
جيل زد وفرط تناول البروتين: متى تتحول الفائدة إلى ضرر؟
يمتاز جيل زد Gen Z بالعديد من المزايا الخاصة به؛ هذا الجيل المعروف أيضًا بـ"الجيل الرقمي الأصلي"، يتمتع بمجموعة من المميزات التي تجعله فريداً في المشهد الاجتماعي والتقني والمهني وحتى الصحي.
إذ نجده أكثر إلمامًا بالأمور الصحية التي غالبًا ما كنا نبدأ بسبر أغوارها، في عمرٍ متقدم؛ وتساعدهم التقنيات الحديثة مثل منصات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية في التقدم علينا بأشواط في هذا المجال. فهم أكثر معرفةً بالصحة البدنية والعقلية، يهتمون كثيرًا بالتغذية واللياقة (مثلًا، الرياضة كهوية: لا تُمارس الرياضة فقط لأجل الشكل، بل كجزءٍ من نمط حياةٍ متكامل يعكس الانضباط والرفاهية)، يسعون لاختياراتٍ غذائية صحية وواعية، لديهم وعيٌ مبكر بالصحة النفسية، يستخدمون التكنولوجيا الصحية مثل تطبيقات الصحة الشخصية والطب الوقائي الرقمي، ويُبدون حسًا اجتماعيًا وبيئيًا كبيرًا في مجالات الصحة.
يشهد هذا الجيل تحولاً لافتاً في علاقته مع البروتين؛ ليس فقط كمُغذٍ أساسي، بل كرمزٍ للهوية الصحية والرفاهية. ووفقًا لتقريرٍ منشور على موقع "العربية.نت"، فقد تحوّلت مشروبات البروتين إلى رموزٍ مكانة اجتماعية بين شباب جيل زد، تُعرض في النوادي الراقية، وتُوثّق على وسائل التواصل كما تُوثّق الحقائب الفاخرة. حتى أن بعض العلامات التجارية تُروّج لمشروباتها كبروتين "إيف سان لوران"، في إشارةٍ إلى أن اختيار البروتين بات تعبيرًا عن الذوق والوعي الذاتي.
واقع استهلاك البروتين الزائد من قبل جيل زد، تُعزَزه دوافع عدة؛ منها دافع الصحة واللياقة، إذ أن جيل زد يُعدَ أكثر وعيًا بأهمية التغذية في دعم الأداء الذهني والجسدي، خاصةً في ظل نمط حياةٍ سريع ومليء بالشاشات. ناهيكِ عن الترندات الرقمية التي تغزو منصات التواصل الاجتماعي يوميًا والتي يتهافت عليهم المراهقون والشباب؛ مثل تحدي "6 بيضات بـ6 طرق" على تيك توك، والذي يُروّج لوجباتٍ خفيفة عالية البروتين وبطريقة مرحة ومبتكرة. ولا ننسى مسألة الاستقلالية الغذائية التي يجنح نحوها كثيرون من هذا الجيل، إذ يعمدون إلى اختيار مكملاتهم بأنفسهم، ويبحثون عن منتجاتٍ "نظيفة"، نباتية، أو مدعومة علميًا.
كل ما سبق يبدو جميلًا وفي منتهى الروعة وحتى الكمال؛ لكن ماذا عن الجانب القاتم من هذا الموضوع؟ ماذا عن التحديات والمخاوف التي يُخفيها الإفراط في تناول البروتين من مصادره المتعددة؟ هذا ما سوف نستكشفه سويًا في موضوعنا اليوم..

لماذا يتهافت جيل زد على تناول البروتين بكثرة؟
المعروف أن البروتين ليس مجرد عنصرٍ غذائي فحسب، بل يمكن اعتباره "حجر الأساس في بناء وصيانة الجسم. فهو يعمل على بناء العضلات والعظام والجلد، إصلاح الخلايا التالفة في الجسم، ضروري لتطور نمو الأطفال والمراهقين، تصنيع الإنزيمات وإنتاج الهرمونات في الجسم، دعم الجهاز المناعي، نقل الأكسجين إلى الخلايا، تخزين العناصر الغذائية مثل الحديد، زيادة الشعور بالشبع وتحفيز الأيض، فضلًا عن دعم الصحة بشكلٍ عام.
بمعنى آخر، لا يمكن للجسم أن ينمو ويتطور ويعمل بصورةٍ متكاملة وصحيحة من دون البروتين؛ وعليه تبرز الحاجة للحصول عليه وبنسبٍ متفاوتة من عناصره الغذائية الحيوانية والنباتية. إلا أن الإفراط في تلك النسب، التي حددتها منظماتٌ صحية عالمية متعددة، يمكن أن يعكس هذه الفوائد الجمة إلى أضرار ومخاطر على صحتنا. وهو ما يفعله معظم جيل زد، للأسف، من خلال الإكثار من البروتين (غذاء، مكملات وفيتامينات) بهدف اكتساب العضلات.
نعم؛ إنها الغاية القصوى لمعظم المراهقين والشباب، ممن يطمحون لزيادة الكتلة العضلية في أجسامهم، والتباهي بالعضلات المفتولة بين أقرانهم. لكن الواقع الصحي والحياتي يتعارض مع هذه الرغبة؛ فأجسام معظم جيل زد لم تشهد النمو الكافي في هذه المرحلة بعد، والعضلات تتحقق من خلال التمرين الرياضي بشكلٍ خاص. كذلك فإن تناول مُكملات البروتين - وبإضافاتٍ قد تضر بالصحة - بنظر هذا الجيل، يمكن أن تُحسَن من صحتهم، فيما يرى المختصون عكس ذلك. منهم سارة كلارك، المديرة المشاركة لمؤسسة Mott Poll، وعالمة أبحاث بطب الأطفال في جامعة ميشيغان بآن أربور، التي تحدثت إلى موقع CNN الإخباري عن أنه "يمكن أن يؤدّي التسويق إلى اعتقاد الناس بأنّ كميةً أكبر من البروتين تعني أن المنتج أكثر صحة، لكن هذا ليس صحيحًا بالضرورة. مضيفةً أنه "عوض ذلك، يمكن للأهل والمراهقين البحث عن منتجٍ أكثر توازناً يحتوي على بعض البروتين، إلى جانب العناصر الغذائية الرئيسية الأخرى والألياف، لكن مع القليل جدا (أو من دون) السكر المضاف أو الكافيين."
وكان مستشفى الأطفال سي إس موت، أجرى في العام الماضي استطلاعًا وطنيًا للرأي، للوقوف على استهلاك المراهقين لمكملات البروتين الرائجة في الأسواق. ليتبين من خلال النتائج، أن 2 من كل 5 أهالي اعترفوا بتناول أطفالهم المراهقين لمكملات البروتين في العام 2023؛ وجاءت نسبة الذكور للأناث أعلى من حيث المعدل، أو في معظم الأيام مقارنة بالفتيات المراهقات.
وبين 46% من المراهقين الذين تناولوا مكملات البروتين في العام الماضي، أفاد أكثر من نصف عدد الأهل أنهم أقدموا على شراء تلك المكملات لأولادهم بغية "اكتساب العضلات"؛ فيما كان الهدف لحوالي 36% من الفتيات المراهقات اللاتي استهلكن ذات النوع من مكملات البروتين، ووفقًا لأهاليهنَ، فقدان الوزن أو بديل لوجبةٍ غذائية. كما أفاد نحو 1 من كل 5 من الأهل أنّ أولادهم المراهقين لا يتناولون ما يكفي من البروتين.
إذن؛ خسارة الوزن واكتساب العضلات والظهور ب "مظهرٍ جيد" أمام المجتمع، هي المعايير التي استند عليها جيل زد وأهاليهم، في استهلاك مكملات البروتين خلال العام الفائت. لكن السؤال المهم يُطرح هنا: هل المراهقون بحاجة لهذه المكملات؟
أجابت ديانا شني، وهي اختصاصية تغذية للأطفال في مستشفى كليفلاند كلينيك للأطفال في ولاية أوهايو الأمريكية، وغير المشاركة في الاستطلاع، على هذا السؤال بالتأكيد أنه يندر نُصح المراهقين بتناول مكملات البروتين. مشيرةً إلى أن أنّ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لا تقوم بتقييم مساحيق البروتين قبل طرحها في السوق، ما يعني أنّ المستخدمين قد يتعرّضون لموادٍ أخرى، مثل المنشّطات.
وتحتاج الفتيات المراهقات اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 14 و18 عامًا عادةً إلى 46 جرامًا يوميًا من البروتين، فيما يحتاج الشباب المراهقون ضمن الشريحة العمرية ذاتها إلى 52 جرامًا يوميًا، استنادًا إلى الكميات الغذائية الموصى بها.
وتُحذر أكاديمية التغذية وعلم التغذية الأمريكية إلى احتمالية تعرَض المستخدمين للبروتين بشكلٍ مفرط للعديد من المخاطر، فما هي هذه المخاطر؟
ما هي مخاطر فرط تناول البروتين؟

الجفاف هو الضرر الأول الذي يلحق بكل فرد، خاصةً المراهقين والشباب من جيل زد، جراء استهلاك البروتين (وبشكلٍ خاص مكملات البروتين) بصورةٍ مفرطة.
هذا الجفاف يستتبعه ضغطٌ شديد على الكلى، قد يؤدي إلى مشاكل صحية مثل إجهاد الكلى أو اضطرابات الهضم، خاصةً إذا ما تمَ دون إشراف طبي. تناول مكملات البروتين بكثرة قد ينتج عنه تشكَل حصوات الكلى بسبب زيادة إفراز الكالسيوم في البول؛ وتلف الكلى جراء إجهاد الكلى وزيادة خطر الفشل الكلوي، خاصةً عند تناول كميات كبيرة جدًا.
ومن الأضرار الأخرى الواجب الحذر منها:
• مشاكل هضمية عديدة مثل الإمساك والانتفاخ والغازات، بجانب عسر الهضم.
• مشاكل في الدم تتمثل بارتفاع حمض اليوريك وزيادة خطر الإصابة بالتهاب المفاصل والنقرس. تلف الكبد في الحالات الشديدة.
• هشاشة العظام بسبب زيادة فقدان الكالسيوم من العظام.
• فقدان الشهية.
• رائحة الفم الكريهة.
• جفاف وتقصف الشعر.
كما أن بعض منتجات مكملات البروتين، تعمل على تسويق "شكلٍ مبالغٍ فيه" للجسم بعد تناولها، ما يضع المرء أمام ضغطٍ نفسي شديد حيال "الصورة المثالية" لجسمه أو جسمها.
ما النصائح الواجب اتباعها لتجنب فرط تناول البروتين؟
لجيل زد آراؤه الخاصة وخياراته فيما يخص تغذيته ونوعية الأكل والتمرين الذي يحب، لكن للأهل دورٌ أيضًا في ترشيد هذه الخيارات والمساعدة على اتخاذ القرارات الصحية السليمة، لتجنب أية مضاعفات صحية في المستقبل القريب والبعيد.
لذا فإن دوركِ عزيزتي، كوالدة وأم، مساعدة بناتكِ وأبنائكِ من جيل زد الطموح والساعي لأفضل الأشياء في الحياة، كي يحصلوا على كفايتهم من البروتين كمصدرٍ غذائي أساسي لنمو وتطور وعمل أجسامهم.
وتنصح سارة كلارك، المديرة المشاركة لمؤسسة Mott Poll، وعالمة أبحاث بطب الأطفال في جامعة ميشيغان بآن أربور، باتباع النصائح التالية لتجنب الإفراط في تناول البروتين:

1. يُستحسن تناول البروتين على مدار اليوم، عوضًا عن استهلاكه دفعةً واحدة وضمن وجبةٍ واحدة فقط.
2. اختيار مجموعةٍ متنوعة من الأطعمة في المجموعات الغذائية الخمس الرئيسية، ضمنًا الفاكهة، والخضار، والألياف، ومنتجات الألبان للحصول على كمية كافية من البروتين، والكربوهيدرات، والدهون، والألياف والفيتامينات، والمعادن، والماء.
3. تتواجد 9 أحماض أمينية أساسية يجب على الناس تناولها بانتظام طوال اليوم. ويمكن العثور على هذه الأحماض في البروتينات الكاملة التي يتم الحصول عليها عادةً من الحيوانات، كما نجد القليل منها فقط في البروتينات غير الكاملة، التي تكون عادةً أطعمة نباتية.
4. ضرورة الالتزام بالكميات الموصى بها من البروتين يوميًا، والتي تختلف حسب العمر والنشاط البدني والحالة الصحية.
5. شرب كميةٍ كافية من الماء يوميًا، لضمان ترطيب الجسم والتخلص من فضلات البروتين.
6. استشارة أخصائية تغذية أو طبيب مختص، لمعرفة الكمية الموصى بها من البروتين كل يوم، أو لزيادة تلك الكميات، تجنبًا لأي مشكلاتٍ صحية.
في الخلاصة؛ فإن للبروتين دورٌ كبير ومحوري في صحتنا جميعًا، والأمر ذاته ينطبق على جيل زد من المراهقين والشباب، ممن يسعون إلى صحة مستدامة وأجسامٍ ممشوقة ومفتولة العضلات. لكن الإفراط في الكميات الموصى بها من البروتين لكل جنسٍ وعمر، قد يتسبب في مشكلاتٍ صحية أقلها الجفاف وأشدها حدةً تلف الكبد والكلى.
لذا من الأفضل دومًا استشارة المختصين حول الكمية الواجب تناولها من البروتين يوميًا، وتنويع مصادر بين الحيواني والنباتي، والابتعاد عن المكملات قدر الإمكان لأنها غير مناسبة قبل اكتمال نمو الجسم.