خاص: مُدربة علاجية تشارك قارئات "هي" استراتيجيات للتعامل مع حالات الاكتئاب والقلق في الصيف
بينما يربط الكثيرون فصل الصيف بالراحة والاستجمام، قد يحمل هذا الفصل في الشرق الأوسط تحديات نفسية وجسدية خفية لا يلتفت إليها الكثيرون. فحرارة الجو المرتفعة، وتقلص فرص الأنشطة الخارجية، إلى جانب وتيرة الحياة الهادئة وغياب الأصدقاء الذين يسافر معظمهم إلى الخارج، جميعها عوامل قد تُضعف التوازن النفسي وتغذي مشاعر القلق أو الوحدة. هنا تبرز خبرة "آن جاكسون" Anne Jackson، المدربة العلاجية في الشرق الأوسط التي كرّست أكثر من 15 عاماً لمساعدة الأفراد في المنطقة على التعامل مع القلق والاكتئاب عبر منهج يرتكز على التعاطف والنتائج العملية. تشتهر "آن جاكسون" بمنهجها الذي يركز على التعاطف وتحقيق النتائج الملموسة، حيث قدمت إرشادات لعدد كبير من العملاء من أجل تحسين صحتهم النفسية وتجديد ثقتهم بنفسهم. في هذا الحوار الخاص مع "هي"، تشاركنا "آن" رؤيتها حول التأثيرات الموسمية على الصحة النفسية في الخليج، وتقدم نصائح عملية للتأقلم مع أشهر الصيف وتحويلها إلى فرصة للتجديد والتوازن.
وترى "جاكسون" أن أجواء الراحة والاسترخاء التي تميز فصل الصيف يمكن أن تترافق في الشرق الأوسط مع تحديات أمام الاستقرار النفسي. فظروف المعيشة في المنطقة تفرض طابعها الخاص على مدار العام، وغالباً ما تقارن "جاكسون" الصيف هنا بفصل الشتاء في شمال أوروبا بعد أن أمضت 25 عاماً في دبي. ففي هذه الأشهر الطويلة يستمتع السكان بالأنشطة الخارجية، من المشي الصباحي على الشاطئ، إلى الأمسيات في المقاهي المفتوحة وعطلات نهاية الأسبوع في أحضان الطبيعة. لكن الحرارة الشديدة خلال ثلاثة أو أربعة أشهر من العام تجبر الجميع على البقاء في الداخل، ما يقلل من التعرض لضوء الشمس واستنشاق الهواء النقي، ويحد من الحركة والنشاط الطبيعي. ومع هذا التغيير الكبير، تتأثر أيضاً الحياة الاجتماعية حيث يقل صخب المدن ويسافر الأصدقاء إلى الخارج، ليترك كل ذلك آثاراً ملموسة على المزاج والحيوية والصحة العامة.
وتوضح "جاكسون" أن هناك أيضاً دوراً للحالة الجسدية في هذه المعادلة، إذ يعاني بعض الأشخاص من متلازمة الاضطراب العاطفي الموسمي الصيفي، وهو شكل من أشكال الاكتئاب المرتبط بالموسم نفسه ويسبب الأرق والتوتر والاضطراب الذهني. كما يواجه آخرون حمى القش بما تحمله من أعراض مثل العطاس وسيلان الدموع والتعب، ما يزيد من صعوبة الأشهر الحارة. وعندما تتزامن هذه المشاكل الجسدية مع قلة الوقت الذي نقضيه في الهواء الطلق، فإن مشاعر القلق وسوء الحالة المزاجية تتفاقم، لتصبح المشكلة مزيجاً من عوامل جسدية وبيئية وعاطفية.
وتشير "جاكسون" الى أن تأثير الصيف يتجاوز الطقس الحار ليصل إلى الجانب العاطفي. فمن يبقى في الإمارات خلال هذه الفترة قد يشعر بالعزلة مع تباطؤ وتيرة الحياة وخلو الشوارع، ويتسلل إليه شعور بالوحدة لغياب اللقاءات والأجواء الحيوية المعتادة في الأشهر الباردة. وفي المقابل، قد يفرض السفر الإقامة مع الأقارب ورعاية الأطفال الصغار، فيحرم الفرد من الراحة والأنشطة الروتينية. كما يمكن أن يعزز الصيف شعور الغربة لدى بعض الوافدين، ويُعيد للبعض الآخر مشاكل شخصية أو عائلية أعمق، ليجعل الموسم في نظرهم مرادفاً للضغط أو الاستياء.
لكنها تشدد في الوقت نفسه على أن الجانب الإيجابي يكمن في إمكانية التعامل مع هذه التحديات عبر تغييرات بسيطة وفعّالة في نمط الحياة. وتعدد مجموعة من الخطوات التي أثبتت فعاليتها مع عملائها، مثل:
تغيير الحالة العامة من خلال قضاء فترات راحة قصيرة
تساعد الإقامة في الفنادق عند قضاء الصيف في الإمارات، على كسر روتين الحياة اليومية وتحسين الحالة المزاجية.
التواصل مع المجتمع
ينبغي ممارسة الأنشطة التي تحافظ على التواصل مع الآخرين. فعلى سبيل المثال، يجمع نشاط "المشي 10,000 خطوة في المول" في دبي بين الحركة والتواصل الاجتماعي في بيئة مكيفة.
التواصل مع الأحبة والأصدقاء في الخارج
تسهم المكالمات المنتظمة والرسائل الصوتية والنصية في الحفاظ على التواصل العاطفي مع الأشخاص أينما كانوا.
التوازن بين السفر والحياة المنزلية
يتيح القيام برحلات قصيرة عند الرغبة في السفر، الفرصة للاستمتاع بالوقت والخصوصية في المنزل، الذي تساهم أجواؤه الهادئة في تجديد الحيوية والنشاط.
مشاركة المسؤوليات وتخصيص وقت للنفس
تمنح مخيمات الأطفال الصيفية الوالدين وقتاً للراحة وتجديد النشاط والتركيز على صحتهم وسعادتهم.
المواظبة على الحركة والنشاط
يمكن استبدال الأنشطة الرياضية الخارجية بالتمارين في المساحات المغلقة، حيث يساهم التسجيل لفترة قصيرة في إحدى صالات الألعاب الرياضية أو ممارسة تمارين اللياقة المنزلية في الحفاظ على مستويات الطاقة.
إنشاء مساحة هادئة داخل المنزل
تسهم الغرف المضاءة والجذابة، والمُزينة بالنباتات والروائح العطرة، والمساحات المُرتبة، في تحسين الحالة المزاجية. ولهذا يجب استخدام إضاءة تُحاكي ضوء النهار الطبيعي عند الإمكان.
طلب المساعدة من الأخصائيين عند الضرورة
إذا استمر الحزن أو القلق أو التعب، يجب التواصل مع أخصائي الصحة النفسية للحصول على دعم مخصص وإحداث تغييرات ملموسة.
إرساء مفاهيم جديدة
يخفف تغيير منظورنا تجاه فصل الصيف واعتباره وقتاً للراحة والتأمل والإبداع ضمن المساحات الداخلية، من ضغط الفكرة السائدة بضرورة الالتزام الدائم بنمط حياة نشط. ويتمثل هذا التوجه لدى البعض بتعلم مهارة جديدة أو تخصيص وقت أطول للقراءة أو المشاركة بدوراتٍ عبر الإنترنت، في حين يجد البعض الآخر في الصيف فرصة للراحة والنوم الجيد والاستمتاع بأوقات مميزة مع العائلة. وكما تقول: "عندما تختار كيفية قضاء الصيف، فإنك تستعيد الإحساس بالمتعة والتوازن".
وتختم "جاكسون" بأن الصيف في الشرق الأوسط ليس دائماً وقتاً للشاطئ والأنشطة الترفيهية فقط، بل قد يأتي بتحديات نفسية وجسدية مؤثرة. لكن عبر إدراك هذه الضغوط والاستجابة لها بذكاء ومرونة، يمكن تحويله إلى موسم للتجديد والنشاط، وفرصة لاكتشاف طرق جديدة للعناية بالنفس وتعزيز القدرة على التكيف مع الواقع.