
من الصيف للشتاء: تغيَرات موسمية تؤثر على مناعتكِ.. واستراتيجيات التقوية بالغذاء
ها هي المدارس عادت لاستئناف نشاطها التعليمي بعد انقضاء إجازة الصيف، سواء في المدارس أو الجامعات والمعاهد وغيرها؛ وكذلك الأمر بالنسبة للكثيرين من الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية والخاصة، ممن رجعوا لمزاولة عملهم من جديد بعد العودة من السفر أو انتهاء عطلتهم الصيفية.
الجميع يتحضَر لموسم الدراسة والعمل من جديد، وفي خضم هذه التحضيرات كلها، تبقى مسألةٌ مهمة يغفل عنها البعض: التحضَر لموسمي الخريف والشتاء، وما يحملان من تغيَرات مناخية يمكن أن تؤثر على صحة الإنسان ورفاهه.
يقف جهاز المناعة في الجسم كسدٍ منيع في مواجهة الأمراض الموسمية التي عادةً ما ترتبط بتبدَل وتغيَر المواسم؛ لكنه كباقي أعضاء وأجهزة الجسم الأخرى، قد يعتريه بعض الضعف أو الخلل ما يجعله غير قادرٍ على حمايتنا بشكلٍ كبير وفعال. الأسباب وراء ضعف المناعة عديدة ومتشعبة، بعضها بسيط يتطلب بعض الإجراءات الاحترازية، وبعضها الآخر يحتاج لاستشارةٍ طبيب لتشخيص المشكلة من أساسها وعلاجها بالطرق الممكنة والمناسبة.

لمعرفة كيفية تأثير التغيرات الموسمية على جهاز المناعة، وكيف لهذه المتغيرات أن تزيد من خطر إصابتنا بالعدوى الموسمية؛ وكذلك لتعزيز مناعة الجسم طوال المواسم. تحدثنا إلى الدكتور وائل برو، استشاري طب الأسرة من مجموعة مستشفيات الإمارات https://emirateshospitals.ae/، الذي قدم لنا تفصيلاتٍ ومعلومات قيَمة نشارككِ بها عزيزتي اليوم، كي تحظي ببدايةٍ موفقة في الدراسة والعمل دون أمراضٍ مزعجة. بدايتها مع تعريف ما هو جهاز المناعة ودوره في الجسم..
ما هي وظيفة جهاز المناعة في الجسم؟
يُعدَ جهاز المناعة، خط الدفاع الأول في جسم الإنسان ضد مختلف مُسببات الأمراض، من فيروسات وبكتيريا وفطريات وطفيليات. إلا أن هذا الجهاز، ورغم قوته، فإنه قد يتأثر بالظروف البيئية والمُناخية التي تحيط بنا. فالتغيَرات الموسمية بين صيف وشتاء وربيع وخريف لا تعني مجرد تغيّرٍ في درجات الحرارة أو ساعات النهار؛ بل ترتبط بشكلٍ وثيق بقدرة أجسامنا على مقاومة العدوى. هذه العدوى التي قد تجعلنا فريسة المرض والاعتلال الجسدي والنفسي، والتي قد تُعيق قدرتنا على الحركة والعمل وإنجاز الأعمال، صغيرةً كانت أم كبيرة.
ومع كل فصلٍ من فصول السنة، يواجه الجهاز المناعي تحدياتٍ جديدة؛ تبدأ من برودة الشتاء وما يرافقها من فيروساتٍ تنفسية، مرورًا بحبوب اللقاح في الربيع، وصولًا إلى الحر الشديد في الصيف وبعدها تقلبات الخريف التي لا تتوقف.
ما العلاقة بين الجهاز المناعي والتغيَرات البيئية؟
يتأثر جهازنا المناعي بعدة عوامل خارجية، تتغير وتتبدل مع الفصول؛ منها:
1. درجة الحرارة: فالبرودة تُضعف تدفق الدم إلى الأغشية المخاطية، فيما يؤدي الحر الشديد إلى فقدان السوائل والجفاف.
2. الرطوبة: انخفاضها في الشتاء يضرَ ببطانة الجهاز التنفسي، وارتفاعها في الصيف يُهيئ بيئةً خصبة لنمو البكتيريا والفطريات.
3. التعرض للشمس: المصدر الأهم لفيتامين D، أحد الفيتامينات الأساسية لتقوية المناعة. إلا أن قلة التعرض للشمس في الشتاء قد تُضعف مناعة الجسم.
4. نمط الحياة: تؤثر الفصول المختلفة على دورة الحياة ككل؛ مثل النوم، النشاط البدني، وحتى النظام الغذائي، ما ينعكس مباشرةً على كفاءة الجهاز المناعي.
كيف يتأثر جهاز المناعة بالتغيَرات الموسمية؟
للوقوف أكثر على التغييرات التي يعانيها الجهاز المناعي في كل موسم، أفادنا الدكتور برو بالمعطيات الآتية:
• الشتاء: موسم نزلات البرد والإنفلونزا
يُعتبر الشتاء الموسم الأصعب على جهاز المناعة؛ إذ يتسبب الهواء البارد في تضييق الأوعية الدموية في الأنف والحلق، ما يُقلَل من وصول الخلايا المناعية إلى هذه المناطق. كما أن الجفاف الناتج عن انخفاض الرطوبة يُضعف الغشاء المخاطي، الذي يعمل كحاجزٍ طبيعي ضد الجراثيم؛ ويزيد الازدحام في الأماكن المغلقة مثل المدارس والمكاتب من انتقال الفيروسات بسرعة بين الأفراد.
وأوضحت دراساتٌ نشرتها مجلة Nature أن فيروسات مثل الإنفلونزا وفيروس كورونا، قادرةٌ على البقاء نشطة لفترةٍ أطول في درجات الحرارة المنخفضة، مما يفسر انتشارها الواسع في الشتاء.
• الربيع: الحساسية تُضعف المناعة
على الرغم من أن الربيع يُنظر إليه على أنه موسم الانتعاش، إلا أنه قد يكون مزعجًا لمرضى الحساسية. فحبوب اللقاح والغبار الشائعة خلال هذا الموسم، تُنشَط الجهاز المناعي بشكلٍ مفرط، ما يؤدي إلى أعراضٍ متفاوتة مثل العطس والحكة واحتقان الأنف. هذه الاستجابة المُفرطة تستنزف جزءًا من طاقة جهاز المناعة، يصبح أقل قدرةً على مقاومة العدوى الأخرى.
إضافةً إلى ذلك، فإن الحكة والالتهابات في العينين والأنف قد تفتح منافذ لدخول البكتيريا والفيروسات الثانوية.

• الصيف: الحرارة والرطوبة ومخاطر العدوى
قد يُقلَل الصيف من انتشار الفيروسات التنفسية، لكنه يفتح الباب لمشاكل أخرى؛ مثل التسمم الغذائي. فارتفاع الحرارة والرطوبة خلال هذا الموسم يُسرّع نمو البكتيريا في الأطعمة، ما يزيد من حالات الإسهال والنزلات المعوية. فضلًا عن مشكلة الجفاف، وفقدان السوائل عبر التعرق الذي يؤدي إلى ضعف الدورة الدموية، وبالتالي تقليل وصول الخلايا المناعية إلى مختلف أجزاء الجسم.
أشعة الشمس خلال الصيف ورغم فوائدها، إلا أن التعرض المُفرط لها قد يُسبَب حروق الجلد ويُضعف المناعة الموضعية، ما يجعل الجلد أكثر عرضةً للالتهابات.
• الخريف: موسم التحوَل وتقلَب المناعة
الخريف هو الفصل الانتقالي الذي يُربك بحق جهاز المناعة؛ فالتقلبات المفاجئة في الطقس بين أيامٍ دافئة وأخرى باردة، تجعل الجسم أقل قدرةً على التكيَف السريع. كما أن انخفاض ساعات النهار يُقلَل من التعرض لأشعة الشمس، وبالتالي ينخفض مستوى فيتامين D في الجسم.
يشهد موسم الخريف زيادة نشاط الفيروسات؛ إذ مع انخفاض الحرارة تدريجيًا، تبدأ الفيروسات التنفسية في الانتشار قبل ذروة الشتاء.
ما العوامل المشتركة التي تزيد من ضعف المناعة؟
خلال جميع الفصول، هناك عوامل تجعل الجسم أكثر عرضةً للعدوى، يوردها لنا استشاري طب الأسرة من مجموعة مستشفيات الإمارات كالآتي:
1. قلة النوم، خصوصًا مع تغيَر ساعات الليل والنهار.
2. سوء التغذية، ومنها الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة في الشتاء أو المُثلجات في الصيف.
3. التوتر النفسي المرتبط بالدراسة أو العمل أو حتى العطل الموسمية.
4. انخفاض النشاط البدني خلال الفصول شديدة البرودة أو شديدة الحرارة.
كل ما تقدم، يؤكد لنا فيما لا يقبل الشك، أهمية تعزيز مناعة وقوة الجهاز المناعي في أجسامنا، خاصةً مع قرب انتهاء الصيف وحلول فصل الصيف.
كيف؟ الإجابة في السطور التالية..
كيف نُعزَز جهاز المناعة عبر المواسم؟
تعزيز المناعة هو حجر الأساس للوقاية من الأمراض، التعافي من المشاكل الصحية، والارتقاء بجودة الحياة على كافة المستويات وللجميع على حد سواء.
لذا فإن اتباع نصائح الدكتور برو الآتية يضمن لكِ مناعةً قوية وصحةً أفضل:
. 1 التغذية السليمة
• الإكثار من الخضار والفواكه الغنية بالفيتامينات والمعادن. مع التركيز على الأطعمة الغنية بفيتامين C (كالحمضيات) وفيتامين D (الأسماك الدهنية والبيض).
• تناول المكسرات والبقوليات: لاحتوائها على الزنك والسيلينيوم، وهما عنصران مهمان لوظائف المناعة.
• شرب 2–3 لترات من الماء يوميًا للحفاظ على ترطيب الجسم.
. 2 أسلوب الحياة
• ممارسة الرياضة بانتظام، حتى المشي نصف ساعة يوميًا يكفي لتنشيط المناعة.
• النوم الجيد من 7–8 ساعات يوميًا، إذ إن قلة النوم تُضعف الاستجابة المناعية (تذكري ذلك في المرة القادمة التي تجدين نفسكِ منشغلةً بتصفَح هاتفكِ الجوال في السرير عوضًا عن الخلود للنوم).
• تقليل التوتر عبر ممارسة التأمل أو الأنشطة الاجتماعية الممتعة.
. 3 الوقاية
• غسل اليدين بانتظام خاصةً خلال فصلي الشتاء والخريف، للتخلص من الفيروسات والبكتيريا قدر الإمكان.
• الحصول على التطعيمات الموسمية مثل لقاح الإنفلونزا.
• ارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة عند انتشار العدوى.
• تهوئة المنازل جيدًا لتقليل تراكم الميكروبات.
في الختام؛ فإن التغيَرات الموسمية ليست مجرد تفاصيل مناخية عابرة، بل هي عوامل تؤثر بشكلٍ مباشر على كفاءة جهاز المناعة وصحة الإنسان. ومن المهم أن نُدرك أن كل فصلٍ يحمل تحدياته الخاصة، وأن الاستعداد المسبق عبر اتبَاع نظامٍ غذائي صحي، ممارسة الرياضة، الحفاظ على النوم الكافي، والوقاية من العدوى، يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في حماية صحتنا وتعزيز رفاهنا.
جهاز المناعة هو المرآة التي تعكس توازننا مع البيئة المحيطة؛ وكلما كنا أكثر وعيًا بكيفية دعمه عبر المواسم، أصبحنا أكثر قدرة على مواجهة العدوى والحفاظ على صحتنا قوية ومستقرة طوال العام.