روتين العافية اليومي

روتين العافية اليومي.. ما الذي ينقصه لينجح؟

عبد الرحمن الحاج

رغم حرصنا على اتباع روتين العناية بالبشرة، وروتين التمارين الأساسية للاسترخاء والتأمل والتنفس. وروتين الغذاء الصحي المتنوع وكل روتينات العافية، كما نتناول مكملاتنا الغذائية بانتظام؛ إلا أننا نستمر بالذهاب إلى النوم متعبين للغاية، لنستيقظ متعبين أيضًا. في الحقيقة هذا ليس حال معظمنا بل أغلبيتنا. حيث أظهر استطلاع حديث أجرته جمعية Kic and Sheet Society أن 69% من الناس ما زالوا يشعرون بالتعب أو الإرهاق الشديد عند الاستيقاظ.

بالطبع، جميعنا هذه الأيام مسلّحون جيدًا بمعرفة ما يجب فعله لتجنب الإرهاق. فقط حدّدي موعدًا منتظمًا للنوم، وتناولي طعامًا صحيًا وكاملًا، ومارسي الرياضة بانتظام، وقلّلي من وقت استخدام الشاشات، سواء الهاتف أو التلفزيون، وحافظي على توازنك بين العمل والحياة، ومارسي اليقظة الذهنية، وخصصي وقتًا للاسترخاء والتأمل.. لكن هذه القائمة المتزايدة من ممارسات العافية قد تكون في الواقع جزءًا من المشكلة.

الهوس بالعافية

روتين العافية اليومي
روتين العافية اليومي

نعم إنها جزء من المشكلة، فقد أظهر الاستطلاع نفسه أن 87% من الناس يشعرون بضغطٍ هائلٍ من توقعاتهم المتعلقة بمحاولة الحفاظ على صحتهم البدنية والعقلية والاجتماعية. وكأننا كلما ازدادت معرفتنا بـ"العافية"، ازدادت قائمة مهامنا وصارت أقل قابليةً للإنجاز.

ويشير علماء النفسإلى أن معارفنا الحديثة والمحدثة والإضافية عن الصحة والنوم تسهم بالفعل في تحسين نتائج التزامنا بروتين الصحة اليومي. كما أن معلوماتنا العلمية والصحية والطبية اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ ما يمكّننا من اتخاذ قرارات أفضل بشأن صحونا ونومنا. كما أن لدينا زيادةً في عدد الأشخاص الذين يشعرون بالتوتر المستمر، ولديهم روتين غير منتظم، ويشعرون دائمًا بالتوتر.

لكن يبقى السؤال هل السعي الدائم لتحسين الذات يرهقنا أكثر مما يساعدنا؟ وكيف يمكننا تحقيق هذا التوازن الصحي؟

لقد أصبح الناساليوم أكثر وعياً بأهمية النوم مقارنة بالماضي. ومع ذلك، لا يزال أمامنا طريق طويل لتقدير هذه المعرفة والالتزام بها. ليس نحن فقط؛ بل أولادنا أيضا الذين انضربت ساعتهم البيولوجية، وصار ليلهم نهار ونهارهم ليل!. وصحة النوم لا تقتصر على إطفاء الهاتف ليلًا، بل تشمل أيضًا بناء نمط نوم صحي يمكننا الحفاظ عليه مع مرور الوقت. كذلك قد يعرف الناس "قواعد" النوم الجيد، لكنهم يجدون صعوبة في تطبيق الاستراتيجيات بسبب التوتر والعادات وغيرها. كذلك يحدث التغيير الحقيقي عندما نعالج متطلبات نمط الحياة الأعمق والأنماط النفسية التي قد تبقي الناس عالقين في دورات من قلة النوم.

كيف يمكننا تحقيق هذا التوازن الصحي؟
كيف يمكننا تحقيق  التوازن الصحي؟

أين المشكلة؟

لا يزال هناك بالتأكيد فجوة بين وعي مجتمعنا بصحة النوم وواقع عاداتنا في النوم. أحد الأسباب الرئيسية هو أن إدراك أهمية شيء ما لا يؤدي تلقائيًا إلى اتخاذ إجراء، خاصةً عندما تكون هذه عادة راسخة. قد تؤثر بيئتنا الحديثة أحيانًا سلبًا على النوم الصحي: وقت الشاشة، ومستويات التوتر العالية، والروتين غير المنتظم، وثقافة لا تزال تعلي من أهمية الإنتاجية على الراحة.

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تقدّم نصائح النوم الصحي والسليم بعبارات عامة لا تراعي الظروف الفردية لكل شخص. إن إخبار ممرضة تعمل في نوبات ليلية ونهارية بالتناوب بأن تتوقف عن العمل بحلول الساعة الثامنة مساءً ليس إخبارًأ منطقيًا. كذلك حين نطلب من موظفة كأمينة مخازن تستيقظ في السادسة لتعد الإفطار لنفسها وأسرتها. ثم تعود في الخامسة والنصف لتعدّ الغداء، ثم العشاء ثم تنام كالمغمى عليها قبيل العاشرة.. كيف يمكن مساعدة هذه السيدة أيضًا لتنال القسط الكافي من الراحة والنوم وتأخذ حقها من العافية قبل أن ينهار جسدها ذات يوم بسبب كل هذه الضغوط الحياتية والمعيشية؟.

توتر أكثر عافية أقل

توتر أكثر عافية أقل
توتر أكثر عافية أقل

رغم أن التوتر موجودٌ منذ الأزل، إلا أن عوامل التوتر المعاصرة أصبحت أكثر ثباتًا وتعددًا. كما أن العبء الرقمي، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والقلق المناخي، وغموض الحدود بين العمل والحياة، وغيرها. نحن أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، إلا أن الكثير من الناس يشعرون بضعف في تنظيم حياتهم.

ومن أكثر علامات التوتر المفرط والمستمر شيوعًا: التعب، واضطرابات النوم، والانفعال، وصعوبة التركيز، والتشاؤم، والشعور الدائم بالإرهاق. كما قد تشمل الأعراض الجسدية الصداع، وتوتر العضلات، وتسارع نبضات القلب، ومشاكل الهضم. كذلك عاطفيًا، قد يشعر الشخص بالقلق، والخمول، والانفصال عن الآخرين وعن نفسه. أيضًا مع مرور الوقت، قد يسبب التوتر المفرط والمستمر آثارًا أكبر، مثل المشاكل الصحية والإرهاق.

الوعي بـ"العافية" منشط أم مثبط؟

الوعي سلاح ذو حدين
الوعي بالعافية سلاح ذو حدين

الوعي سلاح ذو حدين. فمن جهة، ساهم بالفعل في تطبيع النقاشات حول الصحة النفسية والعاطفية والجسدية. ومن جهة أخرى، قد تنتشر المعلومات المضللة، بالإضافة إلى التبسيط المفرط للقضايا النفسية المعقدة. كما قد تعزز الصحة النفسية أحيانًا مثلًا غير واقعية قد تزيد من التوتر أو الشعور بالخجل عندما لا نستطيع تحقيقها. ما نحتاجه هو دعم منهجي واستراتيجيات مستدامة قائمة على الأدلة.

تحسين الذات بشكل لا نهائي

الضغط المستمر للتحسن
الضغط المستمر للتحسن

تحسين الذات بشكل لا نهائي يسبب الضرر أكثر من النفع. هذه ليست مجرد إجابة سهلة بنعم أو لا. فمع أن النمو قيّمٌ بلا شك، إلا أن الضغط المستمر للتحسن أو زيادة الإنتاجية قد يدفع المرء إلى الشعور بأنه لا يكفي أبدًا. أرى أشخاصًا يرهقون أنفسهم بسبب ضغط العمل على تطوير أنفسهم، بينما نرغب نحن أيضًا في تعزيز التعاطف مع الذات، والتفكير في الذات، والراحة، والسماح لأنفسنا بأن نكون "كائنات". ما نريده هو التوازن بين الراحة والنمو، وتعلم ما يلبي احتياجاتنا الفردية على أفضل وجه.

من أين نبدأ؟

الوعي بالعافية سلاح ذو حدين
الوعي بالعافية سلاح ذو حدين

يمكن أن يكون الوعي الذاتي نقطة انطلاق صحية ومستدامة. ابدئي هذه الرحلة بضبط جهازك العصبي وملاحظة كيفية استجابة جسمك للراحة والتوتر والتواصل والانفصال. كبشر في القرن الحادي والعشرين، نميل إلى أن نكون أقل ارتباطًا بأنفسنا وأكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا. نريد أن نبدأ بالعودة إلى موطننا الأصلي. ركزي على ممارسات صغيرة ومتواصلة تشعرك بالرضا والأمان كثل: نوم جيد، حركة ممتعة، علاقات هادفة، ووضع حدود لوقتك وطاقتك. ابدئي ببطء وابقَ فضولية.

علاوة على ذلك، اعلمي أن العافية في الممارسة العملية تشبه الحضور والأمان. كما إنها تتعلق بخلق إيقاعات تدعم جهازنا العصبي الفريد، تمامًا مثل الممارسات المذكورة أعلاه. كذلك العافية الحقيقية لا تعني بذل المزيد من الجهد، بل تعني القيام بما يهمك بتعاطف ووعي ذاتي.

كما أن على المزيد من الناس أن يفهموا أن النوم والتوتر والحياة في عالمنا المعاصر مترابطة بعمق. حيث إننا نعيش في عالم يميل إلى أن يجعلنا في حالة تعاطف نشطة، ويجعلنا محفَّزين بشكل مفرط، ودائمًا في حالة نشاطactive. بدون الراحة والتعافي، يمكن أن يصبح التوتر مزمنًا، وستتدهور جودة نومنا وجودة حياتنا بشكل عام. الأمر يتعلق بتنظيم أنفسنا وخلق مساحة للهدوء. علينا أن نتذكر أن الراحة ليست مكافأة أو رفاهية، بل هي حاجة بيولوجية.