عناصر بصرية وفنية متنوعة.. مبادرة الخوص تجمع الحرفيين والمبدعين لاستكشاف تراث شجرة النخيل

تأتي مبادرة "الخوص" التي أطلقها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) امتدادا لجهود المركز في إبراز التراث والحرف اليدوية بوصفها مكونًا حيًا من مكونات الإبداع المعاصر، فهي لا تكتفي بإحياء حرفة تقليدية، بل تعيد تصورها وتضعها على خارطة الحرف والممارسات العالمية الحديثة، من خلال خلق فضاءات للتلاقي بين الفنانين والحرفيين والمصممين المحليين والدوليين، حيث تفتح المبادرة آفاقًا جديدة أمام الحرف المحلية للانتشار والوصول إلى نطاقات أوسع إقليميًا ودوليًا، وفي هذا الصدد، تطرح المبادرة سلسلة من البرامج ذات الصلة والعناصر المتنوعة والتي تشمل إقامة فنية، ومعرضًا فنيًا، وفيلمًا وثائقيًا، إضافة إلى تكليفات فنية تتيح للتراث أن يتجدد بروح معاصرة.. فلنتعرف على أبرز عناصر المبادرة.

إقامة الخوص الفنية

يأتي برنامج الإقامة الفنية ليجمع بين الحرفيين والمصممين لاستكشاف تفسيرات معاصرة لتراث شجرة النخيل، حيث يستند البرنامج إلى الجذور التقليدية وينطلق منها برؤية مستقبلية، بهدف دمج التراث مع الابتكار، وينعقد هذا البرنامج على مدى 12 يومًا من الإقامة، الفترة الممتدة ما بين 3-14 أكتوبر الجاري، ويشارك المتقدمون في بحوث تطبيقية، وتجارب مادية، وعمليات إبداعية تعاونية، بهدف تعزيز الحوار حول التبادل الثقافي والإبداعي.

ويضم البرنامج من 6 إلى 8 مشاركين، من داخل المملكة وخارجها، ويُعاد من خلاله تصور المواد المعتمدة على النخيل وتقنيات النسج بالخوص ضمن تخصصات متنوعة مثل الفن، والهندسة المعمارية، والموضة، والتصميم، مما يساهم في مناقشات أوسع حول الاستدامة والهوية الثقافية.    

ومن أبرز المشاركين في البرنامج من المواهب المحلية: بشائر هوساوي من جدة، جنى ملائكة من الخبر، فاطمة النمر من القطيف، زينب أبو حسين من الرياض.  

أما قائمة أبرز المشاركين الدوليين والإقليميين، فتضم كلا من: هيشان كيم (كوريا الجنوبية)، مريم النعيمي (البحرين)، إيزابيل إنفانتي (تشيلي)، ميساء شلدان (سعودية/فلسطينية)، عزة القبيسي (الإمارات العربية المتحدة)، سارة كانو (البحرين).

وتتضمن أهداف هذا البرنامج:

- المشاركة في التبادل الثقافي: من خلال التعاون مع حرفيين محليين ودوليين، يطوّر المشاركون فهمًا أعمق للتقاليد المتنوعة والمقاربات المختلفة لفن نسج الخوص.

- اكتساب تقنيات جديدة: استكشاف طرق نسج مبتكرة وتحويلها إلى أشكال معاصرة، مع تحقيق توازن بين الممارسات التقليدية والحديثة.

- تعزيز مهارات التواصل: تقوية التفاعل مع الأطراف المعنية مثل العملاء، المتعاونين، والمهنيين في القطاع.

معرض الباسقات

يقدم معرض "الباسقات" رحلة للخوض في استكشاف عالم النخيل، وللاقتراب من هذه الشجرة الحيوية التي تمثل إرثًا حيًا ترك أثره العميق في شبه الجزيرة العربية، سواء في المناظر الطبيعية أو في المشهد الثقافي والاقتصادي والبيئي، حيث يسلط هذا المعرض الضوء على شجرة نخيل التمر وأهميتها الراسخة في عمق الثقافة السعودية وتراث المملكة، كما يحتفي بالعلاقات بين أنواع النخيل المختلفة، وانتشارها عالميًا، ودورها في ربط المجتمعات من خلال لغة ثقافية مشتركة، ومن المقرر أن ينطلق المعرض في الـ 9 من أكتوبر، ويستمر حتى مارس من عام 2026.

علما بأن الملفت في فصيلة النخيل هو أنها تضم أكثر من 2,500 نوع ضمن ما يزيد عن 180 جنسًا، منها؛ نخلة التمر أو البلح، ونخلة جوز الهند، ونخلة الزيت الأفريقية، ونخلة الواشنطونية المعروفة أيضًا بنخلة المروحة المكسيكية، ونخلة الأريكا.. فمن الجذور إلى السعف يستكشف المعرض كيف استُخدم كل جزء من الشجرة، وكيف أعاد المصممون والصناع والباحثون المعاصرون ترتيب هذه المعارف التقليدية وكيفية دمجها مع التقنيات الحديثة للكشف عن إمكانات غير محدودة للإبداع والابتكار.

ولقد اختير لهذا المعرض عنوان "الباسقات" المستمد من قوله تعالى: "وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَـٰتٍۢ لَّهَا طَلْعٌۭ نَّضِيدٌۭ" (سورة ق: 10). تعكس هذه الآية الكريمة عظمة نخيل التمر وأثره العميق والدائم، مؤكدة دوره كمصدر للغذاء والمأوى والإلهام عبر العصور.

علاوة على ذلك، شكّل العنوان أساسًا مسترشدًا به في التصميم المكاني للمعرض، حيث تم استخدام خشب النخيل وحباله وأليافه لإنشاء فضاءات متشابكة مستوحاة من العريش، لتمثل كل منها جوانب مختلفة من التراث الثقافي والمادي لشجرة النخيل.

ويضم المعرض أعمال فنية معاصرة لفنانين سعوديين وعالميين، ومن أبرزهم: فاطمة النمر (السعودية)، بشائر هوساوي (السعودية)، سمية شلبي (السعودية)، شهيرة فهمي (مصر)، دانيال فاليرو (ميستيز) (المكسيك)، محمد أمين حمودة (تونس)، كما يستعرض "الباسقات" عمل الفائز بجائزة إثراء للفنون عبيد الصافي "نخيل في عناق أبدي" وسط المعرض.

الفيلم الوثائقي "سعفة"

ستتضمن المبادرة عرض فيلم وثائقي بعنوان "سعفة" من إنتاج صانع الأفلام المعروف محمود كعبور، إذ يسرد الفيلم حكايات وحياة المشتغلين بحرفة الخوص، وسيُعرض الفيلم لأول مرة في إثراء في 9 أكتوبر 2025، خلال فعالية يوم التكريم في إثراء، بالتزامن مع إطلاق معرض "باسقات".

ويأتي هذا الفيلم ليلقي الضوء على حرفة الخوص التي تتخذ بُعدًا خفيًا في عالم لا يمسّ ولا يرى، فعلى إيقاع الحركة المتكررة، ينسج الحرفيون حولهم فضاءً من التأمل والانغماس الذهني، ويسعى هذا الفيلم إلى الغوص في تلك الحالة، وكشف خفايا العالم الداخلي لنسّاجي الأحساء، بينما تتحوّل النخلة أمام أعيننا من شجرة محبوبة إلى تحفة منسوجة، والفيلم عبارة عن عملٍ روحانيٍ تأملي، لا فيلمًا تعليميًا.. ويسعى إلى تقديم تأمل فني في الإبداع الإنساني وفي تلاقي الإنسان بالطبيعة، مع مجتمع ورث هذه الممارسة جيلاً بعد جيل في المملكة العربية السعودية.. وفي كل مشهد، ستكون النخلة هي البطلة، وهي الملهمة لكل شهادة.

التكليفات الفنية

ومستقبلًا، ستوسع المبادرة من نشاطها مع تكليفات فنية جديدة في نوفمبر 2025، وتتضمن سلسلة من التكليفات الفنية تعيد تصور فن نسج النخيل من خلال التصميم المعاصر، وستجمع هذه الأعمال بين حرفيين سعوديين ومصممين إقليميين ودوليين لاستكشاف تطبيقات جديدة لنسج النخيل في الفن والعمارة وتصميم المنتجات.

ويقدم هذه الأعمال الإبداعية كلًا من المصممة اللبنانية ندى دبس والمصمم الأرجنتيني كريستيان موهادد بالتعاون مع هيئة التراث، بالإضافة إلى المصممة السعودية شهد العزاز والتي ستقدم تكليفًا خاصًا، مما يؤكد جهود المبادرة في تعزيز التعاونات المحلية والدولية.

وستُعرض هذه التكليفات ضمن فعاليات "باسقات: معرض النخيل" وفي أماكن أخرى في مركز إثراء، وسيُظهر كل عمل كيف يمكن لنسج النخيل أن يتطور كفن إبداعي معاصر، مما يُوسّع نطاق هذا التقليد ليصل إلى جماهير وسياقات جديدة.

الصور تم استلامها.