ليليانا بورشول

عندما تتحوّل البُنية إلى حرير: حوار مع ليلي

عمران مقصود أحمد
11 نوفمبر 2025

وُلدت ليليانا بورشول في بلغراد، وتدرّبت في الأصل كمهندسة ميكانيكية، لتُعيد اليوم تخيّل البُنية من خلال العاطفة. فهي تُحوّل الحرير إلى سطحٍ مشرقٍ نابضٍ بالحركة، وتُضيف إليه طبقاتٍ من الأصباغ وكريستالات Swarovski® والزجاج والذهب، لتخلق أعمالاً تنبض بالضوء والإحساس.

في نوفمبر المقبل، ستقدّم ليلي معرضها الجديد"ليليوم آرت" في فندق رينيسانس بيزنس باي – دبي، ليشكّل فصلاً جديداً في رحلتها الإبداعية. ومن خلال فنّها، تبني ليلي جسراً بين العلم والروح، وبين البُنية والنعومة، لتكشف عن تناغمٍ فريدٍ بين الانضباط والخيال، وهو ما يميّز لغتها الفنية الخاصة.

يحمل المعرض عنوان "طريق الحرير"، في إشارةٍ إلى الطريق التجاري التاريخي الذي كان يمرّ عبر الشرق الأوسط، حيث كانت القوافل تحمل الحرير والفن والأفكار بين العوالم. تقول ليلي: «بالنسبة لي، لا يمثّل هذا العنوان رمزاً فحسب، بل هو انعكاس لمسيرتي الشخصية. فبعد أكثر من عقدين من الرسم على الحرير، يجسّد هذا المعرض رحلتي الخاصة على درب الجمال والحرفة والتحوّل.

 

لقد بدأتِ مسيرتكِ المهنية كمهندسة ميكانيكية قبل أن تُكرّسي نفسكِ للفن. كيف حدث هذا التحوّل؟ وكيف أثّرت خلفيتكِ الهندسية على طريقتكِ في التعامل مع اللوحة؟

الفن كان دائماً جزءاً لا يتجزأ من حياتي. نشأت في عائلة موهوبة بالفطرة، فالجميع كان يرسم أو يغنّي أو يعزف، حتى وإن اختار معظمهم مساراتٍ مهنية في الطب أو الهندسة. منذ طفولتي كنت أرسم وأتجرب، وقد حصلت على عدة جوائز فنية خلال دراستي.

اختياري دراسة الهندسة الميكانيكية جاء بتأثير من والدي الذي كان يملك شركة هندسية، وهو ما وجّه خطواتي المهنية الأولى. أكملت دراستي بتفوّق، وتبعتها بدرجة الماجستير، وهي تجربة علّمتني الانضباط والمثابرة، وأن النجاح يمكن تحقيقه بالإخلاص في أي مجال. لكن رغم الإنجازات، شعرت أن شيئاً ما كان ينقصني. منحتني الهندسة الدقّة لكنها لم تمنحني الحرية العاطفية، بينما سمح لي الفن بالتعبير عن المشاعر والخيال والطاقة بطريقة لا يستطيع أي مجال آخر أن يمنحها.

هذا المزج بين البُنية والعاطفة لا يزال حتى اليوم جوهر أعمالي، وهو حوار يتجلّى بوضوح في بيئة فندق رينيسانس بيزنس باي، حيث يلتقي الإبداع بالهندسة في انسجامٍ جميل.

ليلي بورشول


أصبح الحرير مادّتكِ الفنية المميّزة، وهو رقيق وانسيابي ومضيء. ما الذي جذبكِ إليه في البداية؟ وكيف يُمكّنكِ من التعبير عن العاطفة بطريقةٍ لا تتيحها أي مادة أخرى؟

كانت قصة حب من النظرة الأولى. اكتشفت الحرير عندما رأيت وشاحاً مرسوماً يدوياً بدا لي وكأنه يتنفّس. تلك اللحظة أيقظت في داخلي شغفاً جديداً، وأصبحت مبهورة بكيفية تحويل هذا النسيج الهش إلى مساحةٍ قويةٍ تعبّر عن الإحساس.

للحرير إيقاعه وسرّه الخاص. يُرسَم وهو ممدود أفقياً على إطار، باستخدام ألوانٍ ممزوجة بالماء أو الكحول أو الشمع أو الملح, في عمليةٍ تشبه الكيمياء الفنية. لا يمكن التنبؤ بالنتيجة أبداً، وهذا ما يمنح كل لوحة طابعها الفريد وروحها الخاصة. فالأصباغ تتدفّق في نسيج الحرير الدقيق كما تتدفّق المشاعر: حرّة، عفوية، ومضيئة.
 

تجمعين في أعمالكِ بين الأصباغ وكريستالات Swarovski® والذهب بتناغمٍ لافت. ماذا تمثّل لكِ هذه المواد، وكيف تتفاعل معاً لتولّد ذلك الإحساس بالحركة والعمق؟

كل فنان يبدع مما يحب. أنا بطبيعتي أنجذب إلى الجمال، والتوازن، واللمعان, ليس فقط بصرياً، بل طاقياً أيضاً. بالنسبة لي، الحرير والذهب والكريستالات ليست مواد فنية فحسب، بل امتداد لعالمي الداخلي، تعكس ذوقي الجمالي وروحي التأملية.

أستخدم هذه العناصر في كل عمل لأمنحه عمقاً وسطوعاً، وأجعل الضوء يرقص على سطح اللوحة وكأنها كائن حيّ. فكلما تغيّر الضوء، تغيّرت اللوحة معه، فيتحوّل العمل من صورة ساكنة إلى كيانٍ نابضٍ بالحركة والحياة.

ليلي بورشول

تتحدثين كثيراً عن مفهوم "تحويل البُنية إلى انسيابية". ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لكِ؟ وكيف تحققين التوازن بين السيطرة والعفوية أثناء عملية الإبداع؟

فلسفتي قائمة على إيجاد البُنية داخل الانسيابية. فالبُنية تمنحني الأساس والنظام والانضباط الذي ورثته من الهندسة، بينما تمثل الانسيابية العاطفة والطاقة وحركة الإبداع الطبيعية.

عندما أبدأ عملاً جديداً، لا أخطّط له بالكامل. أترك الحدس يقودني. من خلال اللون والإيقاع والشكل، أترجم المشاعر إلى حركة. كل لوحة هي عملية تحوّل صغيرة، لي وللعمل معاً. لا توجد لوحتان متطابقتان لأن كل واحدة تمثل لحظة إلهام فريدة. ذلك التوازن بين السيطرة والعفوية هو ما يمنح العمل حياته وصدقه.

 

سيُفتتح معرضكِ القادم "ليليوم آرت" في دبي هذا نوفمبر. كيف يتناغم عرض أعمالكِ في مدينةٍ تُعرف بالتحوّل والفخامة والضوء مع فلسفتكِ الفنية؟

يمثل معرضي «طريق الحرير» في دبي، تحت علامتي الفنية Lilium Art، خلاصة سنواتٍ من التطوّر الإبداعي. فدبي، بتنوّعها وأناقتها وانفتاحها الثقافي، تعكس الكثير من القيم التي تسكن فني.

يشرفني أن أقدّم هذه المجموعة في فندق رينيسانس بيزنس باي، المكان الذي يحتفي بالإبداع والاكتشاف. أرى هذا المعرض ليس مجرد عرضٍ للأعمال، بل حواراً بين الثقافات، نقطة لقاءٍ بين رهافة الحرير ونبض الحداثة في دبي. تماماً كما كان طريق الحرير القديم يربط بين العوالم من خلال الجمال والتبادل، يسعى هذا المعرض إلى نسج الخيوط ذاتها بين التقليد والمعاصرة، بين العاطفة والضوء.

ليلي بورشول

تبدو أعمالكِ وكأنها تدعو المشاهد إلى السكون والتأمل. ما الذي تأملين أن يشعر به الزائر عند مواجهته لإحدى لوحاتكِ للمرة الأولى؟

أتمنى قبل كل شيء أن يشعر المشاهد بالفرح والنشوة ذاتها التي أختبرها أثناء الخَلق. أكثر لحظاتي سعادة هي عندما يتوقّف أحدهم أمام عملٍ لي ويشعر بذلك الارتباط الهادئ غير المعلن بين الفنان والمتلقي.

من خلال لوحات الحرير وتركيب الفيديو الفني المرافق، أطمح إلى تقديم مساحةٍ من الهدوء والتوازن، تذكيراً ناعماً بجمال اللحظة والحضور. فعندما تتشارك الطاقة بين الخالق والمُشاهد، يتحقق جوهر الإبداع.

ليلي بورشول

تُعرض أعمالكِ اليوم في مجموعاتٍ خاصة حول العالم، من باريس إلى شنغهاي. كيف تشعرين عندما تعلمين أن لوحاتكِ تعيش في ثقافاتٍ وسياقاتٍ مختلفة؟

إنه شعور عميق بالتواضع والامتنان. بالنسبة لي، يؤكد ذلك أن الفن لا يعرف حدوداً. فالجمال يتجاوز اللغة والمكان والثقافة، ويعيش في قلب كل من يراه.

كل من يقف أمام عملي يجلب معه قصته وذكرياته ومشاعره. ومن خلال هذا التفاعل، تكتمل اللوحة وتجد معناها الحقيقي. هذا الحوار الصامت بين الفنان والمُشاهد هو ما يجعل الفن خالداً وعالمياً.


بعد افتتاح معرض "طريق الحرير"، ما المشاريع أو المواد أو التعاونات الجديدة التي تتطلعين إلى استكشافها؟

بعد افتتاح «طريق الحرير» هذا نوفمبر، ستبقى "قوافلي الفنية" في دولة الإمارات لبعض الوقت, استمراراً لرحلةٍ بدأت منذ زمن بعيد.

أراها وسيلةً ليتابع فني مسيرته، فيتّصل بمساحاتٍ جديدة ويصل إلى جمهورٍ مختلف. تماماً كما كان طريق الحرير الأصلي يربط بين الثقافات عبر الجمال والاكتشاف، آمل أن تستمر أعمالي في نسج تلك الخيوط الخفيّة من التواصل بين القلوب والعوالم، بلغةٍ واحدة هي الجمال.