتمارين الرياضية
التمارين هي واحدة من أكثر الطرق فعالية لتعزيز الدوبامين؛ إذ تزيد من إنتاجه، وتطلق الإندورفينات، مما يحسن المزاج فورًا وعلى المدى الطويل.وهنا لن نحتاج إلى تمارين مكثفة، لأن المشي السريع، الركض، ركوب الدراجة، اليوغا، أو الرقص لمدة 30 دقيقة معظم أيام الأسبوع كافية لتحفيز نظام المكافأة في الدماغ.
النظام الغذائي المتوازن
بما أن ما نأكله يؤثر مباشرة على كيمياء الدماغ، فإن الأطعمة الغنية بالتيروسين "هو الحمض الأميني الذي يُبنى منه الدوبامين" ستكون الأفضل وأهمها:
- البروتينات: اللحوم الحمراء الخالية من الدهون، الدجاج، الأسماك (السلمون والتونة)، البيض.
- البقوليات: الفول، العدس، فول الصويا.
- المكسرات والبذور: اللوز، بذور اليقطين، بذور السمسم.
- منتجات الألبان: الجبن، الحليب.
- تجنب السكريات والدهون غير الصحية، لأنها تُعطينا دفعة سريعة من الدوبامين يتبعها انهيار حاد، مما قد يؤدي إلى حلقة مفرغة من الرغبة الشديدة والمزاج المتدني.
الحصول على قسط كافٍ من النوم
تُعطل قلة النوم توازن النواقل العصبية، بما في ذلك الدوبامين. وبالتالي النوم الجيد سيُساعد على تنظيم مستقبلاته في الدماغ. لذا، يُفضل النوم المتواصل الليلي "7- 8" ساعات باستمرار وجعل الغرفة مظلمة وهادئة.
الاستماع إلى الموسيقى
يُحفز الاستماع إلى الموسيقى إطلاق الدوبامين في الدماغ، تمامًا كما يحدث عند تناول الطعام اللذيذ أو مشاهدة شيء جميل. لذا، يُفضل تحضير قائمة أغاني ترفع من المعنويات للاستماع إليها عند الشعور بالحاجة إلى دفعة نفسية.
ممارسة التأمل واليقظة الذهنية
يزيد التأمل من إنتاج الدوبامين بشكل طبيعي. فهو يقلل من التوتر (الكورتيزول الذي يعطل الدوبامين) ويساعد في إعادة ضبط الدماغ. علمًا أن جلسة تأمل قصيرة يوميًا (حتى 10 دقائق) يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا.
التعرض لأشعة الشمس
يُحفز الضوء الطبيعي إفراز الدوبامين والسيروتونين (ناقل عصبي آخر للمزاج). وبالتالي المشي في الشمس في الصباح الباكر أو بعد العصر لمدة15- 3- دقيقة، أو يمكن للجلوس قرب نافذة مضيئة سيكون حل مثالي لتعزيز إفرازه بشكل طبيعي.
تحقيق الأهداف الصغيرة (وضع القوائم وإنجاز المهام)
بما أن الدماغ يكافئنا بجرعة صغيرة من الدوبامين في كل مرة نحقق فيها هدفًا، مهما كان صغيرًا؛ فإن تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام صغيرة جدًا، ووضع قائمة مهام يومية سيُعطي إحساسًا بالإنجاز ويحفز الدوبامين.
التواصل الاجتماعي والروابط الإيجابية
تُحفز التفاعلات الاجتماعية الإيجابية (الضحك، المحادثة الودية، العناق) إفراز الأوكسيتوسين والدوبامين، مما يشعرنا ذلك بالسعادة والانتماء؛ وهنا يُفضل اختيار العلاقات التي تشعرنا بالطاقة والإيجابية.
تجربة أشياء جديدة ومثيرة
يُنشط القيام بأنشطة جديدة ومثيرة مثل (تعزيز مهارة جديدة، السفر إلى مكان جديد، أو حتى اختيار طريق مختلف للعمل) نظام الدوبامين.
المكملات الغذائية
يجب ألا نتناول أي مكملات من دون استشارة الطبيب، لأن الجرعات الخاطئة أو التفاعلات مع أدوية أخرى يمكن أن تكون ضارة.

وأخيرًا، التركيز على بناء عادات يومية صغيرة ومستدامة مثل (الرياضة، النوم، والتغذية) هو الأفضل لرفع مستويات الدوبامين بشكل متوازن وصحي، مما يؤدي ذلك إلى تحسن مستقر ودائم في الحالة النفسية والدافع العام.