
خاص "هي": تناغم الروح والجسد نحو الشفاء والعافية.. العلاج بالصوت قوة علاجية تحويلية
الموسيقى شفاء للروح، والصوت هو مفردات الطبيعة. لطالما ارتبطت الموسيقى بالمشاعر والأحاسيس الجميلة التي تبعث فينا الهدوء والسكينة، وتنزع من قلوبنا الحزن.
للعلاج بالصوت جذور عميقة في الحضارات القديمة، إذ استخدمت مختلف الثقافات الصوت أداة لتحقيق التوازن والشفاء والتواصل الروحي. استخدمه المصريون والصينيون واليونانيون لخلق اهتزازات علاجية يُعتقد أنها تعيد الانسجام في الجسم. أما في العصر الحديث، فقد تطور العلاج بالصوت ليصبح ممارسة مدروسة علميا؛ تدمج الحكمة القديمة مع الأبحاث المعاصرة حول كيفية تأثير ترددات الصوت على الدماغ والجسم. يختبر الكثيرون العلاج بالصوت من خلال حمامات الصوت، حيث يستلقون ويتركون النغمات المهدئة تغمرهم. ويعتقد البعض أنها تساعد في علاج القلق، ومشكلات النوم، وحتى تخفيف الألم. ما العلاج بالصوت؟ ما مقوماته؟ وكيف يساعد في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية والعقلية؟ أسئلة تجيب عنها مختصات واستشاريات في العلاج بالصوت والذكاء العاطفي والعافية الشمولية من الإمارات والسعودية، في مقالتنا اليوم.
لينا زغيب متخصصة في اليوغا والتأمل والعلاج بالصوت
العلاج بالصوت ممارسة تأملية وعلاجية عميقة، تستخدم آلات موسيقية مثل أوعية الغناء التبتية، وأوعية الكريستال، والأجراس، والصنوج، لخلق اهتزازات وترددات علاجية. كل آلة تتناغم مع الجسم بطريقة فريدة، وهو ما يساعد على تخفيف التوتر، وإزالة عوائق الطاقة، وتعزيز الاسترخاء العميق.
يمكن تلخيص عناصر العلاج بالصوت بما يلي:
1. الاهتزاز والتردد، فالصوت اهتزاز، وكل آلة موسيقية تستخدم في العلاج الصوتي تصدر ترددا فريدا. تتفاعل هذه الاهتزازات مع مراكز طاقة الجسم (الشاكرات)، وهو ما يساعد على إزالة الانسدادات، وتعزيز التوازن، وتحفيز الشفاء.
2. تزامن موجات الدماغ، يستخدم العلاج الصوتي الإيقاع والتكرار لتوجيه الدماغ إلى حالات وعي مُتغيرة، مثل ثيتا (حالة التأمل)، ودلتا (حالة النوم العميق)؛ وهو ما يعزز الاسترخاء العميق، ويقلل التوتر، ويزيد الوعي الذاتي.
3. الرنين، لكل جزء من الجسم رنينه الطبيعي الخاص. عند تشغيل نغمات أو ترددات محددة، يمكنها "ضبط" الجسم مجددا إلى التناغم، تماما مثل ضبط آلة موسيقية؛ وهو ما يعزز الصحة البدنية والعقلية والعاطفية.
4. النية، العلاج الصوتي أكثر من مجرد الاستماع إلى الموسيقى، إنه يتعلق بتحديد نية واضحة. فسواء كان الهدف تخفيف التوتر، أو التواصل مع الذات، أو تعزيز الشفاء، فإن النية تعزز تأثير الصوت وتمنحه معنى.
5. الصمت، لا يقل أهمية عن الصوت. فالسكون بين الأصوات يسمح للجسم والعقل بدمج تلقاه، وهو ما يخلق مساحة للفهم الداخلي والمعالجة العاطفية.
لكل آلة موسيقية تستخدم في العلاج بالصوت غرض فريد؛ فأوعية الكريستال مثلا توفر اهتزازات عالية التردد للوضوح والشفاء العاطفي، والطبول تتصل بنبضات القلب وشاكرا الجذر، فيما تقدم الأجراس تنقية لطيفة وترفع الطاقة.
جلسة العلاج بالصوت هي رحلة إلى الداخل. تبدأ كل جلسة بمقدمة موجزة، أشرح فيها الآلات الموسيقية المستخدمة ودورها في عملية الشفاء. أدعو المشاركين بعدها إلى الاستلقاء بشكل مريح، ثم نبدأ جلسة استرخاء وتمارين تنفس قصيرة موجهة، للاسترخاء وهدوء العقل. يلي ذلك تحديد نية شخصية، وهو ما يخلق مساحة للصفاء الداخلي والانفتاح.
ثم تبدأ رحلة الصوت، المكونة أحيانا بالكامل من مشاهد صوتية آلية، وأحيانا أخرى متداخلة مع تأمل موجّه لطيف. وتعمل الاهتزازات بلطف عبر الجسم والعقل، مشجعة على الهدوء والانطلاق والتناغم الداخلي. ومع اقترابنا من نهاية الجلسة، أرشد المشاركين برفق إلى الوعي الكامل، والثبات، والهدوء، والتواصل العميق مع أنفسهم. تتراوح مدة الجلسات من 30 دقيقة إلى ساعة، وأحيانا إلى 90 دقيقة.
هل العلاج بالصوت مناسب للجميع؟ بالتأكيد؛ إنه حقا ممارسة لطيفة وسهلة المنال، تدعم الأشخاص من جميع الأعمار، بما في ذلك الأطفال والبالغون وأولئك الذين يواجهون تحديات صحية، كمرضى السرطان والناجين منه وعائلاتهم. أعمل بشكل وثيق مع مرضى السرطان، وأدعمهم خلال العبء العاطفي للتشخيص والعلاج. لقد لعب العلاج بالصوت دورا مهما في مساعدتهم على التخلص من الخوف، وإعادة بناء القوة العقلية والعاطفية، وإعادة التواصل مع الشعور بالسلام.
في جوهره، لا يقتصر العلاج بالصوت على الاسترخاء فحسب، بل يخلق مساحة للشفاء والتأمل والانسجام الداخلي. العلاج الصوتي قابل للتخصيص بلا شك. وقبل إدارة أي جلسة، أخصص وقتا للتحدث مع عملائي، لفهم ما يمرون به حاليا؛ أستمع باهتمام لما يمرون به عاطفيا وجسديا وطاقيا، ومن ثم أصمم جلسة تناسبهم تماما.
بيان أبو زنادة مستشارة العافية الشمولية والتشافي بالصوت
العلاج بالصوت والموسيقى أسلوب علاجي شمولي، يستخدم فيه الصوت بترددات معينة لتحفيز الجسم والعقل على الوصول إلى حالة من التوازن والانسجام. ويرتكز هذا العلاج على مبدأ أن كل شيء في هذا الوجود، بما فيه الإنسان، يتكون من اهتزازات وترددات؛ وعندما يختل هذا التناسق بسبب الضغط النفسي أو الإجهاد، تبدأ بعض الأعراض الجسدية أو النفسية بالظهور.
ما يميز هذا العلاج هو بساطته وعمقه في آن معا؛ فهو لا يتطلب تدخلا لفظيا أو مجهودا من المتلقي، بل يكفي أن يكون في حالة استقبال. كما يدمج بين الجانب العلمي المبني على دراسات فيزيائية وبيولوجية، والجانب التأملي الذي يساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتفعيل آليات الشفاء الذاتية. لذلك يُستخدم بشكل واسع اليوم ليس فقط وسيلة علاجية، بل تُستخدم أيضا أداة وقائية للحفاظ على توازن النفس والجسد في عالم سريع الإيقاع.
يحقق العلاج بالصوت مجموعة من الفوائد، منها:
- تقليل التوتر والقلق والاكتئاب.
- تحسين جودة النوم والمساعدة في علاج الأرق.
- دعم الصحة النفسية والعاطفية.
- تعزيز التركيز، والهدوء الذهني، والحضور الواعي.
- تخفيف الألم وتحفيز الجهاز العصبي على الاسترخاء.
- التخلص من أنماط سلوكية أو فكرية سلبية مثل الخوف أو الإدمان.
- دعم التحرر من التجارب السلبية أو العالقة من الماضي.
برأيي، العلاج بالصوت مناسب لجميع الفئات العمرية والحالات، بما في ذلك الأشخاص الذين يعانون من التوتر؛ ومن يعيشون في نمط حياة سريع وضاغط؛ ومن يعانون من آلام عضلية أو مزمنة، وحتى الأطفال، والحوامل، وكبار السن. وقد أصبح يُستخدم في مستشفيات مثل "جونز هوبكنز" ضمن برامج إدارة الألم لمرضى السرطان؛ كما أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) اعتمدت استخدام بعض تردداته في المساعدة على علاج الأورام. فاعليته لا تقتصر على الاسترخاء فقط، بل تمتد لتشمل دعم الجسد في مقاومة الألم وتحفيز الراحة النفسية.
تُستخدم في العلاج بالصوت أنواع محددة من الأصوات والموسيقى، تختلف بحسب الغرض العلاجي، مثل ترددات سولفيجيو التي تُستخدم لإعادة توازن مراكز الطاقة؛ موجات الدماغ مثل ثيتا وألفا لتسهيل التأمل والهدوء العقلي؛ أصوات طبيعية مثل الماء والرياح لتعزيز الشعور بالاتصال بالأرض، وصوت المعالج أو المتلقي نفسه، ويعد من أقوى أدوات الشفاء. ويتم التحكم في شدة الصوت، حيث تبدأ الجلسة بنغمة منخفضة، تُرفع تدريجيا، ثم تُخفض مرة أخرى لتهيئة الجسم لحالة استرخاء تام.
يُصمم العلاج بالصوت والموسيقى خصيصا لكل فرد بناء على حالته، بعد تقييم الحالة النفسية والجسدية، ونمط الحياة، ومصادر التوتر، والأهداف المرجوة. وبناء على هذه المعلومات، أُعِدّ خطة علاجية مخصصة تشمل اختيار الترددات المناسبة، وتحديد نوع الأدوات أو الأصوات، ومدة وعدد الجلسات، ومتابعة الاستجابة وتعديل الخطة حسب الحاجة.
ريتا باقي استشارية في علم الذكاء العاطفي ومدربة معتمدة
"من خلال الصوت، يمكننا أن نهيئ أنفسنا، ومن خلال الصوت أيضا يمكننا أن نحرر أنفسنا".. "إ. سوامي"
استُخدم الصوت أداة تأملية لآلاف السنين، وهو في طليعة علم الأعصاب الحديث. ويستخدم العلاج بالموسيقى والصوت، والإيقاع والنبرة والاهتزاز، لدعم الشفاء والتحرر العاطفي والاسترخاء. ما يميز هذا العلاج هو أنه يتجاوز المنطق ويخاطب الجهاز العصبي والعقل الباطن مباشرة، محدِثا تحولات عميقة من دون الحاجة إلى كلمات.
إذا أردنا اختصار أهداف وفوائد العلاج بالصوت، يمكن القول إنه يساعد على تقليل التوتر والقلق والألم المزمن، ويُحسّن النوم والمزاج، كما يدعم التئام الصدمات، ويعزز الصحة النفسية والجسدية بشكل عام.
فوائده على المستوى الجسدي تتضمن:
• مستويات طاقة أعلى.
• توازن وتركيز أكبر.
• تخفيف التعب المزمن.
• فتح القلب وتقليل ضيق التنفس.
أما فوائده على المستوى العاطفي، فهي ما يلي:
• استرخاء عميق.
• قلق وإحباط أقل.
• ثقة أكبر.
• تحسن في المزاج العام.
• تحسين القدرة على التعبير.
ولا ننسى بالطبع فوائد العلاج بالصوت على المستوى العقلي، وأهمها:
• تبديد ضبابية الدماغ.
• زيادة الدافعية والوضوح.
• تعزيز الإبداع.
للعلاج بالصوت عناصر أساسية، تشمل الإيقاع (الذي يؤثر في ضربات القلب والحركة)، اللحن (الذي يُثير المشاعر)؛ التناغم (يوازن الطاقة)، والاهتزاز (يحفز شفاء الخلايا). وتُستخدم آلات مثل أوعية الغناء، والشوك الرنانة، والطبول، والأجراس، وغيرها الكثير في توظيف هذه العناصر.
إن أردت توصيف جلسة نموذجية للعلاج بالصوت، فيمكن وصفها كالآتي:
نبدأ بتحديد النية، ثم الاستلقاء على الأرض في وضعية الشافاسانا. ندعو الجميع إلى الاستسلام للأصوات العلاجية؛ وقد يستخدم المعالج آلات موسيقية مختلفة للسماح بوصول أعمق للموجات القوية، وتشمل بعض الجلسات التنفس الموجه أو ضبط الصوت.
يمكن للجميع الاستفادة من العلاج بالصوت، لا شك في ذلك؛ من الأطفال مرورا بالبالغين ووصولا إلى كبار السن. وهو مفيد بشكل خاص للأفراد الذين يعانون من القلق والاكتئاب والصدمات والأمراض المزمنة والناجين من السرطان، لكونه يعزز الاسترخاء العميق والتحرر العاطفي.
يعتمد اختيار الموسيقى على التردد؛ حيث يستخدم العلاج بالصوت ترددات أو آلات موسيقية أو مقطوعات موسيقية محددة ومصممة لتهدئة الجهاز العصبي أو تنشيط الشفاء. إذن؛ تختلف الأساليب باختلاف الهدف، وبعضها مهدئ، والبعض الآخر منشط.
بالنسبة لتخصيص العلاج بالصوت، بالطبع يمكن ذلك؛ فهذه الجلسات تُصمم حسب الطلب. يقيّم الممارسون الحالة النفسية والجسدية للعميل، وأهدافه. وبناء على ذلك، يختارون آلات موسيقية أو نغمات أو تقنيات محددة تناسب احتياجاته.
في الخلاصة؛ فإن العلاج بالصوت ينعكس بشكل إيجابي على الصحة الجسدية؛ فهو يبطئ من مـــعـــدل ضــربــــات القـــلـــب، ويخــفــــض ضـــغـــط الدم ومستويات الكورتيزول. أما من الناحية النفسية، فيهدئ الأفكار المفرطة النشاط، ويحسن المزاج، ويساعد على معالجة الانسدادات العاطفية، وهو ما يؤدي إلى تواصل أكثر توازنا بين العقل والجسم.