العداءة والمدرية العالمية تالا العجو لـ"هي": المهم العثور على أصدقاء يمتلكون الشغف

إعداد: د. سوزي سلمان 

تصوير: هيثم العلي

 

على مسار الركض بشاطئ الجميرا بدبي كان الحديث مع الرياضية الفرنسية السعودية (تالا العجو). فهي تعتبر الملهمة للعديد من النساء حول العالم بمسيرتها الرياضية التي كانت دبي هي نقطة التحول الأساسية فمنها بدأت الاحتراف منذ ٧سنوات وحققت مراكز متقدمة بسباقات عالمية. ملهمتها الأولى كانت و ماتزال أمها الفرنسية، جاذبيتها العربية وشخصيتها المتميزة جعلت دار (لولوليمون) تختارها لتكون سفيرتها الجديدة. كما أنها تؤمن بأن المرأة الملهمة تلعب دوراً محورياً في إحداث تغييرات جوهرية في المجتمع.

 

-بعد النجاح الكبير الذي أحرزتهِ كمدرب شخصي وعداء محترف منذ 7 سنوات؛ كيف تصفين لنا شعور العودة إلى شغف الطفولة المتمثل باتخاذ مسار مهني في مجال الرياضة، والذي اكتشفته في مرحلة التعليم الابتدائي، خاصةً بعد إصرارك على متابعة تحصيلك العلمي ونيلك شهادتين أكاديميتين في مجال العلوم؟

لطالما امتلكتُ ثقافةً معرفيةً حول بعض الألعاب الرياضية، فمارست رياضة السكواتش بعمر الطفولة وأظهرت روحاً تنافسيةً عاليةً في المواجهات الصعبة التي جمعتني مع فتيات أكبر سناً أو حتى مع الفتيان.  وبعد هذه التجربة التحقت بمدرسة داخلية، وشاركت في سباقات الضاحية ومارست رياضة اللكروس، وأتذكر اللحظات التي رافقت أول انطلاقة لي في سباقات الضاحية والجري السريع، وأكاد أشاهد تلك الفتاة الطموحة داخلي وهي تجري بكل سرعة وتكتشف في لحظات معينة من السباق كيف أنها تتقدم على جميع المنافسين وكيف وصلت خط النهاية وهي تشعر بمفاجأة الانتصار والتفوق. فأنا من النوع الذي يجيد التحمّل ويسعى لتحقيق أهدافه بكل ثقة وحزم دون تردد أو تهاون. الأمر الذي انعكس في محاولتي لاحتراف رياضة التزلج على الماء، حيث شاركت في عدد من الجولات العالمية خلال فترة إقامتي بالبرازيل، يرافقني شعورٌ بالتنافس مع ذاتي قبل الآخرين، لذلك أسعى دوماً لتطوير إمكاناتي والارتقاء بها لتحقيق الأهداف التي أضعها نصب عينيّ. فعندما يتعلق الأمر بالرياضة، أختبر العديد من الأحاسيس المختلفة وأعيش حالات من الشغف العارم الذي أدركت مدى اشتياقي له عندما عدت إلى دبي وبدأت أمارس رياضة الجري من جديد، عندها فقط أيقنت كم أنا مشتاقةٌ لهذه الرياضة وقررت منذ ذلك الحين أن أتابع طريقي في عالمها الساحر دون توقف.

 

ـ ما الذي لفت انتباهك في تشكيلات ’لولوليمون‘ من الأزياء، وهل تعتقدين أنها تعبّر عن شخصيتك الرياضية؟

بكل تأكيد تشكّل أزياء ’لولوليمون‘ مصدراً للإلهام والتعبير عن شخصية مرتديها خاصةً مع شعارها المميز ورؤيتها تجاه المجتمع. فليس هنالك من طريقة أفضل لتحفيز المخيلة والذات من التواجد ضمن بيئة مجتمعية منفتحة نتشارك معها نفس الاهتمام والشغف. ولطالما قدّمت العلامة ابتكارات مثالية تتيح أمام عشاق الركض سراويل رياضية وفق أعلى مستويات الراحة، وهو أمر هام للغاية في رياضة الجري، فالعدّاؤون يسعون دوماً لارتداء ملابس مريحة إلى أبعد الحدود، بحيث لا تسبب أية مشاكل للبشرة وتتميز بهيكل متين لا يتعرّض للتمزّق أثناء الجري. وبالنسبة لي، تمثّل تشكيلات الدار وخطوطها الإبداعية خياراً مفضلاً يتناسب مع رغبتي بالحصول على ملابس مريحة في المقام الأول والاستمتاع بابتكارات متّسقة للغاية قبل كل شيء. تصغي ’لولوليمون‘ جيداً إلى رغباتك من منظور رياضيّ وتضع في حسبانها كافة الاحتياجات التي يتطلبها نشاطك الخاص بكل ميادينه وأجواءه المميزة، لتوفر لك أزياءً مريحةً بطريقة مدروسة تساعد في تقديم أفضل مستويات الأداء والاستمتاع بإطلالة مريحة غاية في الجاذبية!

 

ـ قمتِ بتأسيس شركتكِ الرياضية المتخصصة بعالم اللياقة والتدريب الشخصي على الجري للرياضيين المحترفين والهواة وفق مفهوم بسيط يقوم على مبدأ "كلما تحركنا أكثر سنشعر براحة أكبر"، ماهي الخطوات والنصائح التي تساعد المهتمين في اتخاذ أولى الخطوات بهذا المجال؟

من المهم العثور على أصدقاء يمتلكون ذات الشغف أو يرغبون في اتخاذ أولى خطواتهم في الاتجاه الصحيح، وعند العثور على هذا النوع من الأصدقاء، ينبغي عدم التردد في القيام بالخطوات اللازمة معاً نحو تحقيق الأهداف. ولحسن حظي، لدي مجموعة من الأصدقاء الملهمين الذين يسهمون في تحفيزي دائماً، فنحن نشجّع بعضنا البعض بطرق مختلفة ونتشارك الشغف بالجري معاً والخروج إلى الفضاءات الرحبة للهواء الطلق. لذلك أنصحكم بتغيير روتين حياتكم اليومية والجري في مكان مختلف برفقة الأصدقاء، فعندما تخططون للقيام بنشاط مشابه، يتعزز في داخلكم الشعور بالمسؤولية والالتزام، حيث لا يمكنكم التراجع أو الاعتذار لأنه ثمةَ من ينتظركم. فليس هنالك من طريقة أفضل لاستقبال اليوم من القيام بنشاط صحّي وسط مجموعة من الأصدقاء الداعمين! ويجب التنويه إلى أهمية استشارة أخصائيي اللياقة والصحة قبل البدء بالتمارين الرياضية، فنحن بوصفنا متخصصين في مجال اللياقة البدنية نعمل على تحفيز الناس للحصول على أكبر عدد ممكن من المهتمين باتباع نظام حياة صحي مفعم بالحيوية والنشاط.

 

ـ هل تؤثر الملابس الرياضية وخصوصاً منتجات ’لولوليمون‘ على أدائنا؟

بكل تأكيد يمكن لكافة المستلزمات الرياضية أن تؤثر على مستويات الأداء انطلاقاً من حمالات الصدر وصولاً إلى الجوارب، بحسب المتطلبات الخاصة لكل شخص. فبالنسبة لي، أجد ابتكارات ’لولوليمون‘ هي الأفضل في تقديم أزياء مريحة تناسبني تماماً عند الجري وتمنحني أقصى درجات الراحة والانسجام، فالعدّاؤون يبحثون دوماً عن أزياء مثالية لا تسبب الاحتكاك مع البشرة ولا تتمزّق. ففي رياضة حساسة كرياضة الجري، يمكن لأي تفصيل صغير أن يؤثر على جودة الأداء، لذلك من الضروري أن يشعر الرياضي بالتوافق التام مع الزي سواء بالنسبة لحجم الحذاء أو مدى مواءمة السروال وتناغمه مع الجسم.  فبدلاً من التركيز على الأداء، ستؤدي الأزياء غير المناسبة للانشغال بالتفكير حول الشعور بعدم الراحة وعدم السيطرة. يعدّ الإحساس بالراحة خلال الرياضة أمراً أساسياً للاستمتاع بأفضل اللحظات الرياضية، ولا يمكن إلقاء اللوم على عدم التوفيق في اختيار الملابس كنتيجة لسوء الأداء والحركة والإخفاق في ممارسة مختلف الأنشطة الرياضية كاليوغا.

 

-هل واجهت تالا، كرياضية سعودية تعمل في الإمارات العربية المتحدة، أية صعوبات ثقافية تتعلق برفض المجتمع لقرارها احتراف الرياضة؟ وما الذي تحمله ذاكرتكِ عن تلك الأيام؟

غادرتُ المملكة العربية السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة ومن ثم إلى بريطانيا وأنا بعمر الطفولة في الوقت الذي اقتصر فيه النشاط الرياضي في بلدي الأم على الفتيان فقط. ولكن بمجرد وصولي إلى دولة الإمارات اصطحبتني والدتي مع شقيقي إلى العديد من مراكز النشاط الإبداعي والرياضي لفترة ما بعد الدوام المدرسي، وهنالك اكتشفت شغفي بعالم الرياضة. وأتذكر جيداً اختبار العديد من هذه الفعاليات المختلفة، وذلك بفضل استراتيجية التربية المذهلة التي تبنتها والدتي والتي تمثلت بتعليمنا أهمية اختبار أي نشاط في البداية قبل أن نحكم عليه، ولم تجبرنا على المتابعة في أي مجال لم ينل إعجابنا. وقد اكتشفتُ موهبتي في مجال الرياضة وميلي المتزايد نحو عالمها الخلاب، ففي بريطانيا كانوا يركّزون على مشاركة التلاميذ الصغار في مدرسة التزلج على الماء في العديد من الرياضات، وهنالك سجلتُ أول تواجد لي في سباقات الضاحية، وأدركتُ قدراتي في رياضة الجري. وأعتقد في الوقت الراهن أن العالم قد تطور كثيراً خاصةً في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد مشاركة الفتيات من كافة الأعمار في مختلف الفعاليات الرياضية، ما يمثّل تحولاً هاماً على طريق الازدهار والنمو في المنطقة.

 

- تحمل رياضة الجري بين ثناياها أبعاداً نفسيةً، أخبرينا عن دوافعكِ الشخصية لممارسة هذا النشاط خاصةً بعد أن أظهرتِ تأثراً واضحاً بكتاب المؤلف كريستوفر ماكدوغال تحت عنوان "وُلدنا لنركض" والذي حقق نسبة مبيعات عالية.

لا أعتقد أنه هنالك تفسيراً محدداً يدفعنا لممارسة الجري بغض النظر عن الأسباب الخاصة بكل رياضي. فبالنسبة لي، أجد هذه الرياضة شكلاً من النشاط البدني وهي من الأعمال الأساسية التي وُلدنا للقيام بها، لكنها أكثر من مجرد محاولة جادّة لقطع المسافات. فالجري يمثّل تقلب الحالة الشعورية في العديد من النواحي، انطلاقاً من الصراع للنهوض من الفراش الوثير قبل شروق الشمس، مرواً بالجري على الأرصفة المعبدة. نعم هي حالة من التواتر الشعوري، لكن في اللحظة التي نطلق فيها أقدامنا للريح، يتحول المشهد إلى لحظات من التأمل والتفكير في الأهداف التي تدفعنا للجري، ما يجعل الرؤية أمامنا في غاية الوضوح ضمن صورة يصبح فيها المسار كما لوكان طريقاً لحياتنا الشخصية، ويبدأ عقلنا بالتساؤل عن المسافة التي نريد أن نقطعها نحو المدى.

أنت لا تحتاج إلى سبب معين يدفعك للجري، لكنه الانتقال من حالة الاسترخاء في الفراش واستنهاض الطاقات الكامنة داخلك لممارسة هذه الرياضة في الصباح الباكر ليس بالأمر السهل أيضاً.

ومن ناحيتي، أجد في رياضة الجري المتنفّس الوحيد خلال اليوم، حيث تساعدني في تنقية العقل واستلهام الأفكار المبدعة ضمن مسار يتيح ملاذاً بالصفاء والسلام الداخلي. فهو نشاط يتخطى في أبعاده الانتقال عبر المسافات ليقدم لي بيئةً ذهنيةً أشعر فيها بالحيوية وتتجلى فيها قدراتي في أبهى صورها.

 

-ما هو النظام الغذائي والرياضي الذي تعتمدينه، خاصةً بعد الإنجازات الكبيرة التي حققتها في مختلف المسابقات والتي ساهمت في تدوين اسمكِ بين صفوة العدائين حول العالم؟

يتطلب التحضير والمشاركة المستمرة في مختلف السباقات الكثير من الالتزام،  وأشعر أني محظوظة للغاية كوني قاردة على تنظيم جدولي الزمني بشكل مثالي، فأنا أقوم بتدريب الرياضيين عادةً في أوقات يكون فيه المتدربون يمارسون الرياضة في الهواء الطلق، فمن الصعب بالنسبة لي الالتزام والجري مع  المتدربين ضمن الصالات الرياضية أو التمرين مع مجموعات أخرى باعتبار أن أوقات الفراغ التي أحظى بها قد تتغير من أسبوع إلى آخر، لكن رغم ذلك، يحتاج التدريب إلى المسؤولية وتفريغ أوقات خاصة والالتزام بها. أنا أتدرب 5 مرات على الأقل أسبوعياً وأحاول أن أقطع مسافة تتراوح بين 70 – 80 ميلاً، كما أمارس تمريناً خاصاً بالقوة البدنية وتمريناً لليوغا وآخر للسباحة. ويمكنني القول أنه في الحالات المثالية أقوم بهذه التدريبات في اليوم الواحد، لكن ينبغي علّي أن أكون أكثر مرونة والتواجد في الأوقات التي يحتاجها عملائي. ولا بدّ أن أمارس الجري لمسافات طويلة بثبات ومهما كانت حالة الطقس، حيث أقوم بهذا النشاط في أيام العطلة بصحبة الأصدقاء، الأمر الذي يتيح أمامي وسيلةً للتواصل التفاعلي لساعات طويلة.

 

-انطلاقاً من موقعكِ كسفيرة لعلامة ’لولوليمون؛ ما هو شعاركِ المفضل في عالم الرياضة، خاصةً بعد أن قامت الدار برفع شعارها الشهير:"إنها مجرد عقبة بسيطة يمكنكم تجاوزها". وبعد أن استعانت العلامة بنخبة من الخبراء في تصميم الأزياء الرياضية لتقديم ابتكارات تتواءم مع متطلبات الحركة والسرعة، فضلاً عن قيامها بتوظيف العلوم الرياضية التي مكّنتها من تحقيق مكانة مرموقة بين نظرائها حول العالم.

من المهم التنفس بعمق واحترام اللحظة التي نعيشها وتقديرها إلى أبعد الحدود، وهنا يمكن المعنى الحقيقي للحياة، فنحن نعيش في عالم يفكر فيه الناس خلال لحظاتهم الآنية بما هو قادم، ويشغلون تفكيرهم بالمسافة التي سيقطعونها في الأيام المقبلة أو في التخطيط لكيفية قضاء العطلة على مدى الشهور القادمة أو خلال الأسبوع القادم، في الوقت الذي نحتاج فيه أن نعيش اللحظة، فلماذا نحبس أنفسنا في إطار الغد. إن عدم الاستمتاع بلحظاتنا الآنية سيؤدي إلى انشغالنا عن الوسط المحيط وعدم الانتباه إلى جمال العالم والناس من حولنا لأن عقلنا يركز فقط على أشياء لم تحدث بعد. لذلك من المهم أن نحيا في الزمن الحاضر ونتفاعل مع الوسط الاجتماعي الموجود في هذه اللحظة، وندع للزمن القادم لحظاته القادمة.

 

-هل تعتقدين بقدرة المرأة على قيادة التغيير في المجتمع؟ وأنت سيدة من أصل عربي تفتخر بالحديث عن والدتها الفرنسية الأصل كمصدر للإلهام، وانطلاقاً من نجاحكِ في تحفيز العديد من السيدات والرجال لاتخاذ خطوات نحو الأفضل.

لا شكّ أن المرأة الملهمة تلعب دوراً محورياً في إحداث تغييرات جوهرية في المجتمع. فمن المهم اكتساب شخصية مثالية تمتلك الحافز والشغف في مجال محدد أو قضية معينة، ومن ثم ينبغي إفساح المجال أمامها للانطلاق نحو المدى والتعبير عن إمكاناتها الخارقة. وقد حالفني الحظ كوني حظيت بأمٍّ مذهلةٍ ما تزال إلى هذه اللحظة تشجعني للمضيّ قدماً وتدعمني في اتخاذ قراراتي دون أن تلومني أو تدفعني للشعور بالخيبة في حال الفشل. وتتمتع والدتي بعقلية منفحة تلهمني للانطلاق وتحقيق ما أصبو إليه، وعلّمتني كيف أتعامل مع الفشل في أمور محددة كونها لا تمثّل شغفي الحقيقي، ما دفعني للنهوض مجدداً والبحث عن المسارات التي تجسّد عشقي والتي تجلّت في عالم اللياقة البدنية. ومن الطبيعي أن تساهم السيدات الرائدات في تحقيق تغييرات مجتمعية في وقتنا الراهن بإلهام غيرهنّ من الفتيات للسعي والعمل من أجل التطور وتحقيق أهدافهنّ. وكانت والدتي أول سيدة شجعتني للخروج من الإطار النمطي للحياة ومتابعة طريق النجاح في المجال الذي أريده، والذي يتلخّص برأيي في إلهام أكبر قدر ممكن من السيدات لممارسة رياضة الجري ومشاركتهن شعور الانطلاق المنبثق وراء الانتقال عبر المسافات في الهواء الطلق.

 

-كيف تحافظين على معنوياتكِ المرتفعة ومشاعر السعادة الملهمة التي تنعكس في كافة المنشورات والصور سواء ضمن مدونتك الخاصة (RUN WILD, RUN FREE ) أوعبر حسابك الشخصي على موقع إنستجرام؟

كوننا نعيش لتحقيق هدف ما في الحياة؛ فإننا نملك الفرصة كل صباح للسعي وراء هذا الهدف، الأمر الذي يمثل الدافع الأساسي للسعادة والحفاظ على الروح المنفتحة نحو التألق. لذلك من المهم الالتقاء بمن يشاركوننا الشغف في إحدى المسارات الحياتية. فأنا محاطة بمجموعة من الأصدقاء الذين يحركون في داخلي الحافز والإلهام، وبوجودهم لن أخشى فقدان هذا الحافز على الإطلاق، فنحن نقوم بتشجيع بعضنا البعض بطرق مختلفة، لكننا تشارك تلك الروح المحبة للجري معاً في الهواء الطلق. فمن الضروري القيام بتغييرات جوهرية في روتين الحياة اليومية والجري في مكان مختلف برفقة الأصدقاء، فعندما تخططون للقيام بنشاط مشابه، يتعزز في داخلكم الشعور بالمسؤولية والالتزام، فليس هنالك من طريقة أفضل لاستقبال اليوم من القيام بنشاط صحّي وسط مجموعة من الأصدقاء الداعمين!

 

-ما السبب الذي دفعكِ لتدوين عبارة مرافقة لإحدى الصور كمقولة تنادي بضرورة الانطلاق وكسر الحواجز التي تحول دون بذل المزيد من الجهد؟ ولماذا تعتقدين أننا نعيش ضمن مساحة آمنة لا نرغب في تجاوزها؟ وهل يمكن لهذه الخطوة أن تشجعنا على استنهاض الحوافز والقدرات الكامنة؟

استمعتُ مؤخراً إلى برنامج إذاعي، حيث أكّد أحد الرياضيين المتخصصين في سباقات التحمّل أنه ينبغي اعتياد الشعور بالتعب والضغط وكأنه عمل مريح. وقد أثّرت فيّ هذه العبارة إلى الحد الذي دفعني لتبنّيها في كل ما أقوم به، فإن اعتدنا العيش بحالة من الارتياح، لن نفسح المجال أمام أنفسنا لاكتشاف قدراتنا الكامنة لأننا نخشى الفشل، ولذلك نفضّل البقاء في المنطقة الآمنة دون أن نجرؤ على تجاوزها. وفي الوقت الذي أمارس فيه التمارين الرياضية يومياً أواجه في الكثير من الأحيان ضغوطات أثناء التمرين لدرجةٍ أرغب فيها بالتوقف، لكن التوقف لن يساهم بتطوير مقدراتي في سباقات التحمل. لذلك ينبغي علينا ألّا نخشى الفشل، وأن نخرج من قوقعة المنطقة الآمنة لنرتقي بالحدود إلى آفاق جديدة من خلال الاستيقاظ باكراً كل يوم واضعين نصب أعيننا هدفاً نسعى لبلوغه.

 

- أعجبتني إحدى المقولات التي قمتِ بنشرها على مدونتكِ الخاصة بأن رياضة الجري هي نشاط غير مكلف ولا يحتاج سوى حذاء رياضي مناسب. هل هي فعلاً بتلك البساطة؟

          تعتبر رياضة الجري من بين الأنشطة الأقل كلفة على الصعيد الماديّ، فكل ما يحتاجه الأمر زوج من الأحذية الخاصة بالجري، حيث يتلخص جلّ اهتمامك في كيفية اختيار الحذاء المناسب وشرائه، وبعدها تطلق العنان لقدمين في الفضاءات الرحبة لتدع لهما حرية القيادة والوصول إلى المسافة التي ترغب فيها وبذل كل الجهد والطاقة الممكنة.  من أقل أنواع الرياضات تكلفةً وأكثرها إغناءً، حيث تمنح ممارسيها شعوراً غامراً بالرضا خاصةً عند نجاحهم ببلوغ خط النهاية، فليس هنالك شعورٌ بالسعادة يضاهي شعور العدّاء خلال الجري. لذلك لا أجد أي مبرر على الإطلاق يمنع أحدنا من ممارسة هذه الرياضة، فهي تمثّل حاجةً فطريّةً. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية إيجاد طريق خاص بنا للقيام بهذا النشاط انطلاقاً من دوافعنا الشخصية. كل ما نحتاجه يتمثّل بالحصول على زوج مناسب من الأحذية والخروج إلى الهواء الطلق، ويمكن استهلال هذا الرياضة بالمشي السريع وفي حال نالت هذه الممارسة إعجابنا ينبغي علينا الاستمرار بها، وفي كل لحظة تراودنا فيها الرغبة بالاندفاع نحو آفاق جديدة يمكننا وقتها اختبار الجري خطوةً بخطوة ويوماً بعد آخر. ففي نهاية المطاف لا يهمّنا كيف نبدأ، وإنما أين سنصل، والشخص الوحيد القادر على تحفيزنا هو نحن، لأنه يمكن للناس أن يرفعوا راية في وجوهنا، لكن الخطوة الأولى ينبغي أن تصدر من ذاتنا.

 

-ما هي الأفكار التي تراودكِ عند الانتهاء من الجري، وماذا تقولين في نهاية هذا اللقاء؟

أنهي السباق دائماً بابتسامةٍ على وجهي أعبّر من خلالها عن امتناني لقدرتي على الاستيقاظ الباكر كل يوم، وممارسة النشاط الذي أعشقه، وهذه نعمةٌ لا يحظى بها الكثيرون بكل أسف. لذلك أميل دوماً لمنح عملائي من المدربين تمارين قاسية لأذكرهم بنعمة القدرة على الجري والحركة، وفي تلك اللحظات الرياضية القاسية التي تعتمد على بذل الجهود المضاعفة يمكننا الاستمتاع بلحظات لا تنسى وتحقيق إنجازات لا يمكن تصورها.