فن التعلق الآمن.. رحلة مستمرة من التعلم والنمو باكتساب هذه المهارات

فن التعلق الآمن.. رحلة مستمرة من التعلم والنمو باكتساب هذه المهارات

رحاب عباس المواردي

كم من علاقة دمرناها قبل أن تبدأ، خوفًا من أن نُجرح؟ وكم تمسكّنا بعلاقات تؤذينا، خوفًا من أن نكون وحيدين؟. لستُ أدري هل النمط العاطفي الذي شكل طفولتنا وحدد طريقة ارتباطنا بمن حولنا هو السبب؟

أسئلة كثيرة تراودني حول هذا الشعور، والأهم احساسي بأن الوقت قد حان للتخلص من هذا الشعور المضطرب الذي يلاحق الكثيرات. لذا ناقشت الدكتورة لبنى عزام في كيفية تحويل تلك العلاقات المضطربة إلى ملاذ آمن من الثقة والاستقرار؟

فكانت الإجابة مرتبطة بـ"فن التعلق الآمن"؛ فهو ليس مجرد نظرية نفسية فحسب، بل فن التعاملات الحياتية التي يمكن لأي امرأة أنتتعلمه وتتقنه. كما أنه بمثابة الرحلة التي ننتقل فيها من شاطئ العلاقات القلقة الهشة، إلى برالأمان العاطفيمن دون خوف.

من هذا المنطلق، سأكشف لكِ عبر موقع "هي" عن أبرز المهارات التي ستُمكنكِ من أن تصبحي مهندسة لعلاقاتكِ، وأن تتحرري من الأنماط العاطفية التي تعبتكِ لسنوات، وأن تكتشفي أخيرًا طعم الحب الآمن، بناءً على توصيات استشارية الطب النفسي لبنى عزام من جدة.

ما هو فن التعلق الآمن؟

يشير مصطلح التعلق إلى أسلوب الارتباط العاطفي الذي نطوره منذ الطفولة مع الوالدين ثم مع أنفسنا والآخرين مدى الحياة
يشير مصطلح التعلق إلى أسلوب الارتباط العاطفي الذي نطوره منذ الطفولة مع الوالدين ثم مع أنفسنا والآخرين مدى الحياة

ووفقًا للدكتورة لبنى، هو القدرة على بناء علاقات عاطفية صحية ومستقرة مع الآخرين، مع الحفاظ على الاستقلالية والثقة بالنفس. علمًا أن مصطلح "التعلق"يشيرإلى أسلوب الارتباط العاطفي الذي نطوره منذ الطفولة مع الوالدين، والذي يشكل بدوره شعورنا الداخلي الذي نحمله عن أنفسنا وعن الآخرين مدى الحياة. أما عن "نظرية التعلق" فقد تم تطويرها من قبل العالم جون بولبي، وتم تعدد أشكالها لاحقًا من خلال تجربة "الموقف الغريب" لماري أينسورث، التي حددت أنماط التعلق الأساسية، وهي " التعلق الآمن، التعلق القلق، التعلق المتجنب، والتعلق غير المنظم".

لماذا يعتبر التعلق فنًا وليس مجرد نمط؟

أكدت دكتورة لبنى، أنه مهارة يُمكن إتقانها، وعملية نشطة لفهم الماضي "كيف شكلت علاقاتكِ المبكرة توقعاتكِ الحالية؟"، كذلك إعادة هيكلة مشاعركِ الداخلية "تغيير المعتقدات الأساسية عن نفسكِ وعن الآخرين"، وممارسة سلوكيات جديدة في علاقاتكِ الحالية.

كيف تتقّنين فن التعلق الآمن؟

أوضحت دكتورة لبنى، بما أنه رحلة نحو الحرية العاطفية، وبناء أمان داخلي يسمح لكِ بالارتباط بعمق وشجاعة، مع البقاء مستقرة وواثقة في قيمتكِ، بغض النظر عما يحدث في علاقاتكِ. إوأيضًا هو أحد أقوى الاستثمارات التي يمكنكِ القيام بها لنفسكِ، على المستوى الشخصي والمهني على حد سواء؛ لذا اتبّعي الأساليب التالية:

  • اعرّفي نمط تعلقكِ، واسألي نفسكِ: "كيف أتصرف عندما أكون في علاقة؟ هل أتجنب الصراع؟ هل أتعلق بشدة؟ هذا الوعي هو أساس أي تغيير.
  • اجعّلي شعوركِ بقيمتكِ نابعًا من داخلكِ، وليس معتمدًا بشكل كلي على تأكيدات الآخرين.
  • تعلّمي تهدئة ذاتكِ، فعندما تشعرين بالقلق من الهجر، تعلمي كيف تهدئ أعصابكِ بنفسكِمن خلال "التنفس، التحدث إلى نفسكِ بإيجابية"قبل أن تتصرفي بدافع الخوف.
  • تعلّمي أن تعبري عن احتياجاتكِ بوضوح من دون لوم.  على سبيل المثال: بدلًامن قول"أنت دائمًا مشغول ولا تهتم بي"، قولي "أشعر بالوحدة عندما لا نتحدث، وأود أن نخصص وقتًا لنتقابل".
  • تعلّمي أن تضعي حدودًا صحية تحترمي فيها احتياجاتكِ من دون أن تكوني قاسية.
  • اختاري شركاء علاقات آمنين أو شجعي شريككِ الحالي. علمًا أن جزء من هذا الفن هو التعرف على الأشخاص الذين يستطيعون توفير بيئة عاطفية آمنة، والذين يكونون متاحين عاطفيًا ومستجيبين.
  • انظري إلى الصراع على أنه فرصة للاتصال، وليس تهديدًا؛ لأن التعلق الآمن"لا يعني أن الخلاف نهاية العلاقة، بل هو فرصة لفهم بعضكم البعض بشكل أعمق.

كيف تربطين بين مفهوم التعلق الآمن وتطوير ذاتكِ؟

تتميز الشخصية ذو التعلق الآمن بأنها أكثر ثقةفي تقديم أفكارها وأكثر قدرة على بناء شبكات علاقات مهنية قائمة على الثقة والتعاون
تتميز الشخصية ذو التعلق الآمن بأنها أكثر ثقةفي تقديم أفكارها وأكثر قدرة على بناء شبكات علاقات مهنية قائمة على الثقة والتعاون

أوضحت دكتورة لبنى، أنه يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال الأمثلة التالية:

  • تتميز الشخصية ذو التعلق الآمن بأنها أكثر ثقة في تقديم أفكارها، وأكثر مرونة في مواجهة النقد، وأكثر قدرة على بناء شبكات علاقات مهنية قائمة على الثقة والتعاون وليس المنافسة السلبية. فهل أنتِ مستعدة لتطوير شخصيتكِ على هذا النهج؟.
  • تخلق القائدة الآمنة عاطفيًا بيئة عمل آمنة نفسيًا لفريقها، مما يعزز الإبداع والإنتاجية. فأين أنتِ من هذه القيادة؟
  • يقلل التعلق الآمن من مستويات القلق والاكتئاب المرتبطة بالعلاقات، مما يحرر طاقة عقلية هائلة يمكن توجيهها نحو الإنجاز والنمو الشخصي. لذا ابدئي من الآن ولا تستسلمي.

هل إتقان فن التعلق الآمن يتطلب ممارسة مهارات محددة؟

نعم، وهنا أكدت دكتورة لبنى، أن إتقان فن التعلق الآمن يتطلب تطوير مجموعة من المهارات العملية التي يمكن ممارستها بانتظام. إليكِ أهم هذه المهارات مصنفة حسب مجالاتها؛ وذلك على النحو التالي:

مهارة الوعي الذاتي العاطفي

هي القدرة على تحديد وتسمية مشاعركِ بدقة في اللحظة التي تحدث فيها. وهنا احتفظي بمفكرة المشاعر اليومية، واسألي نفسكِ دومًا "ما الذي أشعر به الآن؟ ولماذا؟"، كذلك تعلمي التمييز بين المشاعر المتشابهة مثل "الغضب والإحباط".

مهارة التنظيم العاطفي

هي القدرة على تهدئة نفسكِ عند الشعور بالضيق العاطفي. وهنا مارسي تقنيات التنفس العميق، المشي والاستماع إلى الموسيقى المفضلة لكِ.علاوة على ذلك استخدمي دومًا عبارات محفزة مثل"أنا أستطيع التعامل مع هذا".

مهارة بناء قيمة ذاتية مستقلة

هي تطوير إحساس قوي بقيمتكِ لا يعتمد على آراء الآخرين. وهنا اكتبي قائمة بنقاط قوتكِ وإنجازاتكِ، مارسي التحدث الذاتي الإيجابي، وحدّدي أهدافًا شخصية مستقلة عن العلاقات.

مهارة التعبير عن الاحتياجات بوضوح

هي القدرة على شرح ما تحتاجينه بشكل مباشر. وهنا استخدمي صيغة "أشعر... لأنني أحتاج"، تجنب لوم الآخرين "أنت دائمًا.."، وتدّربي على طلب ما تريدين بشكل محدد وقابل للتحقيق.

مهارة وضع الحدود الصحية

هي القدرة على تحديد ما هو مقبول وما هو غير مقبول في العلاقة. وهنا حدّدي قيمكِ الشخصية "ما المهم لكِ حقًا"، تعلمي قول "لا" بلطف وحزم، وضّعي عواقب محترمة عند تجاوز الحدود.

مهارة إصلاح النزاعات

هي القدرة على معالجة النزاعات وإصلاح العلاقة بعد الخلاف. وهنا تدّربي على الاعتذار الحقيقي وليست مجرد كلمة "آسفة"، تعلّمي التسامح واتركي الخلافات الماضية، كذلك ابحثي عن الحلول بدلًا من إلقاء الاتهامات على الآخرين.

مهارات التفكير والتصور

هي القدرة على تغيير الطريقة التي تفسرين بها سلوكيات الآخرين. وهنا اسألي نفسك"ما التفسير الآخر المحتمل لهذا الموقف؟"، كذلك تجنبي قراءة الأفكار (افتراض أنكِ تعرفين ما يفكر فيه الآخرون)، واختاري التفسيرات الأكثر تعاطفًا مع الذات والآخرين.

مهارة التحمل العاطفي

هي القدرة على تحمل المشاعر الصعبة من دون التصرف باندفاع. وهنا مارسي التأمل لتعلم مراقبة المشاعر من دون الانسياق ورائها، كذلك طوري قدرتكِ على تأخير رد الفعل، على سبيل المثال"عدّي إلى 10، أو اتركي الغرفة"، وتذكّري دومًا أن المشاعر مؤقتة وستمر.

مهارة الحفاظ على التناغم الداخلي

هي القدرة على الحفاظ على الاستقرار الداخلي عندما تكون العلاقة غير مستقرة. وها اطلبي دعم المقربين إلى قلبكِ، كذلك تذكّري دومًا أن الخلاف لا يعني نهاية العلاقة، وحافظي على روتينكِ الشخصي حتى في أوقات الضغط العاطفي.

كيف تبدئين رحلة تطوير هذه المهارات لإتقان فن التعلق الآمن؟

اطلبي المساعدة إذا لم تستطيعي اكتساب المهارات بمفردكِ ولا تترددي في اللجوء إلى معالج نفسي متخصص في نظرية التعلق تحديدًا
اطلبي المساعدة إذا لم تستطيعي اكتساب المهارات بمفردكِ ولا تترددي في اللجوء إلى معالج نفسي متخصص في نظرية التعلق تحديدًا

وأخيرًا، نصحت دكتورة لبنى، بضرورة اتباع بعض التعليمات التي ستُساهم في اكتسابكِ المهارات السالفة الذكر لإتقان فن التعلق الآمن، وذلك على النحو التالي:

  • اختاري مهارة واحدة فقط للتركيز عليها كل أسبوع.
  • كوني لطيفة مع نفسكِ، وتذكّري أن تطوير هذه المهارات يحتاج وقتًا وممارسة دائمة.
  • اطلبي المساعدة، ولا تترددي في اللجوء إلى معالج نفسي ومتخصص في نظرية التعلق تحديدًا.
  • اختبري تقدمكِ من خلال ملاحظتكِ "كيف تتغير ردود فعلكِ في المواقف المشابهة مع الوقت".

وأخيرًا، إتقان فن التعلق الآمن ليس مرحلة وقتية، بل رحلة مستمرة من التعلم والنمو. فكلما طوّرتِالمهارات السالفة الذكر، أصبحتِ أكثر قدرة على بناء علاقات آمنة ومستقرة، ليس فقط مع الآخرين، ولكن مع نفسك أيضًا.