زراعة الرئة بتقنية حديثة.. تمنح الأمل لمرضى الرئة

زراعة الرئة بتقنية حديثة.. تمنح الأمل لمرضى الرئة

جمانة الصباغ

عانى جستن أنتوني، مُدرَس في العين من جنوب أفريقيا، من ارتفاع ضغط الدم الرئوي وهو أحد الأمراض التي تؤثر الإصابة بها على كل من الرئتين والقلب، حيث يعاني المرضى المصابون بهذا المرض من ارتفاع في ضغط الدم وزيادة خطر الإصابة بقصور القلب. وبما أن القلب يجب أن يضخ الدم إلى الرئتين، والضغط داخل الرئة مرتفع للغاية، فعندما يحاول القلب القيام بذلك، يؤثر ضغط الرئة على القلب مما يؤدي لمواجهته ضغطاً ومقاومة أكبر.

بالنسبة لشخص مثل جستن، تضاعف حجم قلبه مقارنةً بالحجم الطبيعي لمن هم في مثل سنه. ولم يكن يعاني من أي مرض في القلب وكان كل ذلك بسبب مرض الرئة. ونتيجة لارتفاع ضغط الدم، اعتاد تناول جرعات عالية جداً من الأدوية لدعمه حيث لم يكن قادراً على النوم، ويعاني من قلق شديد، وهو ما أثرَ على الكبد والكلى في جسمه. إلا أنه بمجرد إجراء عملية زراعة الرئة، بدأت وظائف أعضائه الحيوية بالتحسن. وتوجب عليه المكوث في وحدة الرعاية المُركزة لوقت أطول للخضوع لعدد من العمليات الجراحية، بما فيها فتح القصبة الهوائية نظراً لضعفها آنذاك. ومع وصول رئتيه للأداء الأمثل، تحسن وضعه وأصبح يعيش حياة طبيعية.

جستن أنتوني خضع لعملية زراعة الرئة بواسطة التقنية الجديدة
جستن أنتوني خضع لعملية زراعة الرئة بواسطة التقنية الجديدة

هذا هو ملخص حالة زراعة الرئة التي قام بها الدكتور عثمان أحمد، رئيس قسم جراحة الصدر في معهد القلب والأوعية الدموية والصدرية في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، وهي عملية مُعقدّة عادة كونها تتطلب إيجاد المتبرع المناسب وتشتمل على فتح الصدر ودعمه بآلة مجازة القلب والرئة، وإزالة الرئة المريضة واستبدالها بأخرى صحيحة ومُعافاة.

تنطوي العملية على مخاطر عديدة، وتتطلب تنسيقاً دقيقاً بين كافة فرق الرعاية من مختلف التخصصات والخبرات منها إدارة التخديروإدارة التعامل مع حالة المريض بعد الخضوع لعملية الزرع. ويحدَثنا الدكتور أحمد بتفصيل على عمليات زراعة الرئة بتقنية حديثة يعتمدها مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي حالياً.

ما هي تقنية النضح الرئوي خارج الجسم الحي المُتبَعة في زراعة الرئة

نحن على موعد في المستقبل القريب مع تقنية جديدة تدعى "النضح الرئوي خارج الجسم الحي". وتُعتبر هذه التقنية فريدة من نوعها، وهي عبارة عن جهاز يتيح للأطباء أخذ الرئتين من المتبرع ووضعهما على جهاز خارج الجسم ليقوم بضخ الهواء والدم بشكل طبيعي إليها، ثم نقوم باختبارهما بعد مرور 4 - 6 ساعات باستخدام الأشعة السينية مع إجراء اختبارات الدم وتنظير القصبات والفحص الظاهري؛ الأمر الذي يمنحنا تقييماً دقيقاً لعملهما ومدى قابليتهما للزراعة وتحقيق الأداء المأمول عند وضعهما داخل جسم المُتلقي. ونستخدم هذه التقنية في كليفلاند كلينك أوهايو، وقد ساعدتنا على إنقاذ العديد من الأعضاء، وبالتالي حياة العديد من الأشخاص.

كيف تؤثر هذه التقنية على عملية زراعة الأعضاء بنجاح

تُعتبر الرئتان من أول الأعضاء التي تتعرض للضرر في جسم الإنسان. وعند اقتراب شخص من نهاية حياته بالعموم، تحدث أشياء سيئة داخل الجسم، وعندما يكون المريض على جهاز التنفس الصناعي من السهل جداً أن يُصاب بالتهاب رئوي وانهيار رئوي وجلطات دموية. لذلك، تُعد الرئتان من أوائل الأعضاء التي تتلف، وبالتالي لا يمكننا زرعها.

ويُعدَ امتلاك القدرة على إكمال عملية الاسترجاع والتقييم والزرع بسرعة أمرٌ أساسي في حين تساعدنا التكنولوجيا على تحسين ذلك. وسيسمح لنا اعتماد تقنيات أكثر دقة مثل "النضح الرئوي خارج الجسم الحي" ليس فقط بتقييم الرئتين لفترة أطول قليلاً وبشكل أكثر موضوعية، ولكن أملاً أيضاً بتحسين حالتهما ليكون بإمكاننا استخدامهما مجدداً.

ما هي الحالات التي تتطلب زراعة الرئة

تُمثَل جراحة زراعة الرئة في الوقت الحالي خياراً علاجياً مقبولاً جداً بالنسبة للمرضى الذين يعانون من مراحل متقدمة من أمراض الرئة. وعادة ما يوصى بزراعة الرئة للمرضى الذين لم يحققوا نتائج ناجحة بالعلاجات المتاحة الأخرى. ​

ومن بين الحالات التي يمكن علاجها بجراحة زراعة الرئة:

  • مرض الإنسداد الرئوي المُزمن.
  • التليّف الرئوي مجهول السبب.
  • التليّف الكيسي​.
  • ارتفاع الضغط الرئوي مجهول السبب.
  • توسّع القصبات الهوائية الغرناوية (الساركويد).
  • أمراض الرئة الخلالية​.
  • توسع القصبات.
  • الفشل الرئوي بعد عدوى حادة مثل حالات كوفيد-19.

قبل عملية الزراعة، يخضع المرضى لعملية تقييم أهلية الزراعة التي تشتمل على فحص بدني وطبي شامل من قبل أعضاء فريق زراعة الرئة، وسلسلة من الإختبارات. ويوفر تقييم ما قبل الزرع معلومات كاملة عن صحتهم العامة ويساعد في تحديد ما إذا كانوا مؤهلين لعملية زرع الرئة.

الزراعة خيار علاجي لمن يعانون من مراحل متقدمة لامراض الرئة
الزراعة خيار علاجي لمن يعانون من مراحل متقدمة لامراض الرئة

ومن الخطوات التي يتم اتخاذها ضمن عملية التقييم:

  • جمع معلومات حول الصحة البدنية للمريض وتاريخه العائلي.
  • إجراء اختبارات تشخيصية مثل:
  1. التصوير المقطعي المحوسب وفحوصات الأشعة السينية.
  2. اختبارات الدم.
  3. فحص الأنسجة للتحقق من مطابقتها لأنسجة المتبرع.
  4. اختبارات وظائف الجهاز التنفسي.
  5. فحص نضح التهوية (لقياس كيفية تدفق الدم للرئتين وكمية الهواء الذي تتلقاه كل رئة).
  6. التقييم العصبي والنفسي.
  7. فحوصات الجهاز العضلي الهيكلي وصحة العظام.
  8. فحوصات السرطان.

وبعد فحص ما قبل الزرع، يجتمع فريق متعدد التخصصات من الخبراء لتقييم الإختبارات ومناقشة ما إذا كانت زراعة الرئة هي أفضل علاج. وبمجرد أن يقرروا أن المريض مُرشح جيد لعملية زرع الرئة، يمكن إدراج المُتلقي ضمن قائمة الزرع.

كم تستغرق عملية التعافي بعد عملية الزراعة، وما الإجراءات الاحترازية الواجب الإلتزام بها بعد الجراحة

تشتمل مرحلة التعافي عملياً على يومين أو ثلاثة في وحدة العناية المُركزة ومن 14 إلى 20 يوماً في المستشفى. ومن المفترض أن يلتئم الجرح في غضون أربعة أسابيع تقريباً بعد زراعة الرئة. وبعد الخروج من المستشفى، يلتزم المريض بالخضوع لفحوصات وعلاجات ومراقبة دورية لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.

ويمكن للمريض المشي بحرية بعد الخروج من المستشفى، إلا أن ممارسة التمارين الخفيفة سيستغرق حوالي 6 - 8 أسابيع بعد الإجراء. ويُنصح بتجنب الرياضات التي تتطلب الإحتكاك الجسدي أو الأنشطة التي قد تؤثر على الصدر، بما في ذلك كرة القدم والبيسبول والجولف والبولينج لمدة 3 أشهر تقريباً. وينخفض خطر الرفض الحاد لعملية زرع الرئة بعد هذه المدة، ومن المفترض أن تستقر وظائف الرئة حينها، ويعود معظم الناس إلى العمل أو الدراسة بعد أربعة إلى ستة أشهر.

من الأهمية التذكير أن لكل مريض حالته الخاصة، وأن مدة الشفاء بعد زراعة الرئة تختلف من مريض لآخر. وتتركز الرعاية ما بعد الزراعة على مراقبة العلامات التي قد تُنذر برفض جسم المريض للرئة المزروعة أو إصابته بالعدوى.، مع ضرورة القيام بمراجعة دورية مع أخصائي رعاية زراعة الرئة والخضوع لبعض الفحوصات ومنها اختبارات وظائف الرئة،

الدكتور عثمان أحمد من مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي
الدكتور عثمان أحمد من مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي

فحوصات الدم،  ​اختبارات وظائف الكلى لتقييم مدى قدرتها على تصفية الفضلات من الدم  وقياس مستوى الأدوية المُضادة للرفض.

كما يُنصح المريض بعد عملية زراعة الرئة باتباع بعض الإجراءات الوقائية، مثل تناول الأدوية حسب وصفة الطبيب، التواصل مع الطبيب المعالج في حال ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 37.7 مئوية أو الشعور بأعراض شبيهة بالأنفلونزا مثل القشعريرة وآلام الجسم أو الصداع أو الدوار أو الغثيان أو القيء أو ظهور ألم محيط بمنطقة الزرع أو ضيق التنفس.

كما يجب عليهم اتباع خطة غذائية موصى بها أيضاً من قبل طبيب الرعاية، تتضمن المزيد من اللحوم الخالية من الدهون والدواجن والأسماك ومنتجات الألبان قليلة الدسم. كذلك يجب تضمين مجموعة متنوعة من الحبوب والفواكه والخضروات للحصول على سعرات حرارية كافية والفيتامينات والمعادن واتباع خطة التمارين الموصى بها.

ولا ننسى بالطبع تجنب التواجد بجانب أي شخص مصاب بعدوى، وإجراء اختبارات وظائف الرئة كل يوم على النحو الموصى به.