
حرارة الصيف ليست مجرد إزعاج: كيف نُخفَف مضاعفات موجة الحر الشديد
لا أسمعُ هذه الأيام سوى عبارةً واحدة: الطقس حارٌ جدًا؛ ليس فقط هنا في منطقة الخليج حيث أسكن، والمعروفة بطقسها الحار والرطب خلال أشهر الصيف اللاهبة، بل في العديد من الدول الأخرى مثل لبنان وسوريا المعروفة باعتدال مناخها، وحتى الدول الأوروبية التي وصلت الحرارة في بعضها إلى ما يقارب 40.
موجة الحر الحالية هي نتاج "القبة الحرارية" التي تتحدث عنها مراكز الأرصاد الجوي في الوقت الحالي؛ وهي مرتفعٌ جوي في طبقات الجو العليا تؤدي إلى تسخين الهواء وزيادة فترات سطوع الشمس، ناهيكِ عن ارتفاع معدلات الرطوبة الشائعة خلال هذا الفصل.
ماذا يعني ذلك؟ يعني الإصابة بالإرهاق والتعب، وصولًا إلى الإجهاد الحراري وحتى ضربة الشمس، في حال لم ننتبه للتدابير الوقائية التي تحمينا من هذه المشكلات ومضاعفاتها الخطيرة. هل تعرفين عزيزتي أن ضربة الشمس أخطر من الإجهاد الحراري، وأنها يمكن أن تؤدي مثلًا، إلى الوفاة؟
لهذا؛ من الضروري التحضَر لمواجهة موجة الحر الحالية، من خلال خطواتٍ بسيطة إنما فعالة؛ نتعرف عليها في مقالة اليوم. إنما أولًا، دعينا نُلقي الضوء على التداعيات الصحية للحر الشديد والرطوبة.
ماذا يحدث لجسمكِ في حالة موجة الحر الحالية؟
ليكن معلومًا لديكِ عزيزتي، أن الجميع دون استثناء، عرضةٌ لآثار الحر الشديد في حال لم تُتخذ إجراءاتٌ إحتياطية ووقائية، وليس فقط الأطفال الصغار أو المرضى أو كبار السن.
وتذكري أيضًا: الحر الشديد ليس مجرد إزعاجٍ صيفي، بل يمكن أن يُشكَل خطرًا حقيقيًا على صحتكِ، خصوصًا في ظل موجات الحرارة المتطرفة. إليكِ ما يحدث للجسم عندما ترتفع درجات الحرارة بشكلٍ كبير:
1. تنظيم الحرارة: يسعى جسمكِ جاهدًا، للحفاظ على درجة حرارته الطبيعية (حوالي 37°C) عبر توسيع الأوعية الدموية وزيادة التعرَق.
2. زيادة العبء على القلب: محاولة التكيَف هذه تضع ضغطًا إضافيًا على القلب، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وفقدان السوائل والأملاح من الجسم بصورةٍ تدريجية.
3. انخفاض الأداء الذهني: إذ تؤثر الحرارة على التركيز والوظائف الإدراكية وتُضعفها بشكلٍ ملحوظ.
4. الشعور بالضيق والانزعاج: خاصةً في الأجواء الرطبة التي تُعيق التعرق.
يمكن لبعض العوامل أو المُحفَزات، أن تزيد من حدة الحر الشديد على الصحة؛ منها على سبيل المثال، السُمنة التي تجعل الجسم يحتفظ بالمزيد من الحرارة بسبب الوزن الزائد، بعض الأدوية التي تحدَ من قدرة الجسم على الاحتفاظ بالرطوبة كأدوية القلب وارتفاع ضغط الدم، عدم قدرة بعض الفئات العمرية كالرُضع وكبار السن على تنظيم درجة حرارة أجسامهم، والتغيرات المفاجئة في درجة الحرارة كالانتقال بسرعة من مناخٍ بارد إلى مناخٍ دافئ والعكس صحيح.
ناهيكِ عن الرطوبة التي قليلًا ما يعيرها البعض منا الاهتمام اللازم، والتي للأسف قد تكون لها تداعياتٌ خطيرة على صحة القلب والعقل. كيف؟ إليكِ الإجابة في الفقرة التالية..
كيف تُهدَد الرطوبة العالية صحة القلب؟
الرطوبة العالية ليست مجرد شعورٍ مزعج باللزوجة والحرارة، بل إن لها تأثيرات صحية عميقة قد تكون خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح. وأبرز هذه التأثيرات:
1. التأثيرات الجسدية المباشرة
• الجفاف: في الأجواء الرطبة، يصعب على الجسم تبريد نفسه عبر التعرق، مما يزيد من خطر فقدان السوائل.
• الإرهاق والتعب العام: يشعر الإنسان بالخمول وانخفاض الطاقة نتيجة صعوبة تبخر العرق وارتفاع حرارة الجسم.
• التشنجات العضلية: بسبب فقدان الأملاح والسوائل من الجسم.
• الإنهاك الحراري والإغماء: قد تصل حرارة الجسم إلى مستوياتٍ خطيرة، مما يتسبب في الإنهاك الحراري أو حتى الإصابة بضربة شمس.
2. التأثيرات على الجهاز التنفسي
• زيادة أعراض الربو وCOPD: تُشجَع الرطوبة نمو العفن والبكتيريا، ما يُهيّج الرئتين ويزيد من السعال والصفير أثناء التنفس.
• تحرَر الغازات الضارة: مثل الفورمالدهيد من مواد البناء، مما يزيد من تلوث الهواء الداخلي.
3. التأثيرات القلبية والدورانية
• زيادة خطر النوبات القلبية: بسبب الضغط على الدورة الدموية وصعوبة تنظيم حرارة الجسم.
بالنسبة لهذه النقطة تحديدًا، تحدث الدكتور سدير الكِندي، طبيب القلب والمدير الطبي لمركز الصحة والطبيعة في مستشفى "هيوستن ميثوديست" إلى موقع "العربية.نت"؛ مشيرًا إلى أن الرطوبة المرتفعة تعيق قدرة الجسم على التبريد، مما يزيد من خطر الإصابة بالإجهاد الحراري، وضربات الشمس، وأمراض الجهاز التنفسي كالربو والحساسية، نظراً لتوفير بيئة خصبة لنمو العفن والعث والغبار، كما أسلفنا.
مشيرًا إلى ربط الدراسات الحديثة بين ارتفاع الرطوبة وزيادة أعداد المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك النوبات القلبية، واضطرابات نُظم القلب، والسكتات الدماغية. وأضاف: "عندما تترافق الرطوبة مع ارتفاع درجات الحرارة، يواجه الجسم صعوبةً أكبر في الحفاظ على توازن حرارته الداخلية، وهو ما يؤدي إلى إجهادٍ فسيولوجي مضاعف."
وشرح الكِندي لهذه العلاقة القوية بين الرطوبة وأمراض القلب، بالقول أن عملية التعرَق، وهي وسيلة الجسم لتنظيم الحرارة، تصبح أقل فعاليةً في أجواء مُشبعة بالرطوبة؛ حيث لا يتبخر العرق بسهولة، ما يؤدي إلى تراكمه على الجلد وزيادة الشعور بالإرهاق واللزوجة، وقد ينتهي الأمر بالجفاف أو حتى الإغماء في حال غياب الاحتياطات الوقائية. الأمر شديد الخطورة على أصحاب الأمراض المُزمنة بوجهٍ خاص، يؤكد الكِندي؛ إذ تؤدي الرطوبة إلى تسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، خاصةً لدى من يعانون من أمراضٍ مُزمنة أو يتناولون أدوية تؤثر على توازن السوائل في الجسم، وأضاف: "في الأيام الرطبة، يضطر القلب للعمل بجهد مضاعف، مما قد يزيد من خطر الإصابة بأزماتٍ قلبية."
وعليه ينبغي اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية المتاحة، لتقليل مخاطر الحر الشديد والرطوبة على عموم الناس، وعلى المرضى وكبار السن والأطفال بشكلٍ محدد؛ إليكِ بعض تلك التدابير من المختصين..
ما هي التدابير الوقائية للحد من مضاعفات موجة الحر الشديد؟
المؤكد أنه لا يمكننا التحكم بالمناخ، لكن اتخاذ بعض الاحتياطات البسيطة، بحسب الخبراء؛ يمكن أن يُقلَل كثيراً من آثار الرطوبة، ويُخفَض من احتمالية التعرض لمضاعفات صحية قد تكون خطيرة لحد الوفاة في بعض الحالات.
ينصح الدكتور الكِندي باتباع التدابير التالية، لتقليل مضاعفات موجة الحر الشديد وكذلك الرطوبة، في الوقت الحالي:
• متابعة مؤشرات الطقس والحرارة قبل التخطيط لأي نشاطٍ خارجي، خاصةً مع الصغار والمرضى وكبار السن.
• شرب كمياتٍ كافية من المياه.
• تجنَب الكافيين ومشتقاته قدر الإمكان، كونه يزيد من إدرار البول وقلة السوائل في الجسم.
• ارتداء ملابس فضفاضة مصنوعة من أقمشة قابلة للتهوئة (ويُفضَل أن تكون فاتحة اللون).
• استخدام واقي الشمس والتواجد في الظل أو الأماكن المُكيَفة قدر الإمكان.
• تجنَب الخروج في ذروة النهار، خصوصًا لمن يعانون من أمراضٍ مُزمنة.
في السياق ذاته؛ تقدم كلية الطب بجامعة سانت جورج في غرينادا، 5 نصائح أساسية وعمليّة تساعد الجميع على مواجهة حرارة الصيف وموجة الحر الشديد الحالية، بهدف الحفاظ على الصحة خلال هذه الفترة من العام.
1. البقاء في الأماكن الداخلية لتفادي أعراض الإجهاد الحراري: للوقاية من الإرهاق، والغثيان، والصداع، والدوخة، وتشنجات العضلات؛ وهي أعراضٌ شائعة ناتجة عن التعرض المباشر لحرارة الجو المرتفعة. وفي حال الاضطرار إلى الخروج، فإنه من المهم شرب الماء بانتظام، وترطيب بشرتكِ بالماء البارد للمساعدة في خفض حرارة الجسم.
2. شرب الماء بانتظام: من العوامل الأساسية للحفاظ على توازن الجسم خلال فصل الصيف، خاصةً عند التعرّض لدرجات الحرارة المرتفعة. يساعد الماء على تعويض السوائل المفقودة نتيجة التعرّق، ويُوصى بتناول ما بين 8 - 12 كوباً من الماء يومياً للحفاظ على التركيز والوظائف الحيوية. يمكنكِ تعزيز نكهة الماء بإضافة شرائح الليمون أو الفواكه الطازجة كخيارٍ صحي ومنعش، في حال لم تكوني تحبين مذاق الماء لوحده.
3. الإكثار من تناول الفواكه والخضروات: يُسهم تناول أطعمة تُخفَف الحرارة مثل البطيخ، والخيار، والبرتقال، والتوت في ترطيب الجسم والشعور بالانتعاش، لما تحتويه من فيتاميناتٍ ومعادن ضرورية. كما تُعدّ الخضروات الورقية كالسبانخ والملفوف والخس من الخيارات الغنية بالعناصر الغذائية المفيدة، والتي تساعد في دعم الصحة العامة خلال فترات ارتفاع الحرارة.
4. تنظيم أوقات التمارين البدنية مسبقاً: قد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة الضغط على القلب والعضلات أثناء ممارسة النشاط البدني؛ لذلك يُفضل أداء التمارين في الأوقات الأكثر اعتدالاً من اليوم، مثل ساعات الصباح الباكر أو بعد غروب الشمس. كما يُوصى بارتداء ملابس خفيفة وبلونٍ فاتح تسمح بمرور الهواء، وتجنّب التمارين الشاقة في الأجواء شديدة الحرارة. ويمكن أيضاً استبدال التمارين الخارجية بأنشطة بديلة مثل السباحة، أو اليوغا في الأماكن المغلقة، أو تمارين القوة في صالات رياضية مكيفة.
5. مراعاة الصحة العامة عند التخطيط لرحلات الصيف: عند السفر، من المهم الاطلاع مسبقاً على أحوال الطقس في الوجهة المقصودة، وتحضير مستلزماتٍ تتناسب مع الظروف المناخية. يُنصح باصطحاب ملابس خفيفة تسمح بتهوية الجسم، إلى جانب أدوات ضرورية مثل زجاجة ماء قابلة لإعادة الاستخدام، وواقي شمسي لحماية البشرة من الأشعة فوق البنفسجية، وأقراص تعويض المعادن الأساسية للمساعدة في ذلك والحفاظ على النشاط أثناء الرحلة.
خلاصة القول؛ فإن موجة الحر الشديد والرطوبة التي نشهدها في الوقت الراهن، يمكن عبورها بسلام ودون مضاعفاتٍ خطيرة من خلال تعديل بعض العادات اليومية في حياتنا. فخطوات بسيطة مثل شرب الماء بانتظام، وتجنَب التعرض المفرط للشمس، والانتباه للمؤشرات البدنية، يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً في جودة الحياة خلال فصل الصيف؛ كما تتيح لكِ عزيزتي التمتع بصيفٍ صحي ومليء بالنشاط أينما كنتِ.