خديجة البستكي، النائب الأول لرئيس مجموعة تيكوم – حي دبي للتصميم

خاص "هي".. خديجة البستكي: التكنولوجيا ليست بديلاً عن الإبداع بل شريك في صناعته

جويل تامر
11 نوفمبر 2025

في وقت تتقاطع فيه الإبداعات البشرية مع قدرات الآلة، يقف حي دبي للتصميم (d3) في طليعة المشهد الإبداعي العالمي، شاهداً على تحوّل نوعي يقوده الذكاء الاصطناعي في مجالات الفنّ، التصميم، والأزياء. من قلب هذه المنظومة المتجدّدة، تؤكد خديجة البستكي، النائب الأول لرئيس مجموعة تيكوم – حي دبي للتصميم في حوار خاص لـ"هي"، أنّ التكنولوجيا لم تعد مجرّد أداة مساعدة، بل أصبحت شريكاً في صياغة المستقبل الإبداعي، تفتح أمام المصمّمين والفنانين آفاقاً غير محدودة للتجريب، الابتكار، والتعبير الفني.

في رؤيتها، يشكّل الذكاء الاصطناعي لغة جديدة تربط بين الحِرف التقليدية والابتكارات المستقبلية، وتتيح للمبدعين في المنطقة إعادة تخيّل تراثهم الثقافي بأساليب رقمية متقدّمة تعكس أصالة الماضي وحيوية الحاضر. وتبرز مبادرات حي دبي للتصميم مثالاً على هذا التوجّه، من ورش العمل التي استخدمت أدوات مثل Midjourney لتصميم مبانٍ مستدامة برؤية عام 2040، إلى الفعاليات والمنصّات التي تناقش أثر التكنولوجيا على الإبداع في كلّ من أسبوع دبي للتصميم وأسبوع دبي للموضة.

ومع تسارع الخطى في تبنّي استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي وخطة دبي السنوية لتسريع تبنّي تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يتّضح الدور الريادي الذي تلعبه الإمارة في رسم ملامح المستقبل الإبداعي العالمي. بالنسبة للبستكي، يظلّ التحدّي الأجمل هو تحقيق التوازن بين التقنية والإنسان، بين الخوارزميات والخيال، بحيث تبقى اللمسة البشرية هي النبض الذي يمنح العمل الفني روحه، مهما بلغت دقّة الآلة.

من خلال منظومة حيوية تجمع بين المواهب، التكنولوجيا، والرؤية المستقبلية، يرسّخ حي دبي للتصميم مكانته كمنصّة عالمية تُعيد تعريف العلاقة بين الإبداع والذكاء الاصطناعي، وتؤكد أن مستقبل التصميم يبدأ من هنا، من دبي.

ما هو برأيكِ الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي اليوم في إحداث تحوّل جذري ضمن المشهد الإبداعي من خلال الفنّ والتصميم والثقافة؟

نلمس اليوم التأثير الملحوظ للذكاء الاصطناعي في تعزيز تجربة الابتكار، من خلال توفير آفاق وفرص جديدة للمبدعين لتجربة أدوات تعزّز من جودة أعمالهم. فقد بات الذكاء الاصطناعي أداة فعّالة للتعاون والابتكار في مجالات الفنّ والتصميم والأزياء، حيث يتيح للمبدعين فرص إنجاز مهامهم بشكل أسرع، والاستفادة من خيارات لا متناهية، والمساهمة بشكل إيجابي في إعداد التصاميم التي تعكس تفضيلات الأفراد، وترجمة الأفكار المبتكرة إلى أعمال ملموسة بطرق متنوّعة.

ويتوقّع أكثر من 42% من الخبراء في مجال التصميم و46% من الخبراء في مجال الإعلام، والذين شاركوا في استطلاع رأي في إطار تقرير من إعداد حي دبي للتصميم ومدينة دبي للإعلام حول الاقتصاد الإبداعي الرقمي العالمي، أن يكون للتكنولوجيا الناشئة والمتقدّمة وحلول الذكاء الاصطناعي أثر ملحوظ على مجالات عملهم خلال السنوات المقبلة. وباتت المواهب الإبداعية حول العالم اليوم أكثر اهتماماً بكيفية الاستفادة من الإمكانات ذات الأثر الملحوظ لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لتنفيذ أعمالها بشكل آلي أو تعزيز كفاءتها.

هل يمكنكِ مشاركة بعض الأمثلة حول دور الذكاء الاصطناعي في ابتكار أشكال جديدة من التعبير الفني أو تعزيز التعاون ضمن منظومة حي دبي للتصميم؟

يحرص المبدعون والمصمّمون المبتكرون في حي دبي للتصميم، بدءاً من المهندسين المعماريين وصولاً إلى مصمّمي الديكور الداخلي ودور الأزياء والفنانين، على مواكبة مسيرة التقدّم التكنولوجي عبر النظر في سُبُل تبنّي أحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي. وأشير بالتحديد إلى بعض المشاريع التي كانت من الأبرز بالنسبة لنا خلال السنوات الأخيرة، وهي ورشة عمل "رؤىً لمستقبلٍ مستدامٍ" والتي تمّ تنظيمها بالتعاون مع المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين خلال أسبوع دبي للتصميم، حيث تمّت الاستعانة بأداة الذكاء الاصطناعي "ميد جورني" لتصميم مبانٍ مستدامة برؤية مستقبلية في دبي بحلول عام 2040.

ما هي برأيكِ أبرز الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للفنانين والمصمّمين في المنطقة؟ كيف تحرصون على إيجاد التوازن بين تطبيقات الذكاء الاصطناعي واللمسة البشرية في الأعمال الإبداعية الأصلية؟

تتغنّى منطقة الشرق الأوسط بإرثها الحضاري العريق ومهاراتها العالية في السرد القصصي، حيث يوفر الذكاء الاصطناعي لغةً جديدةً وملهمةً للتعبير عن هذا الإرث بطرق ربّما لم يسبق لها مثيل. فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الفنانين والمصمّمين في حي دبي للتصميم على إيجاد سُبُلٍ جديدة لتعزيز التداخل بين الماضي والمستقبل، سواء كان ذلك من خلال وضع تصوّر جديد للحرف التقليدية من خلال التصاميم التوليدية أو ابتكار التجارب التي تجمع بين التاريخ العريق والمؤثرات البصرية العصرية.

كما يتيح الذكاء الاصطناعي فرص الوصول إلى الأسواق العالمية، عبر تمكين المبدعين من إعداد النماذج الأولية واختبار الأفكار وتطويرها بمزيد من الفعالية والكفاءة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداةً فعّالة لمضاعفة الأثر وإنتاج الأعمال الأصلية ذات الهوية المحلية والطابع العالمي. ويجب ألا ننسى أيضاً الطلب الكبير الذي تشهده المنطقة على الخدمات والمزايا التي تلبّي احتياجات كافة الأفراد، بما يجعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة فعّالة للقيام بذلك.

ندرك في حي دبي للتصميم أهمية الدور الذي تؤديه التكنولوجيا في تعزيز القدرة على الإبداع والابتكار، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تسريع وتيرة الأعمال أو اقتراح توجّهات جديدة، غير أنّ المصمّم أو الفنان يبقى دوماً صاحب القرار النهائي بما يرغب بتعديله أو الاحتفاظ به وفقاً لرؤيته الإبداعية الفريدة.

ما هي المبادرات أو البرامج التي يحرص حي دبي للتصميم على إطلاقها، دعماً للمبدعين الذين يرغبون بالاستفادة من الفرص المتاحة للابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي؟

تتناول الفعاليات والمنصات المبتكرة التي نقوم بتوفيرها، بدءاً من أسبوع دبي للتصميم وأسبوع دبي للموضة وصولاً إلى الجلسات الحوارية المتخصّصة في القطاع، مواضيع ملهمة حول دور الذكاء الاصطناعي في شتى مجالات التصميم والهندسة المعمارية والأزياء. ونسعى من خلال شراكاتنا المثمرة مع مؤسسات أكاديمية رائدة، مثل معهد دبي للتصميم والابتكار، إلى تزويد الأجيال الناشئة بما يلزم من مهارات وموارد لدمج ابتكارات الذكاء الاصطناعي بمجالات تخصّصهم منذ البداية.

كما نحرص على تعزيز الابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي بطرق متعدّدة نذكر منها حاضنة الأعمال in5، وهي حاضنة الشركات الناشئة وروّاد الأعمال التابعة لمجموعة تيكوم. فقد استضافت حاضنة الأعمال in5 للتكنولوجيا هاكاثون دبي للذكاء الاصطناعي حيث ركز على ابتكار الحلول الفعّالة لتحديات ملحّة في مجالات التنقّل وتكنولوجيا العقارات وعلوم الحياة باستخدام الذكاء الاصطناعي. كما استضافت حاضنة الأعمال in5 دورة تدريبية متخصّصة لمدة 5 أيام بعنوان "إعداد فريق الذكاء الاصطناعي خلال 5 أيام"، لمساعدة روّاد الأعمال على فهم أدقّ تفاصيل الذكاء الاصطناعي والاستفادة من إمكاناته اللامحدودة في مجالات عملهم.

ما هو الدور الذي تتوقعون أن تلعبه دبي وحي دبي للتصميم بالتحديد في رسم معالم التوجّهات العالمية المرتبطة بالإبداع القائم على الذكاء الاصطناعي خلال السنوات 5 – 10 المقبلة؟

تحافظ دبي على مكانتها في طليعة المدن التي تقود مسيرة تبنّي ابتكارات الذكاء الاصطناعي حول العالم، حيث يشير تقرير صدر مؤخراً حول مدى جهوزية المدن لتبنّي الذكاء الاصطناعي إلى تصنيفها من بين أفضل 5 مدن في العالم. وأعلنت دبي في عام 2024 عن إطلاق خطة دبي السنوية لتسريع تبنّي استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي خطة سنوية تهدف إلى توظيف الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا الناشئة بما يسهم في تحقيق النتائج المنشودة على صعيد جودة الحياة . وحقّق أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي في وقت سابق من هذا العام إنجازاً بارزاً إضافياً مع إعلان دبي عن سياستها الجديدة للذكاء الاصطناعي، والتي تستهدف الجهات الحكومية والنسخة الأولى من تقرير وضع الذكاء الاصطناعي في دبي.

وانطلاقاً من هذه الجهود الطموحة، تلعب الإستراتيجيات الوطنية الرائدة مثل أجندة دبي الاقتصادية D33 وإستراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي وخطة دبي السنوية لتسريع تبنّي استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، دوراً بارزاً في تسريع وتيرة دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بكافة جوانب اقتصاد دبي المتنوّع. كما تسهم الإستراتيجيات الوطنية، مثل رؤية "نحن الإمارات 2031" وقرار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي بتعيين 22 رئيساً تنفيذياً للذكاء الاصطناعي في الجهات الحكومية بدبي ضمن رؤية مستقبلية محورها تعزيز الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تطوير العمل الحكومي ودعم تجربة حكومة دبي في هذا المجال ونقلها إلى آفاق جديدة ترسخ ريادتها عالمياً في ابتكار الحلول القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وأدوات المستقبل.

وفي هذا الإطار، تعزز دبي يوماً بعد يومٍ مكانتها وجهة حاضنة للأفكار الرائدة والمبتكرة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويستعدّ حي دبي للتصميم، بصفته وجهة عالمية رائدة للإبداع في شتّى مجالات التصميم، إلى ترسيخ مكانته في صميم هذه المسيرة الطموحة لمواصلة دوره المحوري في تعزيز قطاع التصميم والصناعات الإبداعية.