العادات الرمضانية المتوارثة في دول الخليج العربي

عادات رمضان في دول الخليج العربي.. توارثها الآباء ويحافظ عليها الأبناء

جمانة الصباغ
22 مارس 2023

ما أفسدته شهور العام في أرواحنا المُثقلة، تصلحه أيام رمضان بإذن الله..

قولٌ شائع يتغنى به الكثيرون في حب شهر الخير والعطاء والمغفرة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. ويُقال أيضًا أن شهر رمضان هو فرصةٌ للتغيير، وراحةٌ للنفوس، شهر عبادة وعمل وليس نومًا وكسل.

تكثر الأقاويل والتسميات في حب هذا الشهر المبارك الذي ينتظره المسلمون كل عام بفارغ الصبر؛ ليس فقط لأنه شهر الصيام وتذوق أشهى المأكولات والحلويات والمشروبات الرمضانية على موائد الإفطار، وإنما لأنه شهر التعبد والإحساس بالآخرين ممن ليس لديهم قوت يومهم الكافي. كما أنه مناسبةٌ رائعة لتجديد العمل بالعادات الرمضانية المتوارثة من جيل لآخر، سواء في التزيين أو تحضير الأطعمة أو المناسبات الإجتماعية وغيرها.

في سلسلة من المقالات، سوف نستعرض وإياك عزيزتي القارئة لعادات رمضان في العديد من الدول حول العالم؛ والبداية ستكون مع دول الخليج العربي.

عادات رمضان في دول الخليج العربي

رمضان في المملكة السعودية

يحافظ السعوديون على تقليد تناول الاطعمة التراثية في رمضان
يحافظ السعوديون على تقليد تناول الاطعمة التراثية في رمضان

يخصص الشعب السعودي أحد الأيام الأخيرة من شهر شعبان للاحتفال بقدوم شهر رمضان، وذلك من خلال وضع لافتات الترحيب والملصقات في كل مكان بما يُعرف بإسم "الشعبنة"؛ وفي هذا اليوم يجتمع الأهل والأقارب والأصدقاء للسهر وتبادل أطراف الحديث، وتناول المأكولات الشعبية احتفالًا بقرب حلول الشهر الفضيل.

وما أن يتم إعلان رؤية الهلال وبدء شهر رمضان، حتى يتهافت السعوديون على تهنئة بعضهم بكافة الوسائل، الشخصية منها والإلكترونية. كما يقوم أهل عسير باحتفال خاص استقبالًا للشهر الكريم، إذ يشعلون النار على أسطح المنازل معلنين بدء شهر الصيام.

اعتاد السعوديون على تعليق زينة الشهر الفضيل حال إعلان رؤية الهلال، ومنها تعليق الفوانيس في الشوارع، وعلى أسطح المنازل وواجهاتها، بالإضافة إلى استخدام المفارش والأدوات المنزلية ذات الطابع الرمضاني، وأجهزة البخور التي تملأ المنزل بالرائحة الجميلة ذات الطابع الروحاني.

أما بالنسبة للمأكولات الرمضانية في السعودية، فيأتي السمبوسك واللقميات والفول والتميس على رأسها، إضافة إلى طبق الكبسة الشهير. وينطلق مدفع رمضان في المملكة عند آذن المغرب؛ وعند سماعه يبدأ رب الأسرة بالدعاء بقبول الصيام، ويؤمِّن من خلفِه الجميع، ومن ثم يبدأ الأكل بعد يوم طويل من الصيام فيما يُعرف ب "فك الريق"، حيث يتناول السعوديون الصائمون الرطب أو التمر ومن ثم الماء. وبعدها ينقسمون بين أشخاص يفضَلون الصلاة قبل تناول وجبة الإفطار، وبين آخرين يفضلون الصلاة بعد الإفطار. يعقب فك الريق مأكولاتٌ خفيفة مثل الشوربة والسمبوسة، وأصناف أخرى كالمعجنات والعصائر الرمضانية؛ ثم الأطباق الرئيسية بعد صلاة العشاء والتراويح، والتي تشمل الدجاج والأرز واللحم والمظبي والكبسة والمندي، وغيرها من الأطباق السعودية الدسمة واللذيذة، إضافة إلى خبز التميس المشهور.

لكن ليست كل المدن السعودية متشابهة في هذا التقليد، فأهل الحجاز مثلًا يتناولون طعامًا خفيفًا على الفطور فيما يتم تناول الوجبة الرئيسية في السحور. وما بين الوجبتين، يتناول أهل الحجاز "التلبيبة" وهي ما تبقى من وجبة الفطور. فيما يُعتبر مشروب السوبيا (نقيع الخبز أو الشعير) المشروب المفضل بعد صلاة التراويح.

رمضان في الإمارات العربية المتحدة

يهوى الاماراتيون تناول الاطباق التقليدية على موائد الافطار في رمضان
يهوى الاماراتيون تناول الاطباق التقليدية على موائد الافطار في رمضان

تبدأ احتفالات دولة الإمارات بشهر رمضان مع حلول منتصف شهر شعبان و"حق الليلة"، وهي احتفاليةٌ يرتدي فيها الأطفال أجمل الثياب التقليدية الإماراتية وترديد أهازيج وعبارات حق الليلة أثناء تنقلهم بين المنازل، لجمع الحلويات وتوزيعات هذه الليلة في الإمارات.

ويحب الإماراتيون استقبال رمضان بأبهى حلة، من خلال تزيين الشوارع والبيوت بمختلف أنواع الزينة كالفوانيس والنجمة والهلال والمدافع وغيرها. ويُعدَ إطلاق مدفع الإفطار من أجمل الطقوس في شهر رمضان، وهو تقليدٌ يقوم به أحد أفراد الجيش أو الشرطة بإطلاق "قذيفة خُلبية" من أحد المدافع الموزعة في عدة أنحاء من الإمارات. ومدفع رمضان عادةٌ تستقطب أبناء الدول والمقيمين فيها وحتى الزوار، الذين يستمتعون بهذا التقليد الجميل في روحانية كبيرة.

السحور والفطور هما الوجبتان الرئيسيتان في شهر رمضان المبارك في الإمارات، حيث يجتمع أفراد العائلة والأصدقاء والأقارب في المنازل أو المطاعم التي تقدم أفضل عروض رمضان.

رمضان في الكويت

تعيش دولة الكويت خلال شهر رمضان المبارك، أجواءً خاصة حيث تطغى مشاعر المحبة والود والتراحم بين الناس، وتشهد حراكًا اجتماعيًا ملحوظًا. ولرمضان في الكويت طقوسٌ مختلفة، ويعتبره أهل الدولة والمقيمين فيها فرصةً لإحياء العادات والتقاليد الأصيلة واستعادة القيم التي تعزز التجانس بين أفراد المجتمع.

أكثر ما تشتهر به الكويت في رمضان هو الديوانيات، التي تُقام فيها موائد الإفطار الجماعي، كما تدور فيها النقاشات والقضايا المهمة. كذلك تُقام موائد الرحمن في العديد من المساجد للفقراء والمحتاجين.

وفي منتصف شهر رمضان، يحتفل الكويتيون بأيام "القرقيعان"، وهو عبارةٌ عن خليط من المكسرّات والحلاوة والشوكولاته يتم توزيعه على الأطفال الذين يدقّون أبواب الأهل والأقارب والجيران بعد الإفطار ووقت السحور، فيما يشبه "حق الليلة" في الإمارات. ويرتدي الأطفال في أيام "القرقيعان" الملابس الكويتية التقليدية ويرددون الأغاني الوطنية وأناشيد معينة. أما ليلة القدر فتحظى بمكانة خاصة لدى الكويتيين، ينتظرها الآلاف للتجمع في المساجد والدعاء بقرب الفرج ودفع الشرور عن بلادهم.

تختلف عادات رمضان في دول الخليج بين بلد وآخر
تختلف عادات رمضان في دول الخليج بين بلد وآخر

كما يحتفل الكويتيون بمدفع الإفطار؛ وتُعتبر "الغبقة الرمضانية" إحدى العادات العريقة والتراثية لأهل الكويت، وترتبط فقط بشهر رمضان المبارك، وهي متوارثةٌ من جيل لآخر. وتحظى "الغبقة الرمضانية" باهتمام بالغ، وتكون عبارةً عن تجمعات تُقام بعد صلاة التراويح في الفنادق والصالات، يحضرها الكثير من الناس لتبادل الأحاديث حتى ساعات متقدمة من الليل، فيما تُقدم خلالها أطباقٌ خاصة تُعرف ب"الغبقة".

عادات رمضان في قطر

يبدأ القطريون احتفالاتهم بشهر رمضان مع بدء شهر شعبان، من خلال إقامة الاحتفالات في الرابع عشر من شعبان وفق التقويم الهجري بما يُسمى "النافلة"؛ التي تركز على العطاء والمشاركة من خلال قيام العائلات القطرية بتحضير الأطعمة التقليدية والأطباق الترحيبية، وتوزيع الطعام على الجيران والفقراء والمساكين.

أما المائدة الرمضانية القطرية فتشتمل على التمر واللبن في بداية الإفطار؛ ثم يتناول طبق الهريس وهو من أهم الأطباق الرمضانية في دولة قطر. ويُشكَل "الهريس" طبقًا رئيسيًا وأساسيًا في المائدة القطرية، وهو عبارةٌ عن طبق مصنوع من القمح المهروس والمطحون مع اللحم، كما يضاف إليه أيضاً السمن القطري البلدي والدارسين أو القرفة المطحونة.

لا تخلو موائد الإفطار في البيوت القطرية أيضًا من طبق الثريد ومكوناته، وهو الخبز أو الرقاق الذي يُقطَع قطعاً صغيرة وتُشرَّب بِمرق اللحم المسلوق، الذي يتكون غالباٌ من أصناف عديدة من الخضروات مثل البطاطس والقرع والباذنجان والعديد من الخضروات الأخرى.

أما اللقيمات القطرية، فهي من أشهر الحلويات القطرية في شهر رمضان الكريم، وتُصنع من الحليب السائل وحبات الهيل الطازجة والسمن القطري البلدي والزعفران والعجين الممزوج بالخميرة. وتُقطَع اللقيمات وتُلقى في الزيت النباتي المغلي، حتى يصبح لونها أحمر، ثم توضع اللقيمات في سائل السكر أو الدبس.

تجدر الإشارة إلى أن "الغبقة الرمضانية" معروفةً أيضًا في دولة قطر؛ والغبقة في الأيام الماضية تختلف عن زمننا في كل شيء، فطابعها يختلف والأكلات التي تُقدم فيها تختلف وكذلك عدد المدعوّين، كل شيء فيها يختلف ما عدا التسمية.

والغبقة لدى الشعب القطري، هي الرجوع إلى التقاليد والأكلات الشعبية، وتناول الشعب القطري للعيش أو "الأرز"؛ لأن شهر رمضان المبارك في دولة قطر يمتاز بأكلته المشهور بها وهي "الثريد" الذي يحل محل العيش والهريس بشكل كبير جداً. كما أن طبق السمك يكون في هذا الشهر شبه معدوم، ويحل محله اللحم الذي عادة ما يكون متوفرًا بكثرة ولهذه الأسباب، تكون الغبقة.

تزدان البيوت والشوارع بزينة رمضان
تزداد البيوت والشوارع بزينة رمضان

رمضان في اليمن

قبل حلول شهر رمضان، يعمد اليمنيون لطلاء منازلهم احتفالًا بالشهر الفضيل، لتظهر البلاد بأبهى حلتها واستعدادها لقدوم شهر الخير. كما تُنظم الإفطارات الجماعية في شوارع اليمن عند نداء "الله أكبر" لأذان المغرب يوميًا، وتزدانُ الشوارعُ بأجملِ الزينة.

ويجلس الصائمون في اليمن على موائد الإفطار على شكل حلقات؛ لتجهيز وتناول الطعام والذي يتكون عادةً من التمور والسمبوسة وبعض المأكولات البسيطة، بالإضافة إلى طبق "الشفوت" وهو طبقٌ مشهور لدى الشعب اليمني يتناولونه في شهر رمضان الكريم، عبارة عن خبز "الرقاق" أو "اللحوح" الممزوج مع الزبادي أو اللبن المخلوط بالنعناع الأخضر والكمون الطازج والملح. ويركَز الشعب اليمني على وجبة العشاء عقب صلاة المغرب، وتكون عبارة عن طبق من اللحوم وأنواع أخرى من الأطعمة مثل العصيدة والكبسة والمندي و"السلتة"، وهي وجبةٌ مكونة من الحلبة والخضر واللحم المفروم والتوابل والبيض. أما الحلويات فهي مادةٌ أساسية وأشهر أنواعها الكنافة وبنت الصحن.