رحيل سفير الأدب السعودي ... تعرفوا على مسيرة أحمد أبو دهمان من سراة عبيدة إلى باريس
ودع الأدب السعودي الكاتب السعودي أحمد أبو دهمان، الذي كتب بالفرنسية وفتح عبر نصوصه نافذة على الحياة في عسير أمام قارئ عالمي. وفي دلالة على أثره الثقافي، أهدى وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان آل سعود نسخة خاصة من رواية "الحزام"، أبرز أعمال الراحل، إلى وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد المالك. وبرحيله، يفتقد الأدب السعودي صوتًا مختلفًا نقل التجربة المحلية إلى فضاء أوسع دون أن يفصلها عن جذورها.
يعد أحمد أبو دهمان من أبرز الأسماء التي ربطت الأدب السعودي بالمشهد الثقافي الأوروبي، من خلال تجربة فريدة جمعت بين السرد المحلي والكتابة بلغة عالمية. ولد أبو دهمان عام 1949 في قرية آل خلف بمحافظة سراة عبيدة في منطقة عسير جنوب المملكة العربية السعودية، ونشأ في بيئة جبلية غنية بالتقاليد الشفوية والطقوس الاجتماعية، وهو ما شكل الأساس الموضوعي لمعظم أعماله لاحقًا.

بدأ تعليمه في قريته، ثم انتقل إلى أبها لإكمال المرحلة الثانوية، قبل أن يلتحق بجامعة الملك سعود في الرياض لدراسة اللغة العربية، حيث تخرج بتقدير ممتاز وعين معيدًا في قسم اللغة العربية. في عام 1979 حصل على منحة دراسية لمواصلة دراسته في جامعة السوربون في باريس، ليقيم هناك منذ عام 1982. هذه المرحلة شكلت نقطة تحول محورية في مسيرته الفكرية والأدبية، إذ وجد نفسه بين ثقافتين مختلفتين: ثقافة محلية تشكلت في الذاكرة، وأخرى غربية يعيشها يوميًا.
الصحافة والعمل الثقافي
إلى جانب اهتمامه بالأدب، لعب أبو دهمان دور فاعل في العمل الصحفي. شغل منصب مدير مكتب جريدة الرياض في باريس، وعمل مراسلًا صحفيًا لسنوات، وكتب عمودًا أسبوعيًا بعنوان "كلام الليل" تناول فيه قضايا الثقافة والهوية والتحولات الاجتماعية. كما شغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة الحزام للاستشارات الإعلامية، ما عزز حضوره في المشهدين الإعلامي والثقافي.
العمل المفصلي.. رواية "الحزام"
تُعد رواية "الحزام" أبرز أعمال أحمد أبو دهمان وأكثرها تأثيرًا. صدرت أول مرة باللغة الفرنسية عام 2000 عن دار غاليمار في باريس، لتسجّل سابقة أدبية باعتبارها أول عمل إبداعي لكاتب من شبه الجزيرة العربية يُكتب ويُنشر أصلًا بالفرنسية. لاحقًا تُرجمت الرواية إلى عدة لغات، من بينها العربية التي ترجمها المؤلف بنفسه.
تدور الرواية حول نشأة الراوي في قرية آل خلف، وتتناول التحولات الاجتماعية والثقافية التي رافقت الانتقال من الحياة الريفية إلى التعليم ثم المدينة. وعلى الرغم من تصنيفها كرواية، فإنها تقرأ بوصفها سيرة ذاتية جزئية، تعتمد على الذاكرة الشخصية والجماعية في آن واحد. تستعرض الرواية تفاصيل الحياة اليومية في القرية، والعلاقات الاجتماعية، والطقوس المحلية، والصراع بين الثبات والتغيير.
شخصية “حزام”، التي تحمل الرواية اسمها، تمثل رمزًا للقرية وقيمها، وتستخدم بوصفها أداة سردية لفهم علاقة الفرد بمكانه الأول، وما يترتب على فقدان هذا المكان أو الابتعاد عنه.

اللغة والهوية: جدل مستمر
أثار اختيار أبو دهمان الكتابة بالفرنسية نقاشًا واسعًا في الأوساط الثقافية العربية. فقد رأى بعض النقاد في هذا الخيار ابتعادًا عن اللغة الأم، بينما اعتبره آخرون خطوة واعية لتقديم التجربة السعودية إلى قارئ خارج حدود الجزيرة العربية. في ردوده ومقالاته، أوضح أبو دهمان أن الفرنسية كانت وسيلة للتواصل لا بديلًا عن العربية، وأن الرواية كُتبت في سياق شخصي قبل أن تتحول إلى عمل منشور. هذا الجدل شكل جزءًا من حضور الرواية النقدي، وأسهم في توسيع النقاش حول علاقة الكاتب العربي باللغة، وحدود الانتماء الثقافي في سياق عالمي.
إرث ثقافي
يمثل أحمد أبو دهمان نموذجًا لكاتب سعودي استطاع نقل تجربة محلية محددة إلى فضاء عالمي دون فصلها عن سياقها الثقافي. وقد تجسّد هذا الاعتراف مؤخرًا عندما أهدى وزير الثقافة السعودي نسخة خاصة من رواية "الحزام" إلى وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد المالك، في إشارة رمزية إلى الدور الذي لعبه أبو دهمان في تعزيز الحوار الثقافي بين البلدين.
في سياق تطور الأدب السعودي وتنوّع تجاربه، تبقى تجربة أحمد أبو دهمان علامة مهمة في تاريخ الكتابة العابرة للغة، حيث قدّم نموذجًا مختلفًا لفهم الهوية، لا بوصفها ثابتًا لغويًا، بل تجربة ثقافية قابلة للنقل والتفاعل، إلى أن رحل في عام 2025.
الصور من صفحة الراحل عبر منصة X