
الكبد: الحارس الصامت لصحتكِ… تعرفي على وظائفه وأمراضه وكيفية المحافظة عليه
من بين أعضاء الجسم، يظل الكبد من أكثرها دهشةً وإعجازًا في تكوينه ووظائفه؛ فهو لا يتوقف عن العمل ليلاً أو نهارًا. ورغم ذلك، قلّما يُسلط الضوء عليه في الحديث العام عن الصحة والوقاية، إلى أن يُصاب الإنسان بعلةٍ فيه، فيدرك حينها مدى أهميته.
تشير تقديراتٌ محدثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية، إلى أن عام 2022 شهد وجود 254 مليون شخص من المصابين بالتهاب الكبد B، و50 مليون شخص من المصابين بالتهاب الكبد C. ويتحمل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و54 عاماً نصف عبء حالات العدوى بالتهاب الكبد المزمن بنوعيه B وC، منها نسبة 12٪ فيما بين الأطفال دون سن 18 عاماً. ويستأثر الرجال بنسبة 58٪ من إجمالي الحالات.
يُحتفل باليوم العالمي للكبد في 19 أبريل من كل عام؛ ويهدف هذا اليوم إلى رفع مستوى الوعي بأمراض الكبد، كما يشجع الأفراد على اتباع نمط حياةٍ صحي للوقاية من أمراض الكبد. ومع تزايد أمراض الكبد عالميًا، يُعدّ يوم الكبد العالمي أداةً فعّالة لتعزيز أهمية الحفاظ على صحة الكبد. فيما يحمل شعار اليوم العالمي للكبد 2025 عبارة "الغذاء دواء"، والتي تشير بما لا يقطع الشك، إلى أهمية اختيار الأطعمة الصحية للحفاظ على صحة أجسامنا ورعايتها.
في مقالة اليوم؛ نُسلَط الضوء على الكبد من حيث وظائفه الحيوية، أبرز الأمراض التي تُهدَده، العادات الغذائية التي تؤذيه، والخرافات التي انتشرت حول ما يسمى بتنظيف الكبد، مع نصائح عملية للحفاظ عليه سليمًا معافى مع الدكتور شيرين عبدالله، استشاري طب الجهاز الهضمي في مستشفى ريم أبوظبي.
ما هو الكبد وما وظيفته؟

الكبد هو أكبر عضوٍ داخلي في جسم الإنسان، يصل وزنه لدى البالغين لحوالي 1.5 كيلوجرام، ويقع في الجزء العلوي الأيمن من البطن، أسفل الحجاب الحاجز مباشرةً. ويُعدَ الكبد من الناحية الوظيفية غدة أيضًا، لأنه ينتج مواد كيميائية يحتاجها الجسم باستمرار.
يلعب الكبد دورًا محوريًا في الحياة اليومية للإنسان، ومن أبرز وظائفه:
• تنقية الدم من السموم، بما في ذلك الكحول، الأدوية، ونواتج العمليات الحيوية.
• إنتاج العصارة الصفراوية، التي تساعد على هضم الدهون.
• تخزين الجلايكوجين، وهو شكلٌ من أشكال الطاقة، إلى جانب تخزين فيتامينات ومعادن مثل الحديد والنحاس.
• تنظيم مستويات السكر والدهون في الجسم، من خلال تكسير الكربوهيدرات والدهون والبروتينات.
• إنتاج بروتينات أساسية، مثل عوامل تخثر الدم، والإنزيمات اللازمة لوظائف الجسم المختلفة.
• إزالة خلايا الدم الحمراء التالفة، وتكسيرها لإنتاج البيليروبين.
هذا العمل المتواصل يجعل من الكبد "مركز العمليات" في الجسم، وأي خللٍ فيه قد يؤدي إلى تأثيرات تشمل مختلف أجهزة الجسم.
نسمع الكثير عن التهاب الكبد الوبائي B وC؛ فهل هما النوعين الوحيدين اللذين يُصيبان الكبد، أم ثمة أمراضٍ أخرى ينبغي معرفتها؟ الجواب في السطور الآتية..
ما هي أمراض الكبد الشائعة؟

رغم قدرة الكبد على التجدد الذاتي إلى حدّ ما، إلا أن بعض الأمراض المزمنة أو السلوكيات الخاطئة قد تؤدي إلى تلفٍ دائم في أنسجته. ومن بين أكثر أمراض الكبد شيوعًا التي تُطلعنا عليها الدكتورة عبدالله:
• مرض الكبد الدهني (MASLD): يحدث نتيجة تراكم الدهون داخل خلايا الكبد، ويرتبط غالبًا بالسُمنة، وقلة الحركة، وتناول أطعمة غير صحية.
• التهاب الكبد الفيروسي بأنواعه A، B، و C: وهي أمراضٌ تنتقل عبر الدم، أو الطعام المُلوث.
• تشمَع الكبد (Cirrhosis): هو التندب الدائم الذي يصيب أنسجة الكبد، ويُقلَل من قدرته على أداء وظيفته.
• سرطان الكبد: وغالبًا ما يكون ناتجًا عن مضاعفات الالتهاب المزمن أو التليَف.
• أمراض الكبد المناعية: مثل التهاب الكبد المناعي الذاتي، وتصلَب القنوات الصفراوية.
• أمراض وراثية: كداء ترسب الأصبغة الدموية (زيادة الحديد) أو داء ويلسون (زيادة النحاس).
قد تتطور هذه الأمراض بصمتٍ دون أعراض تُذكر، وهو ما يستدعي الحرص على الفحص الدوري، خاصةً لمن لديهم عوامل خطر.
ما هي علامات تلف الكبد؟
لا بد من الإشارة إلى أن أعراض أمراض الكبد تتنوع بصورة عامة، لكن من أكثرها شيوعًا:
• اليرقان: اصفرار الجلد والعينين نتيجة تراكم البيليروبين.
• آلام في الجزء العلوي الأيمن من البطن.
• تجمَع السوائل في البطن (استسقاء).
• الحكة الجلدية المستمرة.
• تورم القدمين أو الكاحلين.
• الارتباك أو صعوبة التركيز.
• الضعف العام أو الشعور الدائم بالتعب.
• سهولة ظهور الكدمات أو النزيف.
خرافة "تنظيف الكبد"… ما حقيقتها؟

في السنوات الأخيرة، انتشرت منتجاتٌ تدّعي قدرتها على "تنظيف الكبد" أو "إزالة السموم" من الجسم، تشرح الدكتورة عبدالله لنا على موقع "هي". لكن الحقيقة العلمية تؤكد أن هذه المفاهيم مبالغ فيها وغير مدعومة بأدلة قوية.
لماذا؟
• لأن الكبد هو العضو المسؤول عن إزالة السموم طبيعيًا، ولا يحتاج إلى "تنظيف خارجي".
• معظم منتجات "ديتوكس الكبد" غير خاضعة للرقابة العلمية، وقد تكون مضرة؛ بل إن بعضها قد يؤدي إلى تلفٍ كبدي حاد.
• بعض المكونات مثل السليمارين (من نبتة الحليب الشوك) أو الكركم، قد أظهرت آثارًا إيجابية على الكبد في دراسات محدودة؛ لكن لا يمكن الاعتماد عليها كعلاجٍ أو وسيلة وقائية موثوقة.
الطريق الحقيقي للحفاظ على الكبد لا يمرَ عبر المكملات، بل عبر أسلوب حياةٍ صحي ومستمر؛ وهو ما يتمحور حوله شعار اليوم العالمي للكبد لهذه السنة "الغذاء دواء".
ما الذي يضر الكبد؟
سألنا استشاري طب الجهاز الهضمي في مستشفى ريم أبوظبي الدكتورة شيرين عبدالله هذا السؤال، وكان ردها كما يلي:
للكبد قدرةٌ مدهشة على التحمل والتجدَد؛ لكنه ليس بمنأى عن الضرر، خصوصًا مع استمرار التعرض للعوامل المؤذية. ولحمايته، من الضروري تجنَب بعض السلوكيات والأنماط الحياتية التي تؤثر عليه سلبًا، وأهمها:
1. النظام الغذائي الغني بالدهون المُشبعة، والسكريات المضافة، والكربوهيدرات المكررة، والأطعمة الجاهزة
يُعد هذا النمط الغذائي من أكثر العوامل تدميرًا للكبد، خاصةً مع نمط الحياة العصري السريع. فتناول الأطعمة الغنية بالدهون المُشبعة مثل الزبدة، السمن، واللحوم الدسمة يؤدي إلى تراكم الدهون داخل خلايا الكبد، وهو ما يُعرف بالكبد الدهني غير الكحولي. كما أن السكريات المُضافة الموجودة في الحلويات والمشروبات الغازية والعصائر المُصنَعة، تُسبَب ارتفاعًا مفاجئًا في مستوى الإنسولين، مما يُحفَز الجسم على تحويل الفائض من السكر إلى دهون تُخزَن في الكبد.
كذلك، فإن الكربوهيدرات المُكررة مثل الخبز الأبيض، والأرز الأبيض، والمعكرونة المُصنّعة ترفع مستوى السكر في الدم بسرعة، وتزيد من مقاومة الإنسولين، مما يُسهم في تراكم الدهون داخل الكبد. أما الأطعمة الجاهزة والمُصنّعة، فهي غالبًا ما تكون مُشبعة بالدهون المتحولة، والملح، والمواد الحافظة، وهي موادٌ تُرهق الكبد وتُضعف قدرته على أداء وظائفه. إن استمرار الاعتماد على هذا النمط الغذائي يؤدي تدريجيًا إلى الالتهاب، ثم التليَف، وقد يُمهّد الطريق لأمراضٍ أخطر مثل تشمّع الكبد أو السرطان.
2. تناول الكحول
الكحول من أكثر المواد سمّيةً للكبد؛ إذ يقوم الكبد بتكسيره والتعامل مع نواتجه، لكن تناوله وبكثرة قد يُؤدي إلى تراكم مادة الأسيتالديهيد السامة، التي تُسبَب تلف الخلايا الكبدية. وعلى المدى البعيد، قد يؤدي ذلك إلى التهاب الكبد الكحولي، ثم إلى تليَفٍ وتشمع دائم. حتى الكميات المتوسطة قد تكون مؤذية، خصوصًا لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراضٍ كبدية كامنة دون علمهم.
3. استخدام الأدوية والمُكملات العشبية دون إشرافٍ طبي
الكبد هو المسؤول الأساسي عن استقلاب الأدوية والمُركبات الكيميائية في الجسم، ولذلك فإن استخدام العقاقير بشكلٍ عشوائي أو تناول المُكملات العشبية المجهولة المصدر، يمكن أن يُجهد الكبد ويؤدي إلى ما يُعرف بـ"التسمم الكبدي الدوائي". بعض المكملات، رغم كونها طبيعية، قد تحتوي على موادٍ سامة أو تتفاعل مع أدوية أخرى، مُسبَبة ضررًا خطيرًا في الكبد دون سابق إنذار.
4. قلة النشاط البدني

الخمول وقلة الحركة تُساهم في زيادة الوزن وتراكم الدهون الحشوية، وهي الدهون التي تترسب في الأعضاء الداخلية مثل الكبد. غياب النشاط البدني يُقلَل من حساسية الجسم للإنسولين، مما يُفاقم خطر الكبد الدهني، حتى عند الأشخاص الذين لا يبدون بدينين ظاهريًا. فيما تساعد ممارسة الرياضة بانتظام، حتى المشي اليومي، الكبد في التخلص من الدهون وتحسين تدفق الدم وتنظيم الأيض.
5. مشاركة الأدوات الشخصية مثل شفرات الحلاقة أو فرش الأسنان
قد تبدو هذه العادة غير مؤذية، لكنها في الحقيقة من طرق انتقال العدوى بفيروسات الكبد، خصوصًا التهاب الكبد B وC. إذ يمكن أن تبقى آثار دمٍ غير مرئية على هذه الأدوات، وعند استخدامها من قبل شخص آخر تنتقل العدوى بسهولة. لذلك، فإن استخدام الأدوات الشخصية بشكلٍ فردي يُعدَ من أساسيات الوقاية.
6. عدم تلقي اللقاحات الخاصة بالتهاب الكبد A وB
تُمثَل اللقاحات وسيلةً فعالة وآمنة للوقاية من أنواعٍ خطيرة من التهاب الكبد. فالتهاب الكبد A ينتقل عبر الطعام والماء الملوث، بينما ينتقل B عبر الدم وسوائل الجسم؛ وعدم أخذ هذه اللقاحات، خاصةً لدى الفئات المُعرضة مثل العاملين في القطاع الصحي أو المسافرين إلى مناطق موبوءة، يزيد من خطر الإصابة، ويجعل الكبد عرضةً لأمراض كان من الممكن تفاديها بسهولة.
كيف تحافظين على سلامة كبدكِ؟
لحسن الحظ، يمكن للكبد أن يستعيد جزءًا كبيرًا من وظائفه إذا تمَ الاعتناء به في الوقت المناسب. ومن أبرز سُبل الحماية التي تقدمها لنا الدكتورة عبدالله:
• اتباع نظامٍ غذائي متوازن يحتوي على الخضروات، الحبوب الكاملة، البروتينات الصحية، والدهون الجيدة مثل زيت الزيتون.
• ممارسة الرياضة بانتظام للمساعدة في تقليل الدهون الثلاثية وتحسين حساسية الإنسولين.
• الامتناع عن تناول الكحول.
• الفحص الدوري لوظائف الكبد، خاصةً إذا كنتِ تعانين من أمراضٍ مُزمنة كالسكري أو السُمنة.
• تلقَي اللقاحات ضد التهاب الكبد A وB.
• شرب القهوة باعتدال، فقد أثبتت الأبحاث أنها تُقلَل من خطر تليَف الكبد وتُحسَن الإنزيمات الكبدية.
في الختام؛ فإن الكبد هو المحطة المركزية التي تمرَ عبرها كل العمليات الحيوية، ولا مجال للتهاون في رعايته. الاهتمام بصحة الكبد لا يعني البحث عن حلولٍ سريعة أو مؤقتة، بل يتطلب وعيًا دائمًا وسلوكًا صحيًا مستقرًا.
لذا ابدأي من اليوم؛ غيّري في عاداتكِ الغذائية والحياتية، وراقبي صحتكِ، وسترين كيف ينعكس ذلك على جسدكِ بالكامل والكبد بصورةٍ خاصة، لأن الكبد السليم يعني جسمًا أكثر قوة وحياة أكثر صفاءً.